اكتئاب الحمل وأثره على الطفل

دراسة حديثة عن دوره في إحداث تغير في سلوكه ونموه

اكتئاب الحمل وأثره على الطفل
TT

اكتئاب الحمل وأثره على الطفل

اكتئاب الحمل وأثره على الطفل

من المؤكد أن الحالة النفسية للأم تعتبر من أهم العوامل التي تؤثر على تربيتها لأطفالها والقيام بواجباتها نحوهم على الوجه الأمثل. وكلما كانت الأم سوية نفسيا ولا تعاني من أمراض أو اضطرابات نفسية انعكس ذلك بشكل إيجابي على أطفالها والعكس صحيح تماما، فالعائلات التي يعاني فيها أحد الأبوين من مشكلات نفسية تنعكس بالسلب على الأطفال على المستويين النفسي والبدني.
- اكتئاب الأم
وبطبيعة الحال تزداد هذه المشكلات النفسية إذا كانت الأم هي التي تعاني من تدهور حالتها النفسية.
وتناولت هذه العلاقة أحدث دراسة نشرت في منتصف شهر يونيو (حزيران) من العام الجاري في مجلة طب الأطفال والحمل journal Pediatric and Perinatal Epidemiology وربطت بين اكتئاب الأم لفترات طويلة وحدوث تغير سلوكي وتنموي لأطفالها.
وكانت الدراسة التي قام بها باحثون من جامعة كوينزلاند University of Queensland بأستراليا قد تناولت 900 من الأمهات و978 من أطفالهن، وتم الكشف عليهن جميعا لمعرفة مستوى الاكتئاب لدى كل واحدة منهن على حدة على 3 مراحل مختلفة قبل وأثناء وبعد الحمل. وكانت النتيجة أن هناك سيدة من كل 5 بواقع 20 في المائة من العينة رصدت لديها أعراض الاكتئاب على الأقل مرة واحدة. وكانت هناك نسبة بلغت 11 في المائة مررن بالأعراض أكثر من مرة.
وتبين أنه كلما زادت فترة الاكتئاب عند الأم أثناء الحمل كان تأثير ذلك أكبر على الرضيع بعد ذلك.
وأوضح الباحثون أن الأمهات عندما يدركن أنهن مصابات بالاكتئاب أثناء الحمل يعتقدن أن الأوان قد فات لإنقاذ أطفالهن من تأثيره عليهم وهو الأمر الذي يدفعهن إلى مزيد من الإحباط والاكتئاب والذي يؤثر بدوره على الرضيع بالفعل. ولكن الباحثين أوضحوا أنه كلما تخلصت الأم من أعراض الاكتئاب أو حتى حاولت التغلب على الأعراض في أي مرحلة من الحمل انعكس ذلك بالإيجاب على الرضيع بعد الولادة.
- رصد مبكر
أوضح الباحثون أنه من الضروري إجراء مسح شامل للأمهات لمعرفة وجود أعراض اكتئاب لديهن من عدمه بداية من مجرد التفكير في الحمل وأنه كلما كان اكتشاف الاكتئاب مبكرا كانت إمكانية حماية الطفل من آثاره الجانبية أكبر خاصة أن الاكتئاب يعتبر من الأمراض غير النادرة في فترة الحمل.
وعلى وجه التقريب هناك سيدة من بين كل 10 سيدات في المطلق تعاني من أعراض الاكتئاب أثناء فترة الحمل. وتزيد هذه النسبة في الأسر ذات الدخل المنخفض والدول الأكثر فقرا. ويمكن أن يحدث ذلك في أي شهر من الشهور سواء بداية الحمل أو نهايته وفترة ما قبل الولادة مباشرة مرورا باكتئاب ما بعد الولادة postpartum depression وانتهاء بالاكتئاب أثناء تربية الطفل.
وحذر الباحثون من أن الاكتئاب إذا لم تتم معالجته أثناء الحمل يؤدي إلى الإهمال في الالتزام بالتغذية الجيدة وهو الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى ولادة مبكرة مما يعرض حياة الجنين للخطر أو يؤدي إلى فقد الجنين بشكل كامل أو ولادة جنين يعاني من نقص الوزن وأن من الضروري أن يتم التشخيص خاصة أن الاكتئاب أثناء الحمل في الأغلب يمر بدون تشخيص وذلك لتشابه أعراض الاكتئاب مع متاعب الحمل الطبيعية خاصة أن الهرمونات التي يتم إفرازها يمكن أن تحدث تغيرات كيميائية حقيقية في المخ ولكن بدرجة بسيطة بطبيعة الحال.
وعلى سبيل المثال فإن فقدان الشهية وفقدان الطاقة على فعل أبسط الأشياء أو تغير نموذج النوم بالزيادة أو بالنقصان وكذلك تغير المزاج والميل إلى الحزن فضلا عن عدم إفصاح الأم عن هذه الأعراض حيث يكون التركيز على صحة الأم العضوية ومتابعة الجنين.
- عوامل خطر
ولكن هناك بعض عوامل الخطورة للإصابة بالمرض منها الإصابة السابقة بالاكتئاب أو تعرض الأم أو الأسرة بأكملها لضغوط عصبية أو عدم رغبتها في الحمل من البداية أو فقدان حمل سابق وغياب الدعم الاجتماعي والعاطفي.
وفي الأغلب تعاني الأم من قلق مرضي على مصير الجنين، وفرص ولادته بشكل طبيعي بدون عيوب خلقية، أو من عدم أهليتها الكافية لأن تصبح أما، وكذلك المخاوف من الاعتناء بطفل حديث الولادة وعدم الاستجابة لمحاولة الطمأنة. ونصح الباحثون الأمهات بضرورة تلقي العلاج اللازم للاكتئاب أثناء الحمل وعدم التأجيل حتى الولادة حتى تستطيع الأم أن تجتاز فترة الحمل بنجاح وتمتلك الطاقة اللازمة للعناية بنفسها وأيضا حتى تتلافى اكتئاب ما بعد الولادة.
وهناك بعض الوسائل الطبيعية تساعد في العلاج مثل الرياضة البسيطة والاسترخاء والنوم الكافي ويمكن للأم أن تتناول الأعشاب المهدئة أو أقراص الأوميغا 3 لدورها المعروف في تخفيف حدة التوتر.
وليس بالضرورة أن يعاني الرضيع من أمراض عضوية جراء اكتئاب الأم ولكن ينعكس ذلك بشكل غير مباشر على علاقة الأم بطفلها بعد الولادة وتكون غير قادرة على القيام بواجباتها كأم مثل احتضان الطفل وإرضاعه والعناية الجسدية به مما ينعكس بالسلب على صحة الرضيع من عدم القدرة على زيادة الوزن أو المعاناة من قلة الحركة.
وحذر الباحثون من إمكانية أن تسبب بعض الأدوية المضادة للاكتئاب antidepressants في حدوث عيوب خلقية في الجنين في القلب أو الرئتين ولذلك يجب أن يتم تناول هذه الأدوية بحرص شديد وعدم زيادة الجرعات إلا بعد استشارة الطبيب. وفي الحالات العادية والمتوسطة يمكن الاستعانة بجلسات العلاج النفسي والتي في الأغلب تكون جلسات علاج جماعية.

- استشاري طب الأطفال


مقالات ذات صلة

لمحاربة «اكتئاب ما بعد الولادة»... مارسي الرياضة لأكثر من ساعة أسبوعياً

صحتك الأمهات الجدد يمكنهن استئناف ممارسة الرياضة بالمشي «اللطيف» مع أطفالهن (رويترز)

لمحاربة «اكتئاب ما بعد الولادة»... مارسي الرياضة لأكثر من ساعة أسبوعياً

تشير أكبر دراسة تحليلية للأدلة إلى أن ممارسة أكثر من ساعة من التمارين الرياضية متوسطة الشدة كل أسبوع قد تقلل من شدة «اكتئاب ما بعد الولادة».

«الشرق الأوسط» (أوتاوا)
صحتك الحمل قد ينشط فيروسات قديمة خاملة في الحمض النووي للأمهات (رويترز)

الحمل قد ينشّط فيروسات قديمة خاملة في الحمض النووي

اكتشفت مجموعة من الباحثين أن الحمل قد ينشّط فيروسات قديمة خاملة في الحمض النووي للأمهات، وذلك لزيادة الاستجابة المناعية التي تزيد من إنتاج كرات الدم الحمراء.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك مريضة بالسرطان (رويترز)

وسيلة لمنع الحمل قد تزيد خطر إصابة النساء بسرطان الثدي

أكدت دراسة جديدة أن النساء اللاتي يستخدمن اللولب الرحمي الهرموني وسيلةً لمنع الحمل قد يكون لديهن خطر أعلى للإصابة بسرطان الثدي.

«الشرق الأوسط» (كوبنهاغن)
صحتك توصي الإرشادات الدولية النساء الحوامل بالحد من كمية القهوة التي يقمن بتناولها (أ.ب)

هل يتسبب شرب النساء الحوامل للقهوة في إصابة أطفالهن بفرط الحركة؟

هل يتسبب شرب النساء الحوامل للقهوة -حقّاً- في إصابة الأطفال ببعض الاضطرابات العصبية، مثل اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه؟

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك إصابة الأم بعدوى فيروسية خلال الحمل قد تؤدي إلى إصابة الطفل بالتوحد (أ.ب)

مرض الأم خلال الحمل قد يصيب الطفل بالتوحد

توصلت دراسة جديدة إلى أن إصابة الأم بعدوى فيروسية خلال الحمل قد تؤدي إلى إصابة الطفل بالتوحد.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

دراسة: الحروب تلحق أضراراً بالحمض النووي للأطفال

أطفال سوريون في مخيم ببلدة سعد نايل في منطقة البقاع (أ.ف.ب)
أطفال سوريون في مخيم ببلدة سعد نايل في منطقة البقاع (أ.ف.ب)
TT

دراسة: الحروب تلحق أضراراً بالحمض النووي للأطفال

أطفال سوريون في مخيم ببلدة سعد نايل في منطقة البقاع (أ.ف.ب)
أطفال سوريون في مخيم ببلدة سعد نايل في منطقة البقاع (أ.ف.ب)

خلصت دراسة جديدة إلى أن الأطفال الذين يعيشون في بلدان تمزقها الحروب لا يعانون فقط من مشكلات في الصحة النفسية بل من المحتمل أيضاً أن يتعرضوا لتغيرات بيولوجية في الحمض النووي (دي إن إيه) يمكن أن تستمر آثارها الصحية مدى الحياة.

وأجرى الباحثون تحليلاً للحمض النووي لعينات لعاب تم جمعها من 1507 لاجئين سوريين تتراوح أعمارهم بين 6 أعوام و19 عاماً يعيشون في تجمعات سكنية عشوائية في لبنان، وراجعوا أيضاً استبيانات أُجريت للأطفال والقائمين على رعايتهم شملت أسئلة عن تعرض الطفل لأحداث مرتبطة بالحرب.

وظهرت في عينات الأطفال الذين تعرضوا لأحداث الحرب تغيرات متعددة في مثيلة الحمض النووي، وهي عملية تفاعل كيميائي تؤدي إلى تشغيل جينات أو تعطيلها.

وقال الباحثون إن بعض هذه التغيرات ارتبطت بالجينات المشاركة في وظائف حيوية مثل التواصل بين الخلايا العصبية ونقل المواد داخل الخلايا.

وقال الباحثون إن هذه التغيرات لم تُرصد لدى مَن تعرضوا لصدمات أخرى، مثل الفقر أو التنمر، ما يشير إلى أن الحرب قد تؤدي إلى رد فعل بيولوجي فريد من نوعه.

وعلى الرغم من تأثر الأطفال من الذكور والإناث على حد سواء، ظهرت في عينات الإناث تأثيرات بيولوجية أكبر، ما يشير إلى أنهن قد يكن أكثر عرضة لخطر التأثيرات طويلة الأمد للصدمة على مستوى الجزيئات.

وقال مايكل بلوس، رئيس الفريق الذي أعد الدراسة في جامعة سري في المملكة المتحدة، في بيان: «من المعروف أن للحرب تأثيراً سلبياً على الصحة النفسية للأطفال، إلا أن دراستنا خلصت إلى أدلة على الآليات البيولوجية الكامنة وراء هذا التأثير».

وأشار بلوس أيضاً إلى أن التعبير الجيني، وهو عملية منظمة تسمح للخلية بالاستجابة لبيئتها المتغيرة، لدى الأطفال الذين تعرضوا للحرب لا يتماشى مع ما هو متوقع لفئاتهم العمرية، وقال: «قد يعني هذا أن الحرب قد تؤثر على نموهم».

وعلى الرغم من محاولات الباحثين لرصد تأثيرات مدى شدة التعرض للحرب، خلصوا في تقرير نُشر يوم الأربعاء في مجلة جاما للطب النفسي إلى أن «من المرجح أن هذا النهج لا يقدر تماماً تعقيدات الحرب» أو تأثير أحداث الحرب المتكررة على الأطفال.

وتشير تقديرات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) إلى أن نحو 400 مليون طفل على مستوى العالم يعيشون في مناطق صراع أو فروا منها.