بيكولي الممثل الذي أحبته النساء

كان يتمنى التمثيل حتى الرمق الأخير

بيكولي بعد تسلمه جائزة التميز  في مهرجان لوكارنو عام 2007 (إ.ب.أ)
بيكولي بعد تسلمه جائزة التميز في مهرجان لوكارنو عام 2007 (إ.ب.أ)
TT

بيكولي الممثل الذي أحبته النساء

بيكولي بعد تسلمه جائزة التميز  في مهرجان لوكارنو عام 2007 (إ.ب.أ)
بيكولي بعد تسلمه جائزة التميز في مهرجان لوكارنو عام 2007 (إ.ب.أ)

كلما انطفأ واحد من الممثلين المخضرمين نقرأ في الصحافة عناوين من نوع «رحل آخر الكبار». لكن هذا العنوان لا يناسب ميشيل بيكولي لأن هناك نجوماً آخرين من جيله ما زالوا على قيد الحياة، ومنهم ألان ديلون وجان بول بلموندو. ومنذ الإعلان عن وفاة الممثل الفرنسي في منزله الريفي في مقاطعة النورماندي عن 94 عاماً، توالت المئات من كلمات النعي في وسائل الإعلام ومواقع التواصل. وجاء في بيان نشرته العائلة أن بيكولي توفي نتيجة جلطة دماغية في 12 من الشهر الجاري ولم تعلن وفاته إلا بعد 6 أيام.
ما كان يمكن لمتابعي النجم الراحل سوى التوقف عند مئات الأدوار التي قام بها بيكولي على الشاشة وخشبة المسرح. ولم ينافس حبه للسينما سوى شغفه بالممثلات اللواتي شاركنه أفلامه وحياته. وهناك مصطلح في اللغة الفرنسية ينطبق عليه وهو أنه كان رجلا للمرأة. ومعناها بلغتنا زير نساء. تزوج ثلاثاً أولاهن الممثلة إليانور هيرت، والدة ابنته آن كورديليا، ثم المغنية جولييت غريكو، وآخرهن كاتبة السيناريو لوديفين كلير التي تبنى معها طفلين من أصل بولوني. وإلى جانب الزوجات تعلق قلبه بقائمة من الفنانات الشهيرات، مثيلات رومي شنايدر وكاترين دينوف وبريجيت باردو. وقد نعته هذه الأخيرة في تصريح لصحيفة لوكالة الصحافة الفرنسية بالقول: «تمتع بالموهبة وحس النكتة وأحبّ مفاتني». وكان الاثنان قد تشاركا في فيلم «الاحتقار» للمخرج جان لوك غودار عام 1963. وأضافت باردو أنها تبادلت مع بيكولي الكثير من التقدير لكن رذاذ «الموجة الجديدة» في السينما الفرنسية جرفه بعيداً وتركها وحيدة على الشاطئ المهجور.
وأدلت الممثلة البريطانية الأصل جين بيركن بدلوها بين الدلاء العديدة للنعي. وقالت إن بيكولي كان رجلا مثالياً ومستقيماً بشكل كامل، وزميلاً أنيقاً في المهنة، يحب المرح والضحك. وهو من الفنانين القلائل الذين وقفوا مع سراييفو وقدم الدعم المادي لمنظمة «أطباء العالم» خلال الحرب في يوغسلافيا السابقة. وأضافت أن أولادها وأولاده كانوا يطلقون عليه لقب «بابا ياغا»، نسبة إلى شخصية من شخصيات حكايات الأطفال. وتشاركت بيركن مع الممثل الراحل في فيلم «صاحبات البندق الجميلات» للمخرج جاك ريفيت، عام 1991. كما وقفا على المسرح سوية لقراءة نصوص من تأليف زوجها الراحل سيرج غينزبور، بين عامي 2014 و2015. وهو كان راغباً بالاستمرار في التمثيل حتى النهاية لكنه عانى في سنواته الأخيرة من موقف شركات التأمين إذ رفضت التأمين عليه بسبب تقدمه في السن.
ومن اللواتي حرصن على تقديم التحية لبيكولي، إثر إعلان خبر وفاته، الممثلة جولي غاييه، شريكة حياة الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا هولاند، وقالت: «لقد تعلمت منه الكثير، وكنت أبلغ من العمر 25 عاماً عندما وقفت معه أمام الكاميرا، ووجدته ملتزماً بمهنته مثلما هو ملتزم في الحياة، وكان فناناً حراً لا يحده حد، وكان يسخر من وكلاء الفنانين الذين يتقاضون 10 في المائة من أجر الممثل ويعتبرهم بمثابة سماسرة الغانيات. ومع تقدمه في السن صار عالي الصوت والانفعالات بشكل يرهب الناس حوله، ولم يكونوا يدركون إنه يمزح ويتسلى بإخافتهم». وكانت غاييه قد اشتركت معه في الفيلم البريطاني الفرنسي المشترك «الليالي المائة لسيمون سينما» للمخرجة آنييس فاردا، عام 1999.
ارتبط الراحل بعلاقة من الممثلة النمساوية المولد رومي شنايدر. وكانا قد مثلا معاً 6 أفلام. وطوال فترة عملهما في تلك الأفلام لم تنكشف العلاقة للجمهور إلا في عام 2015. عندما نشر الممثل مذكراته وجاء فيها: «كنا، رومي وأنا، ضعيفين تركنا نفسينا لأفعال ليست شريفة تماماً. لكن ذلك لم يدمر مطلقاً الصداقة التي جمعتني بها». وحافظ الاثنان على سرية العلاقة التي امتدت خلال الفترة التي سبقت ارتباطه بجولييت غريكو التي شكل معها ثنائياً وصف بأنه «أسطوري». وحاول بيكولي أن يبقي حفلة عرسه مع المغنية الشهيرة طي الكتمان لكن الصحافة كشفتها في اليوم التالي. وقد استمر زواجهما لأكثر من 10 سنوات وكانت غريكو من طلب الانفصال، وهي ما زالت على قيد الحياة وتبلغ من العمر 93 عاماً.
لم يكن ميشيل بيكولي يخشى الموت لكنه تمنى لو واصل العيش. وفي مقابلاته مع الصحافيين، في السنوات الأخيرة، تطرق إلى الموت كثيراً وقال إنه سيمضي لكن عدداً من أدواره سيبقى حياً.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».