حتى اليوم كانت اهتمامات المسؤولين منصبّة بالدرجة الأولى على محاربة وباء «كوفيد19» والحد من انتشاره ووقف فتكه بالمواطنين. ومع اقتراب موعد الخروج التدريجي من حالة الحظر، أخذت الأنظار تتجه إلى تبعات فيروس «كورونا» وانعكاس توقف الدورة الاقتصادية على القطاعات الرئيسية، وعلى أرقام البطالة وارتفاع الديون الحكومية إلى مستويات غير مسبوقة.
وفي فرنسا، يبرز بشكل أساسي القطاع الجوي بشقيه الصناعي والتجاري وكذلك المدني والعسكري. وبدأت تُسمع استغاثاتُ المسؤولين عنه واستجداؤهم النجدة من السلطات الحكومية. وجاء أول الغيث يوم الجمعة الماضي في شكل دعم مالي قيمته الإجمالية 7 مليارات يورو لشركة «إير فرنس» التي هي الناقلة الجوية الفرنسية الوطنية. وتم تقسيم هذا المبلغ إلى شقين: الأول؛ ضمانات ديون حكومية للشركة من المصارف التجارية بقيمة 4 مليارات يورو، ومساعدة حكومية مباشرة من 3 مليارات يورو لتتمكن «إير فرنس» من تخطي الأزمة التي عنوانها وقف حركة الطيران بشكل شبه كامل وغياب أي رؤية واضحة لاستئنافها. ومقابل هذه المساعدة الاستثنائية، طلبت الحكومة من «إير فرنس» أن تغلب في المستقبل شراء طائراتها من شركة «إيرباص» الأوروبية، وليس من شركة «بوينغ» الأميركية، وأن تقوم بجهد ملموس من أجل خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. وبحسب بنجامين سميث، المدير العام، فإن الشركة تخسر يومياً 25 مليون يورو. ومن غير مساعدة الحكومة الفرنسية من جهة والحكومة الهولندية لشريكتها «كيه أل أم»، فإن المجموعة ستكون مضطرة لإعلان إفلاسها بداية يونيو (حزيران) المقبل. وأعلنت المجموعة عن فتح الباب أمام التسريح الطوعي لآلاف من موظفيها في الأشهر المقبلة لخفض قيمة الرواتب. وفتحت المساعدة الحكومية لـ«إير فرنس» شهية شركة «إيرباص» الأوروبية التي لا تصنع فقط الطائرات التجارية المعروفة، ولكنها أيضاً ضالعة في تصنيع الطوافات المدنية والأقمار الصناعية؛ فضلاً عن قطاعها العسكري. وتمثل فرنسا وألمانيا الشريكين الرئيسيين لهذه الشركة التي تفوقت العام الماضي على منافستها شركة «بوينغ» الأميركية. وأمس، أعلن وزير الاقتصاد برونو لومير أنه «من البديهي أن تكون الحكومة مستعدة تماماً لمساعدة (إيرباص) بشكل مكثف إذا لزم الأمر في الوقت المناسب» لتمكينها من تخطي الأزمة الراهنة.
جاء ذلك بعد أن كشفت «إيرباص» عن تراجع مبيعاتها في الفصل الأول من العام الحالي بنسبة 15 في المائة، فيما نتائجها التشغيلية انخفضت بنسبة النصف. وبلغت خسائر المجموعة حتى اليوم 481 مليون يورو.
وحتى أمس، لم يكشف لومير عن أرقام محددة، كذلك لم يفعل الشريك الألماني. لكن يُستشَفّ من الرسالة التي وجّهها رئيس الشركة التنفيذي غيوم فوري إلى كوادر المجموعة أن الأزمة الراهنة «تهدد مصير الشركة» وأنه بالتالي يتعين القيام بإجراءات أساسية لإنقاذها. ويرى فوري أن الصناعات الجوية تواجه «أكبر أزمة في تاريخها». وبحسبان أن وقف النشاطات لم يبدأ إلا في منتصف مارس (آذار) الماضي، فإن الكارثة ستظهر على حقيقتها العارية في الفصل الثاني من العام الحالي. ويتخوف فوري من انعدام السيولة قريباً رغم أن المجموعة حققت مبيعات العام الماضي وصلت إلى 70 مليار يورو واحتلت الموقع الأول في عالم صناعة الطائرات.
واتخذت المجموعة إجراءات عدة؛ منها وقف التوظيف، وخفض ميزانية البحوث والتطوير، وإيقاف مجموعة من المشاريع التي كانت تعمل على إنجازها، والنزول بإنتاجها إلى الثلث بسبب غياب الطلبيات الجديدة وتأجيل الشركات المتعاملة معها مشترياتها السابقة. والأهم من ذلك أن آلافاً من الموظفين جرى تسريحهم أو وضعهم في البطالة الجزئية؛ مما يعني أن الدولة هي التي تتحمل دفع رواتبهم بنسبة تصل إلى 70 أو 80 في المائة. كذلك تتعين الإشارة إلى أن صعوبات «إيرباص» تنعكس حكماً على الشركات المتعاملة معها.
لا تشكل «إيرباص» و«إير فرنس» إلا جزءاً من كل هو مجموع الصناعات الجوية المدنية والعسكرية المنضوية تحت جناح ما يسمّى «تجمع الصناعات الجوية والفضائية» الذي يضم 400 شركة ويوظف 200 ألف شخص. ودعا رئيسه أريك ترابيه، الذي يشغل في الوقت عينه منصب الرئيس والمدير العام لشركة «داسو أفياسيون» المصنّعة لطائرات «رافال» القتالية، الدولة الفرنسية إلى النظر لأوضاع القطاع الجوي الدفاعي كما المدني، مشدداً على أهمية أن تبقى الصناعات الجوية الفرنسية قادرة على توفير الوسائل الدفاعية للدولة، مما يعني أن تمدّ الأخيرة اليد لمساعدة هذا القطاع الحيوي والاستراتيجي.
ما سبق غَيضٌ من فيض. والكل ينظر إلى الحكومة التي عليها أن تدعم الاقتصاد بمكوناته كافة؛ فيما زاد عدد العاطلين جزئياً عن العمل على 9 ملايين شخص، وارتفعت أرقام البطالة في شهر واحد نحو 9 في المائة. من هنا، رغبة الحكومة الفرنسية التي عليها أن توفر على الأقل 24 مليار يورو لدفع رواتب العاطلين جزئياً عن العمل في هذه المرحلة، فيما بلغت مديونيتها أرقاماً خيالية. وتأمل الحكومة، من خلال التخلّي التدريجي عن حالة الحظر، في إعادة عجلة الاقتصاد إلى الدوران شيئاً فشيئاً؛ لأنها السبيل الوحيد لوقف الانهيار، لكن مع التأكد من أن إجراءاته لن تمهد الطريق لوصول موجة جديدة من الوباء القاتل.
فرنسا في مواجهة التبعات الاجتماعية والاقتصادية لـ «كوفيد ـ 19»
قطاع الصناعات الجوية يستغيث ويطالب بالمليارات للمحافظة على وجوده
فرنسا في مواجهة التبعات الاجتماعية والاقتصادية لـ «كوفيد ـ 19»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة