ازدهار الشطرنج على الإنترنت برغم الوباء

دانيال رينش المؤسس المشارك لموقع «chess.com» الإلكتروني قام بالتعليق على فعالية كأس العالم للشطرنج مباشرة (نيويورك تايمز)
دانيال رينش المؤسس المشارك لموقع «chess.com» الإلكتروني قام بالتعليق على فعالية كأس العالم للشطرنج مباشرة (نيويورك تايمز)
TT

ازدهار الشطرنج على الإنترنت برغم الوباء

دانيال رينش المؤسس المشارك لموقع «chess.com» الإلكتروني قام بالتعليق على فعالية كأس العالم للشطرنج مباشرة (نيويورك تايمز)
دانيال رينش المؤسس المشارك لموقع «chess.com» الإلكتروني قام بالتعليق على فعالية كأس العالم للشطرنج مباشرة (نيويورك تايمز)

كانت الساعة تشير إلى الثامنة من صباح الثلاثاء في مدينة سانت لويس عندما قام كبير لاعبي الشطرنج في الولايات المتحدة فابيانو كاروانا، الذي يحتل المرتبة الثانية على العالم، بنقل البيدق إلى المربع (إي 4) على لوحة اللعب.
وكان الوقت يشير إلى الساعة 06:30 مساء على مسافة أكثر من 8 آلاف ميل في مدينة ناشيك الهندية، عندما استجاب منافسه، فيديت غوجراثي، في منزله بعد ذلك بثواني معدودة من خطوة كاروانا: ناقلاً بيدقه إلى المربع (إي 5) على اللوحة ذاتها.
وبهاتين الخطوتين، بدأت بطولة كأس الأمم للشطرنج عبر شبكة الإنترنت، وهي بطولة الشطرنج الدولية التي لم يسبق لها مثيل، والتي تمخضت عن تداعيات وباء كورونا الراهن.
وفي حين أن تفشي الوباء قد أسفر عن توقف أغلب الرياضات حول العالم، إلا أن الشطرنج لم يجد وسيلة للاستمرار فحسب، وإنما للازدهار كذلك في بعض النواحي. وخلال الأسابيع العديدة الماضية، كانت هناك زيادة ملحوظة في مشاركات لعبة الشطرنج التي واكبت عدداً من الفعاليات البارزة في عالم هذه اللعبة على شبكة الإنترنت.
وفي الأسبوع الماضي فقط، تمكنت بطولة الأمم للشطرنج على الإنترنت من جمع أفضل اللاعبين على مستوى العالم من داخل منازلهم عبر مختلف المناطق الزمنية المتعددة، من بروكلين في نيويورك وحتى بكين الصينية. وواصل اللاعبون تحريك قطع الشطرنج على لوحات اللعب الإلكترونية عبر حواسيبهم الخاصة في المسابقات المتنوعة، وفي جوهر الأمر، إنها نفس اللعبة التي يتنافسون على الفوز فيها وإنما مع اختلاف الظروف الراهنة.
ويمكن متابعة مجريات البطولة الحالية عبر العديد من المنصات، وتملك اللعبة محفظة مالية بمقدار 180 ألف دولار، ويجري بثها بعشرات اللغات الحية.
يقول دانيال رينش، المؤسس المشارك لموقع اللعبة الإلكتروني، والذي يعلق على الفعالية مباشرة: «إنها واحدة من أكبر الفعاليات التي قمنا بتدشينها على الإطلاق عبر موقع [chess.com]».
وتشتمل إصدارات ألعاب الفيديو لمعظم الألعاب الرياضية على مجموعة مختلفة تماماً من المهارات التي لا تماثل الواقع الحقيقي، فإن التحكم في جهاز إلكتروني عن بُعد لا يشبه على الإطلاق الملاحقة في الملعب بواسطة مساعد الحكم في إحدى الرياضات. غير أن ممارسة لعبة الشطرنج عبر الإنترنت لا تختلف في شيء عن الواقع الحقيقي للعبة، وعندما توقفت الرياضات الأخرى تماماً في مارس (آذار) الماضي بسبب حالة الإغلاق العالمية، كان المشجعون يبحثون عما يسد نهمهم لمشاهدة المباريات الرياضية، وربما الممارسة نفسها كذلك.
ومع وقت الفراغ الهائل الذي أجبرنا عليه فيروس كورونا، تحول اهتمام الملايين من الناس إلى ممارسة لعبة الشطرنج على الإنترنت.
يقول أركادي دفوركوفيتش، رئيس الاتحاد الدولي للشطرنج، وهي الهيئة الدولية الحاكمة للعبة الشطرنج حول العالم، والتي تشارك في استضافة كأس الأمم عبر شبكة الإنترنت: «لقد تضاعفت نسبة المشاركة على الإنترنت بمقدار الضعف على أقل تقدير».
ودفع طوفان الحماس الكثير من المتابعين إلى الاندفاع نحو موقع «chess.com»، ومواقع الشطرنج الكبيرة الأخرى مثل «Chess24»، وموقع «Lichess»، لمواكبة البطولة الدولية الراهنة. وقال نيك بارتون، مدير تطوير الأعمال في موقع «chess.com»، إنه تحتم عليهم زيادة الطاقة الاستيعابية للخوادم في الموقع من أجل مواكبة الطلب المتزايد عليه، «وطلبنا من المهندسين والفنيين العمل لساعات دوام إضافية، وتمت الاستعانة بموظفين آخرين للتعامل مع الاندفاع العالمي المشهود».
كان الإغلاق العام يعني أن أغلب البطولات الحية، التي تقام في المعتاد داخل الساحات، وقاعات الفنادق، وقاعات المؤتمرات، قد جرى إلغاؤها تماماً، ولم يكن هناك بديل معقول لتنظيم أغلب البطولات. وعندما تم تأجيل بطولة أولمبياد الشطرنج، التي تُنظم مرة كل عامين في أغسطس (آب) في العاصمة الروسية موسكو، إلى العام المقبل، طرح الاتحاد الدولي للشطرنج رفقة موقع «chess.com» المفهوم الذي كان قيد المناقشة فيما بينهما منذ سنوات ويتعلق بتنظيم فعالية لفرق الشطرنج العالمية عبر شبكة الإنترنت.
ولقد عكفوا على تنظيم الفعالية في غضون ثلاثة أسابيع تقريباً، وقام أغلب كبار ممارسي اللعبة بالتسجيل فيها، باستثناء ماغنوس كارلسن، المصنف الأول على العالم، والذي كان قد انتهى لتوه من استضافة فعالية فريدة من نوعها للعبة الشطرنج على الإنترنت في الآونة الأخيرة.
ولقد فاز كارلسن بهذه الفعالية بتاريخ 3 مايو (أيار) الجاري. ومع انتهاء الفعالية، خرج اللاعب الكبير يان غوستافسون من المنصة الإلكترونية - حيث كان يُعلق بصوته على مجريات المنافسة - موجهاً الشكر العميق لكافة المعجبين والمشاهدين الذين تابعوها، وأضاف قائلاً: «ليس لدينا خيار آخر أيها الرفاق، دعونا نواجه الواقع بشجاعة، ليست هناك بطولات أو فعاليات رياضية أخرى في أي مكان».
لكن هناك لعبة الشطرنج الحقيقية. وبعد مرور يومين فقط، بدأت بطولة كأس الأمم للشطرنج على الإنترنت، كأحد أثرى فعاليات فرق الشطرنج التي نُظمت على الإنترنت، حيث يتقاسم الفريق الفائز الجائزة التي تبلغ قيمتها 48 ألف دولار. إنها جولة «راوند روبن» المضاعفة التي تُجرى على مدار ستة أيام مع مشاركة ستة فرق من الولايات المتحدة، والصين، والهند، وروسيا، وأوروبا، وفريق يحمل اسم «سائر العالم». وسوف يتنافس الفريقان الفائزان في المباراة النهائية التي تُقام يوم الأحد المقبل.
ولوحظت هناك بعض الثغرات الطفيفة، مثل انقطاع الاتصال عن تطبيق «زووم» لفريق أوروبا لفترة وجيزة في اليوم الثاني من البطولة. ولكن بعد انتهاء 4 جولات من 24 مباراة في اليوم، ساعدت هذه البطولة، رفقة فعالية ماغنوس كارلسن على الإنترنت من قبلها، على إخماد نهم عشاق الشطرنج للعبتهم المحبوبة.
وقال السيد رينش، الذي أصابه الإرهاق إلى حدٍ ما يوم الأربعاء الماضي بعد بث جولتين متتاليتين من المباراة: «هناك الكثير من المباريات، والكثير من التفاعل الكبير، وهذا أمر مدهش للغاية. وفي بعض الأحيان تخرج الأمور عن منوالها المعتاد، غير أنها كانت تجربة مثيرة جداً للجميع».
- «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

بطلة شطرنج روسية تحاول تسميم منافستها باستخدام الزئبق (فيديو)

يوميات الشرق بطلة شطرنج روسية تحاول تسميم منافستها باستخدام الزئبق (فيديو)

بطلة شطرنج روسية تحاول تسميم منافستها باستخدام الزئبق (فيديو)

اعترفت بطلة الشطرنج الروسية، أمينة أباكاروفا، بمحاولة تسميم منافستها خلال بطولة شطرنج أقيمت في مدينة معج قلعة بجنوب روسيا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق بطل الشطرنج النيجيري توندي أوناكويا خلال المباراة (أ.ب)

لعب 58 ساعة دون توقف... نيجيري يحطم الرقم القياسي لأطول ماراثون شطرنج

حطم بطل شطرنج نيجيري الرقم القياسي لأطول ماراثون شطرنج بعد أن لعب مباراة دون توقف لمدة 58 ساعة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
رياضة عالمية الشطرنج الصيني (غيتي)

فضيحة تهز عالم الشطرنج الصيني

يشهد عالم الشطرنج الصيني بلبلة بسبب إشاعات الغش وفضيحة سلوك سيئ أدت إلى تجريد البطل الوطني من لقبه بعدما انتهى احتفاله بالفوز بتبرزه في حوض استحمام فندق.

«الشرق الأوسط» (شنغهاي)
رياضة عربية شاهين (يمين) مع عمدة مدينة إدنبره (الشرق الأوسط)

جلال شاهين يضع الشطرنج الليبي على الخريطة العالمية

شاهين يؤكد أن شعبية الشطرنج تتسع عربياً وإدراجها ضمن البرامج الإلكترونية زاد من رقعتها.

«الشرق الأوسط» (ادنبرة)
رياضة عربية المصرية نور الشربيني من أبرز اللاعبات في العالم (الاتحاد الدولي للشطرنج)

نور الشربيني وفرج يتوجان بكأسي باريس للإسكواش

أحرز المصريان علي فرج ونور الشربيني لقبي بطولة باريس للإسكواش بعد الفوز على دييغو إلياس ونوران جوهر السبت.

«الشرق الأوسط» (باريس)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».