كشفت بكين، أمس، عن قانون للأمن القومي صاغته خصيصاً لهونغ كونغ، يفرض عقوبات على مساعي الانفصال والتخريب والإرهاب والتواطؤ مع قوى أجنبية، تصل إلى السجن مدى الحياة، مؤذنة بعهد أشدّ استبداداً في أكثر المدن الصينية تحرراً.
وأقرّ البرلمان الصيني القانون، أمس، ليمنح بكين سلطات كاسحة في تنفيذه، ويهيئ الساحة لأكبر تغييرات جذرية في نمط حياة سكان المركز المالي العالمي على مدار عقود.
ودعت 27 دولة خلال اجتماع لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، أمس، الصين إلى إعادة النظر بالقانون، فيما حثّت الرئيسة التنفيذية للمدينة كاري لام التي خاطبت الاجتماع برسالة مصورة، المجتمع الدولي على «احترام حقّ بلدنا في حماية أمنه القومي». وقالت، بحسب وكالة «رويترز»، إن القانون لن يقوض الحكم الذاتي بالمدينة أو سلطتها القضائية المستقلة.
ووفقاً للقانون الجديد، فإن وكالة الأمن القومي الجديدة في هونغ كونغ لن تكون تحت الولاية القضائية للحكومة المحلية. ويقول القانون إن السلطات بوسعها التصنت على أشخاص تشتبه بأنهم يعرضون الأمن القومي للخطر.
وأعلنت وكالة أنباء الصين الجديدة الحكومية أن اللجنة الدائمة في البرلمان الوطني، الهيئة التابعة للحزب الشيوعي الصيني، «تبنّت قانون الأمن القومي»، والرئيس الصيني شي جينبينغ «وقّعه». وحذّرت من أن «هذا القانون، سيكون بالنسبة لأعضاء الأقلية الصغيرة التي تهدد الأمن القومي، سيفاً فوق رؤوسهم». وقالت كاري لام إن القانون اعتبر سارياً من مساء أمس.
وتعتبر الحكومة المركزية أن هذا النصّ يضمن الاستقرار ويضع حداً للتخريب الذي تخلل مظاهرات العام 2019 في المدينة التي تعدّ 7.5 مليون نسمة، وكذلك يقمع التيار المؤيد للديمقراطية. أما بالنسبة إلى المعارضة في هونغ كونغ ودول غربية عدة، فإن هذا القانون يشكل اعتداءً على الحكم الذاتي والحريات في المدينة.
وكتب جوشوا وونغ، أحد قيادات الحركة المطالبة بالديمقراطية في هونغ كونغ، في تغريدة أمس: «هذا يعني نهاية هونغ كونغ، كما كان يعرفها العالم. مع سلطات موسعة وقانون أعدّ بشكل سيئ، ستتحول المدينة إلى منطقة شرطة سرية».
وعقب تبني القانون، أعلن حزب «ديموسيستو» السياسي الذي أسسه وونغ مع ناشطين آخرين عام 2014 حلّ نفسه، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية. وكان الحزب يدعو خصوصاً إلى تقرير مصير المدينة. وكتب الحزب على «تويتر»: «بعد نقاشات داخلية قررنا حل الحزب ووقف أي نشاط جماعي نظراً إلى الظروف».
وقال المحلل المتخصص في شؤون هونغ كونغ، ديكسون سينغ، إن القانون يشكّل «تغييراً جوهرياً يقوّض بشكل دراماتيكي ثقة المجتمع المحلي والدولي بمبدأ دولة واحدة ونظامين، الخاص بهونغ كونغ ووضعها كمركز مالي قوي».
ووفقاً للنص المنشور مساء أمس، يمنح القانون بكين سلطة قضائية على جرائم الأمن القومي «الخطيرة للغاية»، وقد يواجه المدانون السجن مدى الحياة. كما يمكّن القانون المثير للجدل الصين من إنشاء وكالة للأمن القومي في المدينة، يعمل فيها مسؤولون غير ملزمين بالقانون المحلي عند أداء واجبهم.
ويعيد القانون الجديد هيكلة العلاقة بين بكين وهونغ كونغ بشكل جذري، ويسقط جدار الحماية القانوني القائم بين القضاء المستقل في المدينة والمحاكم التي يسيطر عليها الحزب الشيوعي في البرّ الرئيسي. ويتضمن النص 3 سيناريوهات يمكن أن تتولى الصين فيها محاكمة خاصة، قضايا التدخل الأجنبي المعقدة، والقضايا «الخطيرة للغاية»، وعندما يواجه الأمن القومي «تهديدات خطيرة وواقعية».
ويمكن إحالة القضايا على البر الرئيسي للصين للنظر فيها من قبل النيابة الشعبية العليا، وستكون المحاكمة أمام المحكمة العليا. ونص القانون أيضاً على أن مرتكبي الجرائم الخطيرة قد يواجهون عقوبة السجن من 10 سنوات حتى مدى الحياة «بغضّ النظر عما إذا تم استخدام العنف أو التهديد باستخدام العنف».
واتّهمت بكين مرات عدة دولاً غربية بصبّ الزيت على النار في المدينة، عبر تقديم الدعم للمتظاهرين. ومنذ إعادة هونغ كونغ إلى الصين، تتمتع المدينة بحكم ذاتي واسع النطاق، بموجب مبدأ «بلد واحد، ونظامين»، ويتمتع سكان المدينة بحرية تعبير وحرية صحافة وقضاء مستقلّ.
وندّد الاتحاد الأوروبي بتبني النصّ. وقال رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال إن «هذا القانون يهدد بجدية بتقويض الدرجة العالية من الحكم الذاتي لهونغ كونغ، وقد يكون له تأثير مضرّ على استقلالية السلطة القضائية وسيادة القانون».
وأعربت الحكومة البريطانية عن «قلقها الشديد»، مطالبة الرئيس الصيني «بالتراجع عن هذا القرار». وقال رئيس الوزراء بوريس جونسون، في تصريح لصحافيين: «نحن بالطبع قلقون للغاية حيال قرار تبني هذا القانون»، واعداً بدرس مضمونه «بتمعّن» وذلك «لمعرفة ما إذا كان يتعارض مع الإعلان المشترك بين المملكة المتحدة والصين» عام 1997. واعتبر وزير الخارجية البريطاني من جهته في بيان أن إقرار القانون «خطوة خطيرة ومقلقة للغاية».
وفي خطوة استباقية، أعلنت واشنطن، أول من أمس، وقف بيع معدات دفاعية حساسة إلى هونغ كونغ لتجنّب أن «تقع بأيدي» الجيش الصيني. وقالت الصين إنها ستتخذ «تدابير مضادة» رداً على ذلك. وكانت الولايات المتحدة أعلنت أنها ستفرض قيوداً على منح التأشيرات لعدد غير محدد من المسؤولين الصينيين «المسؤولين عن تجريد هونغ كونغ من حرياتها». وردّت الصين بتدبير مماثل يستهدف الأميركيين الذين «تصرفوا بشكل سيئ» عبر انتقاد القانون.
توقيع شي يشدّد قبضة بكين على هونغ كونغ
توقيع شي يشدّد قبضة بكين على هونغ كونغ
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة