أسبوع الأزياء الراقية الباريسي يستعين بالتصوير السينمائي للهرب إلى عالم الأحلام

إلى أن تعود مهرجانات الموضة الفعلية لهرجها ومرجها

شخصيات خيالية وتصوير سينمائي بحبكة شكسبيرية في فيلم «ديور»
شخصيات خيالية وتصوير سينمائي بحبكة شكسبيرية في فيلم «ديور»
TT

أسبوع الأزياء الراقية الباريسي يستعين بالتصوير السينمائي للهرب إلى عالم الأحلام

شخصيات خيالية وتصوير سينمائي بحبكة شكسبيرية في فيلم «ديور»
شخصيات خيالية وتصوير سينمائي بحبكة شكسبيرية في فيلم «ديور»

لا يختلف اثنان أن التغيير الذي شهده العالم في الأشهر الأخيرة زعزع أساسات عالم الموضة وكاد أن يصيبه بالشلل لولا ما يتمتع به من خصوبة خيال وتلك الرغبة المحمومة في الإبداع. حسب أسبوع باريس للأزياء الراقية، أي «الهوت كوتور» فإن الجائحة حركت المياه الراكدة وأدخلتهم عوالم جديدة. انطلق الأسبوع، ولأول مر منذ 152 بشكل افتراضي. غابت الزبونات اللواتي لهن الفضل في إنعاش هذا الخط والإبقاء عليه حيا، وغابت النجمات اللواتي تُضفين عليه بريقا وألقا، كما غابت وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي. ولا يخفى على أحد أهمية هؤلاء من ناحية الترويج لهذه العروض على مستوى العالم وخلق إثارة لا تُقدر بثمن.
كان من الممكن تأجيل الأسبوع في ظل الظروف الحالية، وما تستدعيه من تباعد اجتماعي وعدم قدرة على التحرك والسفر وغيرها، لكن معظم بيوت الأزياء، وبتشجيع من فيدرالية الموضة الفرنسية، فضلت تسجيل حضورها ولو افتراضيا ولسان حالها يقول بأنها تعرف أن ذاكرة الناس قصيرة، وبالتالي لا بد من الإبقاء على ما تثيره من أحلام، مشتعلة بأي شكل. غير خفي على أحد أن هذا الأسبوع بالذات نخبوي. فهو بمثابة ناد لا تدخله سوى المقتدرات، بالنظر إلى أن فستان زفاف من هذا الخط يمكن أن يتعدى المائة ألف دولار بكثير، الأمر الذي كان يجعل الدعوة لحضوره حتى شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، خاصة جدا. هذه الخصوصية كانت تزيده قوة وتميزا. يوم أول من أمس، الاثنين، تابعه الكل من على جهاز كومبيوتر أو هاتف محمول. على الطريقة الباريسية، تضمن عدة مفاجآت أكدت أنه استفاد من التجربة التي عاشها أسبوع لندن في بداية شهر يونيو (حزيران) الماضي، التي لم تخلف ردودا إيجابية كثيرة. برودها دفع باريس للاجتهاد وإيجاد طرق أكثر فنية للتعويض عن الإثارة التي تتمتع بها عروض الأزياء التقليدية. القاسم المشترك بين أغلب العروض الافتراضية للأسبوع الباريسي لخريف 2020 وشتاء 2021. أنها اعتمدت على أفلام سينمائية قصيرة، صبت فيها كل ما تملكه من فنية وشاعرية. في تصريح لها، قالت تمارا رالف، مصممة دار «رالف أند روسو» بأن تشكيلتها كانت خلاصة أشهر من الحجر الصحي قضتها في التأمل في جمال الطبيعة وفي نفس الوقت قراءة ما يحمله المستقبل من اختراعات وابتكارات. كان واضحا أن تمارا، مثل غيرها لم تنس أن موسم «الهوت كوتور» هو موسم الأحلام مع رشات من الفانتازيا. ففي هذه الأوقات العصيبة «لا بأس من الهروب إلى عالم فانتازي نحلم فيه ونستشعر فيه الجمال» حسب قولها. ترجمت المصممة هذا الهروب من خلال السفر من عُقر مشغلها الواقع وسط لندن إلى عوالم بعيدة لتُنفس عن حالها، قائلة: «في ظل الظروف الحالية وما تفرضه من قيود، علينا أن نخلق مفهوما جديدا للسفر على بساط الخيال».
أمر يوافقها عليه دانييل روزبيري، مصمم دار «سكياباريلي، الذي شارك في الأسبوع بفيلم لا يتعدى طوله أربع دقائق، لخص فيه فنية الدار وحرفيتها العالية، وهو يُعلق بأن «الجائحة قلبت كل الموازين المتوارثة والمألوفة في عالم الأزياء. الآن بدلا من فريق ينفذ هذه المجموعة، اعتمدت على الخيال والرسم في هذه المرحلة قبل أن أرسلها إلى ورشات الدار في باريس لتنفيذها فيما بعد». الحجر الصحي بالنسبة للمصمم الأميركي الأصل، قد يكون أثر على السفر والحركة والتفاعل الإنساني، إلا أنه لم يؤثر على الإبداع أو الخيال بل العكس خلق وسائل جديدة للتعبير الفني. يظهر دانييل روزبيري في الفيلم وهو يرسم خطوط هذه الأزياء خلال فترة الحجر وهو جالس في متنزه في نيويورك. للوهلة الأولى تبدو الفساتين سُريالية بأكمام كبيرة تُزينها مجوهرات تُضاهيها ضخامة. ورغم أن كل الفيلم يدور حول رسمات غير مكتملة، إلا أنه يفتح المجال للمشاهد لكي يتخيل أشكالها بعد أن تتجلى في أرض الواقع.
لكن ربما تكون ماريا غراتزيا تشيوري، مصممة دار «ديور» أكثر من جسدت المفهوم الجديد للإبداع الافتراضي. ليس فقط لأن وراءها ماكينة ضخمة هي مجموعة «إل.في.إم.إتش» بكل إمكانياتها المالية والإبداعية فحسب بل لأنها تعرف تمام المعرفة أن الدار مؤسسة فرنسية في مجال الـ«هوت كوتير». تأسست على هذا الخط وتعتبر أحد أهم أعمدته.
من هذا المنظور كان لا بد لها أن تفكر في طريقة تعكس مكانة الدار وتاريخها. الفيلم القصير الذي قدمته كان أشبه بحلم ليلة صيف، تتوافر فيه كل عناصر الخيال والفانتازيا والحلم. أخرجه ماتيو غارونه مخرج فيلمي «دوغمان» و«غومورا» الحائزين على جوائز في مهرجان كان السينمائي، بكل ما تُوفره المؤثرات السينمائية والحبكات الشكسبيرية. يظهر فيه شابان يحملان صندوقا على شكل مقر «ديور» الأيقوني بـ30 أفينو مونتين الباريسي، يتضمن دمى بحجم 16 إنشا فقط، بأزياء مفصلة على المقاس. يتوغل الشابان في الغابة يُفرقان هذه الأزياء على شخصيات خيالية.
جدير بالذكر أن الإشارة هنا لا تقتصر على تنقل هذه التشكيلة عبر العالم لعرضها على زبونات مميزات فحسب، بل أيضا إلى مرحلة تاريخية مهمة.
فخلال الحرب العالمية الثانية، وحتى تُروج فرنسا لنفسها كعاصمة للموضة، تكاثف مصممون وفنانون للعمل على مشروع بعنوان «مسرح الموضة». كانت فكرته تصميم أزياء تحاكي التحف الفنية على دمى، تم شحنها واستعراضها حول العالم لتسليط الضوء على قوة الفن في المحن. لم يخف على ماريا غراتزيا كيوري أننا في حرب مماثلة، كما لم تُخف أن «عملية تصميم هذه التشكيلة كانت معقدة. فإدراكنا بأن العرض الحقيقي لن يحصل، تطلب منا التفكير بشكل جديد...أكثر ابتكارا».
رغم أن هذه الأفلام السينمائية القصيرة ليست جديدة في مجال الموضة، وكانت تستعمل في الحملات الإعلانية، إلا أنها الوسيلة المثالية حاليا لتسجيل حضور أي مصمم في موسم كان يدر عليهم الملايين، ويُكلفهم أيضا الكثير، نظرا لنخبويته. بفضل هذه الأفلام المحبوكة بالإثارة والحلم، أصبح مفتوحا أمام جمهور أوسع، وهو ما انعكس على عدد المشاركات أيضا. عوض سبع عروض في اليوم مثلا، أصبح يستوعب أكثر من 14 عرضا في اليوم من دون أن يُسبب أي تعب للمشاهد.
المصمم الإيطالي ماوريتزيو غالانتي علق على هذه الظاهرة بالقول إن تقديم العروض على شكل أفلام وعبر الإنترنت يُشبه الانتقال من المسرح إلى السينما، منوها بأنها تجعل المشاهد يركز على فنية التصوير والتفصيل والحياكة بدلا عن مراقبة ضيوف الصف الأمامي من النجوم والمحاولات المستميتة لالتقاط صور لهم أو معهم.
ومع ذلك يُمني صناع الموضة أنفسهم بعودة العروض الفعلية إلى سابق عهدها في شهر سبتمبر (أيلول) المقبل، على شرط أن لا نرى موجة جديدة من كوفيد - 19. فالأسلوب الافتراضي ربما يكون الحل الملائم في الوقت الحالي إلا أنه لا يحرك العواطف بقدر ما يحفز العقل، لتبقى الآمال معقودة على شهر سبتمبر القادم، وعودة العروض التقليدية بناسها وهرجها ومرجها، وإن كانت الأغلبية تستبعد عودتها بنفس الروح التي كانت عليها قبل جائحة كورونا. فهي لا تحتاج إلى مصممين يمنحونها قبلة الحياة فقط بالابتكار والإبداع بل إلى ثورة تضاهي الجائحة بقوتها وقسوتها لمواجهة المستقبل.


مقالات ذات صلة

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

لمسات الموضة توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

بعد عدة أشهر من المفاوضات الشائكة، انتهى الأمر بفض الشراكة بين المصمم هادي سليمان ودار «سيلين». طوال هذه الأشهر انتشرت الكثير من التكهنات والشائعات حول مصيره…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كشفت «بيركنشتوك» عن حملتها الجديدة التي تتوجه بها إلى المملكة السعودية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الملك تشارلز الثالث يتوسط أمير قطر الشيخ تميم بن حمد وزوجته الشيخة جواهر والأمير ويليام وكاثرين ميدلتون (رويترز)

اختيار أميرة ويلز له... مواكبة للموضة أم لفتة دبلوماسية للعلم القطري؟

لا يختلف اثنان أن الإقبال على درجة الأحمر «العنابي» تحديداً زاد بشكل لافت هذا الموسم.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة تفننت الورشات المكسيكية في صياغة الإكسسوارات والمجوهرات والتطريز (كارولينا هيريرا)

دار «كارولينا هيريرا» تُطرِز أخطاء الماضي في لوحات تتوهج بالألوان

بعد اتهام الحكومة المكسيكية له بالانتحال الثقافي في عام 2020، يعود مصمم غوردن ويس مصمم دار «كارولينا هيريرا» بوجهة نظر جديدة تعاون فيها مع فنانات محليات

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الممثلة والعارضة زانغ جينيي في حملة «بيربري» الأخيرة (بيربري)

هل يمكن أن تستعيد «بيربري» بريقها وزبائنها؟

التقرير السنوي لحالة الموضة عام 2025، والذي تعاون فيه موقع «بي أو. ف» Business of Fashion مع شركة «ماكنزي آند كو» للأبحاث وأحوال الأسواق العالمية، أفاد بأن…

«الشرق الأوسط» (لندن)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».