في اليوم العالمي للربو... الغبار المنزلي وآلية التخلص منه

نصائح تعرضها جيم ماكلوكي عالمة البحث المتقدم في «دايسون»

في اليوم العالمي للربو... الغبار المنزلي وآلية التخلص منه
TT

في اليوم العالمي للربو... الغبار المنزلي وآلية التخلص منه

في اليوم العالمي للربو... الغبار المنزلي وآلية التخلص منه

في ظل حملات التعقيم والتطهير التي تشهدها الدول والبيوت، ومع توسع أعمال التنظيف في شهر رمضان المبارك، فضلاً عن احتفال العالم بيوم الربو العالمي، تقدم لنا جيم ماكلوكي، عالمة البحث المتقدم (علم الأحياء الدقيقة) في شركة «دايسون» البريطانية فرصة للتعرف أكثر على الغبار المنزلي وآلية التخلص منه.
*ما هو الغبار المنزلي؟
- يمكن القول إنّه أكثر تعقيداً من الجسيمات المختلفة الحجم التي تعتمدها اختبارات المكانس الكهربائية القياسية. فالغبار الحقيقي يتكون من مصفوفة معقدة من المكونات بما في ذلك عثّ الغبار وبقايا عث الغبار والبكتيريا والعفن والحشرات الصغيرة والجسيمات.
تُصنّف فضلات وبقايا عث الغبار والعث الميت والحشرات الصغيرة كمواد مسببة للحساسية. وهي جسيمات لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة وتنتشر على نطاق واسع على الأسطح المختلفة في منزلك بما في ذلك الأرضيات والأرائك والأسرة. وقد تؤدي حركة بسيطة كالجلوس على الأريكة مثلاً إلى تطايرها في الهواء والتسبب برد فعل تحسسي.
وتسبب العديد من هذه المكونات الحساسية مع العلم بأن مسببات الحساسية هي جسيمات مجهرية. ويتراوح حجم عث الغبار وجسيمات العفن وغيرها من مسببات الحساسية المرتبطة بالحشرات بين 0.5 إلى 5 ميكرونات. ولتوضيح الصورة نشير إلى أنّ قطر شعر الإنسان يبلغ نحو 50 ميكروناً.
ويعد عث الغبار المنزلي المسبب الرئيسي للحساسية التنفسية في العالم، وتصنف على أنّها أحد مسببات التهاب الأنف التحسسي مما يشكل مسألة خطيرة لا يمكن إهمالها، وفي الوقت نفسه فإنّها تشكل عبئاً صِحّياً كبيراً حيث تزداد خطورة تطور المرض من التهاب الأنف التحسسي إلى الربو التحسسي.

*حقائق وأرقام
يتكوّن الغبار المنزلي من مصفوفة معقدة من الجسيمات المجهرية. غالباً ما يتراوح حجم مسببات عث الغبار وجراثيم العفن ومسببات الحساسية الأخرى للحشرات بين 0.5 إلى 5 ميكرونات - 1 ميكرون هو واحد في المائة من قطر شعرة واحدة.
ثانياً: يحتوي الغبار على نسبة عالية من خلايا الجلد البشرية. يفقد الشخص العادي حوالي 28 غم من الجلد أسبوعياً، نحو وزن كيس من رقائق البطاطس.
ثالثاً: يتغذى عث الغبار على رقائق جلد الإنسان والحيوان، كل عث يولد حوالي 20 فضلة في اليوم.
رابعاً: يمكن أن يحتوي المتر المربع من السجاد على ما يصل إلى 1000 من عث الغبار.
خامساً: يزعج التنقل في أرجاء منزلك عث الغبار وفضلاته، التي يمكن أن تبقى في الهواء لمدة 30 دقيقة، ويمكن استنشاقها بسهولة وتسبب تفاعلات حساسية.
سادساً: يزدهر عث الغبار في الظروف المظلمة والدافئة، مثل المراتب. ويمكن أن تحتوي الأسرة على ما بين 100000 وأكثر من مليون عث غبار.
سابعاً: حساسية الحيوانات الأليفة شائعة، ولكن فراء الحيوانات الأليفة في كثير من الأحيان ليس هو المشكلة. البروتينات الموجودة في لعاب الحيوانات الأليفة والبول والوبر (خلايا الجلد الميتة) تنتشر في شكل غبار.
ثامناً: عند ارتداء الأحذية داخل المنزل، يمكنك تتبع براز الحيوانات، وحبوب اللقاح، والأسمدة، وزيت المحرك، ومواد البناء، والمركبات السامة، والكائنات الحية المتنوعة في كل غرفة في المنزل.
تاسعاً: قد تكون المخاطر الصحية على الأطفال من الملوثات في غبار المنزل أكبر 100 مرة من الكبار
وأخيراً: يحتوي غبارنا في المتوسط على أكثر من 2000 نوع مختلف من الميكروبات.

*التكنولوجيا الأفضل للتخلص من الغبار
يعد ضوء الأشعة فوق البنفسجية من الإشعاعات التي يشار إليها كوسيلة فعالة لتدمير عث الغبار في الظروف المناسبة وهو أمر صحيح. لكن في التطبيق العملي، يجب توجيه الأشعة مباشرة على الهدف الذي ترغب بالتخلص منه لمدة طويلة ومتواصلة وهي ليست تماماً الطريقة التي يستخدمها أصحاب المكانس الكهربائية. في الواقع يمكن القول إنّ ذلك يعد تطبيقاً خاطئاً للتكنولوجيا. والمؤينات الهوائية (Ioniser) أيضاً هي مثال آخر على الاستخدام الخاطئ للتكنولوجيا في المكنسة الكهربائية. فعند الاستخدام توجد حركة كبيرة وواسعة للهواء بحيث لا يمكن إنتاج كمية كافية من هذه المؤينات.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)