لم تعد الألعاب الإلكترونية مجرد وسيلة لتمضية الوقت، بعدما تحولت خلال السنوات الماضية إلى رياضة تفاعلية لها جمهور ورموز واتحادات منظمة. ولأنها توفر المتعة وتلتزم بمعايير التباعد الاجتماعي، فمن الطبيعي أن تصبح الملاذ الأهم في وقت جائحة «كورونا».
وبحسب تقديرات نشرتها مجلة «تايم» الأميركية، نهاية مارس (آذار) الماضي، ارتفع التفاعل على منصة «تويتش» التي تعد إحدى أشهر منصات الألعاب الإلكترونية بنسبة 31 في المائة خلال شهر مارس (آذار) فقط.
ارتفاع نسب الإقبال على هذه المنصات لم يقتصر على شهور الجائحة فقط، بل بدأ قبل تفشي فيروس كورونا، لدرجة أن مجال الألعاب الإلكترونية بات وظيفة تدر أموالاً مجزية لمحترفيها، وأصبح اللاعب الإلكتروني المحترف يتمتع بشعبية تُنذر بأنه قد يكون «المؤثر» (أو الإنفلونسر) الجديد، لا سيما بعد تراجع دور «الإنفلونسرز» على مواقع التواصل الاجتماعي، بحسب خبراء يرون أن «الجائحة كشفت أن مهمة استعراض الأزياء والمنتجات باتت مملة لا تسمن ولا تغني من جوع».
شريف عبد الباقي، رئيس الاتحاد المصري للألعاب الإلكترونية، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «هناك شروط يجب أن تنطبق على اللعبة حتى تندرج تحت اسم الرياضة الإلكترونية، أهمها توافر المهارات الذهنية، وأن تكون اللعبة تنافسية، وذات جماهيرية».
ويؤكد عبد الباقي أن «جائحة كورونا جلبت الخير لصناعة الرياضة الإلكترونية لأنها عززت المشاركة والتفاعل على منصات الألعاب الإلكترونية»، مضيفاً: «حظيت البطولات التي أطلقها الاتحاد المصري عبر الإنترنت، خلال فترة العزل المنزلي، بتفاعلات وصلت إلى أكثر من مليون مشاهدة عبر مواقع التواصل الاجتماعي فقط».
ربما يرى بعض الأهالي هذا النوع من النشاط مضيعة للوقت، وأنه لا يمكن أن يُدر نفعاً على أبنائهم وبناتهم، لكن التجارب الواقعية تشير إلى أنها رياضة تتطلب مهارات ذهنية خاصة، ويمكن احترافها، والتعامل معها بصفتها مهنة مثل أي رياضة حركية، بحسب رئيس الاتحاد المصري للألعاب الإلكترونية الذي يشير إلى أن «اللاعب الإلكتروني المحترف يحصل على جوائز مالية قيمة، تصل في مصر مثلاً إلى نصف مليون جنية مصري (الدولار الأميركي يعادل 16.1 جنيه مصري) في البطولة الواحدة. وفي حالة احتراف اللاعب، يمكن أن يوقع عقداً مع نادٍ رياضي بارز يتولى شأن تأهيله ودعمه، رياضياً ومادياً»، موضحاً: «مثل كثير من الصناعات الترفيهية، بطولات الرياضة الإلكترونية لها جانب جماهيري يجعلها وسيلة للتسويق والدعاية، إذ أطلقت إحدى الشركات العالمية المنتجة للمياه الغازية العام الماضي بطولة داخل مصر، كنوع من الدعاية لمشروباتها، وهذا النمط بالطبع يعد مصدراً مادياً مهماً للاتحاد وللاعبين».
ويروي اللاعب المصري رامي سعد (28 عاماً)، محترف لعبة «فيفا» المتعاقد مع نادي النصر السعودي، لـ«الشرق الأوسط» تجربة احترافه للألعاب الإلكترونية، قائلاً: «بدأت ممارسة الألعاب الإلكترونية منذ 14 عاماً تقريباً، وقد قطعت أشواطاً متتالية حتى انتقلت إلى مرحلة الاحتراف؛ الأمر لم يكن باليسر الذي يتخيله بعضهم لأنني كنت أفعل ذلك بجانب الدراسة».
وحصل رامي على درجة البكالوريوس في علوم التجارة باللغة الإنجليزية، وشارك قبل الاحتراف في بطولات محدودة، لكن فوزه المتكرر أهله لبطولات إقليمية، حتى ذاع صيته ووقع عقد احتراف مع نادي النصر السعودي عام 2018.
يقول رامي: «الرياضة الإلكترونية تحتاج إلى مهارات عقلية، لذا يجب أن يكون اللاعب على قدر معين من الذكاء حتى يصل إلى مرحلة الاحتراف، وهذا الجهد الذهني يتطلب التمرين. كما أن الجانب الجماهيري يضع اللاعب في سباق المؤثرين».
ويوضح رامي الفرق بين اللاعب الإلكتروني ومصطلح «استريمر»، أو مرحلة البث المباشر، إذ يتواصل اللاعب مباشرة مع قاعدة جماهيرية عبر منصات «تويتش» أو «يوتيوب»، ويقول: «عادة ما يمتلك (الاستريمر) حسابات جماهيرية على مواقع التواصل الاجتماعي توفر له مزيداً من التفاعل مع المتابعين، وتضمن له دخلاً مادياً مجزياً».
وانتقال اللاعب إلى مرحلة «الاستريمر» لا تحقق له شهرة رياضية فحسب، بل تدر عليه مكاسب مادية تقاس بحجم المتابعين. يقول رامي سعد: «(الاستريمر) هو المنافس الجديد للمؤثر على (السوشيال ميديا)، أو (الإنفلونسر)، مع فارق في المهارات، فاللاعب الإلكتروني يأتي تأثيره بسبب مهاراته في مجال الرياضة الإلكترونية الذي يعد إحدى الصناعات الترفيهية التي تتصاعد أرقامها بصورة متسارعة، وهناك أسماء عالمية رنانة تحصل شهرياً على أرقام مالية ضخمة، مثل اللاعب الأميركي تايلر نينجا الذي يتابعه أكثر من 20 مليون شخص حول العالم».
وبحسب أحدث تقديرات نشرتها شركة «نيوزو» الدولية المتخصصة في إحصاء بيانات الألعاب الإلكترونية، وصلت إيرادات الرياضة الإلكترونية في العالم إلى نحو 1.1 مليار دولار بنهاية عام 2019. وحددت الصين كأكبر سوق عالمية في هذا المجال، تليها الولايات المتحدة الأميركية.
ولكن هل يغير حجم صناعة الرياضة الإلكترونية نظرة المجتمع العربي لهذا المجال؟ يجيب رامي سعد من واقع تجربته، قائلاً: «منذ سنوات قليلة، كان إقناع الأهل باحتراف الألعاب الإلكترونية أمراً معقداً لأنها بالنسبة لبعضهم لا تؤمن مستقبل الشاب، لكن مع الاحتراف والمشاركة في بطولات رياضية كبرى، والفوز بجوائز مادية قيمة، تغيرت هذه النظرة التقليدية كلياً».
ويتفق معه شريف عبد الباقي، مؤكداً أن الثقافة العربية هضمت هذا النشاط تماماً، بل ودعمته، مشيراً إلى أنه يوجد نحو 120 مليون ممارس لألعاب الرياضة الإلكترونية في العالم العربي، بالإضافة إلى وجود اتحادات رسمية للألعاب الإلكترونية في كل من: مصر، والسعودية، والإمارات، واليمن، وتونس، والعراق، والمغرب، والأردن، والبحرين، وعمان.
ويستشهد عبد الباقي بالنموذج السعودي للدلالة على ازدهار سوق الألعاب الإلكترونية، قائلاً: «نجحت السعودية في احتلال مركز بارز في مجال الألعاب الإلكترونية، فهي تدعم بطل العالم في لعبة (الفيفا) ولعبة (تيكن سيفن)، فضلاً عن البطولات التي تطلقها شخصيات سعودية بارزة لدعم الألعاب الإلكترونية».
وقدرت «هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي)، في تقرير نشرته في شهر مايو (أيار) الماضي، إجمالي عدد جمهور الرياضات الإلكترونية حول العالم بنحو 453.8 مليون شخص، وهو رقم يشير إلى أن تأثير المحترفين في الألعاب الإلكترونية أمر لا يستهان به، إذ يبدو أننا على أعتاب نمط مُبتكر لـ«الإنفلونسرز» يعتمد على المهارات الذهنية، ويتجاوز مجرد الاستعراض، وفق خبراء.
محترفو الألعاب الإلكترونية يهددون نجومية «المؤثر»
حققوا شعبية كبيرة خلال أشهر التباعد الاجتماعي
محترفو الألعاب الإلكترونية يهددون نجومية «المؤثر»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة