ساعات بين نهاية ألم «مجاهد» من «كورونا» وعودته إلى محاربة الفيروس في شوارع الخرطوم

مجاهد عبد الله أحمد الشهير بـ«مجاهد قديم»
مجاهد عبد الله أحمد الشهير بـ«مجاهد قديم»
TT

ساعات بين نهاية ألم «مجاهد» من «كورونا» وعودته إلى محاربة الفيروس في شوارع الخرطوم

مجاهد عبد الله أحمد الشهير بـ«مجاهد قديم»
مجاهد عبد الله أحمد الشهير بـ«مجاهد قديم»

«كنا وزملائي على ثقة بأننا في لحظة ما سنصاب بالكورونا بصفتنا متطوعين صحيين، لكننا نعرف أننا لا يمكن أن نتوقف عن عملنا، رغم هذه المخاطر»، هذا ما قاله الشاب الناشط في الدعم الصحي الطبي مجاهد عبد الله أحمد، الشهير بـ«مجاهد قديم»، لـ«الشرق الأوسط» بعد ساعات من تعافيه من فيروس كورونا المستجد، وخروجه من مركز العزل الصحي.
«مجاهد قديم» أحد النشطاء في مبادرة «شارع الحوادث» لتوفير الدواء للأطفال الفقراء غير القادرين على شرائه، التي أخذت اسمها من الشارع المار أمام حوادث مستشفى الخرطوم ومستشفى الأطفال، حيث يتوزع أعضاء المبادرة من الجنسين هناك ليلتقطوا دموع أم عجزت عن ثمن دواء لطفلها المريض، أو أب كاد «القهر» يقتله قبل فلذة كبده المريض، ثم تطورت لمبادرة توفر الدواء والخدمة الطبية للفقراء، بلغت حد بناء مستشفيات عبر الجهد الشعبي.
بالتقاط قديم، ورفاقه أحمد إدريس (الصيني) ويوسف هندوسة، لوباء «كوفيد-19»، افتقدهم شارع الحوادث والمرضى الفقراء، لكن ثلاثتهم تعافوا من الوباء، وعادوا أكثر عزماً بعد تجريب معاناة أن تكون مريضاً. يقول قديم: «كنا نعمل مع وزارة الصحة في عدد من المجالات، مثل التعقيم وغيره، وبالطبع نعرف أننا معرضون لالتقاط الفيروس».
ويتابع: «نتيجة للمخالطة، أصيبت زميلتنا (د. نهاد) وآخرون. ولأننا نعمل معاً، أجرينا الفحص في 28 أبريل (نيسان) الماضي».
ويوضح قديم أنهم أصيبوا بالقلق والتوتر بانتظار النتيجة، رغم استعدادهم وتهيئتهم لاحتمالات إصابتهم القوية، ويقول: «رغم أننا كنا على معرفة بأننا معرضون لالتقاط الفيروس في أي لحظة، أصابنا القلق ودخلنا في حالة من التوتر بانتظار نتيجة الفحوصات».
ويشدد قديم على أنهم، ومع معرفتهم بالاحتمالات الكبيرة للإصابة بالفيروس المستجد، يعرفون كذلك ألا سبيل للتوقف عن العمل، ويقول: «لو توقفنا لزادت نسب انتشار المرض كثيراً».
«الحمى الشديدة المصحوبة بكحة خفيفة وصداع خفيف، ووهن الجسم وآلام المفاصل»، وهي الأعراض المثالية للإصابة بكورونا، اختبرها قديم لكنه قاومها، يقول: «هي أعراض حادة، لكني قاومتها، وعزلت نفسي قبل ظهور نتيجة التحليل في مكان خارج البيت».
لم يضطر مجاهد قديم للاتصال بالسلطات الصحية لأنها قريبة منه كونه متطوعاً، وقال: «لم تكن استجابتهم سريعة أو بطيئة، واستغرق الأمر لحين توفير غرفة عزل لي يوماً واحداً بعد ظهور النتيجة إيجابية».
استقبل قديم ورفاقه نتيجة الفحص التي أكدت إصابتهم بكورونا بـ«الضحك»، وشر البلية ما يضحك. يقول: «نعرف أننا سنصاب اليوم أو غداً»، ويتابع: «بالطبع، أصبت بالخوف في بداية فترة العزل، لكن وجود الأصدقاء والدعم المجتمعي الذي توفر لنا ساعد في رفع معنوياتنا لنقاتل المرض».
ويصف قديم فترة العزل بأنها كانت «لطيفة، وقد أسهم الكادر الطبي المؤهل المحترم في رفع معنوياتنا»، ويوضح: «كانون يقيسون درجات الحرارة، ويراقبون التنفس، ثم يقدمون الأدوية: أسبرين، وفيتامين سي، وباندول للحمى، وفولك أسيد، وأدوية بلدية مثل (القرض) أثبتت فاعليتها في تخفيف حدة الأعراض».
وقد خاض قديم تجربة مواجهة كورونا بمعونة طاقم طبي وصفه بأنه خلاق، فبدأ التحسن خلال الأسبوع الثاني من العلاج، إذ يقول: «عانيت حمى شديدة، ومعها وجع حلق، وفقدان لحاستي الشم والذوق، ومن الصداع أحياناً، ثم بدأت التحسن بعد أسبوع».
وبمعنويات عالية يقول قديم: «خرجت من تجربة كورونا بأننا شباب السودان قادرون على هزيمة أي عدو»، وأضاف: «أقول لأهلي هذا المرض ليس عيباً أو وصمة، وعلى المجتمع التحلي بالوعي لعدم تجريم الأمراض والمرضى، بل علينا الوقوف معهم وإسنادهم».
ويعد قديم تجربته مع كورونا وتعافيه تجربة كشفت له مكامن قوته وقدرته على التحمل، حيث يقول: «نحن المتطوعين كنا ننظر للمرض من خارجه، لكن تجربة كورونا أدخلتنا داخل المرض فأفادتنا كثيراً، ما يدفعنا للمواصلة»، ويضيف: «رغم التسهيلات التي تتوفر لي، فقد عانيت قسوة المرض، فكيف بمن لا تتوفر لهم أي تسهيلات، لذلك خرجت من التجربة أكثر إصراراً على بذل مزيد من الجهود لمساعدة المرضى».
قديم يشدد على البقاء في المنزل من أجل حماية «الأحبة»، ويقول: «لو كان لي الخيار، فسأبقى في البيت للمحافظة على أحبتي من المرض، لكن لا خيار لي غير مساعدة المرضى. ومع ذلك، خليكم في البيوت، وحافظوا على أرواحكم وأرواح من هم حولكم، فهذا مرض يقتل الحبيب والخصيم معاً».


مقالات ذات صلة

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

آسيا أحد أفراد الطاقم الطبي يعتني بمريض مصاب بفيروس كورونا المستجد في قسم كوفيد-19 في مستشفى في بيرغامو في 3 أبريل 2020 (أ.ف.ب)

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

قالت منظمة الصحة العالمية إن زيادة حالات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي الشائعة في الصين وأماكن أخرى متوقعة

«الشرق الأوسط» (لندن )
صحتك جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)

بعد «كوفيد»... هل العالم مستعد لجائحة أخرى؟

تساءلت صحيفة «غارديان» البريطانية عن جاهزية دول العالم للتصدي لجائحة جديدة بعد التعرض لجائحة «كوفيد» منذ سنوات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

فيروس مدروس جيداً لا يثير تهديدات عالمية إلا إذا حدثت طفرات فيه

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية play-circle 01:29

فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية

فيروس تنفسي معروف ازداد انتشاراً

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أحد الأرانب البرية (أرشيفية- أ.ف.ب)

الولايات المتحدة تسجل ارتفاعاً في حالات «حُمَّى الأرانب» خلال العقد الماضي

ارتفعت أعداد حالات الإصابة بـ«حُمَّى الأرانب»، في الولايات المتحدة على مدار العقد الماضي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم