أزمة ثلاثية في مناطق النظام... غذاء ودواء ودولار

صرف القطع الأميركي يصل إلى 225 ليرة سورية

TT

أزمة ثلاثية في مناطق النظام... غذاء ودواء ودولار

تصاعدت تأثيرات «قانون قيصر» في مناطق سورية عدة، خصوصاً في دمشق، قبل أسبوعين من البدء بتنفيذه، وأدت إلى انهيار سريع بقيمة الليرة السورية أمام الدولار الأميركي، وارتفاع جنوني في الأسعار، ما فاقم الأزمة المعيشية، إضافة إلى تفجر أزمة الدواء.
ويؤكد متعاملون في السوق السوداء لـ«الشرق الأوسط» أن سعر صرف الليرة في دمشق وصل، الخميس، إلى «2150 للشراء، مع ندرة عمليات البيع بأقل من 2250». واعتمد «مصرف سوريا المركزي»، أواخر مارس (آذار) الماضي، سعر 700 ليرة للدولار في جميع التعاملات، باستثناء تمويل «المستوردات للسلع الأساسية، وفق العقود المبرمة مع كل من (المؤسسة) السورية للتجارة والمؤسسة العامة للتجارة الخارجية» التي أبقى المصرف سعر الصرف فيها على حاله في النشرة الرسمية، البالغ حتى الآن 438 ليرة للدولار. وأصدر «المركزي»، الثلاثاء الماضي، تعميماً نص على «عدم نقل الأموال بالليرة السورية بين المحافظات (برفقة مسافر) لمبالغ تزيد على 5 ملايين ليرة سورية».
وبدأت رحلة انهيار الليرة مع اندلاع الاحتجاجات، منتصف مارس (آذار) 2011، بعدما حافظت الليرة على سعر بين 45 و50 مقابل الدولار في الفترة ما بين 2000 ونهاية 2010، ثم وصل إلى نحو 640 عام 2016، ومن ثم إلى 683 في سبتمبر (أيلول) 2019. وزاد التدهور مع تواصل الأزمة الاقتصادية في لبنان، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث وصل بداية العام إلى نحو 1200. وفاقم فيروس «كورونا»، في مارس (آذار) الماضي، والخلاف في مايو (أيار) الماضي بين النظام السوري ورجل الأعمال رامي مخلوف ابن خال الرئيس السوري بشار الأسد، من التراجع إلى 1800.

أزمة دواء
وظهرت أكثر للعلن في مناطق سيطرة الحكومة أزمة صناعة الأدوية، حيث حذر النائب في مجلس الشعب السوري (البرلمان) وضاح مراد، في الثاني من الشهر الحالي، أمام المجلس، الحكومة من إغلاق معامل الأدوية بعد انتهاء موادها الأولية، خلال فترة أسبوع.
ويعد موظف في معمل أدوية لـ«الشرق الأوسط» أن «السبب في الأزمة الحاصلة امتناع المركزي عن تزويد أصحاب المعامل بالدولار بسعر 438 ليرة لشراء المواد الأولية، وحصولهم عليها من السوق السوداء، على حين تبقي الحكومة أسعار الأدوية على أساس سعر 438، ما كبد أصحاب المعامل خسائر كبيرة».
ولاحظت «الشرق الأوسط» إغلاق كثير من الصيدليات في العاصمة والأحياء المحيطة، بينما تشهد الأخرى ازدحاماً بالمواطنين خوفاً من الانقطاع. ويكشف تجار أدوية وأصحاب شركات توزيع أنه إضافة للأسباب السابقة لتفجر أزمة الدواء، يتحمل «حزب الله» اللبناني مسؤولية كبيرة فيها. ويؤكد أحدهم أن «تجاراً لبنانيين، برفقة (قادة عسكريين) من الحزب، أجروا كثيراً من صفقات شراء الأدوية السورية من مراكز أدوية في المناطق الحدودية، وحتى داخل مدنية دمشق». ويوضح أن «الحزب بدأ هذا الإجراء مباشرة بعد أزمة النظام المصرفي اللبناني».
وفي بداية التسعينيات، حصلت قفزة في الصناعة الدوائية السورية، ووصل عدد معامل الأدوية السورية عام 2011 إلى نحو 70 معملاً تنتج أكثر من 8 آلاف صنف، تغطي 93 في المائة من احتياج السوق المحلية، مع فائض يصدر إلى أكثر من 44 دولة.

الغذاء
الانهيار المتسارع الجديد في سعر صرف الليرة ترافق، كما في المرات السابقة، مع موجة ارتفاع جديدة في أسعار معظم المواد الغذائية الأساسية، تراوحت بين 30 و40 في المائة، الأمر الذي أدى إلى تفاقم الأزمة المعيشية للمواطنين بشكل يفوق قدرتهم على التحمل، خصوصاً أن دراسات وتقارير تؤكد أن أكثر من 87 في المائة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، مع تضاعف الأسعار ما بين 40 و60 ضعفاً منذ بدء الحرب، وبقاء الحد الأعلى للمرتبات الشهرية للموظفين في القطاعات الحكومية على حالها عند 50 ألف ليرة سورية (أقل من 25 دولاراً).
ولاحظت «الشرق الأوسط» أغلاق بعض المحال التجارية بسبب الارتفاع القياسي للدولار، بينما خلت صالات «المؤسسة السورية للتجارة» الحكومية المخصصة لبيع المواد الغذائية والمنظفات من معظم المواد الأساسية. ويقول لـ«الشرق الأوسط» موظف: «الحصول على ليتر زيت (نباتي) أو كيلو رز سيصبح حلماً؛ البلاد مقبلة على مجاعة»، ويضيف: «الناس تعبت كتير. لازم يفهموا، ويحلو عنا، ويتركونا نعيش».

حرائق
وما يزيد من صعوبة الحياة المعيشية عودة الحرائق «المفتعلة» هذا العام لتلتهم محاصيل القمح والشعير في عموم البلاد، مصحوبة بعودة تقاذف الاتهامات بين الأطراف، مع سباق على شراء المحاصيل الزراعية، علماً بأن الأخيرة تسيطر على نحو 35 من مساحة البلاد، وتشكل السلة الغذائية لسوريا.
وكان إنتاج القمح في سوريا قبل 2011 قد وصل إلى 4 ملايين طن في العام، وكان بإمكانها تصدير 1.5 مليون طن، في وقت قدر فيه تقرير أممي إنتاج العام الماضي بنحو 1.2 مليون طن، وسط معلومات عن أن الحكومة تسلمت منه نحو 500 ألف طن فقط.
وتحتاج المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة ما بين مليون ومليون ونصف طن سنوياً لسد احتياجاتها من مادة الطحين، لذلك تقوم منذ اندلاع الحرب بطرح مناقصات عالمية للشراء.



تقرير أممي: تدهور الأراضي الزراعية سيفقد اليمن 90 مليار دولار

اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
TT

تقرير أممي: تدهور الأراضي الزراعية سيفقد اليمن 90 مليار دولار

اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)

وضع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي سيناريو متشائماً لتأثير تدهور الأراضي الزراعية في اليمن إذا ما استمر الصراع الحالي، وقال إن البلد سيفقد نحو 90 مليار دولار خلال الـ16 عاماً المقبلة، لكنه وفي حال تحقيق السلام توقع العودة إلى ما كان قبل الحرب خلال مدة لا تزيد على عشرة أعوام.

وفي بيان وزعه مكتب البرنامج الأممي في اليمن، ذكر أن هذا البلد واحد من أكثر البلدان «عُرضة لتغير المناخ على وجه الأرض»، ولديه أعلى معدلات سوء التغذية في العالم بين النساء والأطفال. ولهذا فإنه، وفي حال استمر سيناريو تدهور الأراضي، سيفقد بحلول عام 2040 نحو 90 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي التراكمي، وسيعاني 2.6 مليون شخص آخر من نقص التغذية.

اليمن من أكثر البلدان عرضة لتغير المناخ على وجه الأرض (إعلام محلي)

وتوقع التقرير الخاص بتأثير تدهور الأراضي الزراعية في اليمن أن تعود البلاد إلى مستويات ما قبل الصراع من التنمية البشرية في غضون عشر سنوات فقط، إذا ما تم إنهاء الصراع، وتحسين الحكم وتنفيذ تدابير التنمية البشرية المستهدفة.

وفي إطار هذا السيناريو، يذكر البرنامج الأممي أنه، بحلول عام 2060 سيتم انتشال 33 مليون شخص من براثن الفقر، ولن يعاني 16 مليون شخص من سوء التغذية، وسيتم إنتاج أكثر من 500 مليار دولار من الناتج الاقتصادي التراكمي الإضافي.

تحذير من الجوع

من خلال هذا التحليل الجديد، يرى البرنامج الأممي أن تغير المناخ، والأراضي، والأمن الغذائي، والسلام كلها مرتبطة. وحذّر من ترك هذه الأمور، وقال إن تدهور الأراضي الزائد بسبب الصراع في اليمن سيؤثر سلباً على الزراعة وسبل العيش، مما يؤدي إلى الجوع الجماعي، وتقويض جهود التعافي.

وقالت زينة علي أحمد، الممثلة المقيمة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن، إنه يجب العمل لاستعادة إمكانات اليمن الزراعية، ومعالجة عجز التنمية البشرية.

تقلبات الطقس تؤثر على الإنسان والنباتات والثروة الحيوانية في اليمن (إعلام محلي)

بدورها، ذكرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) أن النصف الثاني من شهر ديسمبر (كانون الأول) الحالي يُنذر بظروف جافة في اليمن مع هطول أمطار ضئيلة في المناطق الساحلية على طول البحر الأحمر وخليج عدن، كما ستتقلب درجات الحرارة، مع ليالٍ باردة مع احتمالية الصقيع في المرتفعات، في حين ستشهد المناطق المنخفضة والساحلية أياماً أكثر دفئاً وليالي أكثر برودة.

ونبهت المنظمة إلى أن أنماط الطقس هذه قد تؤدي إلى تفاقم ندرة المياه، وتضع ضغوطاً إضافية على المحاصيل والمراعي، وتشكل تحديات لسبل العيش الزراعية، وطالبت الأرصاد الجوية الزراعية بضرورة إصدار التحذيرات في الوقت المناسب للتخفيف من المخاطر المرتبطة بالصقيع.

ووفق نشرة الإنذار المبكر والأرصاد الجوية الزراعية التابعة للمنظمة، فإن استمرار الظروف الجافة قد يؤدي إلى تفاقم ندرة المياه، وزيادة خطر فترات الجفاف المطولة في المناطق التي تعتمد على الزراعة.

ومن المتوقع أيضاً - بحسب النشرة - أن تتلقى المناطق الساحلية والمناطق الداخلية المنخفضة في المناطق الشرقية وجزر سقطرى القليل جداً من الأمطار خلال هذه الفترة.

تقلبات متنوعة

وبشأن تقلبات درجات الحرارة وخطر الصقيع، توقعت النشرة أن يشهد اليمن تقلبات متنوعة في درجات الحرارة بسبب تضاريسه المتنوعة، ففي المناطق المرتفعة، تكون درجات الحرارة أثناء النهار معتدلة، تتراوح بين 18 و24 درجة مئوية، بينما قد تنخفض درجات الحرارة ليلاً بشكل حاد إلى ما بين 0 و6 درجات مئوية.

وتوقعت النشرة الأممية حدوث الصقيع في مناطق معينة، خاصة في جبل النبي شعيب (صنعاء)، ومنطقة الأشمور (عمران)، وعنس، والحدا، ومدينة ذمار (شرق ووسط ذمار)، والمناطق الجبلية في وسط البيضاء. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع حدوث صقيع صحراوي في المناطق الصحراوية الوسطى، بما في ذلك محافظات الجوف وحضرموت وشبوة.

بالسلام يمكن لليمن أن يعود إلى ما كان عليه قبل الحرب (إعلام محلي)

ونبهت النشرة إلى أن هذه الظروف قد تؤثر على صحة الإنسان والنباتات والثروة الحيوانية، وسبل العيش المحلية في المرتفعات، وتوقعت أن تؤدي الظروف الجافة المستمرة في البلاد إلى استنزاف رطوبة التربة بشكل أكبر، مما يزيد من إجهاد الغطاء النباتي، ويقلل من توفر الأعلاف، خاصة في المناطق القاحلة وشبه القاحلة.

وذكرت أن إنتاجية محاصيل الحبوب أيضاً ستعاني في المناطق التي تعتمد على الرطوبة المتبقية من انخفاض الغلة بسبب قلة هطول الأمطار، وانخفاض درجات الحرارة، بالإضافة إلى ذلك، تتطلب المناطق الزراعية البيئية الساحلية التي تزرع محاصيل، مثل الطماطم والبصل، الري المنتظم بسبب معدلات التبخر العالية، وهطول الأمطار المحدودة.

وفيما يخص الثروة الحيوانية، حذّرت النشرة من تأثيرات سلبية لليالي الباردة في المرتفعات، ومحدودية المراعي في المناطق القاحلة، على صحة الثروة الحيوانية وإنتاجيتها، مما يستلزم التغذية التكميلية والتدخلات الصحية.