مرة جديدة تراهن التلفزيونات المحلية على أعمال الدراما اللبنانية لتتصدر برمجتها الرمضانية. فتجاربها السابقة والناجحة في هذا الموضوع دفعت بها إلى التمسك بخيارها هذا. والمشاهد اللبناني كغيره من المشاهدين في العالم يفضل متابعة دراما من صلب معاناته اليومية، وتتصل اتصالاً مباشراً بتقاليده وعاداته. صحيح أنه يحب متابعة الدراما التركية والسورية التي تطل على شاشته بشكل مكثف؛ إلّا إنّ الأعمال اللبنانية ينتظرها بشغف، وتحصد اهتمامه بالدرجة الأولى.
وتحقق الدراما اللبنانية تقدماً ملحوظاً على صعيد انتشارها في لبنان والعالم العربي، في ظل دعم شركات إنتاج لبنانية. فنجاحاتها لم تعد تقتصر على الشاشات المحلية؛ بل تجاوزت ذلك لتصبح من أكثر الأعمال متابعة في شهر رمضان على محطات عربية.
أبطال ونجوم الدراما اللبنانية يحصدون حالياً ما زرعوه من جهد خلال فترة من الزمن. فما بدأه رعيل قديم منهم في هذا الصعيد بدأت ثماره تخرج إلى العلن، وصارت مشاركتهم في أعمال دراما عربية عنصراً جذاباً لتأمين نسبة مشاهدة عالية. وتلعب شركات إنتاج هذه المسلسلات دوراً أساسياً في هذا الإطار بعد أن وثقت بقدرات الممثل اللبناني، فتمسكت بأسماء معروفة وأخرى صاعدة موهوبة تكتشف من خلال عمليات الـ«كاستينغ» التي يجرونها.
ورغم حال الإحباط التي تصيب منتجي الدراما المحلية الصافية؛ إذ يفتقدون دعمها رسمياً وتوحد نقاباتها، فإنها لا تزال تصارع أمواجاً، من أجل البقاء والاستمرارية.
وفي شهر رمضان 2020 تتألق الدراما اللبنانية بشكل ملحوظ وتتقدم على غيرها في نسب متابعتها من المشاهد اللبناني والعربي معاً. ومعها تتلألأ أسماء نجوم لبنانيين، أمثال ماغي بو غصن ودانييلا رحمة وداليدا خليل وباسم مغنية وفادي إبراهيم وندى بو فرحات وليا بو شعيا وستيفاني صليبا، ليتصدروا أدوار البطولات.
ومن بين هذه الأعمال التي تلون شاشات رمضان 2020 «بالقلب» و«العودة» و«سر» و«بردانة أنا»، إضافة إلى أخرى تُعرف بالأعمال المختلطة، يطغى عليها العنصر اللبناني مثل «النحات» و«الساحر» و«أولاد آدم».
وفي قراءة أولية لنسب المشاهدة التي تحققها هذه المسلسلات في الأسبوع الأول من موسم رمضان التلفزيوني، يأتي «بالقلب» ويلحقه «بردانة أنا» بنسب مشاهدة متقاربة جداً، ومن ثم «العودة» و«سر». وهذه الأعمال لبنانية الطّابع إنْ بأبطالها الأساسيين، أو بفريق عملها المشارك فيها. وتدخل على المسلسلات المختلطة عناصر سورية من مخرجين وكتّاب وممثلين، وذلك لاكتمال دورتها التجارية والتسويقية في العالم العربي. ومن بين هؤلاء المخرجين؛ مروان بركات والليث حجو، ومن الممثلين باسل خياط وعابد فهد وبسام كوسى.
صحيح أنّ الوقت لا يزال باكراً للحكم على هذه الأعمال، فلم يمرّ سوى 7 حلقات منها، ولكنّها من ناحية ثانية تشير إلى أنّ الدراما اللبنانية بألف خير. وهي كغيرها من الأعمال السورية والمصرية، تتألق على الشاشة الرمضانية، لا سيما محلياً.
ويلعب بطولة مسلسل «بالقلب» كل من سارة أبي كنعان وبديع أبو شقرا ووسام فارس، إضافة إلى مجموعة من الممثلين اللبنانيين مثل كارمن لبس ونوال كامل ودارينا الجندي وغبريال يمين. وهو يحكي قصة مؤثرة وغامضة في آن، تتخلّلها موضوعات اجتماعية مختلفة؛ في مقدمها الرصاص الطائش الذي يحصد ضحايا بريئين من اللبنانيين.
وحسب آخر الإحصاءات، فإنّ مسلسلي «بالقلب» و«بردانة أنا» يحظيان بكثير من التفاعل وصل إلى نسبة 4 ملايين مشاهد توزعوا بين لبنان ومصر والإمارات وسوريا. وتصدر «بالقلب» وسائل التواصل الاجتماعي، وشكّل عرضه على شاشة «إل بي سي آي» مع بداية الشهر الفضيل، التريند الأول على موقع «تويتر» الإلكتروني في لبنان.
«بردانة أنا» الذي تلعب بطولته كارين رزق الله وبديع أبو شقرا ورلى حمادة، عن العنف المنزلي الذي ارتفع عدد ضحاياه من النساء في الفترة الأخيرة. أمّا نسبة مشاهدته فلا تختلف كثيراً عن «بالقلب»، وهي تقارب، حسب إحصاءات أولية، 3 ملايين ونصف المليون مشاهدة. ويتابع اللبنانيون هذا المسلسل عبر شاشة «إم تي في»، كقصة مستوحاة من واقع لبناني مرير تعيشه عائلات من شرائح اجتماعية مختلفة، فقدت ابنة أو صديقة عزيزة بسبب تعنيفها إلى حد القتل، من قبل شريكها الرجل. ويلاقي العمل الذي سبق أن عرض الجزء الأول منه في أشهر ماضية نجاحاً ملحوظاً بعد أن تعلق المشاهد بأحداثه وأبطاله الواقعيين.
وتعلق مي أبي رعد صاحبة شركة «جي8» منتجة «بالقلب» في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «سعيدة جداً بالأصداء التي يحققها العمل، ولكنّني في الوقت نفسه خائفة على مستقبل الدراما اللبنانية المحلية في ظل غياب من يدعمها ويوحد طاقاتها». وتضيف أبي رعد: «من ناحيتي لم أعد أقوى على إنتاج أعمال جديدة تتمتع بالمستوى الإنتاجي الذي اعتاده المشاهدون. فإمكاناتي المادية لم تعد تسمح لي بذلك، وكذلك الأمر بالنسبة لمحطات التلفزة الدّاعمة الأولى لهذه الأعمال. ولذلك لن يمكنني الاستمرار، وأعدّ (بالقلب) و(حادث قلب) الذي اشترت حقوق عرضهما قناة (إم تي في) من آخر أعمالي الإنتاجية».
وتشير أبي رعد إلى أنّ «الدراما اللبنانية المحلية مخطوفة، بعد أن وضعت اليد على بعض إنتاجاتها، وطعمت بعناصر عربية كي يجري تسويقها عربياً». وتعلق: «أين هم أبطالنا الشباب اليوم؟ أين هي الوجوه الجديدة النسائية التي علينا إعطاؤها الفرص بدل التّقوقع في دائرة بطلات معينات؟ فلذلك لا أمل، في رأيي، بمستقبل مضيء للدراما المحلية في ظل عدم تقبل تطورها كما يجب».
من ناحيته يختلف رأي جوزف الحسيني، مدير برامج قناة «إم تي في» اللبنانية التي تعرض «بردانة أنا»، عما ذكرته مي أبي رعد. ويشير إلى أنّ محطته أولى من آمن بالأعمال اللبنانية وشجع على عرضها عندما خصّصت لها مساحة واسعة. ويضيف في سياق حديثه: «حتى في زمن (كورونا) تمكّنا من عرض (مافيي2)، وهو إنتاج لبناني، ولم نلجأ إلى بديل عن الدراما اللبنانية. أمّا (بردانة أنا) فلم يكن مبرمجاً لموسم رمضان، ولكنّ توقيفه قسراً بسبب اندلاع الثورة أدّى بنا إلى إعادة برمجته في رمضان. فكارين رزق الله من نجوم رمضان الذين ينتظر إطلالتهم المشاهد، وأعمالها؛ مثل (انتي مين) و(ومشيت) الرمضانيين، حققا نجاحاً باهراً». ولكن: هل جوزف الحسيني يخاف على مستقبل الدراما اللبنانية؟ يرد: «الدراما اللبنانية بخير، ونحن متمسّكون بإنتاجها، شرط أن تكون على المستوى المطلوب، فهي تمثل كل لبنان، وإلّا خسرنا جميعنا». ومن ناحية أخرى، يرى الحسيني أن «أولاد آدم» الذي تعرضه أيضاً محطة «إم تي في» في رمضان هو من الإنتاجات اللبنانية التي تحصد نسبة مشاهدة عالية. ويختم حديثه لـ«الشرق الأوسط» قائلاً: «الـ(إم تي في) تدعم الدراما اللبنانية بكل أوجهها منذ سنوات طويلة، وتشارك أيضاً في بعض إنتاجاتها، ومن المؤكّد أنّها ستبقى ساطعة على شاشتنا، فلا نحن ولا المشاهد اللبناني يستغني عنها. وقد وقعنا اتفاقات مع الكاتبة كلوديا مرشيليان والنجمة كارين رزق الله لسنوات مقبلة لإصرارنا على عرض الدراما اللبنانية».
الدراما اللبنانية «بخير» وتتألق في رمضان
تعرض على قنوات محلية وفضائيات عربية
الدراما اللبنانية «بخير» وتتألق في رمضان
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة