ماذا إذا لم يتم تطوير لقاح ضد «كورونا»؟

عالم في أحد معامل بريطانيا حيث العمل على لقاح محتمل لكورونا (رويترز)
عالم في أحد معامل بريطانيا حيث العمل على لقاح محتمل لكورونا (رويترز)
TT
20

ماذا إذا لم يتم تطوير لقاح ضد «كورونا»؟

عالم في أحد معامل بريطانيا حيث العمل على لقاح محتمل لكورونا (رويترز)
عالم في أحد معامل بريطانيا حيث العمل على لقاح محتمل لكورونا (رويترز)

تُعقد الآمال حالياً على الانتهاء من تطوير لقاح ضد فيروس كورونا المستجد، أملاً في حدوث انفراجة أمام الجائحة، لكن في أحد السيناريوهات السيئة، ربما لا يظهر لقاح على الإطلاق، فماذا يحدث في هذه الحالة؟
تدرك عدة مجتمعات حالياً ضرورة «التعايش» مع فيروس كورونا، وليس القضاء عليه، ولذلك قررت بعض البلدان استعادة الحياة، وتخفيف إجراءات الإغلاق على مستوى معين. وينصح خبراء بأنه في حالة عدم ظهور لقاح قد يستمر تفشي الوباء موسمياً، وهذا يعني سقوط عدد من الضحايا والمصابين كل عام.
وعلى الرغم من التفاؤل لدى بعض السياسيين في ظهور لقاح، إلا أن عدداً من الخبراء يأخذون احتمال عدم ظهور لقاح على محمل الجد؛ لأنه حدث من قبل، عدة مرات، حسب تقرير لشبكة «سي إن إن» الأميركية.
يقول الدكتور ديفيد نابارو، أستاذ الصحة العالمية في «إمبريال كوليدج» بلندن، الذي يعمل أيضاً مبعوثاً خاصاً لمنظمة الصحة العالمية في التعامل مع «كوفيد 19»، إن «هناك بعض الفيروسات التي ما زلنا لا نمتلك لقاحات ضدها. لا يمكننا أن نفترض مطلقًا أن اللقاح سيظهر، أو إذا ظهر هل سيجتاز جميع اختبارات الفعالية والأمان؟».
وتابع نابارو لشبكة «سي إن إن»: «من الضروري للغاية أن تضع جميع المجتمعات في كل مكان نفسها في وضع يمكنها من الدفاع ضد الفيروس كتهديد مستمر، وأن تكون قادرة على ممارسة الحياة الاجتماعية والنشاط الاقتصادي في ظل وجود الفيروس وسطنا».

ولا يزال معظم الخبراء واثقين من أنه سيتم تطوير لقاح ضد «كورونا» في نهاية المطاف؛ لأنه على عكس الأمراض السابقة مثل فيروس نقص المناعة البشرية (إتش إي في) و«الملاريا»، لا يتغير فيروس كورونا بسرعة.
ويقترح الكثيرون، بما في ذلك مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية الدكتور أنتوني فاوتشي، أنه يمكن أن يظهر لقاح في غضون عام إلى 18 شهرًا. فيما رجحت شخصيات أخرى، مثل رئيس الأطباء في إنجلترا كريس ويتتي، أن يأخذ اللقاح فترة أطول، معتقداً أن ظهور لقاح بعد عام قد يكون مبكرًا جدًا. ولكن حتى إذا تم تطوير لقاح في خلال الفترة من عام إلى 18 شهراً سيكون إنجازًا لم يتحقق من قبل، حسب «سي إن إن».
وقال دكتور بيتر هوتز، عميد المدرسة الوطنية للطب في «كلية بايلور للطب» في هيوستون، إن «التسريع في تطوير لقاح خلال فترة من عام إلى 18 شهرًا تحدٍ كبير. هذا لا يعني أنه مستحيل، لكنه سيكون إنجازاً بطولياً».
وأشار التقرير إلى أن بعض الفيروسات لا تتغير طبيعتها مثل فيروس «الإيدز»، بخلاف فيروس «الإنفلونزا»، إذ يوضح بول أوفيت، طبيب الأطفال وأخصائي الأمراض المعدية، أن «الإنفلونزا» قادرة على تغيير نفسها من عام إلى آخر، لذا فإن العدوى الطبيعية أو التحصين في العام السابق لا تحميك في العام التالي. «بعكس فيروس نقص المناعة البشرية الذي يفعل ذلك خلال إصابة واحدة».
ويتابع أوفيت، أن بعض الفيروسات تتحور داخل المريض مثل فيروس «الإيدز»، الذي يشل نظام المناعة، فيما لا يمتلك فيروس كورونا هذا المستوى من «المراوغة»، وهذا يجعل الخبراء أكثر تفاؤلاً بشأن التوصل للقاح.
ورغم ذلك، هناك أمراض تسببت في إرباك العلماء، فعلى سبيل المثال، فاللقاح الفعال لحمى «الضنك»، الذي يصيب ما يصل إلى 400 ألف شخص سنوياً، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، قد استعصى على الأطباء لعقود. وفي عام 2017، تم تعليق جهود واسعة النطاق للعثور على لقاح جديد بعد اكتشاف أن اللقاح يزيد من حدة أعراض المرض. وبالمثل، كان من الصعب جداً تطوير لقاحات للفيروسات الأنفية والفيروسات الغدية الشائعة، التي، مثل الفيروسات التاجية، يمكن أن تسبب أعراض البرد.
ويصف نابارو، عملية تطوير لقاح، بأنها «بطيئة ومؤلمة»، متابعاً: «أحياناً تكون لدينا آمال كبيرة، ثم تتبدد تلك الآمال... نحن نتعامل مع أنظمة بيولوجية وليس أنظمة ميكانيكية. إذ يعتمد الأمر إلى حد كبير على كيفية تفاعل الجسم».
وتجري بالفعل عدة تجارب بشرية على لقاحات لمواجهة فيروس كورونا المستجد، في «جامعة أكسفورد» بإنجلترا، وكذلك في الولايات المتحدة الأميركية.

ورغم ذلك، تعتبر تلك الجهود هي عملية «اختبار» وليس «تطويراً»، إذ يضيف هوتز، الذي عمل على تطوير لقاح ضد «السارس»، أن الجزء الأصعب من تطوير اللقاح هو إثبات أنه فعال وآمن للاستخدام.
كما يتم اختبار عدد من العلاجات لـ«كوفيد 19»، حيث يبحث العلماء عن خطة بديلة بالتوازي مع تجارب اللقاح الجارية، ولكن كل هذه التجارب في مراحل مبكرة جدًا؛ يبحث العلماء عن عقار «ريديسيفير» التجريبي المضاد لفيروس «إيبولا»، بينما يتم أيضاً استكشاف علاجات «بلازما الدم»، وكذلك «هيدروكسي كلوروكين»، الذي وصفه الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بأنه «علاج» محتمل، على الرغم من اكتشاف أنه لا يعمل على المرضى المصابين بأعراض حادة، وفقاً لـ«سي إن إن».
وفي حالة عدم إنتاج لقاح، فلن تبقى الحياة كما هي الآن وسط الإغلاق، لكن قد لا تعود إلى طبيعتها بسرعة. وهذا يعني أنه مع بدء البلدان في الخروج من الشلل، يدفع الخبراء الحكومات لتطبيق طريق للتعايش والتفاعل في الأشهر أو السنوات المقبلة، حتى إنتاج لقاح.
يقول نابارو: «من الضروري للغاية العمل على أن نكون مستعدين للتعايش مع (كوفيد 19)»، داعياً إلى «عقد اجتماعي جديد يتحمل فيه المواطنون في كل بلد - بينما يبدأون في ممارسة حياتهم الطبيعية - المسؤولية الشخصية للعزل الذاتي، إذا ظهرت عليهم أعراض أو اتصلوا بحالة إيجابية بـ(كوفيد 19)».

وتوقع الخبراء أيضًا حدوث تغيير دائم في المواقف تجاه العمل عن بُعد، حيث يصبح العمل من المنزل، على الأقل في بعض الأيام، طريقاً جديداً للتعايش، بحيث لا تكون المكاتب ممتلئة أبدًا دون داعٍ.
وشدد نابارو على التعامل مع أولئك المعزولين لمرضهم كأبطال بدلاً من المنبوذين، كما شدد على أهمية تنفيذ برنامج واسع من الاختبارات، وتتبع الحالات لمكافحة تفشي المرض، والتأكيد على مبدأ «التباعد الاجتماعي»، معتبراً أنه قابل للتنفيذ، رغم أنه معقد وتجربه البشرية للمرة الأولى.
وأودى وباء «كوفيد - 19» بأكثر من 240 ألف شخص في العالم، أكثر من 85 في المائة منهم في أوروبا والولايات المتحدة منذ ظهوره في الصين في ديسمبر (كانون الأول)، وذلك وفق حصيلة لوكالة الصحافة الفرنسية تستند إلى مصادر رسمية حتى أمس (السبت).


مقالات ذات صلة

المزاج الجيد قد يحسّن فاعلية بعض اللقاحات

صحتك المزاج قد يؤثر على فاعلية بعض اللقاحات (أ.ف.ب)

المزاج الجيد قد يحسّن فاعلية بعض اللقاحات

كشفت دراسة جديدة أن المزاج الجيد يمكن أن يُعزز فاعلية بعض اللقاحات، التي تعتمد على  تقنية الحمض النووي الريبي المرسال أو«mRNA»، مثل لقاح «كوفيد-19».

«الشرق الأوسط» (لندن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب (إ.ب.أ)

23 ولاية تقاضي إدارة ترمب بسبب قرار سحب المليارات من تمويل قطاع الصحة

أقام ائتلاف من المدعين العامين بولايات أميركية دعوى على إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، اليوم الثلاثاء، بسبب قرارها سحب 12 مليار دولار من الأموال الاتحادية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ بيتر ماركس شغل منصب رئيس قسم اللقاحات في إدارة الغذاء والدواء الأميركية (رويترز) play-circle

استقالة مسؤول اللقاحات في «الغذاء والدواء» الأميركية

استقال كبير مسؤولي اللقاحات في الولايات المتحدة أمس الجمعة احتجاجاً على ما وصفه بـ«معلومات مضللة وأكاذيب» يروج لها وزير الصحة الجديد، وفقاً لما أوردته تقارير.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك الفيروس اكتُشف في الخفافيش بمدينة فورتاليزا شمال شرقي البرازيل (رويترز)

اكتشاف فيروس كورونا جديد لدى الخفافيش في البرازيل

أعلن عدد من الباحثين عن اكتشاف فيروس كورونا جديد لدى الخفافيش في البرازيل، يتشابه مع فيروس متلازمة الشرق الأوسط التنفسية (ميرس) القاتل.

«الشرق الأوسط» (برازيليا)
الولايات المتحدة​ سيدة تقوم باختبار «كوفيد» في الفلبين (أ.ب)

بعد 5 سنوات من الجائحة... «كورونا» أصبح مرضاً متوطناً

بعد 5 سنوات من بدء جائحة «كورونا»، أصبح «كوفيد-19» الآن أقرب إلى المرض المتوطن، وفقاً لخبراء الصحة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

علماء ينتجون مخططاً دقيقاً لتوصيلات دماغ الفأر

حدد العلماء البنية الدماغية في عينة نسيجية بحجم حبة رمل (أرشيفية - رويترز)
حدد العلماء البنية الدماغية في عينة نسيجية بحجم حبة رمل (أرشيفية - رويترز)
TT
20

علماء ينتجون مخططاً دقيقاً لتوصيلات دماغ الفأر

حدد العلماء البنية الدماغية في عينة نسيجية بحجم حبة رمل (أرشيفية - رويترز)
حدد العلماء البنية الدماغية في عينة نسيجية بحجم حبة رمل (أرشيفية - رويترز)

أنتج علماء الأعصاب أكبر مخطط توصيلات عصبية وخريطة وظيفية لدماغ الثدييات حتى الآن، باستخدام أنسجة من جزء من قشرة دماغ فأر مسؤول عن الرؤية، وهو إنجاز قد يُقدم فهماً أعمق لكيفية عمل الدماغ البشري.

وحدد العلماء البنية الدماغية في عينة نسيجية بحجم حبة رمل، تحتوي على أكثر من 200 ألف خلية، بما في ذلك ما يقرب من 84 ألف خلية عصبية تُسمى الخلايا العصبية، ونحو 524 مليون وصلة بين هذه الخلايا عند نقاط اتصال تُسمى المشابك العصبية.

وفي المجمل، جمعوا بيانات تغطي نحو 3.4 ميل (5.4 كيلومتر) من التوصيلات العصبية في جزء من الدماغ يُعالج المعلومات البصرية من العينين.

وقال عالم الأعصاب فورست كولمان، من معهد «ألين» لعلوم الدماغ، وأحد العلماء الرائدين في البحث الذي نُشر، اليوم الأربعاء، في مجلة «نيتشر»: «تأتي ملايين المشابك العصبية ومئات الآلاف من الخلايا بتنوع كبير في الأشكال والأحجام، وتحتوي على تعقيد هائل... النظر إلى تعقيدها يمنحنا شعوراً بالرهبة إزاء التعقيد الهائل لعقولنا».

القشرة المخية هي الطبقة الخارجية للدماغ، وهي الموقع الرئيسي للإدراك الواعي، والأحكام، وتخطيط الحركات وتنفيذها. وقال عالم الأعصاب أندرياس تولياس من كلية «بايلور» للطب، وأحد رواد البحث: «يدرس العلماء بنية الدماغ وتشريحه - بما في ذلك مورفولوجيا أنواع الخلايا المختلفة وكيفية ارتباطها - منذ أكثر من قرن».

وأضاف: «مع ذلك، كان فهم كيفية ظهور الوظيفة العصبية على مستوى الدائرة العصبية أمراً صعباً، إذ نحتاج إلى دراسة كلٍّ من الوظيفة والتوصيلات العصبية في الخلايا العصبية نفسها. وتمثل دراستنا أكبر جهد حتى الآن لتوحيد بنية الدماغ ووظيفته بشكل منهجي داخل فأر واحد».

رغم وجود اختلافات ملحوظة بين أدمغة الفئران والبشر، فإن العديد من المبادئ التنظيمية لا تزال محفوظة لدى مختلف الأنواع.

ركز البحث على جزء من هذه المنطقة يُسمى القشرة البصرية الأولية، وهو جزء من المرحلة الأولى من معالجة الدماغ للمعلومات البصرية وأُجري بواسطة «MICrONS»، وهو اختصار لعبارة «الذكاء الآلي» من «Cortical Networks»، وهو اتحاد علمي يضم أكثر من 150 عالماً من مؤسسات مختلفة.

أنشأ باحثون في كلية «بايلور» للطب خريطة للنشاط العصبي في مليمتر مكعب من القشرة البصرية الأولية من خلال تسجيل استجابات خلايا الدماغ خلال ركض فأر المختبر على جهاز المشي أثناء مشاهدة مجموعة متنوعة من صور الفيديو، بما في ذلك من أفلام «الماتريكس».

عُدِّل الفأر جينياً لجعل هذه الخلايا تُصدر مادة فلورية عند نشاط الخلايا العصبية. ثم صُوِّرت الخلايا العصبية نفسها في معهد «ألين».

جُمعت هذه الصور ثلاثية الأبعاد، واستخدم باحثو جامعة «برينستون» الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لإعادة بناء الخلايا العصبية وأنماط ارتباطها.

يتكون الدماغ من شبكة من الخلايا، بما في ذلك الخلايا العصبية التي تُنشَّط بواسطة مُحفِّزات حسية مثل البصر أو الصوت أو اللمس، وتتصل ببعضها البعض عبر نقاط تشابك عصبي. تتضمن الوظيفة الإدراكية التفاعل بين تنشيط الخلايا العصبية والارتباطات بين خلايا الدماغ.

يرى الباحثون فوائد عملية من هذا النوع من الأبحاث. وقال تولياس: «أولاً، يُمكن لفهم قواعد توصيلات الدماغ أن يُسلِّط الضوء على مُختلف الاضطرابات العصبية والنفسية، بما في ذلك التوحد والفصام، التي قد تنشأ عن تشوهات دقيقة في التوصيلات العصبية. ثانياً، إن المعرفة الدقيقة لكيفية تشكيل التوصيلات العصبية لوظائف الدماغ تُتيح لنا اكتشاف الآليات الأساسية للإدراك».

من النتائج الرئيسية التي سُلِّط الضوء عليها في البحث، رسم خريطة لكيفية تنظيم الاتصالات التي تشمل فئة واسعة من الخلايا العصبية في الدماغ تُسمى الخلايا المثبطة. عندما تنشط هذه الخلايا، فإنها تُقلل نشاط الخلايا التي تتصل بها. وهذا على عكس الخلايا المُثيرة، التي تزيد من احتمالية نشاط الخلايا التي تتصل بها.

تُمثل الخلايا المثبطة نحو 15 في المائة من الخلايا العصبية القشرية. وقال كولمان: «لقد وجدنا أنماط تثبيط أكثر تحديداً بكثير مما توقعه الكثيرون، بمن فيهم نحن». وأضاف: «لا تتصل الخلايا المثبطة عشوائياً بجميع الخلايا المُثيرة المحيطة بها، بل تختار أنواعاً محددة جداً من الخلايا العصبية للاتصال بها. علاوة على ذلك، كان من المعروف وجود أربعة أنواع رئيسية من الخلايا العصبية المثبطة في القشرة المخية، لكن أنماط التحديد تُقسّم هذه الفئات إلى مجموعات أدق بكثير».