الدمار الذي حل بصناعة السياحة العالمية منذ بداية انتشار فيروس «كورونا»، وبلغ حجمه 150 مليار دولار بتقدير الصناعة نفسها، يعتبره البعض تطوراً نحو الأفضل من أجل بناء قواعد جديدة لسياحة بيئية مستدامة. فالنموذج القديم الذي قضى عليه فيروس «كورونا» كانت له آثار بيئية مدمرة من أجواء ملوثة وشواطئ مزدحمة ومدن مكدسة. حتى الآثار التاريخية لم تسلم من أذى الإقبال السياحي الكثيف الذي لم ينقطع حتى نهايات شهر مارس (آذار) الماضي.
السياحة العالمية هي الصناعة الوحيدة التي تبيع ما لا تملك من آثار ومشاهد طبيعية خلابة وشواطئ رملية ناعمة. وهي أيضاً الصناعة التي لا تدفع تكلفة ما تدمره، بداية من التلوث الجوي والبحري التي تفرزه على نطاق عالمي وحتى الدمار البيئي من إتلاف للشعب المرجانية والضرر بالمجتمعات الصغيرة التي تعيش في مناطق سياحية ولا تستفيد من مداخيلها بقدر ما تعاني من آثارها السلبية. وقد كانت آخر هذه الآثار السلبية انتشار فيروس «كورونا» على نطاق عالمي في فترة قياسية بسبب نشاط السفر الكثيف الذي كان معظمه من النوع السياحي.
في النموذج السياحي السابق كانت معظم العوائد من نصيب شركات السياحة ووكالات السفر الغربية وسلاسل الفنادق وخطوط الطيران العالمية. أما الوجهات السياحية المحلية فكانت تحصل على الفتات. وفي بعض الوجهات السياحية كانت المياه تروي ملاعب الغولف، بينما يعاني السكان المحليون من الفقر المائي.
ضمن النموذج السابق أيضاً كان من المتوقع أن يزيد عدد السياح بنسبة 4 في المائة هذا العام وأن ترتفع نسبة السياح الصينيين بنحو 27 في المائة إلى 160 مليون رحلة سياحية حول العالم. وبدلاً من ذلك، استمتع العالم بمعالم سياحية خالية من الزحام وأجواء صحوة بلا تلوث هوائي وشواطئ تتنفس الصعداء في عطلة كانت في أشد الحاجة إليها.
ولم يكن هذا التحول بلا ضحايا في الدول التي تعتمد على السياحة كمصدر أول للدخل حيث من المتوقع أن تخسر هذا العام 80 في المائة من مدخولها السياحي الذي بلغ 1.7 مليار دولار في العام الماضي، وفقاً لمنظمة السياحة العالمية.
والجانب الأسوأ في هذا التحول هو فقدان 120 مليون وظيفة سياحية حول العالم.
وكشف «كورونا» للمرة الأولى خطورة الاعتماد على قطاع اقتصادي واحد مثل السياحة وضرورة تنويع مصادر الدخل.
لا أحد يعرف على وجه التحديد كيف ستتغير السياحة العالمية بعد حقبة وباء كورونا، ولكن هذه هي بعض الأفكار التي تراود خبراء الصناعة فيما قد تكون عليه معالم السياحة العالمية في المستقبل:
* تتوجه بعض المدن والوجهات السياحية الأوروبية إلى تحديد عدد السياح المسموح بهم، ومنها برشلونة ودوبروفنيك وفينيسيا وغيرها بعد أن وصلت إلى طاقات الاستيعاب القصوى.
* سوف تطالب وجهات السياحة المحلية بنصيب أكبر من العوائد التي تحققها حالياً شركات دولية. وتتوجه هذه العوائد لإصلاح الأضرار البيئية من السياحة ودعم المجتمعات التي تساهم في خدمة النشاط السياحي.
* التركيز على الفئات العليا من السياح واستبعاد السياحة الرخيصة التي تعتمد على أعداد كبيرة من السياح بميزانيات محدودة.
* تطالب منظمات الحفاظ على البيئة شركات السياحة في أفريقيا بدعم السكان المحليين مباشرة من أجل الحفاظ على المحميات الطبيعية التي تعتمد عليها سياحة السفاري.
* سوف يتوجه نشاط السفر في السنوات المقبلة إلى السياحة المحلية حيث من المتوقع أن ترتفع تكاليف السفر الجوي.
كما أن الوضع الاقتصادي السائد عالمياً بعد أزمة كورونا من فقدان الوظائف وانعدام المدخرات لن يسمح بنشاط سياحي مكثف في المدى المنظور.
{كورونا} يغيّر وجه السياحة العالمية
{كورونا} يغيّر وجه السياحة العالمية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة