واشنطن تخيّر الأسد بين التسوية وعقوبات على نظامه وداعميه

بيدرسن يحذّر من «مجاعة تدق أبواب» سوريا

TT

واشنطن تخيّر الأسد بين التسوية وعقوبات على نظامه وداعميه

حذّر المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسن، من أن «المجاعة تدق الأبواب» في ظل انهيار اقتصادي واسع تشهده البلاد، بعد نحو 10 سنين من الحرب، فضلاً عن «التأثير الكبير» للأزمة المصرفية في لبنان، وتداعيات «قانون قيصر» الذي أقرّته الولايات المتحدة، ويبدأ سريانه اليوم. فيما خيّرت المندوبة الأميركية لدى المنظمة الدولية كيلي كرافت نظام الرئيس بشار الأسد بين متابعة المسار الدولي للعملية السياسية أو استمرار حجب تمويل عن إعادة الإعمار وفرض عقوبات على النظام وداعميه الماليين.
واستهل المبعوث الدولي إحاطته خلال جلسة عبر الفيديو لأعضاء مجلس الأمن بالحديث عن «الانهيار الدراماتيكي للأوضاع الاقتصادية في كل أنحاء البلاد»، مشيراً إلى أنه خلال أسبوع واحد فقط، انخفض سعر صرف الليرة السورية في السوق بأكثر من الانخفاض الذي حصل خلال 9 سنين كاملة، مضيفاً أن معدل التضخم بلغ مستويات الذروة في الأشهر الستة الماضية. وقال: «تضرب الأزمة الاقتصادية كل جزء من سوريا، بصرف النظر عمن يسيطر على الأراضي. من دمشق والجنوب الغربي... إلى حلب والشمال الغربي... وإلى الشمال الشرقي»، ملاحظاً أنه «قبل هذا التدهور الأخير، كان التقدير أن أكثر من 80 في المائة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر (...) ومن المرجح أن يكون الفقر الآن أكثر حدة». وكرر تحذير المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي ديفيد بيزلي من أنه «إذا تواصل التدهور، فإن المجاعة يمكن أن تدق على الأبواب».
وأضاف أن «الحرب المتواصلة منذ عقد في سوريا أدت إلى تدمير شعب سوريا وبيئتها وبنيتها التحتية ونسيج مجتمعها، صلات الثقة التي يقوم عليها أي اقتصاد»، معتبراً أن «المظالم الاقتصادية في سوريا اتصفت أيضاً بالفساد وسوء الإدارة المالية والنقدية المتكررة». ولفت إلى «وجود عوامل جديدة انضمت إلى هذه المشكلات الهيكلية الأساسية، ما دفع الاقتصاد إلى حافة الهاوية»، موضحاً أن «الأزمة المصرفية في لبنان المجاور لها تأثير كبير»، فضلاً عن تداعيات جائحة «كوفيد 19»، بالإضافة إلى «العقوبات الكبيرة التي تفرضها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي» وتستهدف الأفراد والكيانات التابعة للحكومة، بالإضافة إلى «تقييد النشاطات المالية والمصرفية، والنفط والغاز والقطاعات العسكرية والصادرات والإقراض المتعدد الأطراف والاستثمار في سوريا».
وإذ أشار إلى المظاهرات السلمية خلال الأسابيع الأخيرة في مناطق مثل السويداء ودرعا وإدلب «احتجاجاً على مجموعة من المظالم»، أفاد أنه جرى تلافي مواجهة عنيفة حول مدينة طفس في جنوب غربي سوريا بوساطة روسية، ملاحظاً أن «هذه منطقة توجد فيها توترات جيوسياسية أوسع، ويبدو أنها تزداد حدة». وذكر بالتقارير عن الضربات الجوية الإسرائيلية داخل سوريا، ورأى أن جنوب البلاد يشهد نشاطاً لخلايا «داعش». وعودة التوتر إلى الشمال الغربي بعد التهدئة التي جلبتها روسيا وتركيا إلى المنطقة. وأمل في استمرار الهدوء في إدلب وأماكن أخرى.
وعبّر بيدرسن عن استعداده لعقد وتيسير الجولة الثالثة من اجتماعات اللجنة الدستورية بقيادة وملكية سوريتين، آملاً في عقد جلسة في جنيف ممكنة بحلول نهاية أغسطس (آب) المقبل. وقال: «ستواجه الأطراف السورية صعوبات كبيرة في حل مشكلات سوريا من دون دبلوماسية حقيقية بين اللاعبين الدوليين الرئيسيين ذوي النفوذ»، مذكراً بأن «هناك 5 جيوش دولية لا تزال تعمل في كل أنحاء البلاد». واعترف بأن «هناك اختلافات حقيقية وموضوعية بين هؤلاء اللاعبين الدوليين»، معبراً عن «اقتناعه بأن هناك مصالح مشتركة لبناء مثل هذه الدبلوماسية، وهناك التزام معلن مشترك لدفع القرار 2254 ودعم العملية السياسية في جنيف».
وتحدثت المندوبة الأميركية عما سمته «خطوات حاسمة» ستتخذها إدارة الرئيس دونالد ترمب بدءاً من اليوم (الأربعاء) «بغية منع نظام (الرئيس بشار) الأسد من تحقيق نصر عسكري»، بالإضافة إلى «توجيه النظام وحلفائه مرة أخرى نحو المبعوث الخاص بيدرسن والعملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة»، مؤكدة أن «هدفنا هو حرمان نظام الأسد من العائدات والدعم الذي استخدمه لارتكاب الفظائع الواسعة النطاق وانتهاكات حقوق الإنسان التي تحول دون حل سياسي وتقلل بشدة من احتمالات السلام». وأوضحت أن «العقوبات الإلزامية المنصوص عليها في قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا لعام 2019 هدفه ردع الجهات الشريرة التي تستمر في مساعدة وتمويل فظائع نظام الأسد ضد الشعب السوري»، مضيفة أن «قانون قيصر يتضمن أحكاماً قوية لضمان عدم تأثر المساعدة الإنسانية بأي شكل من الأشكال بالتشريع». وخيّرت نظام الأسد بين متابعة المسار السياسي المحدد في القرار 2254، أو خيار «الاستمرار في حجب تمويل إعادة الإعمار وفرض عقوبات على النظام وداعميه الماليين».



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.