المصريون يحتفلون بالعيد عن بُعد

شواطئ الإسكندرية مهجورة في أول أيام عيد الفطر (أ.ف.ب)
شواطئ الإسكندرية مهجورة في أول أيام عيد الفطر (أ.ف.ب)
TT

المصريون يحتفلون بالعيد عن بُعد

شواطئ الإسكندرية مهجورة في أول أيام عيد الفطر (أ.ف.ب)
شواطئ الإسكندرية مهجورة في أول أيام عيد الفطر (أ.ف.ب)

اعتاد الشاب حسام محمود، المصري الثلاثيني، أن يكون احتفاله في أول أيام عيد الفطر منذ سنوات بعيدة في حديقة حيوان الجيزة، التي يشد إليها الرحال من محافظته المنوفية، حين زارها طفلاً مع والديه، ثم شاباً مع أصدقائه، وأباً مع أبنائه، في أجواء من البهجة. إلّا أنّ هذا العام حالت الإجراءات الاحترازية للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد، خلال فترة عيد الفطر، بينه وبين رحلته المفضلة، بعد أن امتدت إلى الحديقة الشهيرة، وإغلاقها أمام الزائرين، لأول مرة في تاريخها في مثل هذا الوقت.
واستبقت الحكومة المصرية حلول العيد باتخاذ حزمة قرارات للحد من انتشار الفيروس، بدأ سريانها أمس، وتستمر حتى الجمعة المقبل، وزيادة فترة حظر التجوال اليومي أربع ساعات، وتعطيل المواصلات العامة، وإيقاف وسائل النقل الجماعي، ومنع التجمعات الكبيرة، وغلق الأماكن العامة، وجميع المحلات والمراكز التجارية والمتاجر والمطاعم والشواطئ والحدائق العامة والخدمات الترفيهية ومراكز الشباب وصالات الألعاب الرياضية، وتعليق العروض التي تُقام في دور السينما والمسارح.
ورغم استجابة الملايين للقرارات والأوضاع الاستثنائية، إلّا أن حسام لا يُخفي حزنه لعدم ممارسة طقوسه المُفضلة في العيد، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «بالطبع استجبت للقرارات الحكومية، لكن العيد هذا العام أعتبره منزوع البهجة، خالياً من الفرحة، بعد أن سلب الوباء فرحتنا البسيطة التي كنا ننتظرها من العام للعام».
ويلفت إلى أنّه لجأ إلى صفحة الحديقة على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، ليشاهد أبناؤه بعض مقاطع الفيديو التي تُبثّ لحيوانات الحديقة، إلى جانب زيارة افتراضية للمتحف الحيواني داخلها.
مظاهر «البهجة المنزوعة»، تجلت بوضوح، أمس، في القاهرة والمحافظات مع عدم إقامة صلاة العيد بشكلها الجماعي المعتاد، واقتصارها على النقل التلفزيوني، وذلك بعدما أجاز الأزهر الشريف أداء الصلاة في المنازل، وهو ما جعل «روح العيد» تفقد الكثير من بريقها المعتاد، لا سيما في أماكن بعينها منها مسجد مصطفى محمود وميدانه الشهير بشارع جامعة الدول العربية، حيث كان يحرص المواطنون على أداء صلاة العيد، ثم تبادل التهاني، وسط انتشار لبائعي البالونات وألعاب الأطفال كأحد مظاهر الاحتفال الصاخبة بعيد الفطر، لكنّ هذا العام خلت ساحة المسجد تماماً من المصلين.
بدورها، خلت المناطق الأثرية والسياحية في مصر من الزوار، في مقدمتها الأهرامات والمتاحف، التي كانت قبلة المصريين في عيد الفطر كل عام، إلّا أنّ كثيرين لجأوا إلى الحل البديل، وهو الزيارات الافتراضية للمتاحف، بعد أن أتاحت وزارة السياحة والآثار زيارة أهم المقابر الأثرية والمتاحف «أون لاين» على مواقعها بوسائل التواصل الاجتماعي، عبر رحلات غنية بالعديد من المعلومات التاريخية، نتيجة توقف حركة السياحة، وهو ما حقق نجاحاً وردود أفعال محلية وعالمية.
وامتدت مظاهر «اللازحام» إلى كورنيش النيل، الذي يعد من أكثر الوجهات التي يقصدها المصريون، خصوصاً الشباب، حيث منعتهم القرارات الوقائية من الاستمتاع بما اعتادوا عليه خلال الأعوام السابقة.
وأعلنت وزارة الدّاخلية المصرية إغلاق طرق الكورنيش بكافة المحافظات، كما فرضت استنفاراً أمنياً، وانتشرت قوات الشرطة في الشوارع والمحاور الرئيسة، تنفيذاً لقرارات غلق الشواطئ والحدائق العامة والمتنزهات لمنع الاختلاط ومجابهة الفيروس، وتطبيق قرار الحظر بمنتهى الدقة، واتخاذ الإجراءات القانونية تجاه المخالفين حرصاً على سلامة المواطنين.
وتقول الطالبة الجامعية مريم عبد العاطي، إنّ الشباب هم أكثر المتضررين في العيد بسبب الوباء، مؤكدة أنّها تفتقد الروح الصاخبة لشوارع القاهرة وكورنيش النيل، ومتعة ركوب المراكب النيلية، التي كانت تحرص على جولة بها في مياه النهر برفقة صديقاتها، كنوع من كسر روتين الحياة المعتاد.
وفي المنازل المصرية، أطلّ عيد الفطر بوجه غير مألوف، حيث غابت الزيارات بين العائلات، في ظل مناشدات التباعد الاجتماعي ودعوات «خليك في البيت».
وتشير ربة المنزل سمية مصطفى، إلى أنّها هذا العام لم تغادر منزلها، وكانت قد اعتادت السفر من القاهرة مكان إقامتها إلى مسقط رأسها في أحضان ريف الدلتا المصرية لزيارة الأهل والأقارب، وتقديم التهاني، مؤكدة اقتصار تبادلها هذا العام على المكالمات الهاتفية ووسائل التواصل الاجتماعي، واصفة العيد بـ«الاستثنائي».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».