معابد ومتاحف مصرية تستقبل زوّارها بعد أشهر من الإغلاق

بينها «الكرنك» و«فيلة» و«الفن الإسلامي»

جانب من إقبال السياح على المعابد الأثرية بالأقصر قبل «إغلاق كورونا»
جانب من إقبال السياح على المعابد الأثرية بالأقصر قبل «إغلاق كورونا»
TT

معابد ومتاحف مصرية تستقبل زوّارها بعد أشهر من الإغلاق

جانب من إقبال السياح على المعابد الأثرية بالأقصر قبل «إغلاق كورونا»
جانب من إقبال السياح على المعابد الأثرية بالأقصر قبل «إغلاق كورونا»

بعد مرور أكثر من 3 أشهر على إغلاقها بسبب جائحة «كوورنا»، تعيد بعض المتاحف والمعابد والمواقع الأثرية بمحافظات القاهرة والجيزة والأقصر وأسوان فتح أبوابها مجدداً أمام الزائرين ضمن خطة استقبال السائحين تدريجياً، بالتزامن مع استئناف المطارات المصرية عملها اليوم بعد مُضي أكثر من 3 أشهر على تعليق الرحلات الجوية.
وتبدأ اليوم 5 متاحف و8 مواقع أثرية فتح أبوابها للزائرين، كمرحلة أولى في خطة عودة الحياة إلى القطاع السياحي والأثري بشكل كامل، وتضم هذه المرحلة متحف النوبة بأسوان، ومتحف الأقصر، والمتحف المصري بالتحرير، ومتحف الفن الإسلامي، والمتحف القبطي، بالقاهرة، بالإضافة إلى 8 مواقع أثرية هي معابد أبو سمبل وفيلة بمحافظة أسوان، والكرنك والأقصر والدير البحري ومقابر وادي الملوك بمحافظة الأقصر، ومنطقة أهرامات الجيزة وقلعة صلاح الدين بالقاهرة.
ووفق الدكتور مصطفى وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، فإنه تم الانتهاء من تنفيذ جميع التدابير الاحترازية وإجراءات السلامة الخاصة بافتتاح المتاحف والمناطق الأثرية، خوفاً من تفسي فيروس (كورونا).
ورغم إعادة فتح عدد كبير من المعابد والمواقع الأثرية بمحافظتي الأقصر وأسوان، فإن أصحاب الشركات السياحية يتوقعون عدم إقبال الزوار الأجانب أو المحليين على هذه المواقع خلال الفترة الجارية، بسبب ارتفاع درجات الحرارة في شهور الصيف في جنوب مصر، بالإضافة إلى عدم وجود حجوزات سياحية أو الإعلان عن استقبال رحلات «شارتر» من الدول الأوروبية، للأقصر وأسوان حتى الآن، وفق ثروت عجمي رئيس غرفة السياحة بالأقصر.
ويضيف عجمي لـ«الشرق الأوسط»: «نتوقع إقبال السائحين الأوروبيين على الأقصر وأسوان بداية من شهر سبتمبر (أيلول) المقبل، مع استئناف الرحلات الجوية مرة أخرى إلى المدينتين».
ويعول عجمي على زوار مدينة الغردقة الساحلية من الأجانب على إعادة الحياة مرة أخرى، خلال الشهر الجاري إلى مدن الجنوب الأثرية عبر رحلات اليوم الواحد، مشيراً إلى أن الغردقة كانت تستقبل العام الماضي نحو 40 رحلة شارتر يومياً من دول أجنبية، لكنها تستقبل حالياً طائرة واحدة كل يومين. وأكد عجمي أن إعادة فتح المواقع الأثرية أمر إيجابي لتشجيع السياحة، وإرسال رسالة مفادها أن «مصر عادت والوضع بها مطمئن».
وفي بداية شهر مارس (آذار) الماضي تجاهلت المواقع الأثرية بمدينة الأقصر التاريخية مخاوف الإصابة بفيروس (كورونا) واستقبلت مئات السائحين من جنسيات عدة، قبل أن تقرر مصر إغلاق كل المواقع السياحية والأثرية وتعليق حركة الطيران مع تفاقم الجائحة وإغلاق معظم دول العالم مطاراتها.
وسمحت السلطات المصرية لمئات الفنادق والمنشآت السياحية باستئناف عملها أخيراً بعد التأكد من تطبيق الإجراءات الاحترازية الخاصة بفيروس (كورونا)، والسماح بنسبة إشغال 50% من الطاقة الاستيعابية لكل فندق.
وعانت السياحة المصرية من انخفاض عدد السائحين وضعف الإيرادات بعد ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011، وتم تسريح آلاف العمال بسبب حالة الركود السياحي، والاضطرابات الأمنية التي عاشتها في مصر، لكنها شهدت تحسناً ملحوظاً في قطاع السياحة خلال العامين الأخيرين قبل ظهور جائحة (كورونا)، حسب ما عكسته نسبة الإيرادات وحجم الإشغالات الفندقية بجميع المدن السياحية المصرية، لذلك يخشى العاملون أن تتأثر حركة السياحة في مصر مرة أخرى بسبب الوباء على غرار ما حدث بعد ثورة يناير.
ورغم أن مصر تعتمد على الموسم السياحي الشتوي في تحقيق إيرادات مالية كبيرة، فإن عجمي يؤكد أن المواقع الأثرية المصرية شهدت إقبالاً كبيراً في موسم الصيف الماضي، كان يعادل الإقبال السياحي بموسم الشتاء.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)