الرسائل المتضاربة للحكومة البريطانية تفشل في إجهاض عودة الدوري الإنجليزي

وزراء انتقدوا كرة القدم ثم قالوا إنها تساهم في رفع الروح المعنوية للشعب

الحكومة البريطانية سمحت للجماهير بحضور مباراة ليفربول وأتلتيكو مدريد رغم بداية انتشار «كورونا» (غيتي)
الحكومة البريطانية سمحت للجماهير بحضور مباراة ليفربول وأتلتيكو مدريد رغم بداية انتشار «كورونا» (غيتي)
TT

الرسائل المتضاربة للحكومة البريطانية تفشل في إجهاض عودة الدوري الإنجليزي

الحكومة البريطانية سمحت للجماهير بحضور مباراة ليفربول وأتلتيكو مدريد رغم بداية انتشار «كورونا» (غيتي)
الحكومة البريطانية سمحت للجماهير بحضور مباراة ليفربول وأتلتيكو مدريد رغم بداية انتشار «كورونا» (غيتي)

كانت المرة الأخيرة التي استأنفت فيها كرة القدم الإنجليزية للمحترفين نشاطها بعد التوقف في أغسطس (آب) 1946. وكان ذلك موضع ترحاب شديد من الشعب الإنجليزي الذي كان يشعر بالصدمة ويرغب في عودة الحياة لطبيعتها بعد أهوال الحرب العالمية الثانية. ويصف تاريخ الذكرى المئوية للدوري الإنجليزي، الذي كتبه المعلق الكبير بريون باتلر في عام 1988 - قبل أربع سنوات من انفصال أندية الدرجة الأولى وظهور الشكل الجديد لما يعرف الآن بالدوري الإنجليزي الممتاز - يصف استئناف النشاط الكروي بكل بساطة بأنه «سنوات الازدهار».
لقد عادت الجماهير للزئير في ملاعب كرة القدم، ووصل العدد الإجمالي للجماهير التي حضرت مباريات الدوريات الأربعة الكبرى في إنجلترا إلى 41 مليون متفرج في موسم 1948 - 1949. وهو الموسم الذي توج فيه بورتسموث بلقب الدوري الإنجليزي بفارق خمس نقاط عن مانشستر يونايتد بقيادة المدرب مات بيسبي. ولم تكن الكثير من الملاعب، التي كانت خاوية في الغالب على مدار السبع سنوات السابقة، مجهزة بالطبع لاستقبال هذه الأعداد الغفيرة من الجماهير، وقُتل 33 شخصاً في حادث مروع عندما استضاف بولتون واندرارز نادي ستوك سيتي في إحدى مباريات كأس الاتحاد الإنجليزي على ملعب بولتون واندرارز في مارس (آذار) 1946، قبل استئناف مباريات الدوري.
ورغم كل ذلك، يشعر رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون ووزراؤه بأنهم مضطرون للإشارة إلى أن فيروس «كورونا» قد حصد أرواح ما يزيد على 63 ألف شخص حتى الآن، وأن الوضع يختلف تماما عن الفترة بين عامي 1939 و1945، وأنه من الغريب استئناف مباريات كرة القدم الآن! وسوف يتم استبدال صورة «لعبة الشعب» في أواخر الأربعينات من القرن الماضي، والتي كانت محفورة في أذهاننا من خلال الصور بالأبيض والأسود للجماهير وهي تحتشد على مقاعد شديدة الانحدار، سيتم استبدالها بواسطة ملاعب خاوية من الجماهير في عام 2020. وبدلا من الذهاب لمتابعة مباريات كرة القدم من الملاعب، بات الجمهور يكتفي بمشاهدة المباريات عبر التلفزيون، كما هي الحال في مباريات الدوري الألماني الممتاز، الذي استأنف مبارياته في وقت مبكر، نظرا لأن الحكومة الألمانية قد تعاملت بصورة أكثر جدية من الحكومة البريطانية مع فيروس «كورونا».
وقد تعاملت الحكومة البريطانية برئاسة بوريس جونسون مع كرة القدم بطريقة غريبة ومضطربة طوال الوقت، فالبرغم من انتشار فيروس «كورونا» في البداية بشكل كبير نصحت الحكومة البريطانية الدوري الإنجليزي الممتاز ودوريات المحترفين الأخرى بمواصلة اللعب خلال عطلة نهاية الأسبوع في الرابع عشر والخامس عشر من مارس ، وقالت إن كل شيء على ما يرام. وقال جونسون في 16 مارس إن «مخاطر انتقال فيروس (كورونا) خلال التجمعات الكبيرة مثل الأحداث الرياضية منخفضة نسبياً».
وكانت الدوريات المختلفة تستعد لاتباع هذه النصيحة، على أن تقام المباريات وينتقل آلاف الأشخاص في جميع أنحاء البلاد لمشاهدة المباريات، حتى أصيب المدير الفني لنادي آرسنال، ميكيل أرتيتا، وعدد من اللاعبين بفيروس «كورونا». وقال أحد كبار المشاهير في كرة القدم لصحيفة «الغارديان» في ذلك الوقت إنهم يخشون في الواقع من تعرضهم للانتقادات من جانب الوزراء لمخالفتهم نصائح الحكومة بمواصلة اللعب في ظل تفشي هذا الوباء.
وحتى الآن، لا تتقبل الحكومة فكرة أن نصيحتها بأن التجمعات الكبيرة تنطوي على مخاطر منخفضة للإصابة بفيروس «كورونا» كانت خاطئة، وهي وجهة النظر التي اختلفت تماما منذ ذلك الحين. ولا تزال وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية تقدم هذا التفسير، رغم أنه لن يُسمح بوجود الجماهير في المدرجات، وهناك مخاوف صحية بشأن تجمع عدد قليل من الأشخاص خارج الملاعب دون الالتزام بقواعد التباعد الجسدي. وخلال الأسابيع القليلة الماضية، وبينما كانت الحكومة تحث الناس على عدم الخروج للتظاهر، أصدرت الحكومة بيانا قالت فيه إن «فيروس (كورونا) ينتشر في التجمعات المزدحمة». وبالتالي، من المستحيل أن ندرك ذلك بالمقارنة بالنصيحة السابقة بشأن «المخاطر المنخفضة نسبياً».
وتتمثل الحقيقة الآن في أن الوزراء قد نصحوا الجهات المسؤولة عن إدارة كرة القدم والمشجعين بأنه من المقبول أن يتجمع 54 ألف شخص في ملعب «آنفيلد» لمشاهدة مباراة ليفربول أمام أتلتيكو مدريد في 11 مارس، ونصحوا الجماهير بمشاهدة مباريات ذلك الأسبوع من الملاعب، لكن لا يُسمح الآن لأكثر من ستة أشخاص بالتجمع معا في أي مكان، ويجب أن يكون الفاصل بين كل شخص والآخر مترين على الأقل! وفي نفس الوقت، تقول توجيهات وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية إن الالتزام بهذا الأمر «يجعل خطر انتقال العدوى محدودا».
وفي بداية فترة الإغلاق، انتقد وزير الثقافة، أوليفر دودن، أندية كرة القدم التي اعتمدت على برنامج الدعم الحكومي لدفع رواتب العاملين لديها، رغم أن هذه الأندية تستحق هذا الدعم وفقا للمعايير التي وضعتها وزارة الخزانة. وطالب وزير الصحة، مات هانكوك، اللاعبين بتخفيض أجورهم في ظل «التضحيات» التي يقدمها الأطباء والممرضات الذين يموتون جراء الإصابة بفيروس «كورونا» أثناء القيام بعملهم في المستشفيات. ومع ارتفاع أعداد ضحايا فيروس «كورونا»، تسعى الحكومة للعودة إلى الوضع الطبيعي، وطالب دودن وجونسون باستئناف مباريات الدوري الإنجليزي الممتاز «في أقرب وقت ممكن» لأن ذلك، على حد وصف جونسون، سوف «يقدم دفعة ضرورية للغاية لرفع الروح المعنوية للشعب».
والآن تنتهي فترة الإغلاق، لكن على عكس ما حدث عام 1946، يتم استئناف مباريات بطولتين فقط من دوريات المحترفين، بسبب عدم المساواة في كرة القدم الحديثة. وانتقد لاعب واحد فقط في الدوري الإنجليزي الممتاز، وهو نجم مانشستر يونايتد ماركوس راشفورد، حكومة جونسون بشدة لأنها جعلت ملايين الناس يعانون من الفقر الشديد لدرجة أنهم قد لا يكون لديهم ما يكفي لشراء الطعام. واضطر جونسون للتراجع عن موقفه بعد الخطاب القوي من المهاجم الإنجليزي الشاب، والذي أشار إلى أنه من المتوقع أن يعاني 5.2 مليون طفل من الفقر بحلول عام 2022. وأن 45 في المائة من الأطفال من أصحاب البشرة السمراء وممن ينتمون إلى أقليات عرقية يعانون بالفعل من الفقر. وكما قال راشفورد: «هذه هي إنجلترا في عام 2020».


مقالات ذات صلة

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

شمال افريقيا «الصحة» المصرية تنفي رصد أمراض فيروسية أو متحورات مستحدثة (أرشيفية - مديرية الصحة والسكان بالقليوبية)

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

نفت وزارة الصحة المصرية رصد أي أمراض بكتيرية أو فيروسية أو متحورات مستحدثة مجهولة من فيروس «كورونا».

محمد عجم (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أظهر المسح الجديد تراجعاً في عدد الأطفال الصغار المسجلين في الدور التعليمية ما قبل سن الالتحاق بالمدارس في أميركا من جراء إغلاق الكثير من المدارس في ذروة جائحة كورونا (متداولة)

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

أظهر مسح أميركي تراجع عدد الأجداد الذين يعيشون مع أحفادهم ويعتنون بهم، وانخفاض عدد الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الدور التعليمية في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

مصر: قرارات «ضبط أداء الإعلام الرياضي» تثير تبايناً «سوشيالياً»

أحد تدريبات منتخب مصر لكرة القدم (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)
أحد تدريبات منتخب مصر لكرة القدم (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)
TT

مصر: قرارات «ضبط أداء الإعلام الرياضي» تثير تبايناً «سوشيالياً»

أحد تدريبات منتخب مصر لكرة القدم (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)
أحد تدريبات منتخب مصر لكرة القدم (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)

أثارت قرارات المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر لـ«ضبط أداء الإعلام الرياضي» تبايناً على «السوشيال ميديا»، الجمعة.

واعتمد «الأعلى لتنظيم الإعلام»، برئاسة خالد عبد العزيز، الخميس، توصيات «لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي»، التي تضمّنت «تحديد مدة البرنامج الرياضي الحواري بما لا يزيد على 90 دقيقة، وقصر مدة الاستوديو التحليلي للمباريات، محلية أو دولية، بما لا يزيد على ساعة، تتوزع قبل وبعد المباراة».

كما أوصت «اللجنة» بإلغاء فقرة تحليل الأداء التحكيمي بجميع أسمائها، سواء داخل البرامج الحوارية أو التحليلية أو أي برامج أخرى، التي تُعرض على جميع الوسائل الإعلامية المرئية والمسموعة والمواقع الإلكترونية والتطبيقات والمنصات الإلكترونية. فضلاً عن «عدم جواز البث المباشر للبرامج الرياضية بعد الساعة الثانية عشرة ليلًا (منتصف الليل) وحتى السادسة من صباح اليوم التالي، ولا يُبث بعد هذا التوقيت إلا البرامج المعادة». (ويستثنى من ذلك المباريات الخارجية مع مراعاة فروق التوقيت).

وهي القرارات التي تفاعل معها جمهور الكرة بشكل خاص، وروّاد «السوشيال ميديا» بشكل عام، وتبعاً لها تصدرت «هاشتاغات» عدة قائمة «التريند» خلال الساعات الماضية، الجمعة، أبرزها «#البرامج_الرياضية»، «#المجلس_الأعلى»، «#إلغاء_الفقرة_التحكيمية»، «#لتنظيم_الإعلام».

مدرجات استاد القاهرة الدولي (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)

وتنوعت التفاعلات على تلك «الهاشتاغات» ما بين مؤيد ومعارض للقرارات، وعكست عشرات التغريدات المتفاعلة هذا التباين. وبينما أيّد مغرّدون القرارات كونها «تضبط الخطاب الإعلامي الرياضي، وتضمن الالتزام بالمعايير المهنية»، قال البعض إن القرارات «كانت أُمنية لهم بسبب إثارة بعض البرامج للتعصب».

عبّر روّاد آخرون عن عدم ترحيبهم بما صدر عن «الأعلى لتنظيم الإعلام»، واصفين القرارات بـ«الخاطئة»، لافتين إلى أنها «حجر على الإعلام». كما انتقد البعض اهتمام القرارات بالمسألة الشكلية والزمنية للبرامج، ولم يتطرق إلى المحتوى الذي تقدمه.

وعن حالة التباين على مواقع التواصل الاجتماعي، قال الناقد الرياضي المصري محمد البرمي، لـ«الشرق الأوسط»، إنها «تعكس الاختلاف حول جدوى القرارات المتخذة في (ضبط المحتوى) للبرامج الرياضية، فالفريق المؤيد للقرارات يأتي موقفه رد فعل لما يلقونه من تجاوزات لبعض هذه البرامج، التي تكون أحياناً مفتعلة، بحثاً عن (التريند)، ولما يترتب عليها من إذكاء حالة التعصب الكروي بين الأندية».

وأضاف البرمي أن الفريق الآخر المعارض ينظر للقرارات نظرة إعلامية؛ حيث يرى أن تنظيم الإعلام الرياضي في مصر «يتطلب رؤية شاملة تتجاوز مجرد تحديد الشكل والقوالب»، ويرى أن «(الضبط) يكمن في التمييز بين المحتوى الجيد والسيئ».

مباراة مصر وبوتسوانا في تصفيات كأس الأمم الأفريقية 2025 (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)

وكان «الأعلى لتنظيم الإعلام» قد أشار، في بيانه أيضاً، إلى أن هذه القرارات جاءت عقب اجتماع «المجلس» لتنظيم الشأن الإعلامي في ضوء الظروف الحالية، وما يجب أن يكون عليه الخطاب الإعلامي، الذي يتعين أن يُظهر المبادئ والقيم الوطنية والأخلاقية، وترسيخ وحدة النسيج الوطني، وإعلاء شأن المواطنة مع ضمان حرية الرأي والتعبير، بما يتوافق مع المبادئ الوطنية والاجتماعية، والتذكير بحرص المجلس على متابعة الشأن الإعلامي، مع رصد ما قد يجري من تجاوزات بشكل يومي.

بعيداً عن الترحيب والرفض، لفت طرف ثالث من المغردين نظر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام إلى بعض الأمور، منها أن «مواقع الإنترنت وقنوات (اليوتيوب) و(التيك توك) مؤثرة بشكل أكبر الآن».

وحسب رأي البرمي، فإن «الأداء الإعلامي لا ينضبط بمجرد تحديد مدة وموعد وشكل الظهور»، لافتاً إلى أن «ضبط المحتوى الإعلامي يكمن في اختيار الضيوف والمتحدثين بعناية، وضمان كفاءتهم وموضوعيتهم، ووضع كود مهني واضح يمكن من خلاله محاسبة الإعلاميين على ما يقدمونه، بما يمنع التعصب».