لا بد أنكم سمعتم بمصطلح «غني حرب»، وهذا يعني بأن تركيبة الحروب أينما كانت في العالم يكون لها تبعاتها، ففيها الخاسر والرابح من أذيالها، واليوم نحن نعيش حرب الوباء الخفي ونواجه عدواً لا نعرف عنه سوى اسمه العدو.
حرب «كورونا» العالمية دخلت في شهرها الثالث، واستحوذت على نصف العام الحالي تقريباً، لنجد بأننا على مشارف القسم الثاني منه، فمرت السنة ولم نشعر بها، والأغلبية الساحقة من البشر خسرت أياماً إلا أن الرابحين فازوا بالأيام والأرقام.
كل شركة تعتمد في مبيعاتها على الإنترنت فائزة، ولم يتغير عليها الوضع المستجد، بل زادت أرباحها بشكل هائل، ولن نغوص في أرباح شركات مثل «أمازون» التي تعتبر أكبر الرابحين؛ لأن الأمر بديهي في ظل إغلاق شامل وكامل للمرافق التجارية حول العالم. ومن البديهي أيضاً بأن تكون محال السوبرماركت الكبرى من بين عمالقة الربح المادي بعد فورة الشراء العشوائية، وما سمي بـ«تبضع الخوف» بسبب «كورونا». لكن المفاجئ وغير البديهي في أغنياء الحرب الحالية، منتجات لن يخطر على بالك بأنها قد تستفيد بهذا القدر من حرب الوباء والحجر المنزلي، مثل مبيعات زيت الزيتون التي زادت بواقع 500 في المائة وأكثر بسبب إقبال الناس على الطهي في المنازل، ورواج الوصفات الصحية التي توصي باستخدام زيت الزيتون بدلاً من الزبدة أو السمنة أو غيرها.
المستفيد الثاني، سوق تأجير الشقق (وليس البيع)، والسبب هو الخلافات بين الأزواج بسبب الحجر المنزلي غير المسبوق، الذي وضع العلاقات الزوجية على المحك ولم يصمد منها إلا المتين، وللأسف لم تستطع الغالبية من الأزواج الوقوف في وجه الحروب بوجوهها المتعددة، فاستفادت مكاتب تأجير البيوت من هذه الأزمة بعدما أقبل الكثير من الرجال في بريطانيا، على سبيل المثال، على تأجير شقق مؤقتة للتخفيف من هول الخلافات والشجارات في المنزل. وبعد الخلافات العائلية استفاد محامو الطلاق، ومن المتوقع أن يسجلوا أرقاماً غير مسبوقة من الأرباح بعد زوال غيمة «كورونا»، والتخفيف من إجراءات الحجر المنزلي وعودة الحياة إلى شبه طبيعتها، فمن المتوقع بأن ترتفع نسبة الطلاق بشكل غير مسبوق بعدما تبين أن الحجر المنزلي هو درس وامتحان تكرم فيه أو تهان، وللأسف يبدو أن الأغلبية الكبرى من الأزواج سقطت في الامتحان ووقعت في أحضان المحامين.
وبما أننا نتكلم عن أغنياء الحرب الجدد، فلا بد أن نذكر بأن اليوغا ومدربيها ومدارسها من بين المستفيدين في الأزمة، نبدأ أولاً بنسبة مبيعات سجادات اليوغا التي تعدت الـ400 في المائة، ففي الماضي كان التركيز في الرياضة على مشاهدة فيديو «أيروبيكس» أو ما شابه، لكن موضة العصر والتوجه الجديد نحو الحياة الصحية وممارسة الرياضة، صبت في خانة اليوغا التي تساعد على الراحة النفسية والصحة العقلية وفي الوقت نفسه تساعد على المحافظة على شكل متناسق. فاستفادت مدارس تعليم اليوغا من الأزمة وحولت كل دروسها إلى العالم الافتراضي، واستفادت من توفر منابر إلكترونية ناجحة أخرى مثل «زووم» وحافظت على زبائنها، بل استطاعت أن تستقطب أعداداً هائلة من المنتسبين الجدد.
وفي الحديث عن التعلم عن بعد، استفاد القطاع التعليم الخاص بشكل غير مسبوق من الباحثين عن تعلم لغة جديدة أو تخصص جديد، وحصدت المدارس الصينية حصة الأسد بعدما سجلت أرباحاً غير طبيعية بسبب الأعداد الهائلة للمهتمين بالحصول على شهادات في تخصص جديد يساعدهم على فتح أبواب إضافية للعمل بعد الأزمة، خاصة أن هناك نسبة كبيرة من الوظائف التي اختفت من الأسواق ولم تعد هناك حاجة إليها. وزادت مبيعات الدراجات الهوائية بشكل لافت جداً، بعدما فرض الحجر المنزلي قيوداً فيما يتعلق بالتجول واستخدام المواصلات العامة أو الخاصة. وهناك إقبال غير مسبوق على الدراجات الكهربائية التي تجمع ما بين التقنية والتقليد السائد في ركوب الدراجة.
ومن بين أغنياء الحرب الجدد مواقع بيع الزهور والشتول، بعدما أقبل الناس على العمل في الحدائق وزرع الأعشاب في المنزل. وفي مرحلة ما فقدت الأعشاب من السوق مثلما تعثر توفر الدقيق بكل أشكالها بسبب الإقبال الشديد على خبز الحلوى في المنزل لتمضية الوقت.
«كورونا»... نعمة ونقمة
محامو الطلاق ومدارس اليوغا وزيت الزيتون على رأس المستفيدين
«كورونا»... نعمة ونقمة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة