الحجر الصحي يُسكت لغة الموضة

من دون توفر متلقٍ تبهت ألوانها وبريقها

TT

الحجر الصحي يُسكت لغة الموضة

في روايتها «أورلندو»، تقول فيرجينا وولف، إن «الأزياء تؤثر على نظرتنا إلى العالم ونظرة العالم إلينا»، مقولة تترجم الواقع الحالي الذي قفزت فيه قطع معينة إلى الصدارة، وتوارت أهمية أخرى. السبب معروف، فشوارع العالم شبه خالية من الناس، والمحلات مغلقة، واللقاءات مع الأهل والأصدقاء انعدمت. لهذا كان من الطبيعي أن تصمت لغة الأزياء، وتتغير نظرتنا إليها. فمن بين أهم الأدوار التي تلعبها الموضة أنها تُعبر عنا وتعكس ذوقنا الخاص ومكانتنا الاجتماعية والثقافية والسياسية، لكن على شرط أن يكون لهذه الرسائل المُبطنة مُتلق. فعندما يغيب هذا المتلقي، تنتفي الحاجة إلى هذا الدور، كما عرفناه، قبل أن يجتاح فيروس كورونا المستجد العالم. ففي ظل الحجر المنزلي، أصبحنا نعيش في مملكة صغيرة ومُغلقة، من دون أي تفاعل مع الآخر سوى من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، ومع الوقت، اكتشفنا أننا لا نحتاج سوى إلى تصاميم بسيطة توفر الراحة. وهذا ما تؤكده المصممة الأميركية رايتشل زوي، بقولها إن «الموضة لغة للتعريف بالنفس من دون أن ننطق بكلمة. قبل (كورونا)، كان يكفي أن نرتدي بنطلون جينز مع (تي - شيرت) كتبت على صدره رسالة معينة، حتى يعرف الآخر ميولنا الاجتماعية والسياسية ومستوانا الثقافي من دون أن ننطق بكلمة». بالإضافة إلى لغة الموضة الواضحة، فإنها أيضاً أداة متعة بالنسبة لمن لهم الإمكانات لاقتناء الفريد والغالي منها، سواءً كان ذلك مجرد «تي - شيرت» من «ديور» أو حقيبة من «شانيل» أو «هيرميس». منتجات باهظة الثمن وغير أساسية، لكن أهميتها كانت تكمن في قدرتها على التعبير عن مكانة اجتماعية، والاحتفال بالنجاح من خلال مظهر منمق. بيد أن ما أكدته هذه الفترة أنه عندما يغيب من يسمع هذه اللغة أو يقرأها، فإن الحاجة إلى الألوان والتطريزات والكشاكش المتراقصة وغيرها، تنتفي.
وتوافق خبيرة الأزياء ورئيسة تحرير مجلة «باشن»، سوزان ثابت، هذا الرأي بقولها: «عندما كنا نختار (تايورا) مكوناً من جاكيت وتنورة بلون رمادي أو أسود، فإننا كنا نريد أن نرسم، ولو لا شعورياً، صورة مفعمة بالقوة حتى نُؤخد بجد في أماكن العمل. وعندما كنا نختار فستاناً أو تنورة طويلة، فكنا نريد أن نعكس صورة بوهيمية منطلقة لا تهتم بالتقاليد وقيودها وهكذا. لكننا الآن نجلس منعزلين لساعات أمام جهاز كومبيوتر، لم يكن له مكان في البيت، لكننا استحدثنا له مكاناً، إما في المطبخ، أو في ركن ما من البيت، ونحن في ملابس تلبي أولاً وأخيراً، حاجتنا الشخصية للراحة». ولا يختلف الأمر في المساء عن النهار، حسب قولها «ففي المساء نتسمر أمام شاشة التلفزيون بالبيجاما، نحضن صحن فشار (بوبكورن)، متخيلين أنفسنا أمام شاشة سينما». بيد أنه وبالرغم من أن الحاجة لشراء قطعة جديدة نتباهى بها أمام الآخر، أو ننتمي بها إلى «نادٍ» معين، ليست ملحة في الوقت الراهن، فإن ما نرتديه هذه الأيام، يحكي فصلاً مهماً من حياتنا، ستُسجله كتب الموضة وستقرأه الأجيال المقبلة، لتحلله وتتعرف على تفاصيل فترة مهمة من التاريخ الإنساني. فكما ارتبطت التنورة القصيرة بالستينات كرمز لتحرر المرأة، والتايور بالكتافيات الصارمة بنهاية السبعينات، وبداية الثمانينات، مؤرخاً لدخولها ميادين عمل كانت حكراً على الرجل، سيتم تسجيل قطع مثل الكيمونو و(الباجاما) والبدلة الرياضية وإكسسوارات مثل الكمامات والقفازات، كقطع لصيقة بـ2020. ما يزيد من أهميتها، أنها قطع لم تفرضها عروض الأزياء أو المجلات البراقة بقدر ما فرضها الواقع الجديد والانعزال في المنازل. فالقميص الأبيض والبدلة المفصلة بالنسبة للرجل، ليست لها قيمة خارج المكتب أو لقاءات العمل، وفستان الكوكتيل بالنسبة للمرأة ليست له أهمية من دون حفل.


مقالات ذات صلة

بعد ظهوره بـ5 سنوات.. معلومات لا تعرفها عن «كوفيد 19»

صحتك تعلمت البشرية من جائحة «كورونا» أن لا شيء يفوق أهميةً الصحتَين الجسدية والنفسية (رويترز)

بعد ظهوره بـ5 سنوات.. معلومات لا تعرفها عن «كوفيد 19»

قبل خمس سنوات، أصيبت مجموعة من الناس في مدينة ووهان الصينية، بفيروس لم يعرفه العالم من قبل.

آسيا رجل يرتدي كمامة ويركب دراجة في مقاطعة هوبي بوسط الصين (أ.ف.ب)

الصين ترفض ادعاءات «الصحة العالمية» بعدم التعاون لتوضيح أصل «كورونا»

رفضت الصين ادعاءات منظمة الصحة العالمية التي اتهمتها بعدم التعاون الكامل لتوضيح أصل فيروس «كورونا» بعد 5 سنوات من تفشي الوباء.

«الشرق الأوسط» (بكين)
آسيا رجل أمن بلباس واقٍ أمام مستشفى يستقبل الإصابات بـ«كورونا» في مدينة ووهان الصينية (أرشيفية - رويترز)

الصين: شاركنا القدر الأكبر من بيانات كوفيد-19 مع مختلف الدول

قالت الصين إنها شاركت القدر الأكبر من البيانات ونتائج الأبحاث الخاصة بكوفيد-19 مع مختلف الدول وأضافت أن العمل على تتبع أصول فيروس كورونا يجب أن يتم في دول أخرى

«الشرق الأوسط» (بكين)
الاقتصاد أعلام تحمل اسم شركة «بيونتيك» خارج مقرها بمدينة ماينتس الألمانية (د.ب.أ)

«بيونتيك» تتوصل إلى تسويتين بشأن حقوق ملكية لقاح «كوفيد»

قالت شركة «بيونتيك»، الجمعة، إنها عقدت اتفاقيتيْ تسوية منفصلتين مع معاهد الصحة الوطنية الأميركية وجامعة بنسلفانيا بشأن دفع رسوم حقوق ملكية للقاح «كوفيد».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
العالم تراجعت أعداد الوفيات من جراء الإصابة بفيروس كورونا على نحو مطرد (أ.ف.ب)

الصحة العالمية تعلن عن حدوث تراجع مطرد في وفيات كورونا

بعد مرور نحو خمس سنوات على ظهور فيروس كورونا، تراجعت أعداد الوفيات من جراء الإصابة بهذا الفيروس على نحو مطرد، وذلك حسبما أعلنته منظمة الصحة العالمية في جنيف.

«الشرق الأوسط» (جنيف)

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».