«إل برادو».. 195 عاما من الفن

المتحف الإسباني الشهير يضم 8 آلاف لوحة.. ويجتذب إليه أكثر من مليوني زائر سنويا

إحدى قاعات المتحف
إحدى قاعات المتحف
TT

«إل برادو».. 195 عاما من الفن

إحدى قاعات المتحف
إحدى قاعات المتحف

لا ينتمي متحف «إل برادو» الإسباني لفئة المتاحف التقليدية التي تعاين خلالها عينات من أعمال كل من المدارس الفنية الكبرى، لكن المتحف الذي يحتفل بمرور 195 عاما على إنشائه، يقدم لزواره السبيل الأمثل لتفهم ذوق العائلة المالكة الإسبانية التي كانت واحدة من أهم رعاة الفنون في أوروبا على امتداد القرون 16 و17 و18 و19، على الأقل. واللافت أن مجموعة الروائع الفنية التي يحويها المتحف كانت تزين بادئ الأمر غرف القصور الملكية. وقد صمم المتحف في الأصل ليتناول التاريخ الطبيعي بناء على أوامر الملك تشارلز الثالث عام 1785، الذي اعتبر أن تنمية المعرفة بقضايا التاريخ الطبيعي مهمة لتحقيق النمو الاقتصادي. إلا أنه بعد مرور 34 عاما أنصت حفيده فرديناند السابع لنصيحة زوجته الملكة ماريل إيزابيل دي براغانزا، وأقام المتحف الملكي في هذا المبنى، والذي سرعان ما تم تغيير اسمه إلى «المتحف الوطني للرسم والنحت». ولاحقا، تم تبديل الاسم مجددا إلى «إل برادو» نسبة إلى المكان الذي بني به في حديقة أحد الأديرة.
وفي 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 1819 أتيح لزوار المتحف للمرة الأولى الاستمتاع بمعاينة كتالوج يضم 311 لوحة، لكن المتحف ذاته كان يضم حينها ما يزيد قليلا على 1510 لوحات جرى تجميعها من قصور ملكية متنوعة. وبعد مرور قرابة قرنين، تجاوزت المجموعة الفنية داخل المتحف 8 آلاف لوحة، ويجتذب إليه أكثر من مليوني زائر سنويا.
التجول في أرجاء المتحف يتيح للزائر التعرف على صداقات وخصومات العائلة المالكة الإسبانية على امتداد التاريخ. والملاحظ أن تدفق الأعمال الفنية على البلاد زاد على نحو ملحوظ في القرن 16 تحت حكم الملك تشارلز الخامس (وهو ملك أتى من قلب أوروبا)، مما جعل «إل برادو» واحدا من أفضل متاحف العالم من حيث مجموعة مقتنياته من اللوحات الإيطالية والهولندية، بينها روائع أعمال رفائيل وتيشان وتينتوريتو ودورر وروبنز وفان آيك.
ومع ذلك، فإن نصيب الأسد من اللوحات داخل المتحف يخص اثنين من الفنانين الإسبانيين، فيلاسكويز وغويا (الذي يعد أهم رسامي المتحف حسب عدد الأعمال المعروضة له)، وذلك لأن كليهما شغل منصب رسام البلاط الملكي في زمنه.
يقع المتحف داخل مبنى ضخم صممه المعماري خوان دي فيلانويفا، أحد أهم المصممين المعماريين في عصره والذي تولى تصميم بعض المباني القائمة بقلب مدريد. ويكشف مبنى المتحف المطل على تل، تأثير المكان، المادي والروحاني، كمصدر إلهام لتصميمه المعماري، حيث سمح انحدار الأرض لفيلانويفا بتصميم مساحة تستوعب بهو المتحف وأكاديمية وقاعة اجتماعات. وفي إطار تصميمه للمتحف، وضع المصمم المعماري 3 مخططات ونموذجا يمكن الاطلاع عليهم داخل المتحف.
أما بالنسبة لعملية التشييد، فقد بدأت عام 1785 بتمهيد الأرض، وفي عام 1788 ارتفع أول الجدران بالمبنى. ويتألف الشكل الأصلي للمبنى من هيكل مركزي ينتهي ببهوين ممتدين. ويقطع البهوين سلسلة من الأعمدة، علاوة على عدد من المصابيح، مما يخلق داخل المكان جوا عاما من التناغم والدفء.
الملاحظ أن المبنى الأصلي خضع لبعض التغييرات جراء الحروب الكثيرة التي عانتها إسبانيا على مدار القرنين الماضيين، الأمر الذي أدى كذلك لتغيير في مجموعات مقتنيات المتحف.
يذكر أن جزءا كبيرا من المبنى انهار خلال حرب الاستقلال ضد فرنسا، بل واستغل الجيش الفرنسي مبنى المتحف كثكنات لسلاح الفرسان عام 1808. وجاءت جهود ترميم المبنى مدعومة بصورة رئيسة من قبل زوجة الملك فرديناند السابع، ماريل إيزابيل دي براغانزا عام 1818. وفي العام التالي، جرى افتتاح المبنى تحت اسم المتحف الملكي للرسوم، حيث ضم مجموعة من المقتنيات الملكية من الرسوم وأعمال النحت.
بيد أن الفترة الأكثر إثارة التي مرت على المتحف كانت أثناء الحرب الأهلية التي عصفت بالبلاد بين 1936 و1939، حيث هدد الانقلاب العسكري الذي قاده فرانشيسكو فرانكو التراث التاريخي الإسباني.
بعد الانقلاب، وسعيا منها لحماية التراث الوطني المهدد بالضياع، نقلت الحكومة الجمهورية عشرات اللوحات الفنية إلى أماكن آمنة، في مدريد بادئ الأمر ثم نقلت مجددا إلى خارج البلاد. ووضع سانشيز كانتون، نائب مدير «إل برادو» والمدير الفعلي للمكان، نظرا لأن بيكاسو كان يتولى رئاسة المكان شرفيا، فحسب قائمة بروائع الأعمال الفنية التي تتعين حمايتها داخل مكان آمن.
وصدر قرار نقل هذه الأعمال بعدما ألحقت حملة قصف جوي فوق مدريد أضرارا بـ«إل برادو». ورأت الحكومة ضرورة وجود هذه الأعمال الفنية في المكان الذي توجد به الحكومة الجمهورية. وتم نقل أعمال فنية بالفعل إلى فالنسيا، ودار جدال حول ما إذا كان ينبغي الاحتفاظ بهذه الأعمال داخل الأراضي الإسبانية، أم أنه من الأفضل حفظها في دولة أجنبية.
في البداية، قررت الحكومة إبقاء الأعمال الفنية داخل إسبانيا لأطول فترة ممكنة، لدرجة أنها ألغت قرارا بنقل بعض الروائع الفنية لعرضها خلال المعرض الدولي بباريس عام 1937.
وعندما أوشك فرانكو على الفوز في الحرب، قرر الجمهوريون نقل الأعمال الفنية إلى مبنى عصبة الأمم في جنيف، وكانت هذه الرحلة الأخطر لروائع المتحف، حيث جرى نقل ما يزيد على 1860 صندوقا تضم أروع ما أنتجت أوروبا من أعمال فنية آنذاك عبر القطار من مدينة بيربينيا.
وأخيرا، وصلت الأعمال مبنى عصبة الأمم وتم عقد معرض ضخم بعنوان «روائع إل برادو»، حقق نجاحا كبيرا. وفي سبتمبر (أيلول) 1939 وبعد مفاوضات، أعاد القطار الأعمال الفنية لإسبانيا، حيث عادت سالمة إلى جدران «إل برادو».
وخلال الاحتفال بعيده الـ195، فتح المعرض أبوابه أمام الزائرين مجانا، بل وجرى توزيع تذاكر للدخول في أيام أخرى على الزائرين صغار السن، بجانب إقامة فعاليات خاصة منها مؤتمرات وحفلات موسيقية احتفالا بهذه المناسبة.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».