استيقظت نيلام كوماري غوتام في الخامسة صباحاً وقد شعرت بآلام المخاض. وضعها زوجها بلطف على كرسي متحرك وذهب بها إلى المستشفى. ثم مستشفى آخر، ثم آخر. كان ألمها شديداً لدرجة أنها بالكاد تستطيع التنفس، لكن لم يستقبلها أحد.
«لماذا لا يأخذني الأطباء؟»... سألت السيدة الهندية زوجها بيجيندرا سينغ مراراً وتكراراً. «ما الأمر؟ سأموت».
بدأ زوجها يشعر بالخوف لأنه كان يعرف ما يواجهه، فمع تسارع أزمة فيروس كورونا في الهند التي تبلغ حالياً عن المزيد من الإصابات في اليوم أكثر من أي دولة أخرى باستثناء الولايات المتحدة والبرازيل، بدأ نظام الرعاية الصحية التراجع، علماً بأنه نظام رديء ويواجه أزمة نقص التمويل.
وتكشف قاعدة بيانات الوفيات الحديثة في البلاد أن عشرات الأشخاص لقوا حتفهم في الشوارع أو في سيارات الإسعاف، في حرمان من الرعاية الصحية للحالات الحرجة. وتكشف قصة السيدة غوتام تدهور النظام الصحي الهندي، بعدما لجأت إلى ثمانية مستشفيات مختلفة خلال 15 ساعة في أكبر منطقة حضرية في الهند.
وعلى الرغم من أن الحكومة الهندية تقدم خدمات الطوارئ، لا يزال هناك الكثير من المواطنين الذين هم في حاجة إلى الرعاية الصحية يتم استبعادهم، وخاصة في العاصمة نيودلهي، حيث ترتفع العدوى بسرعة، وذلك حسبما أفاد تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز».
وأضاف التقرير أن المستشفيات في نيودلهي مكتظة بالمرضى بما يفوق قدراتها، ويخشى الكثير من العاملين في مجال الرعاية الصحية من معالجة المرضى الجدد خوفا من إصابتهم بالفيروس الذي أودى بحياة أكثر من 13 ألف شخص في الهند حتى الآن.
وجاء في تحذير صادر عن السفارة الألمانية في نيودلهي: «لا توجد حاليا أي فرصة ضئيلة في المستشفيات لاستقبال الأشخاص، ليس للمصابين بـ(كوفيد - 19) فحسب، لكن أيضاً للأشخاص الذين يحتاجون إلى العناية المركزة».
وتظهر تقارير تلفزيونية محلية جثثاً في بهو مستشفى حكومي وتجاهل المرضى الباكين. وقالت لجنة قضاة في المحكمة العليا في الهند إن الوضع في دلهي «مروع ومثير للشفقة».
وتأتي أزمة «كوفيد – 19» في الوقت الذي تواجه فيه الحكومة الهندية برئاسة ناريندرا مودي أزمات متداخلة. ففي الأسبوع الماضي، ضربت القوات الصينية 20 جندياً هندياً حتى الموت على طول الحدود المتنازع عليها في جبال الهيمالايا؛ مما سبب أخطر مواجهة بين القوتين النوويتين منذ عقود.
وفي الوقت نفسه، يعاني الاقتصاد الهندي من أزمات جمة، وأثرت جائحة كورونا على أكثر من 100 مليون وظيفة في البلاد، بينما رفض رئيس الوزراء مودي نصيحة خبراء الصحة لإعادة غلق البلاد، قائلاً إن الهند يجب أن «تفتح، تفتح، تفتح».
وعندما تتحسن الأمور، كان يأمل سينغ وزوجته شراء شقة في مجمع نويدا، وهي مدينة تابعة لنيودلهي، مليئة بالمباني الزجاجية العالية والكثير من مراكز التسوق والكثير من المستشفيات. والزوجة تعمل على خط تجميع لإنتاج الأسلاك الكهربائية. والزوج يعمل في صيانة الآلات في مطبعة. ويكسب كل من سينغ (31 عاماً) وزوجته غوتام (30 عاماً) معاً نحو 8 آلاف دولار سنوياً؛ مما وضعهم في صفوف الطبقة الوسطى الصاعدة في الهند. وأتم ابنهما الأول رودراش عامه السادس قبل قدوم طفلهما الثاني.
ومع دخول غوتام شهرها التاسع، واجهت بعض المشاكل الصحية وأمضت خمسة أيام، أواخر مايو (أيار) وأوائل يونيو (حزيران) في المستشفى بسبب ارتفاع ضغط الدم والنزف، وربما التيفويد المرتبط بالحمل.
في 5 يونيو، عندما بدأت تشعر بآلام المخاض، كان أول مستشفى حاول الزوجان الدخول إليه هو مستشفى «إزياك» النموذجي، وهو منشأة حكومية في نويدا. وقال سينغ، إن أول شيء قاله لها الطبيب «سأصفعك إذا خلعت قناعك».
وروى سينغ أنه وزوجته شعرا بالصدمة، لكن غوتام كانت تواجه صعوبة في التنفس. وتوسلت السيدة من أجل الحصول على الأكسجين الذي كان في المستشفى، إلى جانب أجهزة التنفس الصناعي، لكن بدلاً من المساعدة، طال منهما الطبيب الذهاب إلى مستشفى حكومي آخر، على الجانب الآخر من المدينة، وهناك أيضاً رفضت الإدارة استقبالهما.
ورفض مسؤول في المستشفى الأول التعليق للصحيفة الأميركية، وقال طبيب في المستشفى الثاني، إن غوتام كانت في حاجة إلى رعاية مكثفة لا يمكن للمستشفى توفيرها.
حتى قبل وصول «كوفيد – 19»، كانت المستشفيات الهندية في حال صعبة، وتنفق الحكومة الهندية أقل من 2000 روبية (نحو 26 دولاراً) للفرد سنوياً على الرعاية الصحية. وكان الأمل خلال الإغلاق، الذي بدأ أواخر مارس (آذار) ورُفع بحلول أوائل يونيو، أن يبطئ انتشار الفيروس ويعطي المدن الوقت لزيادة قدرة المستشفيات قبل قدوم الأسوأ، لكن ذلك لم يحدث، أو لم يكن كافياً على الإطلاق. ووجدت دلهي أن آلاف الأسرّة لا تكفي، بل إن الحكومة المركزية أعادت استخدام مئات عربات القطارات لاستخدامها كأسرّة للمرضى، ولا يزال هناك ارتباك كبير بشأن استقبال المرضى الذين ليس لديهم فيروس كورونا.
وتقول بعض المستشفيات الهندية، إنها في حاجة إلى اختبار كل مريض قبل معالجته، وتلجأ مستشفيات أخرى إلى إجراء فحص سريع لدرجة الحرارة.
قال الكثير من الأطباء الهنود، إن المستشفيات الخاصة التي تحركها الأرباح كانت خائفة من قبول مرضى جدد، خاصة أولئك الذين يعانون من مشاكل في التنفس؛ لأنهم لم يرغبوا في المخاطرة بإغلاقها، وهو ما حدث للعيادات الخاصة إذا كان أحد مرضاها لديه نتيجة إيجابية لفحص كورونا.
ويقول راجيش كومار براجاباتي، جراح العظام والأستاذ السابق في كلية الطب، للصحيفة: «سياسة الحكومة هي التي ولّدت هذه الفوضى».
ولفتت هذه الحالات انتباه ثيجيش جي إن، وهو مهندس إلكترونيات في المركز التكنولوجي بالهند في بنغالور، ساعد في بناء قاعدة بيانات تتعقب الوفيات المبلغ عنها ووجد أن 63 شخصاً على الأقل لقوا حتفهم في الأسابيع الأخيرة بسبب الحرمان من الرعاية الصحية للحالات الحرجة. ويعتقد معظم خبراء الصحة أن عدد الوفيات في البلاد أعلى بكثير.
والمستشفى الثالث الذي ذهبت إليه غوتام، هو مستشفى شيفاليك، والذي سبق أن عالجها من مشكلات سابقة، وهذه المرة أعطاها الأطباء القليل من الأكسجين، لكن سينغ قال إنهم يخشون أن تكون مصابة بفيروس كورونا وأمروها فجأة بالمغادرة. وقال مدير المستشفى رافي موهتا: «نحن مستشفى صغير للأمهات والأطفال. لقد فعلنا ما بوسعنا».
واعتبر الزوج سينغ، أن الأزمة لم تكن أن الأطباء لم يتمكنوا من مساعدتها، لكن أنهم لا يريدون مساعدتها. وقال «إنهم لا يهتمون إذا كانت ميتة أو على قيد الحياة».
وفي المستشفى الرابع، التمس سينغ من شركة «فورتيس»، عملاق الرعاية الصحية الهندي، توفير جهاز التنفس الصناعي. وقال إن الطبيب قال له «زوجتك سوف تموت. خذها إلى أي مكان كما تشاء».
وقال المستشفى في بيان إنه لم يتوافر مكان للزوجة، وإنه حاول المساعدة في جعل حالتها تستقر، ثم عرض نقلها بسيارة إسعاف إلى مستشفى آخر. وقال سينغ، إن جهود المستشفى كانت سريعة، ونفى أن يكون هناك عرض لسيارة إسعاف.
وحاول الزوجان مع ثلاثة مستشفيات أخرى، بسرعة من مستشفى إلى آخر، وعندما رفض الجميع اتصل سينغ بالشرطة.
والتقى الزوج شرطيين عند مدخل المعهد الحكومي للعلوم الطبية، وهو مستشفى عام كبير. لكن الأطباء لم يستمعوا إلى رجلي الشرطة. ورفض المسؤولون في ذلك المستشفى التعليق.
بعد ذلك الفشل، ذهب الزوجان في سيارة إسعاف إلى مستشفى «ماكس سوبر» التخصصي في غازي آباد، على مسافة أكثر من 25 ميلاً، وكانت قد مرت أكثر من ثماني ساعات منذ أن غادرت غوتام وزوجها منزلهما متلهفتين لمقابلة طفلهما الجديد.
لكن مستشفى ماكس، الثامن في ذلك اليوم، أعطاهما الجواب المفجع نفسه «لا أسرّة متاحة»، وأغلقت غوتام عينيها وهمست «أنقذوني»، ليطلب الزوج من سيارة الإسعاف أن تهرع إلى المعهد الحكومي للعلوم الطبية.
وفي هذه الأوقات الصعبة، انحنى الزوج على زوجته وتوسل إليها ألا تستسلم، في حين كانت تقبض على قميصه من الألم.
عندما دخل الزوجان أخيراً إلى المعهد الحكومي، كانت الزوجة قد توقفت عن التنفس، وتدلت رقبتها، في حين قفز سينغ من سيارة الإسعاف وأمسك بكرسي متحرك وأدخلها غرفة الطوارئ.
وفي الساعة 8:05 مساءً بالتوقيت المحلي، أُعلنت وفاة الزوجة نيلام كوماري غوتام بعد رحلة شاقة في 8 مستشفيات مختلفة و15 ساعة، وتوفي الطفل أيضاً.
وقال تحقيق حكومي مبدئي، إنه «تمت إدانة إدارة المستشفى والعاملين فيه بالإهمال».
ولم تكن غوتام المرأة الحامل الوحيدة التي توفت في المخاض، إذ حدث الشيء نفسه لأم شابة في حيدر أباد وأخرى في كشمير. في هذه الحالة، قالت الأسرة، إن موظفي المستشفى غير مهتمين لدرجة أنهم لم يساعدوا حتى بسيارة إسعاف لنقل الجثة إلى المنزل. واضطرت عائلة المرأة إلى تحريك جسدها على الطريق أعلى نقالة لأميال عدة.
بينما تنظر السلطات في تهم جنائية في قضية غوتام، يمضي زوجها أيامه في المنزل لرعاية ابنه رودراكش. ويعتبر أن نظرات ولده تذكره بأمه الراحلة. وقبل بضعة أيام، أخبر الطفل والده أنه عندما يكبر، يريد أن يصبح طبيباً ليتمكن من «إنقاذ حياة الموتى».
لجأت لـ8 مستشفيات خلال 15 ساعة... حامل تفقد حياتها بسبب تدهور النظام الصحي في الهند
مع تفاقم انتشار وباء كورونا في البلاد
لجأت لـ8 مستشفيات خلال 15 ساعة... حامل تفقد حياتها بسبب تدهور النظام الصحي في الهند
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة