نفوذ روسيا في المنطقة العربية يحيي صراع «القطبين»

نفوذ روسيا في المنطقة العربية يحيي صراع «القطبين»
TT

نفوذ روسيا في المنطقة العربية يحيي صراع «القطبين»

نفوذ روسيا في المنطقة العربية يحيي صراع «القطبين»

بعد اغتيال قاسم سليماني كتم الشرق الأوسط أنفاسه استعدادا للحرب الجديدة. كانت التقديرات أنها قد تتجاوز الحروب السابقة حدة. لم تتحقق المخاوف والسبب يكمن في العامل الجديد الذي تشكل منذ عام 2015 وهو النفوذ الروسي في المنطقة. والمرحلة الجديدة التي أطلقتها روسيا نتيجة لعودتها إلى بلاد الشام وخارجها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
من المعروف أن روسيا خرجت من المنطقة في التسعينات من القرن الماضي، حين ركزت على حل المشاكل الداخلية الناتجة عن انهيار الاتحاد السوفياتي، أدى ذلك إلى هزة في النظام السياسي العالمي وتحوله إلى عالم ذي قطب سياسي واحد.
رمى ذلك بثقله على الشرق الأوسط وأوضاعه السياسية والاجتماعية وكان له تأثير حاسم. بعدما غاب أحد الضامنين لأمن المنطقة وهو الدولة السوفياتية، وقامت الولايات المتحدة بصفتها القوة الخارجية الوحيدة المؤثرة سياسيا وعسكريا بمناورات في العراق وسوريا وأفغانستان. النتائج غير المتصورة في أحلام المفكرين في واشنطن عقب التدخل في العراق، أدت إلى ظهور «داعش»، وتفرق اجتماعي وسياسي في العراق وسوريا، وارتفاع غير معروف سابقا للتهديدات الإرهابية في الشرق الأوسط وخارجه، بالأخص في أوروبا وأفريقيا، وارتفاع في حدة المواجهة بين إيران والمملكة السعودية، والكارثة في اليمن.
في هذه البيئة الجيوسياسية دخلت روسية الإطار الـ«ريالبوليتيكي» ليست بصفة وريث الاتحادي السوفياتي بل بصفة قوة جديدة جاهزة لتغيير التوازن إقليميا وعالميا.
تعود أسباب العودة الروسية إلى الشرق الأوسط إلى العوامل العديدة التي تناقش بشكل مستمر في الصحافة العالمية والردهات السياسية. الأمر الأحق بالجدل في إطار هذا النقاش لكونه عادة ما يكون بعيدا عن الحقيقة. البرهان الرئيسي الذي يقدمه الغرب حول التمدد الروسي، يستند إلى النيات الإمبريالية للقيادة الروسية الراهنة، من دون وصف الهدف الأساسي لهذا الحراك «الإمبريالي» الروسي. من الناحية التاريخية روسيا لا تملك الخبرات التاريخية للحكم الاستعماري، مثل بريطانيا، ولا الخبرة في التدخل المباشر في البلدان الأخرى مثل الولايات المتحدة. والتركة السوفياتية لم تتحقق في النمط الخارجي للتحرك الروسي، إذ ابتعدت موسكو عن سياسات نشر آيديولوجيات وفرضها على الشعوب الحرة. وتعتمد السياسة الخارجية الروسية على احترام خيارات الشعوب ذات السيادة الدولية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول. هذا الموقف يختلف جذريا عن سياسة الدمقرطة بالقوة التي تمارسها الولايات المتحدة في الدول الأخرى وخصوصا في الشرق الأوسط. لا تتردد هذه السياسة ترددا إيجابيا في قلوب أغلبية الشعوب في المنطقة. علاوة على ذلك نشاهد حراك الرفض للتدخلات الأميركية حتى في الدول الأوروبية الأساسية. هل في الإمكان القول إن إنجازات روسيا على الصعيد الدولي تعود إلى هذا الفرق؟ وهل في الإمكان التقدير أن الدوائر السياسية الأميركية تبذل جهوداً هائلة لإحباط تقدم موسكو في المناطق التي كانت واشنطن تحسب أنها جزء أساسي من مجال نفوذها؟
نحاول أن نبحث عن الجواب بالاختصار فيما يلي:
لا جدال أن التدخل الروسي ضد العناصر الإرهابية في سوريا مهما كانت التناقضات حوله أدى إلى هزيمة «داعش» (لا نقلل هنا من مساهمة التحالف بقيادة الولايات المتحدة، التي أسقطت مئات الأطنان من القنابل على أراضي بلاد الشام) والحفاظ على سيادة الدولة السورية، ووضع موسكو في موقع فريد، أي منصة الحوار مع جميع الأطراف المتصارعة وموقف للوساطة الفعالة وعنصر لتثبيت الأمن. وإضافة إلى المذكور أعلاه نود أن نشدد مرة أخرى على أن موسكو لا تسعى إلى تبديل النظام السياسي السوري (أو أي دولة أخرى) بالقوة، مع الإشارات باستمرار إلى ضرورة أن تأتي التغييرات من الشعب نفسه لا من الخارج.
كما لا جدال أن هذا التطور وتقوية النفوذ الروسي وضعا حضور موسكو في مقدمة الأجندات السياسية ليس في الشرق الأوسط فحسب، بل في الإطار الأوروبي عبر القضايا الأمنية في المتوسط، ومسائل الطاقة في شمال أوروبا وشرق البحر المتوسط، والملف الليبي، حيث تظهر روسيا كعامل وحيد يستطيع الحوار مع جميع الأطراف. هذه الحقيقة تثير القلق والسخط على الضفة الأخرى للأطلسي.
وما تفعله واشنطن تقليديا لمواجهة الخصم الذي لا تقوى عليه، هو اللجوء إلى إطلاق اتهامات فارغة لكنها مقدمة بصوت عال. مثلما حدث مع تعرض الكرملين إلى الاتهامات المختلفة ابتداء من استخدام المواد الكيماوية وقصف المستشفيات، إلى التدخل في الانتخابات الأميركية وإشعال الاضطرابات العرقية في المدن الأميركية. وآخر الابتداع في هذا التسلسل هو الإعلان عن تقديم مكافآت مالية من جهاز الاستخبارات الحربية الروسية لـ«طالبان» مقابل قتل أفراد في القوات الأميركية.
لا شك أن هذا «الكشف» أثار استياء بعض أعضاء البرلمان الأميركي، لكن المشكلة تكمن في أن قطاع الاستخبارات الأميركية لا يملك الأدلة الداعمة لهذه التهم.
نشاهد المحاولات من قبل النخبة السياسية الأميركية للتمسك بالدور القيادي الأميركي الذي يتلاشى أمام الأنظار، وفي ظروف حيث يتقلص اهتمام واشنطن بالسياسات الخارجية وخصوصا الشرق أوسطية في عهد الرئيس ترمب بشكل يعد سابقة على مستوى الرؤساء الأميركيين.
تشبه هذه المحاولات بذل جهد للحفاظ على حقيبة من دون مقبض. من المستحيل التمسك بها ومن المؤسف تركها.
- مدير مركز الدراسات الشرقية في مدرسة الاقتصاد العليا في موسكو



روسيا «الخاسرة» في سوريا تعيد ترتيب أوراقها: طي صفحة الأسد والتعامل مع واقع جديد

لقاء الرئيس السوري أحمد الشرع مع نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف في دمشق نهاية يناير الماضي (روسيا اليوم)
لقاء الرئيس السوري أحمد الشرع مع نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف في دمشق نهاية يناير الماضي (روسيا اليوم)
TT

روسيا «الخاسرة» في سوريا تعيد ترتيب أوراقها: طي صفحة الأسد والتعامل مع واقع جديد

لقاء الرئيس السوري أحمد الشرع مع نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف في دمشق نهاية يناير الماضي (روسيا اليوم)
لقاء الرئيس السوري أحمد الشرع مع نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف في دمشق نهاية يناير الماضي (روسيا اليوم)

لم يكن قد مر أسبوعان على إطاحة نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، في دمشق، وتسلم «أعداء الأمس»، مقاليد السلطة، حين أطلق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عبارته الشهيرة: «لم نُهزم في سوريا، وحققنا كل أهدافنا».

كانت موسكو تلتقط أنفاسها بعد التطور الكبير والمفاجئ الذي قلب الموازين وغيّر الخرائط التي حرصت على تكريسها لسنوات مع شركائها في «محور آستانة». الرواية الرسمية ركَّزت على أن نقل الأسد إلى موسكو جاء نتيجة لـ«توافقات» شملت أيضاً إلقاء الجيش السلاح، وفتح المدن واحدةً تلو الأخرى أمام قوات المعارضة، بهدف «حقن الدماء وعدم السماح باندلاع حرب أهلية طاحنة»، لكنَّ ترديد هذه الرواية لم يمنع من حشر روسيا إلى جانب إيران في معسكر الخاسرين المباشرين.

وعبارة بوتين كانت موجَّهة بالدرجة الأولى للرد على تقارير استخباراتية غربية أفردت مساحات لإحصاء خسائر روسيا المحتملة بعد إطاحة حليفها، ومستوى التراجع المتوقَّع للنفوذ الروسي في المنطقة، في حين نشطت الدوائر الروسية على المستويين العسكري - الاستخباراتي والدبلوماسي في محاولة تلمُّس ملامح الواقع الجديد وتحديد آليات التعامل معه.

أولويات موسكو

تريَّث الكرملين طويلاً في إعلان موقف محدَّد حيال الوضع الجديد في سوريا. وقبل أن يُجري بوتين مكالمته الهاتفية الأولى مع الرئيس أحمد الشرع، في فبراير (شباط) الماضي، كانت موسكو قد أجرت جولات من المحادثات مع تركيا وإيران وأطراف إقليمية أخرى. وأعلنت أن اتصالاتها مع القيادة الجديدة تجري عبر قنوات دبلوماسية وعسكرية، في إشارة إلى قناتَي السفارة الروسية في دمشق وممثلي القوات الروسية في قاعدة «حميميم».

وفي يناير (كانون الثاني) قام ميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجية ومبعوث الرئيس الروسي إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بزيارة لدمشق كانت الأولى لمسؤول روسي بعد إطاحة الأسد. وأعلن الدبلوماسي الروسي المخضرم بعد جولة حوار مع القيادة السورية أنه أجرى «محادثات بنَّاءة وإيجابية». ومن نتائج الزيارة أنها نجحت في «إذابة الجليد» بين الطرفين، وأطلقت مسار التفاوض حول ترتيب جديد للعلاقة بينهما.

جندي روسي على مركبة قتالية للمشاة ضمن قافلة عسكرية روسية متجهة إلى قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية على ساحل سوريا 14 ديسمبر الماضي (رويترز)

وقدمت دمشق عدة مطالب للقيادة الروسية؛ بينها المساعدة في تطبيق مبدأ العدالة الانتقالية عبر رفع الغطاء عن رموز النظام السابق، وإعادة الأموال المنهوبة التي تقول تقارير -نفت موسكو صحتها- إنه تم تهريبها إلى روسيا في وقت سابق.

وأبدت دمشق استعداداً لمناقشة أسس جديدة للوجود العسكري الروسي في قاعدتي «حميميم» الجوية و«طرطوس» البحرية.

من جهتها أكدت موسكو استعدادها لأداء دور إيجابي نشط في ملف الحوار السوري الداخلي، وترتيب الوضع في المرحلة الانتقالية، واستخدام نفوذها بصفتها عضواً دائماً في مجلس الأمن الدولي للمساهمة في رفع العقوبات المفروضة على دمشق. كما تحدثت موسكو عن استعداد للمساهمة في إعادة تأهيل البنى التحتية السورية، وألمحت إلى احتمال إعفاء دمشق من الديون المستحقة لموسكو في إطار مساعدة السلطات الجديدة على مواجهة التحديات الاقتصادية والمعيشية.

وبدا أن أولويات موسكو تقوم على المحافظة على الوجود العسكري الروسي في سوريا في هذه المرحلة على الأقل. ليس فقط بسبب الأهمية المعنوية والرمزية التي تكرِّس عدم تعرض المشروع الروسي لهزيمة كبرى في سوريا، بل لأن هذا الوجود بات يحظى بأهمية خاصة لتسيير عمليات الإمداد الروسية والاحتياجات اللوجيستية إلى القارة الأفريقية ومناطق عدة، مما يعني أن تعرض عمليات موسكو البحرية والجوية في هذه المرحلة لهزة في البحر المتوسط من شأنه أن يكون مكلفاً جداً للكرملين خصوصاً على خلفية استمرار الصراع في أوكرانيا، والمواجهة المتفاقمة مع الغرب عموماً.

العلامة الثانية الفارقة هنا، برزت في الحاجة الروسية إلى فهم آليات تعامل السلطة السورية الجديدة مع الضغوط الغربية التي تدفع إلى التباعد مع موسكو، وإنهاء الوجود العسكري الروسي. وبرزت إشارات مريحة من خلال تأكيد دمشق أكثر من مرة استعدادها لمناقشة آليات جديدة للتعاون، وعدم رغبتها في الانجرار نحو مواجهات مع أي طرف.

منعطف الساحل

بدا أن التريث الروسي كان مدفوعاً برغبة في تلمس آفاق التطورات المحتملة في دمشق وحولها، على خلفية بطء السلطات السورية في إقرار خطوات واضحة للمصالحة الداخلية وتطبيع الوضع مع المكونات وإطلاق مسار الترتيب القانوني والدستوري لهيئات السلطة الحاكمة.

عنصر في العمليات العسكرية السورية أمام مدخل قاعدة حميميم الروسية في محافظة اللاذقية... 29 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

لذلك، لم تشكل التطورات الدامية في الساحل، مفاجأة لموسكو. خصوصاً أن معطياتٍ أشارت إلى أن بعض رموز النظام السابق الذين يتحركون بحرية في روسيا، أدَّوا أدواراً في تشجيع التحرك العسكري لبعض المجموعات. وأشارت معلومات إلى أن رجال أعمال موجودين في روسيا دعموا التحرك مالياً. لكن هذا لا يعني أن موسكو لعبت دوراً مباشراً في تأجيج الوضع. وعلى العكس من ذلك، فقط نفت مصادر دبلوماسية تحدثت إليها «الشرق الأوسط» وجود أي علاقة لموسكو في هذا التطور. وتشير مصادر هنا إلى أن موسكو لا مصلحة مباشرة لها في إشعال فتيل حرب داخلية في سوريا تهدد مسار مفاوضاتها مع السلطات القائمة. كما أن فكرة انفصال أجزاء من سوريا خصوصاً في منطقة الساحل وبناء ما يسمى «إقليم عَلَويّ» من شأنها أن تضر على المدى البعيد بمصالح روسيا وفق تأكيد خبراء دبلوماسيين وعسكريين.

قد يكون هذا واحداً من الأسباب المباشرة التي دعت بوتين إلى توجيه رسالة لافتة إلى نظيره السوري في أبريل (نيسان)، حملت في لهجتها وتوقيتها دلالات مهمة للغاية.

أعلن الكرملين أن بوتين شدد في رسالته على استعداد بلاده لتطوير التعاون مع السلطات السورية في كل المجالات.

وقال الناطق الرئاسي الروسي ديمتري بيسكوف، إن الرسالة حملت تأييداً لجهود القيادة السورية الموجهة نحو «تحقيق الاستقرار السريع للوضع في البلاد بما يخدم مصالح ضمان سيادتها ووحدتها وسلامة أراضيها».

اللافت أن الرسالة تضمنت تأكيداً لتوجه موسكو إلى «تطوير التعاون العملي مع القيادة السورية في كامل نطاق القضايا المدرجة على جدول الأعمال الثنائي، من أجل مواصلة تعزيز العلاقات الروسية - السورية الودية تقليدياً».

اتهام ضمني لموسكو

ومع الأهمية التي حملها هذا المضمون، وحرْص بوتين على تأكيد توجهه إلى إعادة ترتيب العلاقة وإطلاق تعاون جدي و«عملي» مع القيادة السورية، فإن أهمية توقيت الرسالة على خلفية نجاح دمشق في مواجهة تداعيات أحداث الساحل، تكتسب بعداً إضافياً، لأن أصابع اتهام كانت قد وُجِّهت إلى موسكو بشكل غير مباشر بأنها دعمت أو غضَّت الطرف عن تحرك عسكري لفلول النظام المخلوع. واستندت الاتهامات إلى أن عشرات الضباط السابقين لجأوا إلى روسيا بعد إطاحة نظام بشار الأسد. ولم تردّ السلطات الروسية على المستوى الرسمي على هذه الاتهامات، واكتفى الكرملين ووزارة الخارجية بالإعلان عن قلق جدي بسبب الاضطرابات في منطقة الساحل السوري التي أسفرت لاحقاً عن ملاحقات وتصفيات جسدية طالت مدنيين.

على هذه الخلفية تبدو رسالة بوتين متعمَّدة في لهجتها وتوقيتها، وهي تحمل إشارة واضحة إلى استعداد موسكو لتدشين مرحلة جديدة من العلاقات تقوم على التعاون بما يلبي مصالح الطرفين.

اللافت أنه مباشرةً بعد الإعلان عن هذه الرسالة، برزت معطيات تناقلتها وسائل إعلام حول قيام دمشق بتقديم «طلب رسمي» لتسليم بشار الأسد. ومرة أخرى بدا أن هذه المعطيات موجَّهة للتغطية على التقدم الحاصل في الاتصالات بين الطرفين، وفق تأكيد دبلوماسيين روس.

مصير الأسد

تقول دمشق إنها طلبت بالفعل خلال الاتصالات تسليم الأسد وزمرة من رموز نظامه، في إطار الحديث عن ضرورة دعم موسكو مبدأ العدالة الانتقالية، لكن الواضح -وفقاً للجهات الروسية- أن هذا الطلب قُدِّم خلال لقاءات على مستوى دبلوماسيين، خصوصاً خلال زيارة بوغدانوف «الاستكشافية»، وليس عبر رسالة رسمية موجهة إلى الكرملين. يوضح أحد الدبلوماسيين هذه النقطة بالإشارة إلى أنه «من السذاجة التفكير بأن دمشق تضع شرط تسليم الأسد لتطبيع العلاقات، خصوصاً أن مغادرة الأسد كانت في سياق الاتفاق على المساهمة في تغيير الوضع في سوريا دون حدوث صدام عسكري أو تفادي حدوث حرب أهلية، وأسهم في ذلك تركيا وروسيا وإيران أيضاً».

صورة للرئيس السوري السابق بشار الأسد في حلب بعد سيطرة فصائل المعارضة على المنطقة (أ.ف.ب)

ويشير الدبلوماسي إلى أن «القيادة الحالية في دمشق تعي تماماً أنها تتحمل مسؤولية ليس أمام الشعب السوري فقط، بل أيضاً أمام الأطراف الدولية التي سهَّلت لها تسلم هذه المسؤولية؛ لذلك بالنسبة إلى روسيا قضية مصير الأسد قضية محسومة وليست قابلة حتى للنقاش، والقيادة الحالية المؤقتة لسوريا تعي ذلك تماماً».

في المقابل، تقول مصادر روسية وسورية متطابقة إن موسكو قدمت تطمينات كاملة للقيادة السورية بأن الأسد لن يكون له أي دور سياسي، وأن «وجوده الإنساني» في موسكو لا يمنحه الحق في الإدلاء بتصريحات أو القيام بنشاط سياسي من العاصمة الروسية.

ووفق باحثٍ سوري مقيم في موسكو، فإن «موسكو حسمت أمرها، ولا رهان على انقلاب داخلي حالياً». ويقول الباحث الذي تحدثت معه «الشرق الأوسط» إن الروس مرتاحون لمواقف الإدارة الجديدة عموماً، لكن هناك أمور كثيرة لم تُحسَم بعد، وهي التي سوف تحدد مسار العلاقات المستقبلية.

لتوضيح هذه الفكرة، يضع الخبير المطلع على بعض النقاشات الجارية، عدة أمور إلى جانب وضع القواعد العسكرية، بينها آليات التعامل مع عشرات الضباط السابقين الذين ما زالوا يحظون برعاية موسكو، وبعضهم يوجد داخل الأراضي السورية، والثمن الذي قد تدفعه موسكو لتمديد أو تحديث عقود الوجود العسكري في حميميم وطرطوس.

ووفقاً له: «لا هدايا مجانية (...) مصير القواعد يتعلق بالتوافقات على القضايا المطروحة».

هنا يشير الخبير ومعه طيف من المحللين في موسكو، إلى نقطتين مهمتين لا تغيبان، كما يبدو، عن جوهر المناقشات الروسية - السورية الجارية؛ الأولى أن «إبعاد روسيا من المنطقة أمر خطير، ولا بد من إقامة نوع من التوازن يمنع هيمنة طرف غربي على الوضع في سوريا والمنطقة، وهذا يصب في صالح دمشق وموسكو معاً». والأخرى أن ثمة آفاقاً لأن تكون سوريا جزءاً من توافقات روسية - أميركية في المرحلة المقبلة. ويدخل هنا الحديث عن صفقات محتملة قد تكون العلاقة مع طهران، وعرض الوساطة الروسية لتقريب وجهات النظر معها، والتوصل إلى صفقة نووية جديدة مُرضية لكل الأطراف، جزءاً من مقدماتها.