الجيش العراقي يدخل معركة مفتوحة مع مطلقي صواريخ الكاتيوشا

TT

الجيش العراقي يدخل معركة مفتوحة مع مطلقي صواريخ الكاتيوشا

توقف الحوار الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن، بانتظار جولة أو جولتين مقبلتين في غضون شهر أو شهرين، فيما لم يتوقف إطلاق صواريخ الكاتيوشا على مناطق معلومة من العاصمة العراقية بغداد يوجد فيها أميركيون. وبينما تبدو خريطة المناطق التي تضم جنوداً أو مستشارين أميركيين معروفة، وهي السفارة الأميركية وسط المنطقة الخضراء، ومعسكر التاجي شمال غربي بغداد، ومحيط مطار بغداد، فإن الجديد هذه المرة هو تمكن الأجهزة الاستخبارية العائدة للجيش العراقي من الوصول إلى أدلة يمكن أن تقود إلى الكشف عن الأطراف الضالعة في استمرار عمليات القصف، في وقت يسود فيه اعتقاد أن هناك تفاهماً بين مختلف الجهات، بما في ذلك فصائل قريبة من إيران، على انتظار نتائج الحوار في مختلف جولاته، وليس الحكم عليه من جولة واحدة، وعبر دائرة تلفزيونية مغلقة.
وفيما كانت المناطق الأثيرة للجماعات المسلحة هي مناطق شرق القناة في جانب الرصافة من بغداد، فإن الصواريخ الأخيرة انطلقت من أماكن جديدة، مثل منطقة الراشدية شمال شرقي بغداد التي انطلق منها الصاروخان الأخيران اللذان استهدفا المنطقة الخضراء في بغداد، ومعسكر التاجي إلى الشمال منها، حيث إن الصواريخ التي أعلنت أمس عنها خلية الإعلام الأمني انطلقت هذه المرة من منطقة جديدة تماماً، تكاد تكون ملاصقة للمطار، وهي منطقة المكاسب. وطبقاً للبيان، فإن 3 صواريخ من نوع كاتيوشا سقطت، بعد منتصف ليلة الاثنين، في محيط مطار بغداد الدولي، دون خسائر تذكر. وأضافت أن «انطلاقها كان مِن حي المكاسب»، مشيرة إلى أن «الجهات التي نفذت هذا الاعتداء استخدمت (قواعد خشبية لإطلاق الصواريخ)، حيث عثرت القوات الأمنية عليها، ووجد فيها صواريخ متبقية تم إبطالها».
وطبقاً لخلية الإعلام الأمني ذاتها، في بيان سابق، فإنها تمكنت من الحصول على معلومات مهمة بعد ملاحقتها سيارة كانت تقل صواريخ في منطقة الراشدية، دون أن تفصح عن طبيعة ونوع المعلومات التي حصلت عليها.
وطبقاً لما أعلنته قيادة العمليات المشتركة، فإنها ربما تكون دخلت معركة مفتوحة مع الجهات التي تتولى إطلاق هذه الصواريخ، ومن يقف خلفها. وكشفت قيادة العمليات المشتركة، أمس، عن تشكيل لجان للكشف عن مطلقي الصواريخ. وقال الناطق باسم قيادة العمليات المشتركة، اللواء تحسين الخفاجي، في تصريح، إن «العمليات المشتركة شكلت لجاناً لملاحقة الجهات التي تقوم بإطلاق هذه الصواريخ وتقديمها للعدالة»، لافتاً إلى أن «العمليات المشتركة مستمرة بالعمل، بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية والاستخبارية».
وأكد الخفاجي أن «هذا الموضوع ليس سهلاً، وهو يحتاج إلى دقة للتأكد من هوية من يقوم بهذه الأعمال، وأن اللجان بدأت بالعمل، والنتائج سترفع إلى القائد العام للقوات المسلحة، وهو من يتخذ القرار».
وأوضح أن «هذه اللجان تشترك فيها جميع الأجهزة الأمنية والاستخبارية. وحسب توجيه القائد العام، سيتم التحقيق في كل قاطع يقع فيه الخرق لمعرفة أسباب حدوث هذا الخرق». وعد الخفاجي أن «إطلاق الصواريخ هو تصرف فردية لا يعكس نظر الدولة في تطبيق القانون وفرض السيادة».
وكان إطلاق الموجة الجديدة من الصواريخ قد تزامن مع بدء الحوار الاستراتيجي العراقي - الأميركي الأسبوع الماضي. ورغم انتهاء الجولة الأولى من الحوار بتأكيد الطرفين أهمية الحفاظ على سيادة العراق، فإن الصواريخ لم تتوقف.
إلى ذلك، كشف الوكيل الأقدم لوزارة الخارجية رئيس الفريق العراقي المفاوض، عبد الكريم هاشم، عن البنود الخاصة بانسحاب القوات الأميركية ضمن المباحثات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والعراق.
وقال هاشم، في تصريح، إن «المباحثات استمرت لـ3 أشهر بين الجانبين، وتم تقديم كثير من المقترحات والتفاصيل في العلاقة لحين إجراء لقاء الفيديو بين الطرفين لتقديم تفاصيل الحوار فقط، وورقة العمل التي كشف عنها مؤخراً».
وأضاف أنه في «الفقرة الرابعة من البيان الختامي، جددت الولايات المتحدة الأميركية على احترام سيادة العراق، والقرارات ذات الصلة من السلطتين التشريعية والتنفيذية، ما يشير صراحة إلى احترام قرار البرلمان بشأن الانسحاب من العراق، فضلاً عن الإشارة إلى سحب جزء من القوات الأميركية خلال الأشهر المقبلة»، موضحاً أنه «لا يوجد عراقي واحد يقبل بالوجود الأجنبي على أراضيه».
وفي هذا السياق، أكد الدكتور ياسين البكري، أستاذ العلوم السياسية في جامعة النهرين، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «مشكلة الحوار العراقي - الأميركي أنه لم تتضح أو تعلن أهدافه النهائية: هل هو للتأسيس لاتفاقية جديدة أم تفعيل اتفاقية الإطار الاستراتيجي؟ وبالتالي يمكن وصفه بأنه عملية جس نبض أو اختبار نوايا».
ورداً على سؤال بشأن استمرار الاستهداف عبر الكاتيوشا، يقول البكري إن «الكاتيوشا توضح قلق الأجنحة المسلحة»، مبيناً أن «رسالة الكاتيوشا تريد أن تقول للكاظمي وأميركا: نحن موجودون، وإرادتنا وخطوطنا الحمراء ما زالت حمراء، ومطلبنا هو رحيل القوات الأميركية» مؤكداً في الوقت نفسه أنه «يمكن للرسالة أن تشير في ما بين سطورها إلى أننا مستعدون لصفقة تضمن مصالحنا».
أما أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكوفة، الدكتور إياد العنبر، فيقول لـ«الشرق الأوسط»، لجهة الحكم على الحوار الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن، إنه «من المبكر جداً تقييم نتائج الحوار من جلسة واحدة كانت أقرب لاستعراض الخطوط العامة التي يمكن أن تشكل محاور الحوار فقط، وليس الدخول في التفاصيل التي قد تكون معقدة بسبب تشتت المواقف السياسية العراقية إزاء تفاصيل الحوار».
وأضاف العنبر أن «الموقف الإيجابي هو الجلوس على طاولة الحوار، والانتقال من حصر النقاشات بين الطرفين بشأن الوجود والتعاون العسكري إلى قضايا تتعلق بآفاق الشراكة الاقتصادية، وهو ما يمكن التعويل عليه، في حال كانت له الأولوية في الحوارات المقبلة».
وبشأن استمرار إطلاق الصواريخ، يقول العنبر إن «هناك كثيراً من الأطراف التي تريد إحراج حكومة الكاظمي، وتبعث رسائل تأكيد وجود واستعراض قوة، من خلال عمليات استهداف مقرات وجود القوات الأميركية في بغداد، وقد يكون هناك تصعيد في محافظات أخرى».
وأوضح العنبر أن «تعدد الجهات التي ترغب في إيصال رسائلها عن طريق عمليات إطلاق الصواريخ يجعل موقف الحكومة ضعيفاً جداً، في حال ذهابها باتجاه خيار الاتفاق للتهدئة»، مبيناً أن «رسالة الحكومة يجب أن تكون واضحة صريحة بتحديد الجهات التي تسعى إلى وضعها في موقف محرج، وتحديد الجهات التي تحترم الدولة، ولا تريد مصادرتها».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.