ريما الرحباني تهاجم «مهرجانات بعلبك»... واللجنة تلتزم الصمت

ابنة فيروز احتجت على عدم استشارة والدتها قبل بث مقاطع في الحفل

جانب من مهرجانات بعلبك مساء الأحد الماضي
جانب من مهرجانات بعلبك مساء الأحد الماضي
TT

ريما الرحباني تهاجم «مهرجانات بعلبك»... واللجنة تلتزم الصمت

جانب من مهرجانات بعلبك مساء الأحد الماضي
جانب من مهرجانات بعلبك مساء الأحد الماضي

لم يلق الهجوم العنيف الذي شنّته ريما الرحباني، ابنة الفنانة فيروز، على لجنة «مهرجانات بعلبك الدولية»، التعاطف الذي كانت تنتظره، من جمهور غالباً ما يتفاعل مع كل ما يمس والدتها، غير أنّها هذه المرة وجدت صدى معاكساً، فاتهمها البعض بالمبالغة، واستذكر آخرون الأسطوانة الأخيرة غير الناجحة التي أنتجتها لوالدتها، وطالبها فريق بأن تترك لهم حرية الاستمتاع دون تنغيص المناسبة.
ويأتي غضب ريما الرحباني بسبب الحفل الاستثنائي والوحيد لهذه السنة، الذي أقامته لجنة مهرجانات بعلبك مساء الخامس من الشهر الحالي، «صوت الصمود»، من دون جمهور، وتضمن موسيقى لعشرين دقيقة للأخوين رحباني، تكريماً لهما ولفيروز. وعرضت مجموعة من الصور والأفلام كاستعادة لتاريخ المهرجان. وبث الحفل على الشاشات اللبنانية مباشرة، ولقي نجاحاً كبيراً، لكن ريما الرحباني نشرت على صفحتها على «فيسبوك» رداً بالعامية اللبنانية، فنّدت فيه أسباب غضبها، وحوى كثيراً من الهجاء، والسخرية، والتجريح، معتبرة أنّ اللجنة لم تستشر فيروز بالصور والأفلام التي عُرِضت، ولا باختيار مقاطع من مسرحية أيام فخر الدين، ولا بالتوزيع الذي قالت إنه جديد ولا توافق عليه، وتفضل التوزيع «الأصلي». والنقاط كثيرة، لكن فحواها أنّ فيروز لم تُستَشر. وكتبت الرحباني: «دخلكن الاخوين مش تنين؟ ما فهمت انا، إذا بدكن تعيدوا أي عمل من أعمالن. أولاً مش لازم تاخدوا إذن من التنين؟ وخاصة إنّو من سنتين أو تلاتة رحلكن إنذار بهالخصوص؟ وإلا نسيتو؟».
وبدأت الرحباني كلمتها بعبارة «لجنة ولدنات بعلبك»، متهمة اللجنة بعدم التعامل «بالحد الأدنى من اللياقة»، وبتجاهل ورثة عاصي كون التنسيق والإعداد والتوزيع تم مع أولاد منصور، غدي وأسامة، كما اتهمت اللجنة بأنها دسّت مسرحية «المتنبي» بين أعمال الرحبانيين، مع أنّها لمنصور. ومضيفة: «وإلا قصدكن اعتراف إنّو من الأساس ملطوش من الاخوين؟»، متهمة عمها بأنّه نسبها لنفسه، فيما هي للأخوين معاً.
كثيرة التهم وغريبة أحياناً. ولم يُنتظر الرد، من جمهور كان قد انتشى بالحفل الجميل الذي وضع الأخوين رحباني في صدارة الأعمال وكرمهما كما يليق بالعظماء. ورفضت لجنة مهرجانات بعلبك بعد اتصال لنا معها، الرّد على أي من النقاط التي أثارتها الرحباني، وآثرت الصمت التام، أمام لهجة يصعب الردّ عليها.
وجدير بالذكر أنّ ما ورد في كلمة ريما الطويلة، لم تكن قسوته في صالح كاتبته، إذ بدا نافراً، ومبالغاً فيه. فالصور والأفلام التي عُرِضت أثناء الحفل وادّعت ملكيتها الفكرية، كلها من أرشيف مهرجانات بعلبك الهائل والضخم، وكل ما عُرِض كان مشاهد من مسرحيات أُخذت لقطاتها من قبل اللجنة، في معبدي باخوس وجوبيتر في القلعة التاريخية. ولم تُعرض صور من خارج أرشيف المهرجان.
وكان أسامة الرحباني قد قال لجريدة «الشرق الأوسط»، في مقابلة سابقة معه، أُجريت منذ سنوات، إنّ اتفاقاً ضمنياً يسري حتى من قبل وفاة منصور الرحباني يقضي بأن بمقدور مَن يريد من الورثة غناء أو استخدام أغنيات الأخوين رحباني، من دون استئذان الطرف الآخر. أمّا في حال كان الأمر يتعلق بإعادة عرض مسرحية كاملة للأخوين رحباني، فإنّ من يعمل على المسرحية يدفع الحقوق إلى الطرف الآخر. وهذا ما حدث عام 2010 حين تدخل أولاد منصور الرحباني لمنع فيروز من عرض مسرحية «يعيش يعيش» في كازينو لبنان، لأنّها لم تعترف لهم بحقوقهم فيها قبل عرضها. أمّا الأغنيات، فإنّ فيروز أقامت كثيراً من الحفلات وغنّت ما شاءت، من دون استئذان ورثة منصور، وكذلك يغني زياد الرحباني في حفلاته، ويغني فريقه ما يشاءون ويختارون من أغنيات المسرحيات أو غير المسرحيات التي خلفها الرحبانيون من دون طلب إذن أو استشارة ورثة منصور.
وجدير بالذكر أنّ المقطوعات التي عُزِفت وجرى غناؤها في حفل بعلبك، من مسرحية «أيام فخر الدين» سبق لأسامة وغدي أن قدماها في كازينو لبنان ضمن متتالية سيمفونية، تضمّنت أيضاً مقاطع من مسرحية «جبال الصوان» و«إيماني ساطع» من مسرحية «المحطة»، ولم يعترض من حينها أحد. والتوزيع الموسيقي البديع الذي سمعناه في بعلبك، هو الذي وضعه الأخوان رحباني (على عكس ما قالته ريما الرحباني من أنّه توزيع جديد) مع تكبير وتوسعة، من خلال إضافة عدد أكبر من الكمنجات والآلات الموسيقية الأخرى، وهو ما أعطى الفخامة التي عشناها، في تلك الليلة الفنية الجميلة.
وكتب الإعلامي ريكاردو كرم معلقاً: «قد تكون ريما الرحباني محقّة في بعض النقاط التي تضمنّها ردّها العنيف على مهرجانات بعلبك، غير أنّ الليلة البعلبكية تبقى حلم ليلة صيف في أكثر أيامنا سواداً، أجمل ما فيها المشهدية الجامعة لعمالقة الفن في هياكل التاريخ؛ حيث جاورنا القمر وطيف فيروز الغائبة - الحاضرة يشعّ مع كل بقعة ضوء». في حين جاء رد الممثل باسم مغنية أكثر قسوة، معتبراً أنّ «ريما الرحباني رغم أنّ هناك وجهة نظر ببعض مما تقول. لكن دائما أسلوبها يتخطى المحظور. أسلوبها في التعبير لا يشبه رقي عائلة الرحباني. هنا لا تصح المقولة (هذا الشبل من ذاك الأسد)، هذه المقولة تجوز على زياد. فيروز العظيمة نحن أولادها. مهرجانات بعلبك لم تخطئ بحق فيروز، بل تفتخر بها».
وربما أن أغرب ما جاء في كلمة ريما هو قولها إنّ الأخوين رحباني لولا صوت فيروز وشخص فيروز، «مع كل عبقريتهما وابتكارهما، وعظمتهما ونبوغهما، ما كانا كسّرا الدنيا، وكانا انتشرا محلياً، وبالكاد عربياً، ولكن ليس عالمياً». وتضيف «أنّهما كانا يعرفان ذلك، ورضيا به». وهو انحياز للأم على حساب مكانة الأب الفقيد.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».