أدلة تؤكد علاقة التلوث بارتفاع الإصابات والوفيات الناجمة عن الفيروس

أدلة تؤكد علاقة التلوث بارتفاع الإصابات والوفيات الناجمة عن الفيروس
TT

أدلة تؤكد علاقة التلوث بارتفاع الإصابات والوفيات الناجمة عن الفيروس

أدلة تؤكد علاقة التلوث بارتفاع الإصابات والوفيات الناجمة عن الفيروس

من المشاهد العديدة غير المألوفة التي رسمتها جائحة «كوفيد - 19» وتدابير العزل الصارمة التي فرضتها خطط منع انتشار الوباء واحتوائه، الأجواء النظيفة في العواصم والمدن الأوروبية التي أنفقت أموالاً طائلة في العقود الأخيرة لمكافحة التلوث ومعالجة أضراره على الصحة العامة.
ويفيد التقرير الشهري الأخير الذي صدر عن المركز الأوروبي لبحوث الطاقة والهواء النظيف في هلسنكي، أن نسبة ثاني أوكسيد النيتروجين في الهواء قد تراجعت 40 في المائة خلال شهر مارس (آذار) الماضي، ورجّح خبراء المركز أن تكون هذه النسبة أعلى عندما تصدر بيانات الشهر التالي الذي عمّت فيه تدابير العزل جميع الدول الأوروبية.
لكن مع العودة التدريجية إلى تحريك عجلة الاقتصاد والعمل الإداري واستعادة النشاط الاجتماعي التي بدأت منذ مطلع هذا الأسبوع في بعض الدول، والتي ينتظر أن تعمم في الأسابيع المقبلة، ستصبح هذه الواحة الشاسعة من الهواء النظيف في الأجواء الأوروبية مجدداً أثراً بعد عين وسراباً لن يتكرّر إلا إذا صحّت التوقعات وعاد الوباء في موجة ثانية خلال الأشهر المقبلة.

وإذ يحذّر خبراء المركز من أن تلوث الهواء قد يعود إلى مستويات أعلى من السابق، خاصة بسبب عزوف المواطنين عن استخدام وسائل النقل العام خوفاً من سريان الفيروس واللجوء إلى استعمال السيارات الخاصة بكثافة كما حصل مؤخراً في الصين بعد رفع إجراءات الحظر، تؤكد مصادر طبية وجود علاقة مباشرة بين التلوث والفيروس تؤثر على معدل انتشاره ونسبة فتكه بين المصابين.
وكانت منظمات غير حكومية عديدة قد انتقدت مؤخراً الحكومات التي دعت إلى استخدام السيارات الخاصة لتفادي العدوى، وطلبت إليها أن توفّر تدابير التعقيم والوقاية في وسائل النقل العام وتشجّع على استخدامه مجاناً.
الجهات العلمية تقول إن الدراسات حول علاقة التلوث بالفيروس وانتشاره ما زالت في مراحلها الأولى، وإن معظمها لم يخضع بعد لمقارنة النظراء الواجبة في مثل هذه الحالات قبل اعتماد نتائجها ونشرها في الدوريات العلمية المرموقة، لكنها تؤكد أن ثمّة إجماعاً على بعض استنتاجاتها. ومن هذه الاستنتاجات وجود علاقة مثبتة سريرياً بين نسبة الوفيات الناجمة عن «كوفيد – 19» والإصابة بأمراض لها صلة مباشرة بالتلوث، مثل التهاب القصبات الهوائية والجهاز التنفسي وارتفاع ضغط الدم والسكري والسرطان.
وقد بينت دراسة وضعها خبراء معهد الصحة العامة في جامعة هارفارد الأميركية وصدرت نتائجها الأسبوع الماضي، وجود علاقة بين نسبة الوفيات المرتفعة الناجمة عن الفيروس والإصابة بالأمراض المذكورة. وكان المعهد قد استند في دراسته إلى بيانات طبية لعشرات الآلاف من المواطنين في عدد من الولايات والمقاطعات الأميركية خلال الفترة الممتدة من عام 2000 حتى أواخر العام الماضي، حيث تبين أن نسبة الوفّيات الناجمة عن كوفيد 19 كانت مرتفعة أكثر في تلك الولايات والمقاطعات التي سجّلت معدلات تلوث أعلى خلال الفترة نفسها.
ويجري المركز الأوروبي حالياً دراسة لمعرفة ما إذا كان التلوث قصير الأمد، أي غير المتراكم لفترة طويلة كما في الدراسة التي أجرتها جامعة هارفارد، يزيد من نسبة التعرّض للإصابة بالفيروس ومن معدلات الوفيات الناجمة عنها. ويقول خبراء المركز إن العلاقة السببية باتت ثابتة بين الأمراض المتصلة بالتلوث وفيروسات أخرى من بينها فيروسات من عائلة كورونا.
ومن الأبحاث الأخرى التي يجريها المركز معرفة ما إذا كان الفيروس ينتقل بسرعة أكبر عبر رذاذ الهواء الملوث، كما هو ثابت علمياً بالنسبة لسريان بعض الجراثيم والفيروسات الأخرى. وتقول جهات علمية إن التطور في البحوث والتحليلات الإحصائية والدراسات المخبرية قد بلغ مستوى عالياً من الدقة والسرعة يسمح بالتوصل إلى نتائج موثوقة خلال فترات وبتكلفة معقولة، لكن لا بد من متابعة طويلة على مدى سنوات لتثبيت هذه النتائج وتحديد العلاقات السببية. وتحذّر هذه الجهات من التسرّع في الاستناد إلى النتائج الأولية لبعض البحوث والدراسات التي يكثر الحديث عنها خلال هذه الفترة، وتدعو السياسيين إلى الاهتداء بالآراء العلمية الثبتة والموثّقة من الجهات المختصة عند اتخاذ قراراتهم لإدارة الأزمة.
ويذكر الخبراء الأوروبيون بشأن العلاقة المثبتة علمياً بين التلوث وعدد من الأمراض غير السارية، أنه في عام 2016 سجّلت أوروبا 400 ألف حالة وفاة مبكرة لها صلة بالتلوث، وقد تبين اليوم أن انخفاض التلوث الناجم عن إجراءات مكافحة انتشار كوفيد 19 قد أدى إلى تراجع هذه الوفيات في أوروبا بمقدار 11 ألف حالة نتيجة انخفاض معدلات استهلاك الفحم والنفط اللذين يعتبران المصدر الأساسي للتلوث في أوروبا.


مقالات ذات صلة

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

شمال افريقيا «الصحة» المصرية تنفي رصد أمراض فيروسية أو متحورات مستحدثة (أرشيفية - مديرية الصحة والسكان بالقليوبية)

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

نفت وزارة الصحة المصرية رصد أي أمراض بكتيرية أو فيروسية أو متحورات مستحدثة مجهولة من فيروس «كورونا».

محمد عجم (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أظهر المسح الجديد تراجعاً في عدد الأطفال الصغار المسجلين في الدور التعليمية ما قبل سن الالتحاق بالمدارس في أميركا من جراء إغلاق الكثير من المدارس في ذروة جائحة كورونا (متداولة)

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

أظهر مسح أميركي تراجع عدد الأجداد الذين يعيشون مع أحفادهم ويعتنون بهم، وانخفاض عدد الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الدور التعليمية في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».