حنوش حنوش يغزل «خيوط النور» في لندن

تأثر بقصائد عبد الوهاب البياتي لأنها «حركية وتوحي أحيانا باللون»

الفنان أمام أحد أعماله
الفنان أمام أحد أعماله
TT

حنوش حنوش يغزل «خيوط النور» في لندن

الفنان أمام أحد أعماله
الفنان أمام أحد أعماله

افتتحت «مؤسسة القطان» التي تتخذ من لندن مقرا لها، والتي تعنى بالنشاطات الثقافية في الشرق الأوسط والعالم العربي، موسمها الثقافي لعام 2014 بمعرض «خيوط النور» للفنان العراقي المغترب في إسبانيا حنوش حنوش، الذي يستوحي أعماله من قصيدة «خيط النور» لابن بلده الشاعر عبد الوهاب البياتي، التي تستلهم الشاعر الإسباني لوركا مثلا لكل الرافضين والمحتجين على الظلم.
يقول الفنان حنوش إنه تأثر بقصائد عبد الوهاب البياتي لأسباب كثيرة منها إن قصائد البياتي حركية وتوحي أحيانا باللون، ولأن البياتي منفتح على الحضارة الغربية ومستلهم لرموزها العالمية كما أن نظرته للتاريخ العربي عميقة ومنفتحة، لذلك فهو (الفنان حنوش) يحاول مزج الصور الشعرية لقصائد البياتي مع رؤاه الذاتية وألوانه وذكرياته الشخصية في محاولة لخلق «يوتوبيا» خاصة به داخل فضاء اللوحة. وقد تكون مقولة أرسطو التي افتتح بها المطبوع الأنيق المرافق للمعرض «الغرض من الفن هو تجسيد الجوهر السري للأشياء وليس استنساخ أشكالها» هي لب هذا المعرض وجوهره.
نعم، ففي كل لوحة من لوحات المعرض التي تتباين في الحجوم هناك عالم متكامل من الرؤى والألوان والأشكال الهندسية والهيئات البشرية الغائبة الملامح، شخوص وأنصاف شخوص، سيقان أنثوية لا تخلو لوحة منها، حيوانات منزلية، مأكولات وآلات موسيقية وموضوعات الحياة اليومية الأخرى من كؤوس وكتب وقناني الشرب وأدوات المائدة، كأن الفنان يلتذ بتجميع هذه الأجزاء التي يبدو بعضها متنافرا ليحقق من خلال هذا التجميع اتحاده مع ذاته.
اللوحة عند حنوش تشظي ذاتها إلى لوحات متداخلة مع بعض، هذا واضح جدا من الكتل والمربعات الهندسية اللونية التي تتوزع مساحة اللوحة الواحدة، كل مربع من هذه المربعات يحمل «تيمته» الخاصة وألوانه وخطوطه وميزته السردية، لكنه يتآلف ويتداخل مع مربعات اللوحة اللونية الأخرى ليشكل بنية فنية يبتغيها مبدعها أقرب إلى الاكتمال، لأنه يعتبر الجمال فكرة موحدة ومتكاملة بشكل منسجم تتفوق على الطبيعة والمادة من خلال عمل الفنان.
سطح اللوحة وما يحتويه من مربعات وكتل لونية وأشكال متشظية عنه بداخله، تثير المتلقي لنظرة متفحصة طويلة ثم ثانية وثالثة وإلى ما يشاء. كم من الأفكار تتولد في المساحة الصغيرة، أمام اللوحة قد يقف المشاهد يحاجج العمل الفني ولا يمضي قبل أن يكون قد تبادل الأخذ والعطاء من الأفكار في هذه المحاججة.
شخوص لوحاته غالبا بلا ملامح فهو يغيب ملامح الإنسان الكلاسيكية لصالح قراءات وإنثيلات فكرية جمالية ذات بعد حركي تعتمد أسلوب تداعي الأفكار وإعادة صياغة الواقع باستخدام ذكرياته الشخصية ومشاهداته ونظرته الفلسفية للفن والمكان والإنسان.
يؤكد حنوش أنه يهتم أساسا باللون والخط لكن تجسيد الهيئات البشرية والتفاصيل اليومية وحتى حركات الإنسان غير الشعورية يطغي على لوحاته، لينفذ هو من خلال هذه الاعتيادات إلى رؤى صوفية وإنسانية شاملة يختلط فيها الزمن الماضي والحاضر.
لوحاته ذات الكتل اللونية الحركية تثير المشاهد ذهنيا وتجعله يفكر في مدى ترابط أجزاء هذه اللوحة مع بعضها، أحد زوار العرض رجل إنجليزي مهتم بالمسرح وقف أمام لوحة كبيرة، متأملا زمنا لا بأس به وحين سألته عن رأيه بهذه اللوحة تحديدا قال لي إنه رأى فيها الشاعر البرتغالي بيسوا، لأن الشكل الأساسي المهيمن ومغيب الملامح الذي يحتل مركز اللوحة يرتدي قبعة كقبعة بيسوا بينما هناك في الزاوية اليمنى يقبع اثنان من ذواته أو أسمائه المستعارة كأنهما يراقبان الشخصية المركزية.
ولد الفنان حنوش في مدينة الكوفة بالعراق. ودرس في معهد الفنون الجميلة ببغداد للفترة بين 1974 إلى 1979 ثم هاجر إلى إسبانيا وحصل على الماجستير والدكتوراه في الفنون الجميلة من جامعة كومبلتنسه في مدريد وما زال يعيش ويتفرغ منذ ذلك الحين للعمل الفني والأكاديمي.
ورغم ابتعاده عن العراق لأكثر من ثلاثة عقود إلا أن البيئة العراقية الأصيلة حاضرة بكل تفاصيلها وبتكرار جميل في كل لوحة، هناك لوحة متوسطة الحجم تصور رجلا مطرقا تقف فوق رأسه حمامة بيضاء، يرتدي العقال والزي الشعبي العراقي لمنطقة الفرات الأوسط، يضع الرجل يده على لحيته ويقف قبالة عازف للناي يرتدي الزي المدني كأننا لو انتظرنا برهة أخرى سنسمع ما يدور بين هذين الرجلين، الرجل المسن ذو اللحية سوف يقدم نصيحة مجانية أو مثلا شعبيا دارجا للموسيقي الذي يقف قبلاته.
لا تخلو لوحة من لوحات معرض (خيوط النور) من خاتونات بغداد المسترخيات بتلك الجلسة المميزة، حيث تثني ساقا على ساق، وتنتعل السيقان الممتلئة ذلك النعل المميز لربات البيوت البغداديات وهن يؤدين أعمالهن المنزلية.
اللوحات بلا أسماء، كأن الفنان أراد أن تكون لوحاته سلسة لها تيمات متقاربة غالبا، أدهشني حضور حيوان الماعز في أكثر من لوحة، وحين سألت الفنان حنوش عن سبب ذلك سرد لي قصة أول فقدان في حياته، فحين كان صبيا بعمر السادسة بدأ بتربية ماعز صغير لكنه فقده حين جاء العيد وذبحت العائلة ذلك الماعز لطراوة لحمه.
تتعايش في لوحات حنوش القدرة على المزج ما بين التجريد والتشخيص الواقعي. إذ نلاحظ في الهيئات المرسومة عملية توزيع منتخبة، وكأننا إزاء تشظية مقصودة فوق إطار مكاني، يشبه عملية ترتيب قطع متناثرة لإتمام وجودها، كما لو أن الفنان يعمد إلى تهشيم الواقع ومن ثم إعادة صياغته على قماشة اللوحة، هو يمزج المنفى والوطن ليعيد تشكيل «يوتوبياه» الخاصة بخلط حاضره وذكريات طفولته ويقدم في عمله الفني محصلة تمارينه الفنية والمعرفية.
حنوش المولود في مدينة الكوفة عام 1958، يعد واحدا من أهم الفنانين الأجانب في إسبانيا، وحاز اسما وشهرة ركزت عليه انتباه واهتمام النقد والنقاد وكتب عن فنه الدراسات المختلفة. أقام ما يقارب الثلاثين معرضا فرديا وجماعيا ابتدأها منذ عام 1985. حازت أغلب أعماله على جوائز مهمة داخل وخارج إسبانيا٠ أبرزها جائزة فورد إسبانيا في عام 86 وجائزة بينال بورتيانا في عام 91 وآخر جائزة عام 2011 وهي جائزة بيرخن دو لاس بينياس. عرضت أعماله في متاحف وصالات عرض عالمية وشاركت في مهرجانات دولية كثيرة. حضر حفل افتتاح المعرض جمهور إنجليزي وإسباني وعدد من الفنانين العراقيين المقيمين في لندن، وترافق حفل الافتتاح مع معزوفات تراثية عراقية بعود الفنان إحسان الإمام.
المعرض يفتتح أبوابه للزائرين ابتداء من يوم الثلاثاء إلى يوم السبت ويستمر لغاية الثاني والعشرين من شهر فبراير (شباط) القادم، وذلك في غاليري:

The Mosaic Rooms
Tower House
226 Cromwell Road
Kensington
London SW5 0SW



هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
TT

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.
يكشف خرما تفاصيل تأليف مقطوعاته الموسيقية التي عُزفت في البطولة، إلى جانب الموسيقى التصويرية لفيلم «يوم 13» المعروض حالياً في الصالات المصرية، فيعبّر عن فخره لاختياره تمثيل مصر بتقديم موسيقى حفلِ بطولة تشارك فيها 40 دولة من العالم، ويوضح: «أمر ممتع أن تقدّم موسيقى بشكل إبداعي في مجالات أخرى غير المتعارف عليها، وشعور جديد حين تجد متلقين جدداً يستمعون لموسيقاك».
ويشير الموسيقار المصري إلى أنه وضع «ثيمة» خاصة تتماشى مع روح لعبة الجمباز: «أردتها ممزوجة بموسيقى حماسية تُظهر بصمتنا المصرية. عُزفت هذه الموسيقى في بداية العرض ونهايته، مع تغييرات في توزيعها».
ويؤكد أنّ «العمل على تأليف موسيقى خاصة للعبة الجمباز كان مثيراً، إذ تعرّفتُ على تفاصيل اللعبة لأستلهم المقطوعات المناسبة، على غرار ما يحدث في الدراما، حيث أشاهد مشهداً درامياً لتأليف موسيقاه».
ويتابع أنّ هناك فارقاً بين وضع موسيقى تصويرية لعمل درامي وموسيقى للعبة رياضية، إذ لا بدّ أن تتضمن الأخيرة، «مقطوعات موسيقية حماسية، وهنا أيضاً تجب مشاهدة الألعاب وتأليف الموسيقى في أثناء مشاهدتها».
وفي إطار الدراما، يعرب عن اعتزازه بالمشاركة في وضع موسيقى أول فيلم رعب مجسم في السينما المصرية، فيقول: «خلال العمل على الفيلم، أيقنتُ أنّ الموسيقى لا بد أن تكون مجسمة مثل الصورة، لذلك قدّمناها بتقنية (Dolby Atmos) لمنح المُشاهد تجربة محيطية مجسمة داخل الصالات تجعله يشعر بأنه يعيش مع الأبطال داخل القصر، حيث جرى التصوير. استعنتُ بالآلات الوترية، خصوصاً الكمان والتشيللو، وأضفتُ البيانو، مع مؤثرات صوتية لجعل الموسيقى تواكب الأحداث وتخلق التوتر المطلوب في كل مشهد».
يشرح خرما طريقته في التأليف الموسيقي الخاص بالأعمال الدرامية: «أعقدُ جلسة مبدئية مع المخرج قبل بدء العمل على أي مشروع درامي؛ لأفهم رؤيته الإخراجية والخطوط العريضة لاتجاهات الموسيقى داخل عمله، فأوازن بين الأشكال التي سيمر بها العمل من أكشن ورومانسي وكوميدي. عقب ذلك أضع استراتيجية خاصة بي من خلال اختيار الأصوات والآلات الموسيقية والتوزيعات. مع الانتهاء المبدئي من (الثيمة) الموسيقية، أعقد جلسة عمل أخرى مع المخرج نناقش فيها ما توصلت إليه».
ويرى أنّ الجمهور المصري والعربي أصبح متعطشاً للاستمتاع وحضور حفلات موسيقية: «قبل بدء تقديمي الحفلات الموسيقية، كنت أخشى ضعف الحضور الجماهيري، لكنني لمستُ التعطّش لها، خصوصاً أن هناك فئة عريضة من الجمهور تحب الموسيقى الحية وتعيشها. وبما أننا في عصر سريع ومزدحم، باتت الساعات التي يقضيها الجمهور في حفلات الموسيقى بمثابة راحة يبتعد فيها عن الصخب».
وأبدى خرما إعجابه بالموسيقى التصويرية لمسلسلَي «الهرشة السابعة» لخالد الكمار، و«جعفر العمدة» لخالد حماد، اللذين عُرضا أخيراً في رمضان.