الشاطئ منفذ «إفطار جماعي» بشمال سيناء لتلافي «كورونا»

شواطئ سيناء كانت متنفساً لأهالي المحافظة قبل جائحة «كورونا» (أرشيفية)
شواطئ سيناء كانت متنفساً لأهالي المحافظة قبل جائحة «كورونا» (أرشيفية)
TT

الشاطئ منفذ «إفطار جماعي» بشمال سيناء لتلافي «كورونا»

شواطئ سيناء كانت متنفساً لأهالي المحافظة قبل جائحة «كورونا» (أرشيفية)
شواطئ سيناء كانت متنفساً لأهالي المحافظة قبل جائحة «كورونا» (أرشيفية)

ما إن اقتربت لحظات الغروب على شاطئ العريش بشمال سيناء، حتى سارع الأربعيني محمود سليمان لإشعال النار في كومة حطب وانتظار لحظات ليخبو لهيبها، ويستكمل مهمته على ما تبقى من الجمر بإعداد مشروبات الإفطار الساخنة من الشاي والقهوة والأعشاب الطبية، بالتزامن مع إحضار أنجاله الثلاثة أطباق الطعام الجاهزة، والتهيؤ لاستقبال من دعوهم لتناول وجبة إفطار خلالها يفترشون رمال الشاطئ وأمام أعينهم تتلاحق مشاهد ارتطام الأمواج باليابسة.
وليمة الإفطار الرمضانية على الشاطئ كل يوم مشهد أصبح لافتاً على ساحل مدينة العريش بشمال سيناء، بعد أن حالت «كورونا» هذا العام دون أن يحيي الأهالي تقاليدهم الرمضانية المعتادة بجلسات الإفطار الجماعية في المجالس والدواوين.
وكانت محافظة شمال سيناء آخر محافظة مصرية أعلنت فيها رسمياً ظهور إصابات بفيروس كورونا، وبحسب بيان رسمي لمديرية الصحة بشمال سيناء أنه حتى الاثنين إجمالي الحالات الإيجابية المؤكدة لفيروس كورونا 3 حالات، و27 حالة سلبية، وشفاء حالة واحدة.
وليمة الإفطار التي دعا لها محمود سليمان أصدقاءه على الشاطئ، أوضح أنها الحل للوجود في الهواء الطلق بعيداً عن التزاحم داخل المجالس المغلقة.
وأضاف متحدثاً لـ«الشرق الأوسط»، وهو يجمع بعض الجمر المتناثر من حول موقده ويعيد تجميعه حول دلة قهوة نحاسية، أنهم في سيناء يعتادون كل رمضان أن تجمعهم في مجالسهم مائدة إفطار واحدة مكونة من وجبات يحضرها كل شخص وجلسة كل ليلة خلالها يؤدون صلاة التراويح في جماعة بالمساجد المجاورة لمجالسهم، وهذا التقليد تراجع هذا العام إن لم يكن اختفى كلياً بسبب التزام الأهالي بتجنب التجمعات خوفاً من فيروس كورونا.
وتابع أنه وكثيرين لم يجدوا ملاذاً غير الشاطئ حيث الأجواء المفتوحة والأكثر أماناً من الغرف المغلقة، وقبل موعد الإفطار يحضرون مع أسرهم ومن يدعون ويأتون بوجبات طعامهم مع الاستمتاع بتجهيز القهوة والشاي ومشروب المرمية العشبي على نار هادئة ثم يعودون لمنازلهم قبل حلول موعد حظر التجول الليلي في التاسعة مساءً.
وقال عليان عيد، ويعمل حارس عقارات على شاطئ العريش لـ«الشرق الأوسط»، إنه لوحظ خلال شهر رمضان كثافة حضور للأهالي خلال وقت الإفطار على الشاطئ، وتحضر الأسر وجبات إفطارها جاهزة بينما مجموعات الشباب يحضرون مبكراً ويقومون بتجهيز طعامهم على نار الحطب، وأهمها وجبة اللصيمة التي تعتمد على شوي الطماطم ومكونات أخرى من الخضراوات وخلطها مهروسة مع الخبز المطهو على الجمر والفلفل وزيت الزيتون.
واعتبر صلاح مسعود، ويعمل معلم لغة عربية، أن ما أضيف هذا العام لممنوعات رمضان في شمال سيناء هو الإفطار في المجالس، حيث إن الممنوع خلال رمضان كما هو معتاد وفق التقاليد في سيناء هو انعقاد جلسات القضاء العرفي، وحفلات الزواج.
وسبق واتخذ كثيرون من محافظات مصرية قريبة من سيناء، شاليهات وشقق على شاطئ العريش مسكناً لهم كملاذ آمن من «كورونا»، كما عاد لها عدد ممن هجروها في وقت سابق بحثاً عن لقمة عيش في مكان آخر وفراراً من خطر تهديدات «جماعات إرهابية» لهم، وهي المحافظة التي تشهد ملاحقات قوات الجيش والشرطة في مصر لمسلحين يتبعون تنظيم «ولاية سيناء» الذي بايع «داعش» عام 2014.
وأعلن اللواء عبد الفضيل شوشة محافظ شمال سيناء، أنه تتخذ في المحافظة إجراءات احترازية مشددة لمنع تفشي الوباء أهمها وجود مراقبين صحيين على منفذ رفح بين مصر وقطاع غزة ومنفذ العوجة بين مصر وإسرائيل وميناء العريش البحري، وعلى 5 منافذ تربط شمال سيناء بمحافظات مجاورة لها وهي بورسعيد والإسماعيلية وجنوب سيناء والسويس ويقوم الفريق الطبي بفحص كل حالة مرور وتسجيل بيانات من يدخل المحافظة ومراجعته من أقرب جهة رعاية صحية بمنزله لمدة 14 يوماً للتأكد من عدم ظهور أعراض إصابة بـ«كورونا».


مقالات ذات صلة

صحتك امرأة تعاني من «كورونا طويل الأمد» في فلوريدا (رويترز)

دراسة: العلاج النفسي هو الوسيلة الوحيدة للتصدي لـ«كورونا طويل الأمد»

أكدت دراسة كندية أن «كورونا طويل الأمد» لا يمكن علاجه بنجاح إلا بتلقي علاج نفسي.

«الشرق الأوسط» (أوتاوا)
صحتك «كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

«كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

يؤثر على 6 : 11 % من المرضى

ماثيو سولان (كمبردج (ولاية ماساشوستس الأميركية))
صحتك أطباء يحاولون إسعاف مريضة بـ«كورونا» (رويترز)

«كورونا» قد يساعد الجسم في مكافحة السرطان

كشفت دراسة جديدة، عن أن الإصابة بفيروس كورونا قد تساعد في مكافحة السرطان وتقليص حجم الأورام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
أوروبا الطبيب البريطاني توماس كوان (رويترز)

سجن طبيب بريطاني 31 عاماً لمحاولته قتل صديق والدته بلقاح كوفيد مزيف

حكم على طبيب بريطاني بالسجن لأكثر من 31 عاماً بتهمة التخطيط لقتل صديق والدته بلقاح مزيف لكوفيد - 19.

«الشرق الأوسط» (لندن )

الحناء تراث عربي مشترك بقوائم «اليونيسكو» 

الحنة ترمز إلى دورة حياة الفرد منذ ولادته وحتى وفاته (الفنان العماني سالم سلطان عامر الحجري)
الحنة ترمز إلى دورة حياة الفرد منذ ولادته وحتى وفاته (الفنان العماني سالم سلطان عامر الحجري)
TT

الحناء تراث عربي مشترك بقوائم «اليونيسكو» 

الحنة ترمز إلى دورة حياة الفرد منذ ولادته وحتى وفاته (الفنان العماني سالم سلطان عامر الحجري)
الحنة ترمز إلى دورة حياة الفرد منذ ولادته وحتى وفاته (الفنان العماني سالم سلطان عامر الحجري)

في إنجاز عربي جديد يطمح إلى صون التراث وحفظ الهوية، أعلنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو)، الأربعاء، عن تسجيل عنصر «الحناء: الطقوس، الممارسات الجمالية والاجتماعية» ضمن قوائم التراث الثقافي غير المادي لـ«اليونيسكو» على أنه تراث مشترك بين 16 دول عربية.

ويأتي الملف التراثي نتيجة تعاون مشترك بين وزارتي الثقافة والخارجية المصريتين وسائر الدول العربية التي تعد الحناء من العناصر الثقافية الشعبية المرتبطة بمظاهر الفرح فيها، كما تمثل تقليداً رئيساً لمظاهر احتفالية في هذه المجتمعات وهي: السودان، مصر، المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة، العراق، الأردن، الكويت، فلسطين، تونس، الجزائر، البحرين، المغرب، موريتانيا، سلطنة عمان، اليمن، وقطر.

وتعقد اللجنة الحكومية الدولية لصون التراث الثقافي غير المادي اجتماعاً يستمر منذ الاثنين الماضي وحتى الخميس 5 ديسمبر (كانون الأول) الجاري، في أسونسيون عاصمة باراغواي، للبت في إدراج 66 عنصراً جديداً رُشحَت على أنها تقاليد مجتمعية، وفق «اليونيسكو».

وذكّرت المنظمة بأن الحنّة (أو الحناء): «نبتة يتم تجفيف أوراقها وطحنها ثم تحويلها إلى عجينة تُستخدم في دق الوشوم وتحديداً تلك التي تتلقاها المدعوات في حفلات الزفاف، وتُستعمل أيضاً لصبغ الشعر أو جلب الحظ للأطفال».

الحنة تراث ينتقل بين الأجيال (الفنان العماني سالم سلطان عامر الحجري)

وعللت «اليونيسكو» إدراج الحنّة في قائمة التراث الثقافي غير المادي بأنها «ترمز إلى دورة حياة الفرد، منذ ولادته وحتى وفاته، وهي حاضرة خلال المراحل الرئيسة من حياته، وترافق طقوس استخدام الحنّة أشكال تعبير شفهية مثل الأغنيات والحكايات».

من جهته أعرب الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة المصري، عن اعتزازه بهذا الإنجاز، مشيراً إلى أن تسجيل الحناء يُعد العنصر التاسع الذي تضيفه مصر إلى قوائم التراث الثقافي غير المادي منذ توقيعها على اتفاقية 2003، بحسب بيان للوزارة.

وأكدت الدكتورة نهلة إمام رئيسة الوفد المصري أن الحناء ليست مجرد عنصر جمالي، بل تمثل طقساً اجتماعياً عريقاً في المجتمعات العربية؛ حيث تُستخدم في الحياة اليومية والمناسبات المختلفة، كما أشارت إلى «ارتباط استخدام الحناء بتقاليد شفهية، مثل الأهازيج والأمثال الشعبية، وممارسات اجتماعية تشمل زراعتها واستخدامها في الحرف اليدوية والعلاجية».

وسلط الملف الذي قُدم لـ«اليونيسكو» بهدف توثيقها الضوء على أهمية الحناء بأنها عنصر ثقافي يعكس الروح التقليدية في المجتمعات المشاركة، وكونها رمزاً للفرح والتقاليد المرتبطة بالمناسبات الاحتفالية وفق الدكتور مصطفى جاد، خبير التراث الثقافي اللامادي بـ«اليونيسكو»، الذي قال لـ«الشرق الأوسط»: «تمثل الحناء واحدة من أهم عناصر تراثنا الشعبي، فهي مرتبطة بمعظم مفردات التراث الشعبي المصري والعربي الأخرى؛ وهي وثيقة الارتباط بالنواحي الجمالية والتزيينية، وأغاني الحناء، فضلاً عن الأمثال والمعتقدات الشعبية، والاستخدامات والممارسات الخاصة بالمعتقدات الشعبية، وتستخدم الحناء في الكثير من طقوسنا اليومية، المتعلقة بالمناسبات السعيدة مثل الزواج والأعياد بشكل عام».

الحنة تراث عربي مشترك (بكسيلز)

وأكد جاد أن التعاون العربي تجاه توثيق العناصر التراثية يعزز من إدراج هذه العناصر على قوائم «اليونيسكو» للتراث اللامادي؛ مشيراً إلى أنها ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة، وقال: «تثمن (اليونيسكو) عناصر التراث الشعبي المشتركة بين الدول، وقد سبق تسجيل عناصر النخلة، والخط العربي، والنقش على المعادن المشتركة بين مصر وعدة دول عربية؛ مما يؤكد الهوية العربية المشتركة».

وأضاف: «نحن في انتظار إعلان إدراج عنصر آخر مشترك بين مصر والسعودية على القوائم التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي بـ(اليونيسكو) اليوم أو غداً، وهو آلة السمسمية الشعبية المعروفة».

وكانت بداية الحناء في مصر القديمة ومنها انتشرت في مختلف الثقافات، خصوصاً في الهند ودول الشرق الأوسط، حتى صارت ليلة الحناء بمثابة حفل «توديع العزوبية» في هذه الثقافات، وفق عالم المصريات الدكتور حسين عبد البصير، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» أن «الأدلة الأثرية والتحاليل العلمية وثقت دور الحنة باعتبارها مادة أساسية ذات أهمية كبيرة في الحياة اليومية للمصريين القدماء»، وتابع: «بخلاف استخدامها في الأغراض التجميلية مثل صبغ الشعر، فقد تمت الاستعانة بها في الطقوس الجنائزية؛ إذ يعتقد استخدامها في التحنيط، كما كانت جزءاً من الممارسات الروحية لتحضير المومياوات للحياة الآخرة، فضلاً عن صبغ الأقمشة والجلود».

ارتبطت الحناء بالمناسبات والأعياد (بكسيلز)

الفنان العُماني سالم سلطان عامر الحجري واحد من المصورين العرب الذين وثقوا بعدستهم استخدام الحنة في الحياة اليومية، وسجّل حرص الجدات على توريثها للأجيال الجديدة من الفتيات الصغيرات، يقول الحجري لـ«الشرق الأوسط»: «الحنة في سلطنة عمان هي رمز للفرحة، ومن أهم استخداماتها تزيين النساء والأطفال بها في عيد الفطر، حيث عرفت النساء العربيات منذ القدم دق ورق الحناء وغربلته ونخله بقطعة من القماش وتجهيزه، مع إضافة اللومي اليابس (الليمون الجاف)، لمنحها خضاب اللون الأحمر القاتم، وذلك قبل العيد بعدة أيام، ثم يقمن بعجن الحناء المضاف له اللومي الجاف بالماء، ويتركنه لفترة من الوقت، وقبل النوم يستخدمن الحناء لتخضيب اليدين والرجلين للنساء والفتيات».