«كسارة البندق» كما لم ترها من قبل

موسيقى تشايكوفسكي مثل حلم على طريقة مايكل جاكسون

مصمم الرقصات البلجيكي جيروين فيربروغن قدمها لأول مرة بطريقة جديدة مبتكرة تجعلك مندهشا
مصمم الرقصات البلجيكي جيروين فيربروغن قدمها لأول مرة بطريقة جديدة مبتكرة تجعلك مندهشا
TT

«كسارة البندق» كما لم ترها من قبل

مصمم الرقصات البلجيكي جيروين فيربروغن قدمها لأول مرة بطريقة جديدة مبتكرة تجعلك مندهشا
مصمم الرقصات البلجيكي جيروين فيربروغن قدمها لأول مرة بطريقة جديدة مبتكرة تجعلك مندهشا

أصبحت باليه «كسارة البندق» للموسيقار الروسي الكبير تشايكوفسكي تقليدا سنويا يعرض في أواخر كل عام لتسلية الكبار والصغار في العواصم العالمية؛ فهي أكثر قطع الباليه شعبية في التاريخ، وقد رأيتها مرارا في نيويورك ولندن وباريس وميلانو وغيرها بنسختها المعروفة منذ تأليفها عام 1892 قبل وفاة تشايكوفسكي منتحرا وعمره 53 سنة بشرب الماء الملوث بجراثيم الكوليرا. لكن مصمم الرقصات البلجيكي الشاب الموهوب جيروين فيربروغن (31 سنة) قدمها في المسرح الكبير في جنيف منذ أيام لأول مرة بطريقة جديدة مبتكرة تجعلك مندهشا، وكأنك لم ترها من قبل ما عدا الملامح العامة للقصة التي ألفها الكاتب الألماني إرنست هوفمان في أوائل القرن الـ19 وترجمها للفرنسية الكاتب المشهور إسكندر دوماس الأب، وغير تسلسل الرقصات والمناظر المألوفة من أيام قيصر روسيا ومصمم الرقصات الفرنسي المعروف بيتيبا، فتشعر أنك تسمع تأليفا حديثا يشبه ما تعودت عليه، لكنه يقدم مشاهد متعاقبة منسجمة دون العودة إلى النص الأصلي.
لقي العرض الجديد نجاحا وفيرا لأنه كان متسما بالإبداع والخلق لا بالمحاكاة والتقليد، واعتمد على حيوية وبراعة الراقصين والراقصات الذين لا تتجاوز أعمارهم الـ25 عاما. موهبة الابتكار سمة واضحة لدى فيربروغن منذ أن كرس نفسه هذا العام لتصميم الرقصات، فهو راقص شهير للباليه، وحاز جوائز كثيرة في بلجيكا وكندا وفرنسا، وبرز في الرقص في باليه مونتي كارلو، وتعاون مع عدد من المبدعين في هذا الفن بمن فيهم سيدي العربي الشرقاوي الراقص البلجيكي الفذ ذي الأصل المغربي. سيجري عرض هذه الباليه في الشهر المقبل في بولزانو بشمال إيطاليا ثم في مارس (آذار) 2015 في كريمونا ومودينا بإيطاليا.
تروي القصة الأصلية للباليه الحفلة التي أقامها والدا الطفلة المراهقة كلارا (ماري في الباليه) وكيف تحولت أوهامها حول فارس الأحلام الذي تبدل من كسارة للبندق إلى أمير جذاب وسيم، وكيف غدا الشرير دروسلماير الذي جلب الألعاب والدمى للأطفال ثم حول الألعاب إلى جنود خشبية صغيرة تقارع جيش الفئران. نامت كلارا واستسلمت لأحلامها فتخيلت شجرة عيد الميلاد وقد نمت وكبرت وتساقط عليها الثلج على أنغام رقصة الفالس، ثم جاءها فتى الأحلام يقود جيشا من الحلويات والسكاكر.
يقول فيربروغن بعد دراسته للقصة والتحويرات التي أدخلها على الباليه الراقص الروسي الشهير رودولف نورييف إنه يعتبرها قصة نفسية خيالية تصلح للصغار وتعبر عن أفكار شخصية. ويضيف أن القصة من نوع «كان يا ما كان في قديم الزمان» التي تدخلك في مملكة الخيال، تحاول فيها الطفلة المراهقة اكتشاف نفسها في عالم متنوع، ثم يتساءل: من هو الأمير (كسارة البندق)؟ وكيف أصبح كذلك في مخيلتها وكأنه أثارها بشكل مبهم؟
تفكير مصمم الرقصات يدل على أنه يعتقد أن القصص والروايات الخيالية ضرورية للنمو والنضج، وأن فن الرقص بالإيماء والتمثيل بحركات جسدية يعبر عن لمسات رمزية بدل الكلام، فالحفلة في بداية القصة تدل على لم شمل العائلة كي لا يشعر أفرادها بالوحدة، وأن المرء ينسى في وقت الحلم ما كان عليه وضعه أثناء اليقظة، وحين يفيق من الحلم يكتشف الواقع من جديد، لذا فطريقة فيربروغن هي مزج الأحلام باليقظة وخلط المشاعر الدفينة بالآمال والأماني، يجسدها بحركات سريعة ورقص بديع على أنغام موسيقى تشايكوفسكي العذبة التي تعجب الجميع.
المناظر تجمع بين الديكور التقليدي ليذكرك بأنك تشاهد عرضا للموسيقى الكلاسيكية والمشاهد الحديثة التي تنسجم مع الإخراج الجديد المبتكر والحركة الدائبة على المسرح والإضاءة الخفيفة التي تخلق جوا غامضا حافلا بالظلال وحركات المجموعة الراقصة الصارمة أحيانا، واللينة أحيانا أخرى، وكأنك تشاهد عرضا للموسيقى الشبابية التي صممها الفنان الراحل مايكل جاكسون على طريقة حركات الإنسان الآلي وأساليب الرقص الحديث المعقدة التي تصاحب موسيقى الروك، بحيث تحس أن الاستعراض المسرحي الراقص أصبح فاتنا وله تأثير التنويم المغناطيسي، خاصة حين تسمع الرقصة العربية المعروفة في «كسارة البندق».
أبدعت الراقصة النجمة في باليه جنيف سارة شيغيناري ذات الملامح اليابانية في دور ماري الفتاة اليافعة التي بدأت سن المراهقة وتحركت بانسياب ودوران وقفز والتفاف سريع وكأنها طير يرقص، وأبدع الراقص الموهوب ناهويل فيغا في دور فتى الأحلام، وتبعه جيوفري فان دايك في دور دروسلماير. أما تصميم المناظر والملابس فكان الإتقان والخروج عن المألوف رائدهما؛ إذ رأينا أشياء استثنائية غريبة تثير الانتباه والإعجاب وكأنها شبيهة بملابس ليدي غاغا، وأسندت المهمة إلى ياسين إسماعيلوف وليفيا ستويانوفا اللذين عملا في بيوت الأزياء الشهيرة في باريس، مثل كريستيان ديور وإيف سان لوران ونينا ريتشي وكريستيان لاكروا وتعاونا مع الراقصات الرئيسات في باليه أوبرا باريس.
عزف أوركسترا سويس روماند بقيادة فيليب بيران كان في منتهى النجاح، فهو خليفة للمايسترو العظيم إرنست انسرميه الذي جعل من هذه الأوركسترا السويسرية إحدى أهم الفرق الموسيقية في العالم.
هل يتبع فيربروغن خطى الراقص ومصمم الرقصات الفرنسي المشهور موريس بيجار المتوفى في سويسرا قبل 7 سنوات والذي اشتهر مع فرقته الراقصة للباليه المسماة «باليه القرن العشرين» التي كونها في بلجيكا؟ قدمت تلك الفرقة عروضا ناجحة كثيرة، من بينها بوليرو لرافيل وأغاني أم كلثوم، و«روضة الورد» للشاعر الفارسي سعدي التي عرضت في شيراز أثناء عهد شاه إيران قبل الثورة. عاش بيجار سنواته الأخيرة في لوزان بسويسرا، وحول قصة «كسارة البندق» تحويلا ملموسا وقدمها بشكل مبتكر غير معهود. كيفما تبدلت قصة تلك الباليه وطريقة إخراجها تبقى موسيقى تشايكوفسكي الخالدة سبب نجاحها الأكيد عبر السنين والابتكارات.



هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
TT

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.
يكشف خرما تفاصيل تأليف مقطوعاته الموسيقية التي عُزفت في البطولة، إلى جانب الموسيقى التصويرية لفيلم «يوم 13» المعروض حالياً في الصالات المصرية، فيعبّر عن فخره لاختياره تمثيل مصر بتقديم موسيقى حفلِ بطولة تشارك فيها 40 دولة من العالم، ويوضح: «أمر ممتع أن تقدّم موسيقى بشكل إبداعي في مجالات أخرى غير المتعارف عليها، وشعور جديد حين تجد متلقين جدداً يستمعون لموسيقاك».
ويشير الموسيقار المصري إلى أنه وضع «ثيمة» خاصة تتماشى مع روح لعبة الجمباز: «أردتها ممزوجة بموسيقى حماسية تُظهر بصمتنا المصرية. عُزفت هذه الموسيقى في بداية العرض ونهايته، مع تغييرات في توزيعها».
ويؤكد أنّ «العمل على تأليف موسيقى خاصة للعبة الجمباز كان مثيراً، إذ تعرّفتُ على تفاصيل اللعبة لأستلهم المقطوعات المناسبة، على غرار ما يحدث في الدراما، حيث أشاهد مشهداً درامياً لتأليف موسيقاه».
ويتابع أنّ هناك فارقاً بين وضع موسيقى تصويرية لعمل درامي وموسيقى للعبة رياضية، إذ لا بدّ أن تتضمن الأخيرة، «مقطوعات موسيقية حماسية، وهنا أيضاً تجب مشاهدة الألعاب وتأليف الموسيقى في أثناء مشاهدتها».
وفي إطار الدراما، يعرب عن اعتزازه بالمشاركة في وضع موسيقى أول فيلم رعب مجسم في السينما المصرية، فيقول: «خلال العمل على الفيلم، أيقنتُ أنّ الموسيقى لا بد أن تكون مجسمة مثل الصورة، لذلك قدّمناها بتقنية (Dolby Atmos) لمنح المُشاهد تجربة محيطية مجسمة داخل الصالات تجعله يشعر بأنه يعيش مع الأبطال داخل القصر، حيث جرى التصوير. استعنتُ بالآلات الوترية، خصوصاً الكمان والتشيللو، وأضفتُ البيانو، مع مؤثرات صوتية لجعل الموسيقى تواكب الأحداث وتخلق التوتر المطلوب في كل مشهد».
يشرح خرما طريقته في التأليف الموسيقي الخاص بالأعمال الدرامية: «أعقدُ جلسة مبدئية مع المخرج قبل بدء العمل على أي مشروع درامي؛ لأفهم رؤيته الإخراجية والخطوط العريضة لاتجاهات الموسيقى داخل عمله، فأوازن بين الأشكال التي سيمر بها العمل من أكشن ورومانسي وكوميدي. عقب ذلك أضع استراتيجية خاصة بي من خلال اختيار الأصوات والآلات الموسيقية والتوزيعات. مع الانتهاء المبدئي من (الثيمة) الموسيقية، أعقد جلسة عمل أخرى مع المخرج نناقش فيها ما توصلت إليه».
ويرى أنّ الجمهور المصري والعربي أصبح متعطشاً للاستمتاع وحضور حفلات موسيقية: «قبل بدء تقديمي الحفلات الموسيقية، كنت أخشى ضعف الحضور الجماهيري، لكنني لمستُ التعطّش لها، خصوصاً أن هناك فئة عريضة من الجمهور تحب الموسيقى الحية وتعيشها. وبما أننا في عصر سريع ومزدحم، باتت الساعات التي يقضيها الجمهور في حفلات الموسيقى بمثابة راحة يبتعد فيها عن الصخب».
وأبدى خرما إعجابه بالموسيقى التصويرية لمسلسلَي «الهرشة السابعة» لخالد الكمار، و«جعفر العمدة» لخالد حماد، اللذين عُرضا أخيراً في رمضان.