«الفتوة»... نزهة تاريخية في قلب الحارة المصرية

أحداث المسلسل تبرز الصراع بين الخير والشر

لقطة من مسلسل {الفتوة}  -  بوستر المسلسل
لقطة من مسلسل {الفتوة} - بوستر المسلسل
TT

«الفتوة»... نزهة تاريخية في قلب الحارة المصرية

لقطة من مسلسل {الفتوة}  -  بوستر المسلسل
لقطة من مسلسل {الفتوة} - بوستر المسلسل

مغامرة خطرة ومثيرة يخوضها مسلسل «الفتوة» بطولة الفنان ياسر جلال في السباق الرمضاني لهذا العام، لتصديه لعالم الفتوات الذي تعرفنا عليه عبر روايات وأفلام نجيب محفوظ وخلدته أعماله الأدبية والدرامية أشهرها روايات ملحمة الحرافيش، و«فتوة العطوف»، ومن الأفلام: «الجوع» بطولة محمود عبد العزيز وسعاد حسني (1986)، و«فتوة الحسينية» بطولة فريد شوقي وهدى سلطان (1954) وغير ذلك من الأفلام والمسلسلات. وعالم الفتوات يمثل فصلاً مهماً من التاريخ والتراث المصري الشعبي غير المادي، حيث كانت لهم طقوسهم ومبادئهم وملابسهم ولغتهم الخاصة والتي وثقها الكاتب الصحافي الراحل صلاح عيسى في تحقيقه لكتاب «مذكرات فتوة» الذي كتبه أحد أشهر فتوات مصر المعلم يوسف أبو حجاج.
يأتي المسلسل ليتوج باقة مسلسلات مصرية متنوعة، ويتفرد بهذا التناول التاريخي لحقبة نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين في ظل أزمات إنتاجية مرت بالدراما المصرية مؤخرا، لكن فريق العمل سواء المؤلف الواعد هاني سرحان والمخرج حسين المنباوي تخطى هذه العقبة. وهو ثاني تعاون لهما مع الفنان ياسر جلال بعد مسلسل العام الماضي «لمس أكتاف» ومن إنتاج شركة سينرجي للمنتج تامر مرسي.
خلال الحلقات العشر الأولى يتضح أن المحرك الرئيسي للحدث الدرامي هو الصراع بين قوى الخير والشر، بين الفتوة الظالم «عزمي» ويجسده أحمد صلاح حسني، نجل فتوة الجمالية ورجاله، وبين «حسن الجبالي» وهو ياسر جلال الذي يدافع عن الغلابة ضد استبداد الفتوات.
شخصية حسن الجبالي يؤديها ياسر جلال الذي أدى سابقا أدوار الشر ببراعة والتي ابتعد عنها في الأدوار الأخيرة يبدو أنه ممسك جيدا ببروفايل الشخصية وسماتها، «حسن الجبالي» هادئ الطباع مفتول العضلات وهو ما جعله يبدو متأثراً بأداء الفنان الراحل نور الشريف في أسلوب الحديث ولغة الجسد مع كونه يتمتع بهيئة الفنان الراحل رشدي أباظة في الحلقات الأولى، لكننا عقب ذلك نتعلق معه بشخصيته الجديدة في العمل، فهو يتمتع بتلك الهيبة الخاصة بالبطل الشعبي، «حسن الجبالي» الذي آثر البعد عن عالم الفتوات بعد وفاة والده فتوة الجمالية أحمد الجبالي غدراً في المولد، ثم خسر زوجته التي راحت ضحية الوباء، فهو البطل الذي يعاني انكساراً ويبدو أنه سيتحول بعد حدث كبير في المسلسل، وهنا العمل لعب على وتر وباء الكوليرا الذي ضرب مصر بدايات القرن العشرين في موجته الثانية.
«حسن الجبالي» يدافع عن الغلابة في الخفاء بشخصية «المتلتم» أو «المُلثم» الذي يظهر ليلاً متخفياً في زي الفارس الطيب الذي ينتقم لأهل الحارة المقهورين ويرد لهم «الإتاوة» الأموال التي تؤخذ منهم عنوة ودون وجه حق. نجده في مشاهد كأب حنون ويعلم ابنته المبارزة بالنبوت لتتمكن من الدفاع عن نفسها. وفي مشاهد المعارك يكشر عن شراسته ضد الشر، وفي الوقت نفسه يبدأ في الإعجاب بـ«ليل» كريمة فتوة الجمالية التي أنقذها قبل أيام من «بلطجية» يقومون بعمليات قتل وسرقة وخطف، ويقع في حبها لكن مبادئه تمنعه من الانجراف في الحب.
ويرى نقاد فنيون مصريون من بينهم محمود قاسم أنّ «الفنان ياسر جلال لم يقدم شخصية مختلفة عن أدواره السابقة بل نفس الثيمة وهي الشخص الطيب القوي الذي يخدم الخير، رغم أنه قدم الفتوة، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «كنت أفضل أن أرى جلال هذا العام في ثيمة مغايرة من الأدوار، وهذه مشكلة الجيل الجديد من الممثلين».
ورغم ذلك فإنّ قاسم يرى أنّ المسلسل مختلف عن باقي مسلسلات رمضان، والديكورات قدمت باحترافية، وهو يناقش تحول الفتوة من شخص عادل إلى ظالم، وبالتالي استخدامه للنبوت في خدمة الشر وخروجه عن مبادئ الفتونة».
تلعب دور «ليل» الفنانة مي عمر التي تقدم دوراً جديداً عليها، وتثبت براعتها في التمكن من أدواتها من شخصية الفتاة الثرية أو المدللة لابنه الحارة، «ليل» شابة طُلقت من زوجها المعلم سيد وتعيش حبيسة جدران بيت والدها، المهم هنا في دور «ليل» أنها حلقة من حلقات الصراع الدرامي فهي محبوبة حسن الجبالي وفي نفس الوقت الأخت غير الشقيقة للفتوة عزمي الرجل المسيطر على الحارة ومصدر الشر فيها. هنا تتكشف بعض من الخيوط الدرامية لما يشي بأنه قصة حب مستحيلة ومشوقة، فهل يرتبط بها حسن أم لا؟
المعلم «عزمي» الذي يؤدي شخصيته أحمد صلاح حسني يعتبر خطوة مهمة في تاريخه الفني إذا ما امتلك الشخصية جيدا في باقي الحلقات، إلى الآن يتبدى أنه يتخذ الشر ليواري خلفه ضعفه وانكساره من شيء ما لم تكشف عنه الحلقات الأولى، بعض اللزمات الكلامية التي يستخدمها والحديث بصوت غليظ ربما هي لخدمة هذا الجانب من الشخصية، أما الجانب الآخر الذي يكشفه لنا المؤلف هاني سرحان وهي أن كل إنسان حتى إذا كان من الأشرار فلا بد أن له جانبا آخر يطوق للخير، فنجد تعامل عزمي مع أخته غير الشقيقة بكل حنان وبشكل أبوي بعكس والدته زوجة أبيها. كما نجده في الحديث مع «حسن الجبالي» يؤكد له مدى إعجابه به ورغبته في أن ينضم للعمل معهم في جمع الإتاوات. وفي تتر المسلسل نرى مشهداً يجمع بين حسن الجبالي وعزمي ومن خلفهم أهل الحارة ربما يحدث أن يتعاونا معا ويتحول عزمي لشخص يسعى للخير، ربما يكشف المسلسل عن دور الفتوات في محاربة الإنجليز كما هو معتاد فيتحد الفتوات ضد العدو، هذا ما سنراه خلال النصف الثاني من الحلقات.
وقد جرى اختيار فريق العمل بعناية بداية من اختيار الفنان أحمد خليل لدور الفتوة صابر أبو شديد فتوة الجمالية، ودور الفنانة إنعام سالوسة والدة «حسن الجبالي»، والفنانة نجلاء بدر في دور «الغازية» والفنانة هنادي مهنا في دور «سكر»، وأحمد خالد صالح، في دور «الشيخ مبروك» الذي سوف يحرك الأحداث نحو الكنز الخفي الذي يرد ذكره في وصية والده الراحل ويبحث عنه مع «حسن الجبالي».
شارتا البداية والنهاية اختيار موفق ومدروس بدقة أيضا، فشارة «تتر» البداية تستهل بتواشيح صوفية وموسيقى فقط، أما تتر النهاية فجاء ليناسب المزاج الشعبي وطابع العمل الذي يتناول تراث فئة الفتوات، وهو غناء المطرب الشعبي أحمد شيبة بعنوان: «الفتونة» وتلخص كلماتها مبادئ شخصية العمل وبعض همومها.
اللافت أنه حتى الحلقة الحادية عشرة من العمل، لم يشر للعالم الخارجي للحارة أو وجود جنسيات أجنبية كثيرة في مصر آنذاك، وربما اكتفى العمل بقبعة العربجي «فضل» الإنجليزية والتي تومئ بشكل رمزي للوجود البريطاني في مصر، هذا ما ننتظر أن تكشف عنه الأحداث في الحلقات المقبلة.


مقالات ذات صلة

«رقم سري» يناقش «الوجه المخيف» للتكنولوجيا

يوميات الشرق لقطة من مسلسل «رقم سري» (الشركة المنتجة)

«رقم سري» يناقش «الوجه المخيف» للتكنولوجيا

حظي مسلسل «رقم سري» الذي ينتمي إلى نوعية دراما الغموض والتشويق بتفاعل لافت عبر منصات التواصل الاجتماعي.

رشا أحمد (القاهرة )
يوميات الشرق زكي من أبرز نجوم السينما المصرية (أرشيفية)

مصر: تجدد الجدل بشأن مقتنيات أحمد زكي

تجدد الجدل بشأن مقتنيات الفنان المصري الراحل أحمد زكي، بعد تصريحات منسوبة لمنى عطية الأخت غير الشقيقة لـ«النمر الأسود».

داليا ماهر (القاهرة)
يوميات الشرق تجسّد شخصية «دونا» في «العميل» (دانا الحلبي)

دانا الحلبي لـ«الشرق الأوسط»: لو طلب مني مشهد واحد مع أيمن زيدان لوافقت

تُعدّ تعاونها إلى جانب أيمن زيدان إضافة كبيرة إلى مشوارها الفني، وتقول إنه قامة فنية كبيرة، استفدت كثيراً من خبراته. هو شخص متعاون مع زملائه يدعم من يقف أمامه.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق آسر ياسين وركين سعد في لقطة من المسلسل (الشركة المنتجة)

«نتفليكس» تطلق مسلسل «موعد مع الماضي» في «القاهرة السينمائي»

رحلة غوص يقوم بها بعض أبطال المسلسل المصري «موعد مع الماضي» تتعرض فيها «نادية» التي تقوم بدورها هدى المفتي للغرق، بشكل غامض.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق مسلسل «6 شهور»   (حساب Watch IT على «فيسبوك»)

«6 شهور»... دراما تعكس معاناة حديثي التخرّج في مصر

يعكس المسلسل المصري «6 شهور» معاناة الشباب حديثي التخرج في مصر عبر دراما اجتماعية تعتمد على الوجوه الشابة، وتحاول أن ترسم الطريق إلى تحقيق الأحلام.

نادية عبد الحليم (القاهرة )

«يوم 13» يطارد «هارلي» في سباق إيرادات «الفطر السينمائي» بمصر

أحمد داود في لقطة من الفيلم
أحمد داود في لقطة من الفيلم
TT

«يوم 13» يطارد «هارلي» في سباق إيرادات «الفطر السينمائي» بمصر

أحمد داود في لقطة من الفيلم
أحمد داود في لقطة من الفيلم

حقق فيلم الرعب والإثارة «يوم 13» مفاجأة خلال الأيام الماضية في شباك التذاكر بمصر، حيث حصد أعلى إيراد يومي متفوقاً على فيلم «هارلي» لمحمد رمضان، الذي لا يزال محتفظاً بالمركز الأول في مجمل إيرادات أفلام موسم عيد الفطر محققاً ما يزيد على 30 مليون جنيه مصري حتى الآن (نحو مليون دولار أميركي)، بينما يطارده في سباق الإيرادات «يوم 13» الذي حقق إجمالي إيرادات تجاوزت 20 مليون جنيه حتى الآن.
ويعد «يوم 13» أول فيلم عربي بتقنية ثلاثية الأبعاد، وتدور أحداثه في إطار من الرعب والإثارة من خلال عز الدين (يؤدي دوره الفنان أحمد داود) الذي يعود من كندا بعد سنوات طويلة باحثاً عن أهله، ويفاجأ بعد عودته بالسمعة السيئة لقصر العائلة المهجور الذي تسكنه الأشباح، ومع إقامته في القصر يكتشف مغامرة غير متوقعة. الفيلم من تأليف وإخراج وائل عبد الله، وإنتاج وتوزيع شركته وشقيقه لؤي عبد الله «أوسكار»، ويؤدي بطولته إلى جانب أحمد داود كل من دينا الشربيني، وشريف منير، وأروى جودة، كما يضم عدداً من نجوم الشرف من بينهم محمود عبد المغني، وفرح، وأحمد زاهر، ومحمود حافظ، وجومانا مراد، ووضع موسيقاه هشام خرما.
وقال مخرج الفيلم وائل عبد الله في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إنه ليس متفاجئاً بالإيرادات التي حققها الفيلم، ولكنه كان متخوفاً من الموسم نفسه ألا يكون جيداً، قائلاً إن «إقبال الجمهور حطم مقولة إن جمهور العيد لا يقبل إلا على الأفلام الكوميدية، وإنه يسعى للتنوع ولوجود أفلام أخرى غير كوميدية، وإن الفيصل في ذلك جودة الفيلم، مؤكداً أن الفيلم احتل المركز الأول في الإيرادات اليومية منذ انتهاء أسبوع العيد».
وكشف عبد الله أن الفيلم استغرق عامين، خلاف فترات التوقف بسبب جائحة كورونا، وأنه تضمن أعمال غرافيك كبيرة، ثم بعد ذلك بدأ العمل على التقنية ثلاثية الأبعاد التي استغرق العمل عليها عشرة أشهر كاملة، مؤكداً أنه درس طويلاً هذه التقنية وأدرك عيوبها ومميزاتها، وسعى لتلافي الأخطاء التي ظهرت في أفلام أجنبية والاستفادة من تجارب سابقة فيها.
وواصل المخرج أنه كان يراهن على تقديم الفيلم بهذه التقنية، لا سيما أن أحداً في السينما العربية لم يقدم عليها رغم ظهورها بالسينما العالمية قبل أكثر من عشرين عاماً، موضحاً أسباب ذلك، ومن بينها ارتفاع تكلفتها والوقت الذي تتطلبه، لذا رأى أنه لن يقدم على هذه الخطوة سوى أحد صناع السينما إنتاجياً وتوزيعياً، مشيراً إلى أن «ميزانية الفيلم وصلت إلى 50 مليون جنيه، وأنه حقق حتى الآن إيرادات وصلت إلى 20 مليون جنيه».
ورغم عدم جاهزية بعض السينمات في مصر لاستقبال الأفلام ثلاثية الأبعاد، فقد قام المخرج بعمل نسخ «2 دي» لبعض دور العرض غير المجهزة، مؤكداً أن استقبال الجمهور في القاهرة وبعض المحافظات للفيلم لم يختلف، منوهاً إلى أن ذلك سيشجع كثيراً على تقديم أفلام بتقنية ثلاثية الأبعاد في السينما العربية.