جورج البهجوري يداعب «أحلام الديمقراطية» في معرض جديد بالقاهرة

احتفى بعدد من الرموز الفنية والسياسية وأجواء الأحياء الشعبية

{الفريق عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع المصري}

يلتقط الفنان جورج البهجوري مفردات عالمه التشكيلي من حركة البشر العاديين وأشواقهم الحارة البسيطة المنداحة في دبيب المدينة ودوامة الواقع والحياة، ويطل عليها من نوافذ لوحاته وكأنها صيرورة ممتدة في الزمان والمكان، حيث تبرز اللوحة كـ«ونسة» شعبية حميمة، مقربة من القلب، مفتوحة على الماضي والحاضر معا، قادرة على أن تجدد حيويتها، وتمنحك نفسها كل يوم بشكل جديد.
تنعكس هذه الأجواء بقوة على معرض البهجوري الجديد «أحلام الديمقراطية» المقام حاليا بغاليري مسار بالقاهرة؛ فعبر 35 لوحة زيتية بأحجام متنوعة يضمها المعرض، يختصر البهجوري المسافة بين اللوحة والمتلقي، الذي يجد نفسه فيها بشكل مباشر، سواء بالعزف اللوني والبصري على مجموعة من رموز الوطن في شتى المجالات السياسية والاجتماعية والفنية، أو في استعادة مشاهد من حياة الماضي المثقل بالشجن والحنين، يجسدها في تكوينات فنية لافتة، قادرة على أن تنعش بقوة فضاء الذاكرة والحلم.
فمن بين لوحات المعرض، لوحة للزعيم الراحل جمال عبد الناصر، وأخرى للفريق عبد الفتاح السيسي، الذي أصبح بطلا قوميا بعد الإطاحة بحكم جماعة الإخوان المسلمين في مصر، كما نجد صورة لكوكب الشرق أم كلثوم، بالإضافة لبعض اللوحات التي تعبر عن عالم الطرب والموسيقى، وحي الحسين الشعبي، وصلاة الجمعة والمآذن وهي تصدح بالأذان، وفن العرائس، ولوحات أخرى عن بائع «السميط» والخبز (العيش) أحد المطالب الأساسية لثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011.
يندفع البهجوري بتلقائية شديدة على مسطح اللوحة، موحدا بين انفعالاته بالواقع الخارجي المثير وتحولات الشكل الذي يأتي طيعا وأليفا، مبتكرا حلوله الفنية بعفوية، سواء مع اللون والضوء والخط والفراغ، أو غيرها من المقومات البصرية.
وفي لوحات المعرض تتبدى خبرة البهجوري الطويلة في رسوم الكاريكاتير والبورتريه والعرائس، والنحت على الخشب والبرونز؛ فهو فنان يعرف جيدا طبيعة العلاقة بين الكتلة والفراغ، كيف ينمي ويبتكر مساراتهما المباغتة والمنسجمة بتوازن رائق في فضاء اللوحة، مانحا التكوين ذبذبة النغمة الموسيقية، والإحساس بثقل وخفة الكتلة كنسق نحتي، مغمور وممتلئ بفراغ الداخل والخارج معا.
وبحس طازج يرفد متعة الفرجة بإيقاعها الشعبي الحي، بمتعة التأمل الأبعد فيما وراء العناصر والأشياء، يلجأ البهجوري لمنظور لوني مشرق دافئ، مريح للعين، بعيدا عن البهرجة والثرثرة، حيث تنداح الألوان بصبغاتها المتنوعة أحيانا في مساحات لونية صريحة يتجاور ويتقاطع فيها الأزرق والوردي، والأصفر الخافت المشرب بتدرجات بنية شفيفة، كما يستخدم الأحمر المشرق، في تموجات ساجية، توحي بحوارية متصلة بين السطح والعمق، تمتد إلى فضاء التكوين وحركة الأشكال والشخوص.. ويتعانق اللون مع منظور خطي متنوع أفقيا ورأسيا وفي زوايا متعددة، يوحد الصورة بفضاء الرسم، ويدفع الإيهامات التجريدية إلى واجهة التكوين والصورة لإبراز حضور الشكل وإضفاء صفة البناء الصرحي على الصورة نفسها، تاركا للمشاهد أن يحدد مسافة القرب والبعد منها، أو طريقة النظر إليها من زاوية معينة وبإحساس خاص.
ومن ثم فـ«أحلام الديمقراطية» التي اتخذها البهجوري عنوانا لمعرضه المتميز، هي نفسها أحلام الحنين إلى الماضي، الحنين إلى الطفولة، طفولة الوطن والفنان معا، وهي أيضا طفولة الفن والحياة، فثمة حنين دائم للأحياء الشعبية وعبقها الروحي ورموزها الفاتنة، ثمة حنين إلى عبد الناصر وأم كلثوم، وإلى نسمة «عصاري» حانية على ضفاف النيل.
يذكر أن جورج البهجوري درس الفن بكلية الفنون الجميلة بالزمالك في القاهرة، وتخرج فيها عام 1955، وسافر إلى فرنسا عام 1970 وأقام في باريس لمدة ثلاثين سنة، مما أدى إلى صقل موهبته في الرسم والنحت وفن العرائس. كتب رواية حصلت على إعجاب عدد من الكتاب والنقاد، وله مقالات نقدية في السينما والفن، واختيرت أعماله لتمثيل الجناح المصري في متحف اللوفر عام 1999، وحصل على جائزة الميدالية الفضية، وحصل على جائزة الإبداع العربي من العاهل الأردني الراحل الملك حسين، كما حصل على جوائز كثيرة من إسبانيا وإيطاليا لفن الكاريكاتير، والتحق بجماعة فن الكاريكاتير من أجل السلام، ورشحته هيئة الأمم المتحدة برئاسة كوفي أنان والرسام الفرنسي بلانتو وأصبح الفنان رقم 17 في هيئة الأمم المتحدة.
وفي بداية حياته عمل رسام كاريكاتير في مجلتي «صباح الخير» و«روز اليوسف» بمصر، كما حاز المرتبة الأولى كفنان بورتريهات في فرنسا وإسبانيا وإيطاليا، عرضت أعماله النحتية من الخشب والبرونز في الكثير من المعارض في فرنسا وكندا، وقام بإنتاج عملين نحتيين من الغرانيت.