«الاختيار»... وثيقة تاريخية مصرية ضد «الإرهاب»

نقاد يشيدون بمعالجة المسلسل للأحداث الحقيقية

أمير كرارة بطل مسلسل «الاختيار» في لقطات من العمل
أمير كرارة بطل مسلسل «الاختيار» في لقطات من العمل
TT

«الاختيار»... وثيقة تاريخية مصرية ضد «الإرهاب»

أمير كرارة بطل مسلسل «الاختيار» في لقطات من العمل
أمير كرارة بطل مسلسل «الاختيار» في لقطات من العمل

بمعالجة درامية تتسم بالذكاء، عمد صناع «الاختيار» إلى توظيف المسلسل ليكون بمثابة وثيقة تاريخية مصرية وطنية ضد العمليات الإرهابية التي وقعت في سيناء وفي مناطق عدة بأنحاء الجمهورية خلال العقد الماضي، ونجح مخرج العمل بيتر ميمي ومؤلفه باهر دويدار، في جذب المشاهدين طوال أحداث «قصة الوفاء والخيانة» في توليفة موفقة بين المشاهد الحقيقية والدرامية، وفق نقاد مصريين.
ورغم ما تعرض له العمل من جدل واتهامات حول تسييس الدراما، والترويج لأجندات الحكومة المصرية، فإنه قوبل بإشادات وثناء على الأصعدة كافة، ويُحسب له أنه قدم عوالم التنظيمات الإرهابية من الداخل بشكل تفصيلي عبر أداء متقن من أبطال العمل.
طرفا قرار الاختيار بين «حب الوطن»، و«خيانته» يجسدهما الضابطان «أحمد منسي» و«هشام عشماوي»، وبتطور الأحداث يختار كل منهما موقفه الذي سيثبت عليه حتى النهاية.
ويرى نقاد مصريون، من بينهم كمال رمزي، أنّ «مسلسل (الاختيار) عمل مهم وغير مسبوق، ينطوي على قدر كبير من الجرأة حيث يقدم الخصوم أو الأعداء باعتبارهم أقوياء وليسوا ضعفاء، ولديهم الحيل المتعددة والإصرار والإمكانات المادية من جماعات ودول تدفع لهم، كما أن المسلسل توغل في مناطق لم تتطرق إليها الدراما بهذا الشكل، لدينا بعض السوابق المهمة التي قدمت في هذا الإطار مثل فيلم (الإرهابي) الذي لعب بطولته عادل إمام، لكن كمسلسل درامي متكامل فهذا يحدث لأول مرة، وهو عمل يعكس مجهوداً كبيراً في الحشد وسخاءً إنتاجياً مهماً، ومواقع التصوير تكاد تكون قريبة من الواقع».
ووفق رمزي، فإنه «يُحسب لصناع العمل الاعتماد على مشاهد وثائقية من الأحداث الحقيقية التي يجسدها العمل، على غرار مشهد (مذبحة رفح الأولى)، فالدمج بين الوثائقي والدرامي لم يُضعف المادة الدرامية بل قوّاها للغاية ومنح المسلسل مصداقية كبيرة، وهو شكل ليس بمستحدث، إذ قدمت السينما العالمية أفلاماً ضمّت مشاهد توثيقية داخل الفيلم الروائي مثل فيلم (جي إف كيه) الذي تناول حادث اغتيال الرئيس الأميركي الأسبق جون كينيدي، واستعان مخرجه أوليفر ستون بلقطات توثيقية للحادث».
وتسلط أحداث المسلسل الضوء على حياة «بطل الوفاء» العقيد أحمد منسي، الذي استُشهد في مدينة رفح المصرية عام 2017، وصُنّف ضمن أقوى مائة قائد صاعقة في العالم، إذ نجح في إحباط 125 عملية إرهابية في سيناء، وأنقذ حياة 600 جندي في أربعة أشهر، كما نجح في القبض على الإرهابي عادل حبارة.
وفى تداخل درامي متزامن يرصد العمل رحلة خيانة (هشام عشماوي)، الذي أُدين في قضايا إرهاب، وأُعدم في مارس (آذار) 2020 الماضي، بعد قيامه بتدبير عدد من الهجمات المسلحة على أهداف أمنية مصرية، من بينها كمين الفرافرة عام 2014، واغتيال النائب العام السابق هشام بركات عام 2015، ومحاولة اغتيال وزير الداخلية الأسبق محمد إبراهيم مصطفى.
وسلّط «الاختيار» في بداية حلقاته الضوء على دور «وسائل الإعلام المحرضة» لهذه الجماعات، فبينما تتابع أسرة منسي وكذلك أسرة عشماوي لحظات وصول عشماوي إلى مصر، يقطع المشهد ما بين زوجة أحمد منسي التي قامت بها سارة عادل مجسّدة «المرأة المصرية الأصيلة»، نشاهد شقيقة عشماوي المنتقبة تتابع «قناة الجزيرة القطرية»، وتبث تقريراً بعنوان (إذا كنت تخشى على حياتك... فغادر سيناء)، فتهدد شقيقة عشماوي بإحراق مصر كلها انتقاماً لأخيها، في حين يأتي بعض المشاهد الأخرى لتؤكد دور شيوخ وأبناء قبائل سيناء في دعمهم لمواجهة الإرهاب بالمعلومات، والتصدي لأي هجوم بالبقاء على الأرض ومساعدة الجيش في البحث عن الإرهابيين وحصارهم.
ومع المحركين الأساسيين لمسلسل «الاختيار»، توغل المؤلف في رصد خلفية حياة كل منهما، ونسج دراما معمقة، ترجمت مثالية أحمد منسي في تعامله مع كل ما يحيط به داخل الجيش وفي المجتمع، وأبرزت وحشية هشام عشماوي التي دفعته للتّوجه إلى الأفكار المتطرفة.
وأمام هذه الشّخصيات وأبعادها، نجح المخرج بيتر ميمي في جعل المُشاهد يصدّق ما يراه، فجاء إخراج المعارك والانفجارات لتصبح شبيهة بالحقيقة، فحقق المطلوب منها، كما جاءت صياغته واختياراته لشخصيتي «منسي» و«عشماوي»، معبرة عن هدف المسلسل؛ الأولى، بذل فيها أمير كرارة جهداً كبيراً وقدم الشّخصية بعمق وبساطة، واستطاع أن يمسك بها ويعبر عن صورة القائد العسكري الذي ينتظر استشهاداً مؤجلاً لا فكاك منه، وتوحّد بشكل كبير مع الشخصية، وقد أشادت بأدائه منار سليم أرملة «الشهيد منسي» في تصريحات صحافية مؤكدة براعته واهتمامه بكل التفاصيل التي تميز شخصية زوجها الراحل، فيما نجح أحمد العوضي في تجسيد شخصية «عشماوي» ببراعة، وكان إيقاعه منضبطاً، وجعل المشاهد يكرهه وينفر منه، وأتقن الشر وترك بصمة للنموذج الإرهابي المسلح وما يشكّله من خطر على الإنسانية، وفق رمزي.
وحشد العمل كذلك مجموعة كبيرة من ضيوف الشّرف، بينهم آسر ياسين، ومحمد إمام، وكريم محمود عبد العزيز، وماجد المصري، ومحمد رجب، وصلاح عبد الله، وإياد نصار، وأحمد وفيق، ولا يتعدى دور بعضهم المشهدين، لكنّها كانت بصمة مهمة.


مقالات ذات صلة

نسمة محجوب: أطمح لتقديم سيرة ماجدة الرومي درامياً

الوتر السادس تركز الفنانة نسمة محجوب على الحضور الفني بشكل دائم (صفحتها على {فيسبوك})

نسمة محجوب: أطمح لتقديم سيرة ماجدة الرومي درامياً

طرحت الفنانة المصرية نسمة محجوب، مطلع ديسمبر (كانون الأول) الجاري، أحدث أعمالها الغنائية بعنوان «الناس حواديت»، والتي حظيت بتفاعل من المتابعين عبر مواقع التواصل

داليا ماهر (القاهرة)
يوميات الشرق الفنان السوري جمال سليمان (حساب سليمان على «فيسبوك»)

إعلان جمال سليمان نيته الترشح لرئاسة سوريا يثير ردوداً متباينة

أثار إعلان الفنان السوري جمال سليمان نيته الترشح لرئاسة بلاده، «إذا أراده السوريون»، ردوداً متباينة.

فتحية الدخاخني (القاهرة)
يوميات الشرق لقطة من البرومو الترويجي لمسلسل «ساعته وتاريخه» الذي يعرَض حالياً (برومو المسلسل)

مسلسلات مستوحاة من جرائم حقيقية تفرض نفسها على الشاشة المصرية       

في توقيتات متقاربة، أعلن عدد من صُنَّاع الدراما بمصر تقديم مسلسلات درامية مستوحاة من جرائم حقيقية للعرض على الشاشة.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق من وجهة نظر العلاج بالفنّ (غيتي)

علاج القلق والكآبة... بالمسلسلات الكورية الجنوبية

رأى خبراء أنّ المسلسلات الكورية الجنوبية الزاخرة بالمشاعر والتجارب الحياتية، قد تكون «مفيدة» للصحة النفسية؛ إذ يمكنها أن تقدّم «حلولاً للمشاهدين».

«الشرق الأوسط» (سيول)
يوميات الشرق الفنانة مايان السيد في لقطة من البرومو الترويجي للمسلسل (الشركة المنتجة)

«ساعته وتاريخه»... مسلسل ينكأ جراح أسرة مصرية فقدت ابنتها

أثار مسلسل «ساعته وتاريخه» التي عرضت أولى حلقاته، الخميس، جدلاً واسعاً وتصدر ترند موقع «غوغل» في مصر، خصوصاً أن محتوى الحلقة تناول قضية تذكّر بحادث واقعي.

داليا ماهر (القاهرة )

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».