لا يمكننا الدفاع عن لاعب مانشستر سيتي، كايل ووكر، الذي انتهك قواعد العزل المنزلي المفروضة في إنجلترا بسبب تفشي فيروس كورونا. لقد انتهك ووكر تلك القواعد للمرة الأولى في أبريل (نيسان) الماضي، عندما استضاف فتاتين وأحد أصدقائه في منزله في حفلة صاخبة، وهو الأمر الذي وصفناه آنذاك بالمؤسف. لكنه لم يكتفِ بذلك وانتهك القواعد للمرة الثانية، عندما زار عائلته في جنوب يوركشاير، في خطوة غير حكيمة بالمرة. وقد زاد اللاعب الإنجليزي الدولي الأمور تعقيداً عندما أصدر بياناً يشكو فيه من «المضايقات» التي يتعرض لها.
وقال ووكر في البيان: «لقد شعرت بأنني قد بقيت صامتاً لفترة أطول من اللازم». وبرر ووكر قراره الخاطئ بقيادة سيارته لمسافة 40 ميلاً لزيارة والديه في شيفيلد، بعد أن زار شقيقته وتحدث معها وعانقها، قائلاً: «ما الذي كان يتعين علي أن أفعله؟ هل كان يجب أن أدفعها بعيداً عني؟»، لقد طرح ووكر هذا السؤال، لكنه وضع بنفسه الإجابة في داخله، حيث كان يتعين عليه بالفعل ألا يقترب من شقيقته أو يعانقها، لأن ذلك الأمر فيه خطورة كبيرة في ظل تفشي الفيروس. لقد كان يتعين على ووكر أن يراعي شعور الناس من حوله قليلاً ولا يقوم بمثل هذه الأشياء، كما كان يتعين عليه أن يصمت ولا يصدر مثل هذا البيان.
وإذا لم يكن ووكر يعلم في ذلك الوقت أنه قد أخطأ، فإن رد الفعل الغاضب في تصريحاته على وسائل التواصل الاجتماعي سوف يعيده إلى رشده سريعاً. لكن الغريب في الأمر أنه لم يصدر أي رد فعل من جانب نادي مانشستر سيتي، ناهيك بالمدير الفني للمنتخب الإنجليزي، غاريث ساوثغيت، الذي لم يستدعِ ووكر لقائمة منتخب «الأسود الثلاثة» منذ عام تقريباً. وعلى الرغم من أننا نتفق على أن ووكر قد تعامل مع الأمر بقدر كبير من الحماقة، دعونا لا نتظاهر بأن الدافع وراء هذه القصة هو الاهتمام الكبير بالصحة العامة فقط.
ودعونا نطرح السؤال التالي، على سبيل المثال: ما السبب الذي دفع إحدى الصحف لتعيين مصور خاص للانتظار خارج منزل ووكر في مدينة مانشستر، ليتابعه أثناء مغادرته ويسير خلفه في جميع أنحاء شمال إنجلترا لمدة تسع ساعات؟ وإذا كان ذلك شكلاً من أشكال الصحافة التي تهتم بالمصلحة العامة، فيبدو أنها كانت صحافة «انتقائية» بشكل غريب، لأنك لو مشيت في أي شارع من شوارع إنجلترا حالياً فستجد العديد من الأمثلة على عدم الالتزام بقواعد التباعد الاجتماعي، والعديد من الأمثلة على الرحلات غير الضرورية، والعديد من الأمثلة على القواعد التي يتم انتهاكها.
وبالتالي فإن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: لماذا كل هذه الضجة بشأن ما قام به ووكر على وجه الخصوص؟ وما السبب وراء كل هذا العناء وتتبع كل حركاته وسكناته طوال اليوم؟ تتمثل الإجابة بالطبع في أن كل منتهكي قواعد التباعد الاجتماعي ليسوا متساوين! وغالباً ما يتم الهجوم على الشخص الذي يرى كثيرون أنه يمثل «قدوة» بالنسبة لهم، كما يصبح المشاهير في مرمى النيران عندما ينتهكون أي قاعدة.
ولا يقتصر هذا الهجوم على النجوم والمشاهير على الصحف وحدها، لكنه يمتد أيضاً إلى وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تجد هناك رغبة كبيرة في فضح المشاهير وإحراجهم. وكلما كان اسم الشخص المشهور أكبر، كان الهجوم أشد قسوة وضراوة. لكن هناك سياقاً أكثر تحديداً هنا، وهو الأمر الذي يتضح جلياً عندما تلقي نظرة على «مربع جانبي» منشور بجوار القصة الأصلية التي نشرتها الصحيفة، حيث يحمل هذا المربع اسم «التشكيلة الأساسية للاعبين الذين انتهكوا قواعد التباعد الاجتماعي لمواجهة تفشي فيروس كورونا». وقد كان ووكر هو «قائد» هذه التشكيلة بكل تأكيد، لكن هذه القائمة ضمت لاعبي توتنهام سيرج أورييه، وريان سيسيغنون، وموسى سيسوكو. وضمت القائمة أيضاً لاعب آرسنال، ألكسندر لاكازيت، نظراً لأنه وقف على مسافة قريبة جداً من خادم زار منزله لكي يغسل سيارته!
لكن من المستفيد من كل هذا؟ ربما يبدو الأمر مثيراً للسخرية، لكن ربما تلاحظون أن هناك معركة ضخمة تدور رحاها داخل أندية الدوري الإنجليزي الممتاز في الوقت الحالي، وهي المعركة التي تركز على العلاقات العامة بقدر ما تركز على النزاهة الرياضية. لقد أوضح الدوري الإنجليزي الممتاز أنه يجب استئناف موسم 2019 - 2020، وأن المباريات ستلعب من دون جمهور إذا لزم الأمر، وقد يلعب كل نادٍ مباراة كل يومين أو ثلاثة أيام إذا اقتضت الضرورة، مع عزل اللاعبين والموظفين عن أسرهم.
وقد أعرب عدد من اللاعبين بالفعل عن مخاوفهم بشأن المشاركة في المباريات في ظل تفشي الوباء، في الوقت الذي سيكون فيه كثير منا في منازلنا، وبينما لا يزال الفيروس يقتل مئات الأشخاص يومياً. وأعلن نجم مانشستر سيتي، سيرجيو أغويرو، أن العديد من اللاعبين يخشى اللعب مرة أخرى. كما عبر لاعب أستون فيلا، تيرون مينغز، ولاعب نوريتش سيتي، تود كانتويل، عن مخاوفهما أيضاً. وفي الوقت نفسه، فإن الأنباء التي أشارت إلى أن لاعباً ثالثاً بنادي برايتون قد أصيب بفيروس كورونا لم تقابل في بعض الأوساط بالقلق والتعاطف، وإنما قوبلت باتهام بأن نادي برايتون يتعمد إصابة لاعبين بهذا الفيروس القاتل من أجل إلغاء بقية الموسم، نظراً لأنه يواجه خطر الهبوط من الدوري الإنجليزي الممتاز!
وهذا هو لب الموضوع، ففي الوقت الذي يحاول فيه الوسطاء الأقوياء في اللعبة استئناف مسابقة الدوري الإنجليزي الممتاز، يجب أن تكون هناك ضمانات لسلامة اللاعبين. كما يجب إقناع المشجعين والسلطات والجمهور بأن مصالح اللعبة نفسها تفوق مصالح المشاركين فيها. وستكون هذه المهمة أسهل بكثير إذا أصبح لدى الناس اعتقاد بأن لاعبي كرة القدم مدللون ويحصلون على ملايين الجنيهات ويخدمون أنفسهم ولا يخدمون الواجب الوطني، ويقيمون حفلات صاخبة، كما الحال مع كايل ووكر! وقد سمعنا بالفعل أشياء من هذا القبيل خلال الجدل السخيف الذي دار الشهر الماضي حول تأجيل الأندية لدفع أجور اللاعبين.
أو، بعبارة أخرى، عندما يتحول النقاش بشأن استئناف المباريات إلى نقاش حول رفاهية اللاعبين، إذ إن الدوري الإنجليزي الممتاز لا يريد من الجمهور أن يرى صورة أغويرو أو كانتويل أو لاعبي برايتون الثلاثة المصابين بفيروس كورونا، لكنه يريد منهم أن يروا دائماً صورة كايل ووكر وهو يتنزه بسيارته الرياضية الفارهة بينما الجمهور نفسه معزول في المنازل!
وكان نادي ولفرهامبتون أعلن أنه يدرك خرق لاعب الوسط مورغان جيبس - وايت لإجراءات العزل العام لمكافحة انتشار فيروس كورونا، بعدما حضر حفلاً في منزل بلندن، وأكد النادي أنه يتعامل مع القضية «داخلياً». وانتشر فيديو، قبل حذفه في وقت لاحق، على تطبيق «سناب شات» خلال وجود جيبس - وايت البالغ عمره 21 عاماً في حفل في لندن مطلع الأسبوع الحالي. وفي الشهر الماضي، نشر لاعب منتخب إنجلترا تحت 21 عاماً رسالة يطالب فيها الناس بالبقاء في المنزل واتباع قواعد العزل العام من أجل الحد من انتشار فيروس كورونا. وسبق جيبس - وايت أيضاً مويزي كين مهاجم إيفرتون الذي قد يتعرض لعقوبة من النادي بسبب إقامة حفل في منزله.
لماذا لا يتساوى كل من ينتهك إجراءات مكافحة فيروس {كورونا}؟
ليس دفاعاً عن ووكر... لكن «الحملة الصحافية» ضده لم تكن بسبب الاهتمام بالصحة العامة فقط
لماذا لا يتساوى كل من ينتهك إجراءات مكافحة فيروس {كورونا}؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة