روما تعرضت في تاريخها للغزو والنهب... والآن حان دور «كوفيد ـ 19»

تحتفل بمرور 2773 عاماً على بنائها

نافورة تريفي بدون ازدحام السياح (نيويورك تايمز)
نافورة تريفي بدون ازدحام السياح (نيويورك تايمز)
TT

روما تعرضت في تاريخها للغزو والنهب... والآن حان دور «كوفيد ـ 19»

نافورة تريفي بدون ازدحام السياح (نيويورك تايمز)
نافورة تريفي بدون ازدحام السياح (نيويورك تايمز)

للاحتفال بالتأسيس الأسطوري للمدينة، وإحياء مجدها القديم، عادة ما يجوب موكب حاشد المدينة يرتدي فيه المشاركون زي المصارعين الرومان وعذارى المعابد. لكن فيروس كورونا تولى المهمة بأن ترك الشوارع مهجورة بشكل مخيف، في مشهد قريب الشبه من الكارثة التي وقعت عام 537 ميلادية عندما انخفض عدد سكان روما إلى الصفر.
لا يمتلك الفيروس جيشاً يخترق الجدران، أو يلقى بالجثث في نهر التيبر، أو يحرق المباني. لكن المدينة ازدهرت في بعض النواحي في ظل الوباء. في وجود عدد محدود جداً من السيارات والناس في الشوارع، فاحت رائحة أزهار الوستاريا العطرية، التي تتدلى على الجدران القديمة وأسوار الحديقة، لتملأ المكان عبقاً. وعلى جسر «بونت سيستو» الهادئ، الذي كان مزدحماً عادة بفناني الشوارع، شاهدت خمس بطات تومض أعناقها باللون الأخضر وتهبط على نهر التيبر.
من دون عوادم السيارات ودخان كثيف متصاعد من المطاعم الصغيرة، أصبح الهواء بالغ النقاء، لدرجة أنني تمكنت من خلال نوافذ شقتي الواقعة أعلى تل جيانيكولو، وهو نفسه موقع هجوم مدفعي فرنسي أخضع المدينة لحصار في القرن التاسع عشر، من إحصاء النوافذ في القصور الضبابية وسط المدينة. في الأفق البعيد، وخلف المدينة التي طالما امتلأت بأكاسيد الرصاص، أخذت الآن ملامح المدينة تتضح، وبرزت جوانب الجبال المحيطة بصورة بالغة الوضوح، فيما تظهر المدن البعيدة مثل بقع بيضاء من الثلج.
على عكس الغزوات والحرائق والفيضانات، من الواضح أن الفيروس لم يشكل خطراً على جمال روما. لكن ماذا فعل بروحها؟
الأسبوع الماضي، بعد أيام من الاحتفال بميلاد روما، ذهبت إلى وسط المدينة للحصول على بعض الأغراض من المكتب. كانت حالة المدينة غريبة، كما توقعنا جميعاً.
رغم كون ساحة «كامبو دي فيوري» سوقاً سياحية صاخبة، فقد كانت فارغة إلى حد كبير باستثناء فتاة صغيرة تطوف بدراجتها حول تمثال «جيوردانو برونو» - الفيلسوف والفلكي الذي أُحرق حياً عام 1600 بعد عقود من نهب المرتزقة الإمبرياليين الناطقين بالإسبانية والألمانية للمدينة في غزو دموي عام 1527. مشهد آخر كان لتحرك بعض الأشخاص المقنعين حول ضريح القائد الروماني هادريان، الذي حوله الباباوات إلى قلعة وفرت الحماية من الغزاة لعهود. في الحي اليهودي القديم في روما، حيث سحب النازيون، اليهود الإيطاليين، من منازلهم، خلال الاحتلال الألماني، سرت إلى بقايا مبني «بورتيكو أوتافيا» القديم. وفي غياب لتناغم الحياة الحديثة، تذكرت نقش بيرانيسي في القرن الثامن عشر، التي كانت بمثابة «صور إنستغرام» ذلك الزمان، التي جذبت اهتمام أوروبا بروما بعد مرحلة تراجع جديدة. تساءلت عما إذا كانت هذه الشهور - وربما السنوات - من الحجر الصحي أو العيش مع الفيروس ستغير الرومان بشكل لا رجعة فيه، أم أنها ستصبح حلقة في سلسلة طويلة من المصاعب التي شكلت شخصية روما المعروفة بالاجتهاد ومناهضة الاستبداد.
ستعمل الحكومة على تخفيف أطول إغلاق في أوروبا، بدءاً من الاثنين، وقد أعلن رئيس الوزراء الإيطالي، جوزيبي كونتي، الأحد، أنه يمكن للناس أن يبدأوا قريباً في رؤية «كونجيونيتي»، وهي كلمة تعني الأقارب بشكل فضفاض.
يتطلب الفيروس حرصاً شديداً على الحياة والالتزام بتعليمات مثل «ابق في المنزل. اعمل. اذهب إلى السوبر ماركت». لكن شريان الحياة في روما ضعيف، فهو لا يندفع ويبدو متعرجاً، ويعلق في الدوامات، وأحياناً في الأحواض. في العادة يتجول العجائز وأيديهم متشابكة خلف ظهورهم، ويتكئ الطلاب على السيارات، ويقضون الليل بأكمله يتحدثون عما سيفعلونه في تلك الليلة. هناك كسل لطيف، إحساس ما بالاستمتاع بعدم القيام بأي شيء، وهي الحالة التي شكلت ما يشبه لوحة فنية عامة تجسدت في شكل مسرح مفتوح دائم تتردد أصداؤه في الشوارع، ولا يخلو من تعليقات الجمهور. هذه الحساسية لا تتناسب مع الأزمة الحالية، مع دفع أهل روما إلى التقوقع في الداخل، لأن ما يجري يحطم من أيقوناتهم ومن شعورهم. فمطلب البقاء في البيت بات مثل أداء الخدمة العامة أو المهمة الوطنية لإنقاذ الأرواح، لكنها تجعل من روما مدينة مختلفة.
ثمة تيار خفي لمدينة على وشك الانفجار. يبدو أن السلطات تتخذ إجراءات صارمة تحسباً لتخفيف القيود يوم الاثنين. السبت الماضي، حلقت مروحيتان للشرطة فوق الحي بحثاً عن منتهكي قرار الإغلاق. بعد أن انطلقتا، خرجت امرأتان إلى شرفتيهما في المبنى المقابل للشارع، وغنتا الأغنية القديمة «بيلا تشاو» للاحتفال بالذكرى 75 للتحرير من الفاشيين الإيطاليين.
وانطلق صوت تسع طائرات نفاثة، مخلفة ألوان علم إيطاليا الحمراء والبيضاء والخضراء عبر سماء زرقاء.
كان المشهد رائعاً ووطنياً. لكن زوجتي، المولودة في روما، تأثرت أكثر بمشهد ثلاث شابات على ما يبدو من الجيران تسللن إلى سطح ذلك المبنى نفسه في تحدٍ واضح لقواعد التباعد الاجتماعي بالتحدث معاً لست ساعات متتالية.
- خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

شمال افريقيا «الصحة» المصرية تنفي رصد أمراض فيروسية أو متحورات مستحدثة (أرشيفية - مديرية الصحة والسكان بالقليوبية)

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

نفت وزارة الصحة المصرية رصد أي أمراض بكتيرية أو فيروسية أو متحورات مستحدثة مجهولة من فيروس «كورونا».

محمد عجم (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أظهر المسح الجديد تراجعاً في عدد الأطفال الصغار المسجلين في الدور التعليمية ما قبل سن الالتحاق بالمدارس في أميركا من جراء إغلاق الكثير من المدارس في ذروة جائحة كورونا (متداولة)

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

أظهر مسح أميركي تراجع عدد الأجداد الذين يعيشون مع أحفادهم ويعتنون بهم، وانخفاض عدد الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الدور التعليمية في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.