خفض الأجور يشعل خلافاً بين «العمال» والحكومة التونسية

TT

خفض الأجور يشعل خلافاً بين «العمال» والحكومة التونسية

رفضت قيادات الاتحاد العام التونسي للشغل (نقابة العمال) تصريحات رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ، التي هدد فيها الموظفين العموميين والمتقاعدين بخفض أجورهم بدعوى استفحال الأزمة الاقتصادية والاجتماعية المترتبة عن وباء «كورونا»، والتي لمّح فيها بمعالجة خلل الميزانية من جيوبهم.
وقال عبد الحفيظ حفيظ، الرئيس المساعد لاتحاد الشغل، إن النقابة ترفض المساس بالحقوق المشروعة للعمال، أو تحميلهم فاتورة الأزمة المالية في إطار سياسة التقشف، التي قد تعتمدها الحكومة، وهو ما سيستدعي، حسبه، إجراء مزيد من المفاوضات، التي بدأتها النقابة مع الحكومة قبل نحو ثلاثة أسابيع لمعالجة الوضعين الاقتصادي والاجتماعي.
وأوضح حفيظ أن «الاتحاد» يستند في رؤيته لإعادة التوازن الاقتصادي على أولوية مكافحة التهرب الضريبي والجبائي، واتخاذ إجراءات حكومية لتنشيط الاقتصاد، مجددا رفضه «انتهاج الحكومة أي سياسة أحادية الجانب، تمس حقوق الأجراء التونسيين»، على حد تعبيره.
وعبر المكتب التنفيذي لنقابة العمال في اجتماعه الأخير على ضرورة تنفيذ الحكومة الحالية ما التزمت به بقية الحكومات من اتفاقيات، ومن بينها تفعيل القسط الثالث من الزيادة في أجور العاملين في القطاع العام، المبرمج بداية من شهر أغسطس (آب) المقبل، وذلك تطبيقا لمبدأ استمرارية الدولة، وهو ما قد يؤدي في حال عدم تنفيذه إلى مواجهات بين النقابات والحكومة.
كما دعا اتحاد الشغل الحكومة الحالية إلى إيجاد حلول عاجلة لبعض الملفات العالقة، وفي مقدمتها تطبيق بنود اتفاق «الكامور» في منطقة تطاوين (جنوب شرق)، وإنهاء ملف عمال الحضائر، وملف الأساتذة النواب للمساعدة في تحقيق استقرار اجتماعي. وانتقد المقاربة الأمنية خلال التعامل مع عدد من الاحتجاجات الاجتماعية السلمية، داعيا إلى إنهاء الانتهاكات، و«انتهاج سياسات قمعية قد تعيد تونس إلى مربع الاستبداد، أو تدفعها إلى الفوضى وردود الفعل العنيفة».
من جهة ثانية، أطلق مصطفى بن جعفر، الرئيس السابق للمجلس التأسيسي (البرلمان)، مبادرة تدعو الرئيس قيس سعيد إلى تنظيم «حوار وطني ينهي حالة الانقسام السياسي، ويؤسس لمصالحة وطنية حقيقية».
وقال بن جعفر في تصريح إعلامي إن «المناخ السياسي الحالي يذكر بما حدث سنة 2013 من صراعات سياسية حادة. غير أن الوضع الاجتماعي والاقتصادي المتأزم حاليا نتيجة جائحة (كورونا) قد يجعل الوضع أكثر تعقيدا». مشددا على أن الرئيس سعيد «بما له من شرعية ومشروعية واستقلالية عن الأحزاب السياسية، يبقى المؤهل الوحيد لرعاية هذا الحوار السياسي، وتقريب وجهات النظر».
وتلتقي هذه الدعوة مع دعوات مشابهة عرفها المشهد السياسي التونسي، بهدف عقد مؤتمر لـ«الإنقاذ الوطني»، وقد صدرت هذه المبادرات عن أحمد نجيب الشابي رئيس الحركة الديمقراطية، ومحسن مرزوق رئيس حركة مشروع تونس، وسعيد العايدي رئيس حزب بني وطني، وسلمى اللومي رئيسة حزب أمل تونس، وتلتقي هذه الدعوات مع التسويق لمبادرة سياسية جماعية تنخرط فيها المنظمات النقابية، وعلى رأسها الاتحاد العام التونسي للشغل، واتحاد الصناعة والتجارة (مجمع رجال الأعمال التونسيين).
وكانت حكومة الفخفاخ قد عرضت خلال الأسابيع الماضية «وثيقة التضامن والاستقرار الحكومي» على الأطراف المشكلة للائتلاف الحكومي، في محاولة لتجاوز حالة الاحتقان السياسي وعدم التجانس بين الأحزاب المشكلة للحكومة، وخاصة بعد اندلاع الخلاف الحاد بين ممثلي حركة النهضة (إسلامية) وحركة الشعب (قومية). لكن هذه المحاولة لم تنجح بسبب اشتراط حركة النهضة توسيع دائرة المشاركين في الحكومة، وانضمام حزب قلب تونس، الذي يرأسه نبيل القروي المثير للجدل والذي تحوم حوله شبهات فساد، وذلك ضمانا لحزام سياسي أوسع قادر على تجاوز الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المرتقبة.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.