طبيبة مصرية منعها الفيروس من علاج المرضى فقهرته بدعمهم نفسياً

مروة عكر: الإصابة لا تمنع أداء واجب المهنة

الطبيبة مروة وابنتها ريماس تتوسطان بعض المرضى والطاقم الطبي بمستشفى العزل
الطبيبة مروة وابنتها ريماس تتوسطان بعض المرضى والطاقم الطبي بمستشفى العزل
TT

طبيبة مصرية منعها الفيروس من علاج المرضى فقهرته بدعمهم نفسياً

الطبيبة مروة وابنتها ريماس تتوسطان بعض المرضى والطاقم الطبي بمستشفى العزل
الطبيبة مروة وابنتها ريماس تتوسطان بعض المرضى والطاقم الطبي بمستشفى العزل

مع بدايات أزمة كورونا، كانت الطبيبة المصرية مروة عكر تُكثّف من الاهتمام برفع مناعة بناتها الأربع، باعتباره حائط صدٍ رئيسياً في مواجهة الفيروس المستجد، فمروة عكر طبيبة الأمراض الباطنة بمستشفى الصحة النفسية بمدينة طنطا بمحافظة الغربية (دلتا مصر) ليست بعيدة عن الإجراءات الاحترازية المُشددة التي يحرص الأطباء في مصر على توفيرها داخل بيوتهم باعتبارهم الصف الأول في مواجهة «كوفيد - 19».
لكن الحذر لم يمنع القدر، بعد أن لاحظت مروة (42 عاماً)، على نفسها أعراض الإصابة بالفيروس، تقول لـ«الشرق الأوسط»: «كانت علامات خفيفة، صداع مستمر، وحرارة مرتفعة، وألم في البطن، توجست في البداية، ثم لاحظت ذات الأعراض على واحدة من بناتي، وهنا بدأت في مواجهة هذا القلق بخطوة إجراء الاختبار».
ظهرت الأعراض على مروة وابنتها خلال شهر رمضان الماضي، ورغم عملها طبيبة فإن خطوة إجراء الاختبار كلفتها المرور على 3 مستشفيات حُميات، ولم تُوفق في إجرائها بسبب الإجراءات التي تُقوّض فرص إجراء الاختبارات أخيراً في المستشفيات حسب تدابير وزارة الصحة المصرية، واضطرت للذهاب إلى مستشفى بعيدة عن مدينتها، إذ قصدت مستشفى الصدر بالمحلة الكبرى حيث استطاعت إجراء الأشعة والفحص لها ولابنتها، التي أظهرت إصابة كلتيهما بـ«كورونا»، وعلى الرغم من عملها طبيبة فإن مروة تقول: «لا يمكننا إثبات مصدر الإصابة، خاصة أن الإصابة تلت مخالطة زوجي لعدد كبير من الناس خلال عزاء والدته، الأمر الذي قد يكون هذا هو السبب الأكبر لإصابتنا، خاصة أنه أصيب هو الآخر بعدي أنا وابنتي بأيام».
تشتت شمل العائلة، بعد أن تم حجز الأم وابنتها ريماس (10 سنوات)، في مستشفى العزل بكفر الزيات، لأكثر من أسبوعين، والتحق الأب بذات المستشفى فيما بعد، وانتقلت بناتها الثلاث الأخريات للإقامة لدى جدتهن. «كانت ريماس تتواصل مع أخواتها طيلة الوقت عبر شاشة هاتفها»، وفي المستشفى بدأت رحلة جديدة لمروة عكر الطبيبة، ولكن هذه المرة وهي مريضة عزل، تقول: «اقتربت من الوضع الصعب والقاسي نفسياً الذي يعانيه مرضى العزل، فمعظم المرضى كانوا يعانون من مشاعر سلبية وكأنهم ينتظرون الموت».
لا تُنكر مروة خشيتها من تأثير تلك الأجواء على صحة ابنتها النفسية، فالطفلة ذات العشر سنوات، وجدت نفسها في مكان يتم فيه التعامل مع المرضى بحذر وخوف شديدين، «بعض الممرضات كن حديثات التخرج، وكانت أول خدمتهم في المستشفى لرعاية مرضى العزل، فشعرت بمدى ذُعرهن، وهن يتعاملن مع المرضى، ويضعن الطعام لهم بعيداً».
وتروى الطبيبة المصرية: «تحدثت إلى الممرضات باعتبار مهنتي، واستطعت مع الوقت بدعم كبير من مدير المستشفى أن نحقق مساحة أكبر من الحرية لمرضى العزل في الخروج من غرفهم، بالمشي بالتناوب داخل طرقات المستشفى، وقمنا بأنفسنا بتطهير شرفة كبيرة كانت مهجورة بالمستشفى من أجل أن يتناوب المرضى الجلوس بها والتمتع بالشمس، علاوة على إحضارنا كثيراً من المستلزمات الإضافية من مشروبات ساخنة وعصائر طبيعية وغيرها من المستلزمات التي بدأت تُخرج المرضى من حالة اليأس والتحسن».
تتذكر مروة كيف أن تلك الفترة تزامنت مع البحث الذي أقرته وزارة التعليم المصرية بديلاً لامتحان نهاية العام، «كانت ريماس في وسط أجواء العزل تكتب البحث عبر المنصة الإلكترونية لوزارة التربية والتعليم»، ولم تكن ريماس وحدها التي تواصل عملية التعليم عن بُعد في مستشفى العزل؛ حيث كان هناك عدد من الأطفال في المستشفى يقومون بالإجراء نفسه، تقول مروة: «ريماس تعلمت في تلك التجربة مهارات كبيرة في التواصل والتخفيف عمن حولها، خاصة الأطفال، وفي تلك الفترة أيضاً حضرنا العيد داخل المستشفى، وقررنا إحضار بعض الألعاب للتسرية عن الأطفال في تلك الظروف الضاغطة، كما قمنا في اليوم الأخير لنا بعد تعافينا بإعداد حفل صغير للأطباء والممرضات تحية على جهودهم الكبيرة معنا».
بعد تعافي مروة عكر، وزوجها، وابنتهما، تُسخر مروة أغلب وقتها الآن لدعم ومساعدة مرضى العزل المنزلي، فهي تتلقى على مدار اليوم اتصالات من المصابين وعائلاتهم لمتابعة تطورات تعافيهم في بيوتهم، وتقول: «هذه الرحلة ما زالت متواصلة، قلت لابنتي إن الله ربما أرسلنا لتجربة العزل لمساعدة آخرين، ولا زلت على تواصل كبير مع جميع المرضى الذين عرفتهم في مستشفى العزل، ويجمعنا الآن غروب (واتس أب) ونقوم عبره حالياً بحشد المتعافين للتبرع بالبلازما لمساعدة المصابين».


مقالات ذات صلة

«كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

صحتك «كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

«كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

يؤثر على 6 : 11 % من المرضى

ماثيو سولان (كمبردج (ولاية ماساشوستس الأميركية))
صحتك أطباء يحاولون إسعاف مريضة بـ«كورونا» (رويترز)

«كورونا» قد يساعد الجسم في مكافحة السرطان

كشفت دراسة جديدة، عن أن الإصابة بفيروس كورونا قد تساعد في مكافحة السرطان وتقليص حجم الأورام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
أوروبا الطبيب البريطاني توماس كوان (رويترز)

سجن طبيب بريطاني 31 عاماً لمحاولته قتل صديق والدته بلقاح كوفيد مزيف

حكم على طبيب بريطاني بالسجن لأكثر من 31 عاماً بتهمة التخطيط لقتل صديق والدته بلقاح مزيف لكوفيد - 19.

«الشرق الأوسط» (لندن )
الاقتصاد السعودية تصدرت قائمة دول «العشرين» في أعداد الزوار الدوليين بـ 73 % (واس)

السعودية الـ12 عالمياً في إنفاق السياح الدوليين

واصلت السعودية ريادتها العالمية بقطاع السياحة؛ إذ صعدت 15 مركزاً ضمن ترتيب الدول في إنفاق السيّاح الدوليين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
صحتك تم تسجيل إصابات طويلة بـ«كوفيد- 19» لدى أشخاص مناعتهم كانت غير قادرة على محاربة الفيروس بشكل كافٍ (رويترز)

قرار يمنع وزارة الصحة في ولاية إيداهو الأميركية من تقديم لقاح «كوفيد»

قرر قسم الصحة العامة الإقليمي في ولاية إيداهو الأميركية، بأغلبية ضئيلة، التوقف عن تقديم لقاحات فيروس «كوفيد-19» للسكان في ست مقاطعات.

«الشرق الأوسط» (أيداهو)

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».