كان جو بايدن قد أدى للتو اليمين لتولي منصب نائب الرئيس، وكان كل ما يحتاج إليه هو أن يجد عملاً. خلال حملته الرئاسية عام 2008، أكد باراك أوباما لبايدن أنه سيستشيره في جميع قراراته الرئيسية. لكن المقربين من الرجلين أكدوا أن الكثيرين في فريق الرئيس الجديد ما زالوا متشككين في بايدن، ولم يكن أوباما متأكداً من أن السيناتور السابق المهزوز يملك الانضباط الكافي ليكون شريكًا فعالًا في الحكم.
لذا عرض بايدن خلال مأدبة غداء خاصة في فبراير (شباط) 2009 مذكرة عبر الطاولة على أوباما حدد فيها دوراً ليمحو به تلك الشكوك، يتلخص في تنفيذ خطة تحفيز اقتصادي بلغت 787 مليار دولار مررها الكونغرس على مضض وبضغوط بعد بضعة أيام وسط حالة الركود. ويذكر أن أوباما قال، وهو بالكاد ينظر إلى المذكرة، بحسب شخصين اطلعا على ما جرى: «يبدو ذلك جيداً بالنسبة لي».
وبعد 11 عاماً، وفي موسم الانتخابات الذي شهد تفشي وباء «كورونا» والانهيار الاقتصادي وحزمة الإغاثة الأكبر بكثير، فإن حملة بايدن تتطلع إلى تعزيز زخمها مستلهمة ما جرى عام 2009 بوصفه حافزاً ونقطة تباين مع الرئيس دونالد ترمب، إذ يدفع البيت الأبيض تجاه العودة إلى إشراف الكونغرس على 2.7 تريليون دولار من الإنفاق الجديد، رغم ظهور مجموعة من المشكلات، خصوصاً الفوضى في برنامج القروض التجارية الصغيرة.
وقال ديفيد بلوف، كبير المستشارين السياسيين لأوباما وبديل بايدن، إن «السؤال الأساسي في هذه الانتخابات سيكون من هو الشخص الذي سيخرجنا من مأزق اقتصادي تاريخي؟ لذا فإن قيادته لقانون الإنعاش يجب أن تكون نقطة انطلاقه الأساسية».
وتعطي نظرة فاحصة إلى فترة السنتين الحرجة، استناداً إلى مقابلات مع 30 شخصاً شاركوا في هذا الجهد، لمحة لنقاط قوة بايدن كمدير ولحماسه، مع التركيز على التفاصيل في قيادة فريق من الطراز الأول قام بتحريك الأموال بسرعة وتقليل عمليات الاحتيال. وعلق رون كلاين، رفيق بايدن لفترة طويلة، في مقابلة بأن ذلك كان «اختبار كفاءة كبيراً».
لكن برنامج التحفيز يخبرنا بشأن بايدن كنائب رئيس أكثر مما يخبرنا عن حاله إذا أصبح رئيساً. ويشير مساعدون للرئيس إلى أن بايدن كان المفوض العام في خطة التحفيز وعرض على أوباما نصائح واقتراحات تكتيكية، لكنه لم يتطرق إلى أي من الموضوعات الاستراتيجية الرئيسية المتعلقة بحجم البرنامج وتكوينه. كما أنه لم يضغط بجدية على أوباما، كما يضغط الآن على ترمب، للحصول على حزمة تمويل أكبر، على الرغم من أن المسؤولين السابقين قالوا إنه اعترف بأن التحفيز كان صغيراً للغاية.
ومع ذلك، لم يكن هناك شيء غامض بشأن تأثير التحفيز على حظوظ بايدن السياسية. وقال راي لحود، عضو الكونغرس الجمهوري السابق الذي شغل منصب وزير النقل في عهد أوباما: «لكي أكون صادقا، فقد أفاده ذلك في عيون الشعب نوعاً ما».
ويقول جاريد برنشتاين، كبير المستشارين الاقتصاديين لبايدن خلال فترة رئاسة أوباما: «عندما تتفهم الأمر ستدرك أن المشكلة الكبرى هي أننا نجحنا في جعل الوضع أقل سوءاً، بدلاً من تحقيق الخير للناس، فكيف تقنع الناس بغير ذلك؟».
787 مليار دولار للإنفاق
وُلد برنامج التحفيز في يوم من أيام ديسمبر (كانون الأول) الذي انهمرت فيه الثلوج على مقر أوباما بشيكاغو، بعد أسابيع من انتخابات 2008. وكان هناك حديث سابق عن حزمة أصغر، لكن فريق أوباما الاقتصادي، بقيادة برنشتاين وكريستينا رومر، رئيسة مجلس المستشارين الاقتصاديين، قال إن هناك حاجة لمئات المليارات على الفور لمنع حدوث كساد كبير.
ووفقاً لكلاين، رفيق بايدن، كانت الأولوية الأولى لنائب الرئيس السابق هي إنشاء هيكل إداري مركزي يهدف إلى تجنب حدوث نوع من الارتباك الذي أصاب حتى الآن درجة الاستجابة المالية لأزمة فيروس «كورونا» في عهد ترمب. وقام كلاين وفريقه بتقسيم مهمتهم إلى ثلاثة أجزاء: تحديد «المشاريع الجاهزة»، والتقليل من سوء استخدام التمويل، بما في ذلك تعقب المعاملات عبر الإنترنت، ومحاولة حشد حماس عام للمشروع.
ترك بايدن كثيرا من التدقيق الأولي للمشاريع لفريقه، وقضى معظم وقته في الضغط على العمد والمحافظين ومسؤولي مجلس الوزراء لتسريع العمل لخلق وظائف وزخم للإدارة المحاصرة.
وقال إدوارد ديسيف، اختصاصي الرقابة الفيدرالي المخضرم الذي عينه بايدن، إن «صبر بايدن كان قد نفد في البداية. لكن لم يستغرق الأمر وقتاً طويلاً لفهم مدى ضخامة المهمة المطلوبة لإدارة قضايا بهذا الحجم».
وأدت الرغبة في السرعة إلى انهيار «سوليندرا»، وهي شركة مصنعة للألواح الشمسية مقرها كاليفورنيا أفلست بعد حصولها على 527 مليون دولار من ضمانات القروض، فيما بات محور جهود الجمهوريين لتشويه سمعة برنامج التحفيز.
وأشار مستشارو بايدن بأصابع اللوم إلى الصين بسبب إغراقها الأسواق بألواح رخيصة. لكن مكتب المساءلة الحكومية غير الحزبي الذي وصف عملية المراجعة المتسرعة بأنها «مقلقة»، خلص إلى أن وزارة الطاقة أعطت الموافقات الأولية على القروض قبل استكمال التقييمات التفصيلية لمشاريع الشركة.
لذلك كانت الحلقة استثناءً على غير المعتاد. وبحلول سبتمبر (أيلول) 2010 خلصت لجنة لرصد مزاعم الاحتيال وإساءة المعاملة إلى أن معدلات الهدر والاحتيال في برنامج التحفيز كانت 0.2 في المائة. ولم يعارض المحققون الجمهوريون في الكونغرس هذه النتيجة بجدية، ولم يجد تحقيق الكونغرس الذي استمر 18 شهراً في «سوليندرا» أي دليل على سوء التصرف أو المحسوبية.
التأثير السياسي المختلط
ومع ذلك، فقد جعل هجوم الجمهوريين المتتالي البرنامج مسؤولية سياسية. وجاء الهجوم الأكثر حدة من أصدقاء الرئيس، ونائب الرئيس السيناتور توم كوبورن والسيناتور جون ماكين، اللذين بدآ في البحث عن المشاريع التي اعتبراها سخيفة أو مسرفة، بما في ذلك دورة رقص عبر الإنترنت ودراسة لآثار الكوكايين على القرود.
وبحلول خريف 2009، بدأ الرأي الخارجي يتحدد، وهو أن برنامج التحفيز له قيمة اقتصادية كبيرة ولكن قيمته السياسية ضعيفة. وفي الوقت نفسه، كان هناك رأي داخلي هو أنه يمكن الوثوق بجو بايدن، على الأقل داخل الحزب. وكتبت السيناتور إليزابيث وارن التي أشارت إلى التحفيز في تأييدها الأخير لبايدن، في رسالة بريد إلكتروني: «لقد قاده جو بنزاهة، في تناقض هائل مع الإدارة الحالية».
ورفض ترمب الذي انهارت خطته للبنية التحتية الوطنية عام 2017 بسبب عدم الانتباه والتخطيط المشوش، ما قام به بايدن في التحفيز، وصرح الشهر الماضي قائلاً: «لم أسمع بأي شيء تم بناؤه».
وتختلف حزمتا الإنقاذ من فيروس «كورونا» عن برنامج التحفيز في أوجه عدة مهمة، أبرزها أنه قد جرى إرسال معظم الأموال مباشرة إلى دافعي الضرائب والشركات. ورغم ذلك، فقد شكل كلاهما دعامة ضد الكارثة الاقتصادية، واحتوى القانون الجديد أحكاماً للمساءلة على غرار قانون عام 2009.
لكن ترمب لم يحرص على الرقابة كما فعلت الإدارة السابقة، كما أنه لم يكلف نائب الرئيس مايك بنس بمهام المراقبة التي قام بها بايدن، تاركاً المهمة لمختلف مسؤولي الإدارة مثل وزير الخزانة ستيفن منوتشين. لكن هذا لم يكن بالحمل الثقيل على بايدن.
* خدمة «نيويورك تايمز»
بايدن يستغل الأزمة الاقتصادية لإنعاش حملته
معسكره يستدعي خطته للتعامل مع الأزمة المالية العالمية ويتجاهل التفاصيل
بايدن خلال اجتماع حول خطة التحفيز في البيت الأبيض في 2009 (نيويورك تايمز)
بايدن يستغل الأزمة الاقتصادية لإنعاش حملته
بايدن خلال اجتماع حول خطة التحفيز في البيت الأبيض في 2009 (نيويورك تايمز)
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة


