قلق في موسكو من تداعيات «قانون قيصر» على الشركات الروسية

TT

قلق في موسكو من تداعيات «قانون قيصر» على الشركات الروسية

مع غياب رد الفعل الرسمي من جانب موسكو بعد دخول «قانون قيصر» الأميركي حيز التنفيذ، برزت تعليقات غاضبة لمسؤولين وبرلمانيين وخبراء في وسائل الإعلام، عكست درجة القلق لدى موسكو من التداعيات المحتملة للقانون الجديد. وتجاهلت الخارجية الروسية التعليق بشكل مباشر على التطور، لكن وسائل إعلام روسية حذرت من «اختبار جديد صعب للعلاقات الروسية الأميركية»، وعكست العبارة أن جزءاً كبيراً من النخب ينظر إلى القانون ليس بصفته يستهدف سوريا بل بكونه يستهدف روسيا نفسها.
جاء ذلك، بعد تعليقات سابقة وصفت نتائج القانون الأميركي، بأنها ستكون «أسوأ من الحرب» على مدى السنوات التسع الماضية، وهو أمر برز أيضاً في تعليقات المبعوث الرئاسي الروسي إلى دمشق ألكسندر يفيموف الذي وصف التطور بأنه «إرهاب اقتصادي» تستخدمه واشنطن لتقويض الإنجازات التي حققتها موسكو مع الحكومة السورية في سوريا، متعهداً بأن الولايات المتحدة لن تحقق أهدافها لأن «روسيا وحلفاءها يقفون في الجانب الصحيح من التاريخ».
لكن الأسوأ من المخاوف على مصير الشركات الروسية الكبرى التي وقعت عقوداً مجزية خلال السنوات الأخيرة في سوريا، الإشارة التي أطلقتها وسائل إعلام حول تعقيد الموقف أكثر أمام صادرات الأسلحة والمعدات الروسية إلى سوريا، ولأن إمدادات القوات الروسية العاملة على الأراضي السورية ستكون أيضاً في جزء منها تحت رقابة من جانب واشنطن لأن القانون نص على فرض عقوبات على الأشخاص والمؤسسات التي تدعم إمكانات الجيش السوري أو تمارس نشاطاً عسكرياً يستهدف المدنيين. ووفقاً لنص القانون فهو يشمل «أي رعايا أجانب يعملون في الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة السورية أو القوات الأجنبية التابعة للحكومة السورية بشكل مباشر أو غير مباشر»، بما في ذلك على صعيد توريد قطع غيار الطائرات لهم، في حالة استخدام هذه الطائرات «في أغراض عسكرية في سوريا لصالح دمشق. وبالمثل، يحظر توفير السلع والخدمات التي تدعم تشغيل هذه الطائرات.
ومع اطمئنان روسيا إلى أن لديها وسائل لمواجهة مشكلة إمدادات قواتها المسلحة في سوريا من دون التعرض لمضايقات أميركية، لكن هذا المنحى يفسر هذا في جانب منه توجه موسكو أخيراً نحو تفعيل النقاشات على المستوى العسكري مع الأميركيين لتطوير التنسيق العسكري في سوريا، الذي كان مركزاً حتى الآن لمواجهة الحوادث العرضية غير المقصودة. بمعنى آخر، فإن موسكو تسعى إلى الاتفاق مع واشنطن على عدم المساس بإمدادات المؤسسة العسكرية الروسية في سوريا.
يبقى الجهد الأساسي موجهاً نحو ضمان مصالح الشركات الروسية، خصوصاً أن الحديث هنا يدور عن قطاعات محددة توليها روسيا أهمية فائقة، بينها التجارة والتعاون الاقتصادي في قطاعات صناعة النفط، وصناعات الطيران، والإنشاءات، فضلاً عن النظام المصرفي، وكلها قطاعات وضعت الشركات الروسية جهوداً كبرى لتوسيع نفوذها في سوريا. وكانت شركات روسية فازت بعقود مهمة لا تقتصر على القطاع النفطي وقطاع الغاز، بل تمتد لقطاعات البنى التحتية، ووقعت موسكو ودمشق عقوداً واتفاقات لإعادة تأهيل الطرق وقطاع المواصلات، وأخرى لتحديث المطارات والموانئ، كما فازت موسكو بعقد لتشغيل ميناء طرطوس التجاري بعد منافسة مع طهران على الفوز بهذا العقد، فضلاً عن عشرات الاتفاقات والعقود الأخرى في مجالات مختلفة، كلها يبدو مصيرها معلقاً بعد دخول القانون حيز التنفيذ، خصوصاً أنه فرض أيضاً عقوبات على القطاع المصرفي، مما يقلص من قدرة موسكو على التعاملات المالية مع الشركات في سوريا ومع القطاع الحكومي السوري.
في غضون ذلك، أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، مشاركة روسيا في مؤتمر حول تقديم المساعدات الإنسانية لسوريا يعقده الاتحاد الأوروبي نهاية الشهر، معرباً عن أسفه لعدم دعوة ممثلين عن دمشق لحضوره.
وقال لافروف، عقب اتصال هاتفي مع مفوض الأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل: «يخطط الاتحاد الأوروبي لعقد مؤتمر دوري حول تقديم المساعدة الإنسانية للسوريين، عبر الفيديو. تسلمنا الدعوة ونخطط للمشاركة به». وأضاف الوزير الروسي: «مرة أخرى أعربنا عن أسفنا لأن هذا المؤتمر، كما هو الحال مع العديد من مؤتمرات الاتحاد الأوروبي، لم يوجه دعوة للجانب السوري، للحكومة الشرعية في دمشق».
وكان الاتحاد الأوروبي قد أعلن في مارس (آذار) الماضي، عن تخصيص حزمة مساعدات إضافية إلى سوريا، بقيمة 170 مليون يورو، ستحول 60 مليون يورو منها للاستجابة للأزمة الإنسانية في شمال غربي سوريا.



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.