دورات التعبئة الحوثية تستنزف الموارد... وضغوط على آلاف الموظفين الحكوميين للالتحاق بها

جانب من الدورات التي تنظمها الميليشيات للأطفال في صعدة وتتداولها وسائل إعلام حوثية
جانب من الدورات التي تنظمها الميليشيات للأطفال في صعدة وتتداولها وسائل إعلام حوثية
TT

دورات التعبئة الحوثية تستنزف الموارد... وضغوط على آلاف الموظفين الحكوميين للالتحاق بها

جانب من الدورات التي تنظمها الميليشيات للأطفال في صعدة وتتداولها وسائل إعلام حوثية
جانب من الدورات التي تنظمها الميليشيات للأطفال في صعدة وتتداولها وسائل إعلام حوثية

«الالتحاق بالدورات الحوثية ذات الصبغة الطائفية شرط للترقية والحصول على وظيفة في الجهات التي تصرف رواتب شهرية بانتظام». هكذا تحدث أحمد وهو موظف متعاقد في صنعاء مضى على تخرجه عدة سنوات وأتت الحرب لتقفل أبواب المستقبل، لكنه الآن يعمل في دائرة تقع في أعلى السلم الإداري الخاضع للميليشيات الحوثية بعد أن التحق بتلك الدورات وظل مختفيا عن أسرته ما يزيد على شهر.
يقول والده لـ«الشرق الأوسط» إنه عارض ذهابه إلى منزل سري في صنعاء تجمع فيه ميليشيا الحوثي في الغالب الموظفين العموميين ومواطنين عاديين وتخضعهم لدورات في الفكر الطائفي، لكن ابنه رد عليه بأن هذا مستقبله ولن يستطيع البقاء في الوظيفة والحصول على ترقية إلا بهذه الطريقة، إذ أن صديقه وهو نجل قيادي في الميليشيا نصحه بذلك والتزم له بتحقيق أمنيته.
عاد الشاب أحمد والذي يتحدر من أسرة انتقلت من تعز للعيش في صنعاء بعد أربعة أسابيع من انقطاعه عن أسرته ولكن منطقه اختلف حيث أصبح يتبنى نفس مواقف الميليشيا حتى فيما يتصل بالجوانب العقائدية، وهو اليوم واحد من المحظوظين بوظيفة وراتب خلافا لآخرين أخذوا إلى جبهات القتال.
موظفون ومسؤولون في دوائر حكومية خاضعة للجماعة في صنعاء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» عن إجبار الآلاف من الموظفين الحكوميين على الالتحاق بتلك الدورات، فيما أكد مصدران قريبان من أروقة حكم الجماعة أن عشرات الآلاف من الموظفين والمواطنين ذكورا وإناثا تم إلحاقهم بهذه الدورات، التي يتم إقامتها بشكل منتظم ومستمر منذ أربعة أعوام في منازل تم الاستيلاء عليها من خصوم ميليشيات الحوثي، وأخرى تخص قيادات في الجماعة وتم تحويلها إلى ما يشبه المعسكرات الداخلية.
هذه المنازل المنتشرة في صنعاء يشرف عليها عناصر متمرسون في الفكر الطائفي وفي التعبئة السياسية حيث تبدأ برامجها من قبل صلاة الفجر وتنتهي عقب صلاة العشاء، ولا توجد بيانات دقيقة لإجمالي المبالغ التي يتم إنفاقها عليها لكن أعداد الأشخاص الذين تم إلحاقهم بها يقدرون بعشرات الآلاف وهو ما يشير إلى أن مليارات الريالات بالعملة اليمنية من عائدات الضرائب والاتصالات وغيرها من موارد الدولة تذهب في الإنفاق على الجانبين العسكري والعقائدي للجماعة.
أحد الموظفين الذين التحقوا بهذه الدورات يقول لـ«الشرق الأوسط» إن مشرف الحوثيين في محافظته، أبلغه أن الدخول في هذه الدورة سيجعله محل ثقة وسيفتح له الباب لترقيته خاصة أنه موظف منذ سنوات عدة.
ويضيف «تم تجميع نحو 20 شخصا من هذه المحافظة ونقلوا إلى صنعاء، وهناك تم نقلهم إلى إحدى الفلل جنوب المدينة وطلب منهم ترك هواتفهم قبل أن يرحب بهم القائمون على تلك المنازل ويبلغوهم بالتعليمات الصارمة للدورة».
وطبقا لرواية الموظف الذي رمز لاسمه بـ«ن.ع» أبلغهم المسؤول الحوثي عن المكان أن عليهم النوم عند التاسعة مساء، لأنهم سوف ينهضون عند الرابعة فجرا حيث يلزم المشاركون بترديد أدعية معدة سلفا، ومن ثم يؤدون صلاة الفجر ويعقبها تمارين رياضية ثم الذهاب لتناول الفطور ويتلو ذلك برنامج مكثف من المحاضرات وأفلام خاصة بالتعبئة السياسية يعتقد أنها معدة من قبل عناصر في حزب الله اللبناني لأنها متقنة والمتحدثون فيها لا تظهر صورهم.
ويقول «عقب تناول الغداء وصلاة الظهر والعصر يمضغ الجميع نبتة «القات» وخلال الجلسة يتم إخضاعهم لسماع دروس طائفية من ضمنها محاضرات مسجلة لزعيم الميليشيا عبد الملك الحوثي، وكلها تحث على القتل وتمجيد الأفكار العقائدية للحوثيين، واستخدام تفسيرات خاصة بالموروث الديني تؤكد أحقية سلالته في الحكم. مع المبالغة في الحديث عن مؤامرة كونية تستهدف اليمن وتستهدف الميليشيات».
ومع أن الميليشيات تنفق منذ سنوات مليارات الريالات على هذه الدورات سواء من تكاليف نقل الآلاف من الموظفين من المحافظات والوجبات والملابس الرياضية والأثاث والمكافآت، وتواصل حرمان مئات الآلاف من الموظفين الحكوميين بما فيهم المعلمون والعاملون في القطاع الصحي من رواتبهم الشهرية، إلا أن قيادات عليا في هذه الميليشيا جزمت أنها فشلت في تغيير عقيدة المجتمع أو الحصول على الولاء السياسي.
وفي هذا السياق كتب عضو ما تسمى «اللجنة الثورية» محمد المقالح مخاطبا جماعته قائلا «أدخلتم نصف الشعب دورات ثقافية وخسرتم حق القات ملايين الريالات والنتيجة صفر».
‏وأضاف «تبحثون عن الولاء في المكان الغلط وبدلا من تقديم خدمات للناس باسم الدولة والمواطنة اعتقدتم أن المشكلة في قلة الدين وسيتبين لكم أنها في كثرة الإكراه بالدين».
وفي الوقت الذي تستمر في الجماعة في حشد وتجنيد الآلاف من المقاتلين وإنفاق مليارات الريالات تحت مسمى المجهود الحربي، لجأت إلى ابتزاز الأسر والقبائل والتجار على حد سواء.
كما ألزمت الجماعة أسرا على إرسال مجندين للقتال في صفوفها وأسرا أخرى على دفع مبالغ مالية كبيرة مقابل شراء مقاتلين من مناطق أخرى، وفق ما قاله أحد الوجهاء في محافظة ذمار (جنوب صنعاء).
ويدفع الفقر والبطالة بعض الأسر في الأرياف تحديدا إلى تجنيد أبنائها طمعا في الراتب الشهري الذي تدفعه الميليشيا للملتحقين في الجبهات، إذ يقوم هؤلاء بإرسال رواتبهم لأسرهم بينما يكتفون هم بالوجبات التي توزعها الميليشيا والتي تشمل أيضا كمية من القات يوميا لجميع المقاتلين.


مقالات ذات صلة

حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

العالم العربي مالكو الكسارات في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية يشتكون من الابتزاز والإتاوات (فيسبوك)

حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

فرضت الجماعة الحوثية إتاوات جديدة على الكسارات وناقلات حصى الخرسانة المسلحة، وأقدمت على ابتزاز ملاكها، واتخاذ إجراءات تعسفية؛ ما تَسَبَّب بالإضرار بقطاع البناء.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
تحليل إخباري الجماعة الحوثية استقبلت انتخاب ترمب بوعيد باستمرار الهجمات في البحر الأحمر وضد إسرائيل (غيتي)

تحليل إخباري ماذا ينتظر اليمن في عهد ترمب؟

ينتظر اليمنيون حدوث تغييرات في السياسات الأميركية تجاه بلادهم في ولاية الرئيس المنتخب دونالد ترمب.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي رئيس الحكومة اليمنية أحمد عوض بن مبارك (سبأ)

وعود يمنية بإطلاق عملية شاملة لإعادة بناء المؤسسات الحكومية

وعد رئيس الحكومة اليمنية، أحمد عوض بن مبارك، بإطلاق عملية شاملة لإعادة بناء المؤسسات، ضمن خمسة محاور رئيسة، وفي مقدمها إصلاح نظام التقاعد.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي مسلحون حوثيون خلال حشد في صنعاء دعا إليه زعيمهم (إ.ب.أ)

الحوثيون يحولون المنازل المصادرة إلى معتقلات

أفاد معتقلون يمنيون أُفْرج عنهم أخيراً بأن الحوثيين حوَّلوا عدداً من المنازل التي صادروها في صنعاء إلى معتقلات للمعارضين.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي بوابة البنك المركزي اليمني في صنعاء الخاضع لسيطرة الجماعة الحوثية (أ.ف.ب)

تفاقم معاناة القطاع المصرفي تحت سيطرة الحوثيين

يواجه القطاع المصرفي في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية شبح الإفلاس بعد تجريده من وظائفه، وتحولت البنوك إلى مزاولة أنشطة هامشية والاتكال على فروعها في مناطق الحكومة

وضاح الجليل (عدن)

السيسي: الربط الكهربائي مع السعودية نموذج للتعاون الإقليمي

اجتماع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع مدبولي ووزيري الكهرباء والبترول (الرئاسة المصرية)
اجتماع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع مدبولي ووزيري الكهرباء والبترول (الرئاسة المصرية)
TT

السيسي: الربط الكهربائي مع السعودية نموذج للتعاون الإقليمي

اجتماع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع مدبولي ووزيري الكهرباء والبترول (الرئاسة المصرية)
اجتماع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع مدبولي ووزيري الكهرباء والبترول (الرئاسة المصرية)

أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن مشروع الربط الكهربائي مع المملكة العربية السعودية نموذج لتكامل التعاون في مجال الطاقة على المستوى الإقليمي، وبين مصر والمملكة خصيصاً. وأضاف: «كما يعد المشروع نموذجاً يحتذى به في تنفيذ مشروعات مماثلة مستقبلاً للربط الكهربائي»، موجهاً بإجراء متابعة دقيقة لكافة تفاصيل مشروع الربط الكهربائي مع السعودية.

جاءت تأكيدات السيسي خلال اجتماع مع رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، ووزيري الكهرباء والطاقة المتجددة، محمود عصمت، والبترول والثروة المعدنية، كريم بدوي. وحسب إفادة لـ«الرئاسة المصرية»، الأحد، تناول الاجتماع الموقف الخاص بمشروعات الربط الكهربائي بين مصر والسعودية، في ظل ما تكتسبه مثل تلك المشروعات من أهمية لتعزيز فاعلية الشبكات الكهربائية ودعم استقرارها، والاستفادة من قدرات التوليد المتاحة خلال فترات ذروة الأحمال الكهربائية.

وكانت مصر والسعودية قد وقعتا اتفاق تعاون لإنشاء مشروع الربط الكهربائي في عام 2012، بتكلفة مليار و800 مليون دولار، يخصّ الجانب المصري منها 600 مليون دولار (الدولار يساوي 49.65 جنيه في البنوك المصرية). وقال رئيس مجلس الوزراء المصري، خلال اجتماع للحكومة، منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إن خط الربط الكهربائي بين مصر والسعودية سيدخل الخدمة في مايو (أيار) أو يونيو (حزيران) المقبلين. وأضاف أنه من المقرر أن تكون قدرة المرحلة الأولى 1500 ميغاواط.

ويعد المشروع الأول من نوعه لتبادل تيار الجهد العالي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من مدينة بدر في مصر إلى المدينة المنورة مروراً بمدينة تبوك في السعودية. كما أكد مدبولي، في تصريحات، نهاية الشهر الماضي، أن مشروع الربط الكهربائي مع السعودية، الذي يستهدف إنتاج 3000 ميغاواط من الكهرباء على مرحلتين، يعد أبرز ما توصلت إليه بلاده في مجال الطاقة.

وزير الطاقة السعودي يتوسط وزيري الكهرباء والبترول المصريين في الرياض يوليو الماضي (الشرق الأوسط)

فريق عمل

وفي يوليو (تموز) الماضي، قال وزير الكهرباء والطاقة المتجددة المصري، خلال لقائه وزير الطاقة السعودي، الأمير عبد العزيز بن سلمان، في الرياض، إن «هناك جهوداً كبيرة من جميع الأطراف للانتهاء من مشروع الربط الكهربائي المصري - السعودي، وبدء التشغيل والربط على الشبكة الموحدة قبل بداية فصل الصيف المقبل، وفي سبيل تحقيق ذلك فإن هناك فريق عمل تم تشكيله لإنهاء أي مشكلة أو عقبة قد تطرأ».

وأوضحت وزارة الكهرباء المصرية حينها أن اللقاء الذي حضره أيضاً وزير البترول المصري ناقش عدة جوانب، من بينها مشروع الربط الكهربائي بين شبكتي الكهرباء في البلدين بهدف التبادل المشترك للطاقة في إطار الاستفادة من اختلاف أوقات الذروة وزيادة الأحمال في الدولتين، وكذلك تعظيم العوائد وحسن إدارة واستخدام الفائض الكهربائي وزيادة استقرار الشبكة الكهربائية في مصر والسعودية.

ووفق المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، محمد الشناوي، الأحد، فإن اجتماع السيسي مع مدبولي ووزيري الكهرباء والبترول تضمن متابعة مستجدات الموقف التنفيذي لمحطة «الضبعة النووية»، في ظل ما يمثله المشروع من أهمية قصوى لعملية التنمية الشاملة بمصر، خصوصاً مع تبنى الدولة استراتيجية متكاملة ومستدامة للطاقة تهدف إلى تنويع مصادرها من الطاقة المتجددة والجديدة، بما يسهم في تحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين.

وأكد السيسي أهمية العمل على ضمان سرعة التنفيذ الفعال لمشروعات الطاقة المختلفة باعتبارها ركيزة ومحركاً أساسياً للتنمية في مصر، مشدداً على أهمية الالتزام بتنفيذ الأعمال في محطة «الضبعة النووية» وفقاً للخطة الزمنية المُحددة، مع ضمان أعلى درجات الكفاءة في التنفيذ، فضلاً عن الالتزام بأفضل مستوى من التدريب وتأهيل الكوادر البشرية للتشغيل والصيانة.

وتضم محطة الضبعة، التي تقام شمال مصر، 4 مفاعلات نووية، بقدرة إجمالية تبلغ 4800 ميغاوات، بواقع 1200 ميغاوات لكل مفاعل. ومن المقرّر أن يبدأ تشغيل المفاعل النووي الأول عام 2028، ثم تشغيل المفاعلات الأخرى تباعاً.

جانب من اجتماع حكومي سابق برئاسة مصطفى مدبولي (مجلس الوزراء المصري)

تنويع مصادر الطاقة

وتعهدت الحكومة المصرية في وقت سابق بـ«تنفيذ التزاماتها الخاصة بالمشروع لإنجازه وفق مخططه الزمني»، وتستهدف مصر من المشروع تنويع مصادرها من الطاقة، وإنتاج الكهرباء، لسد العجز في الاستهلاك المحلي، وتوفير قيمة واردات الغاز والطاقة المستهلكة في تشغيل المحطات الكهربائية.

وعانت مصر من أزمة انقطاع للكهرباء خلال أشهر الصيف، توقفت في نهاية يوليو الماضي بعد توفير الوقود اللازم لتشغيل المحطات الكهربائية. واطلع السيسي خلال الاجتماع، الأحد، على خطة العمل الحكومية لضمان توفير احتياجات قطاع الكهرباء من المنتجات البترولية، وانتظام ضخ إمدادات الغاز للشبكة القومية للكهرباء، بما يحقق استدامة واستقرار التغذية الكهربائية على مستوى الجمهورية وخفض الفاقد.

ووجه بتكثيف الجهود الحكومية لتعزيز فرص جذب الاستثمارات لقطاع الطاقة، وتطوير منظومة إدارة وتشغيل الشبكة القومية للغاز، بما يضمن استدامة الإمدادات للشبكة القومية للكهرباء والقطاعات الصناعية والخدمية، وبتكثيف العمل بالمشروعات الجاري تنفيذها في مجال الطاقة المتجددة، بهدف تنويع مصادر إمدادات الطاقة، وإضافة قدرات جديدة للشبكة الكهربائية، بالإضافة إلى تطوير الشبكة من خلال العمل بأحدث التقنيات لاستيعاب ونقل الطاقة بأعلى كفاءة وأقل فقد.