«النهاية» رحلة زمنية مثيرة في مستقبل غير واضح المعالم

بعيداً عن السياسة وقريباً من انتهاء العالم

حسن الرداد بطل «شاهد عيان»
حسن الرداد بطل «شاهد عيان»
TT

«النهاية» رحلة زمنية مثيرة في مستقبل غير واضح المعالم

حسن الرداد بطل «شاهد عيان»
حسن الرداد بطل «شاهد عيان»

ما يتحدث عنه المسلسل هو حياة عالم طاقة يعمل لحساب مؤسسة تمتلك مصائر كل من بقي حيّاً بعد حرب ضروس يتحدث عنها المسلسل ولا يذكر تفاصيلها. مؤسسة هي أشبه بحزب فاشي يريد السيطرة على مقادير الحياة لكل الأحياء واختيار من له الحق في أن يأكل ويتعلم ويعيش مترفاً ومن ليس له الحق.
هناك مشكلة عند مجموعة كبيرة من الممثلين خصوصاً الرجال. مشكلة تكشفها مسلسلات رمضان هذا العام وليس للمرّة الأولى. المشكلة هي «النرجسية».
في صراع الديوك الذي ينتاب معظم الممثلين في هذه الآونة، كلٌّ يحاول أن يكون الأول والأعلى إقبالاً ونجاحاً، هناك اتفاق بين هؤلاء وبين المنتجين على أن يسبق اسم كل منهم كلمة «النجم». هو ممثل جيد ويترك أثراً مريحاً في نفوس مشاهديه تلقائياً ولديه جاذبية ويتقمص شخصيته بكامل ما تتطلبه... لكن على اسمه أن تسبقه كلمة «النجم».
لعل الأصل يعود إلى كلمة Starring التي كانت تستخدم في الأفلام الأميركية أكثر مما تستخدم اليوم، وتعني ببعض الإيضاح «الذين يقومون بالأدوار الأولى». عربياً من الصعب تفعيل هذه الكلمة لتصبح «تنجيماً» مثلاً، لذلك كلمة «نجم» تصبح الأكثر تناسباً مع المناسبة المتاحة.
لكنّ هذا لا يعني أنها مبررة خصوصاً أنها تأتي مثل إعلانات أصحاب المحلات والمكاتب، الجوهري والخياط والمحامي وكاتب العدل و«الأزدخنجي» وملك الفلافل، إلخ.
بما أن اسم الممثل الذي يقود المسلسل سيأتي أولاً فلمَ لا يأتي أولاً من دون عباءة؟ بشكل واثق وطبيعي وبعيد عن البهرجة التي تستدعي النقد ليس لما سبق ذكره بل لانتشارها كما لو أنها تقدم أو تؤخر في العمل المتوفر أو أنه من العيوب الفادحة إغفالها. ثم هناك كلمة أخرى تأتي في وضع غريب أيضاً...
بعد ذكر دزينة أو أكثر من الأسماء التي تتقدّم المسلسل، نقرأ كلمة «بطولة» ثم سيلاً من الأسماء الأخرى. إذا ما كان هؤلاء هم «الأبطال» ماذا عن الذين سبق ذكرهم: أشباح أو أشرار أو كومبارس؟
«النهاية»
حين تدخل السياسة في الترفيه فإن الناتج لغط كبير يشبه عود الكبريت الذي يشتعل مرّة واحدة فقط. والسياسة دخلت في مسلسل «النهاية» تأليف عمرو عاطف وإخراج ياسر سامي. فحسب ما كتب يتنبأ المسلسل بزوال إسرائيل من الوجود. وتبعاً للأخبار الواردة فإن ذلك استدعى رد فعل من أجهزة ومكاتب إسرائيلية «استاءت» من موقف المسلسل حيالها و«توقعاته».
لكني لست واثقاً من أن أحداً من هؤلاء شاهد الحلقة الأولى التي يتم فيها ذكر هذا الأمر، وإن فعل فهو بالتأكيد لم يتوقف عند حقائق مختلفة عن المُعلن والمشاع.
«النهاية» (قناة On E Drama حصرياً) مسلسل من نوع الخيال العلمي، وهو نوع مقلّ جداً في العالم العربي، أدباً وكأفلام سينمائية وكمسلسلات تلفزيونية. وأحداثه تقع على بُعد 900 سنة من اليوم. والعبارة الواردة ليست تنبؤاً بل ترِد في سياق إنه أمر تم وانتهى. وترِد في سياق واحد لا يتكرر (على الأقل في الحلقات الأربع حتى الآن) مفاده أنه حدثٌ وقع وانتهى أمره.
الاحتجاج باهت السبب وضد حرية التعبير، والمسلسل في حد ذاته لا يتحدث عن حرب ما ينتصر فيها العرب بعد سنوات من الآن ناهيك بقرون.
ما يتحدث عنه المسلسل هو حياة عالم طاقة يعمل لحساب مؤسسة تمتلك مصائر كل من بقي حيّاً بعد حرب ضروس يتحدث عنها المسلسل ولا يذكر تفاصيلها. مؤسسة هي أشبه بحزب فاشي يريد السيطرة على مقادير الحياة لكل الأحياء واختيار من له الحق في أن يأكل ويتعلم ويعيش مترفاً ومن ليس له الحق.
هناك مؤسسة علمية أخرى مكانها القدس تختار هذا العالم لكي ينضم إليها. وهي مؤسسة أفضل توجهاً، إذ تؤمن بأن العلم يجب أن يكون متاحاً للجميع كذلك الطاقة الشمسية التي باتت هي -أكثر من أي وقت مضى- مصدر الحياة على الأرض.
هناك جوانب تم القفز فوقها حتى الآن ربما تتضح في الحلقات المقبلة، لكن كان عليها أن تتضح منذ الآن لكي يسبر المشاهد الحلقات بوعي كامل. من بينها المسافات الجغرافية بين أعداء الحياة ومناصريها وكيف أنتجت الحرب الكبيرة كلتا المؤسستين إذا ما كان الحديث العابر عنها يقول إن العالم العربي خرج منها قوياً ومتعاضداً بينما انهارت «الولايات المتحدة» وتفككت (لم نقرأ احتجاجاً أميركياً حول هذه النقطة).
المسلسل جيد كنص قصصي وكإخراج والجهة المنتجة (شركة «سينرجي» لتامر مرسي التي تقف كذلك وراء مسلسل «الاختيار») دفعت بنفسها إلى مقدّمة الشركات الحريصة على توفير التصاميم الفنية خصوصاً في هذا المسلسل الذي يتطلب مؤثرات وتصاميم وديكورات مختلفة طوال الوقت.
المشكلة الأساسية هنا هي التالية:
تقع الأحداث سنة 2120 أي بعد 100 سنة من زمننا اليوم. هذه فترة بعيدة جداً كانت تتطلب الإجابة عن العديد من أسئلة المستقبل التي لا تُطرح في هذا العمل. بعد 100 سنة مثلاً قد يفقد البشر الحاجة إلى الكلام، أو قد تُبنى كل العلاقات بين الناس ثم بينهم وبين الأدوات التي يستخدمونها بالتخاطر الصامت (Telepathically). يفهم بعضها بعضاً بالنظر. يُفتح الباب بمجرد قراءته لرغبة الواحد في الخروج منه. أو يقفز الملف من الحقيبة بمجرد التفكير به. أو قد يؤول العالم إلى خراب شامل فلا يبقى منه شيئاً يستحق العيش له أو فيه. في كل الأحوال، سيختلف بيئياً وصناعياً واقتصادياً وعلمياً ومجتمعياً عما يوفره المسلسل من قراءة مستقبلية. لذلك كان من الأفضل وضع الأحداث على بُعد مستقبلي أقرب، لنقُلْ 50 أو 70 سنة من الآن.
موسيقى على قدر كبير من التكرار (لهشام خرما) لا تفسد للموضوع الماثل تشويقه ولا لتمثيل بطله يوسف الشريف حضوره.
«شاهد عيان»
الميزة الجميلة الأولى في «شاهد عيان» (قناة «رؤيا» الأردنية) هي التالية: المقدّمة لا تتجاوز الدقيقة الواحدة. يا سلام على الذوق والمعرفة وحضارة التوجه في عصر اليوم. هذه المقدّمة تقف ندّاً للمقدمات المستطيلة شكلاً والبدينة ترهلاً التي عليها أن تتمدد لأربع دقائق على الأقل في كل مرّة تطالعنا حلقاتها لتحتوي على أسماء كل العاملين مهما كانت مهماتهم بعيدة عن اهتمامات المتابعين.
ينتمي «شاهد عيان» للنوع البوليسي سارداً منذ بدايته وضع بطله عمر (الممثل حسن الردّاد) الذي يعمل لأحد أجهزة المخابرات المصرية.
هو في الأردن لإلقاء القبض على تاجر أسلحة وزوجته في القاهرة في طريقها لعملها. شقيقة زوجته مدرّسة وابنتهما «خديجة» إحدى طالباتها. عند هذه النقطة يتم قتل أو خطف الزوجة. ففي الظاهر هب مقتولة لكن «عمر» يدرك أنها مخطوفة وعليه -وقد وصلنا للحلقة الرابعة- أن يكتشف مكان وجودها ويخوض مغامرات ومواقف صعبة في سبيل اكتشاف مكان احتجازها... هذا (والمسلسل يحس اللعب على هذا الخط) إلا إذا كانت الصدمة جعلته يتخيل أنها ما زالت حية.
هناك جدية طرح وحضور من كل الممثلين، لكنّ إخراج محمد عبد الرحمن حماقي يتّبع وتيرة التأثير البصري أكثر مما يُعنى بتأسيس حالة فنية يمكن أن تثير الإعجاب في حد ذاتها. يفوّت بعض المشاهد تفاصيل لا بد منها. ربما تفاصيل عابرة لكنها تعني كثيراً.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».