كانت احتفالات عيد الفصح الأرثوذكسي في عطلة نهاية هذا الأسبوع باليونان شأناً رئيسياً لميخالس ستراتاكيس وزوجته نانسي. لوَّنا البيض وفقاً للتقاليد اليونانية ولعبا ألعاباً مع أفراد العائلة في أثينا، ولكن عبر شاشات الهاتف الجوال من منزلهما في جزيرة كريت اليونانية يوم الأحد، بدلاً من الاحتفال بالعيد معاً وجهاً لوجه، وفقاً لتقرير نشرته مجلة «التايم».
ويقول ستراتاكيس البالغ من العمر 44 عاماً: «من المفجع أن أقول الحقيقة، لأننا لم نشعر بوجود العائلة... لقد تحدثنا إليهم من خلال الكاميرا، ولكن الأمر مختلف عندما لا يمكنك معانقة والديك وأخواتك وأصدقائك».
ومع ذلك، يدرك ستراتاكيس أن احتفالات عيد الفصح التي تم تقليصها كانت تضحية ضرورية لحماية الأقارب المسنين وبلده أيضاً. ويغادر اليونانيون تقليدياً المراكز الحضرية إلى الريف والجزر قبل االعيد. لكن هذا العام، قامت السلطات بمراقبة الكنائس، وتجنيد الدوريات في الشوارع، ونشر طائرات من دون طيار لفرض حظر صارم على الحركة، وسط عدد كبير من الإجراءات الأخرى المتخذة لمنع انتشار فيروس «كورونا المستجد».
ويقول الخبراء إن كلا من صرامة هذه الإجراءات، والطريقة التي التزم بها اليونانيون إلى حد كبير، كانت عاملاً رئيسياً في تجنب اليونان لأسوأ خلال تفشي الوباء العالمي.
- اليونان والوباء
كان ينبغي أن يكون تفشي الفيروس التاجي في اليونان كارثة. كوجهة سياحية شهيرة، استقبلت اليونان 27.2 مليون زائر في عام 2019 وحده - مما يمثل خطراً محتملاً كبيراً لتفشي «كوفيد - 19» من المسافرين الدوليين. وتحتوي اليونان على عدد كبير من كبار السن، حيث إن سكان البلاد هم ثاني أقدم سكان الاتحاد الأوروبي، أي خلف إيطاليا فقط. وتم تقويض قطاعها الصحي بسبب التقشف، ولا يزال اقتصادها المعوق أصغر بنسبة 40 في المائة مما كان عليه في عام 2008، قبل الأزمة المالية العالمية الأخيرة.
وقال المسؤولون في عام 2019 إنه بعد ثلاث عمليات إنقاذ وعمليات تخفيض جذرية لنظام الرعاية الصحية العامة بسبب التقشف، لم يكن هناك سوى 560 سريراً في وحدة العناية المركزة في البلد بأكمله الذي يبلغ عدد سكانه 11 مليوناً (أي 5.2 سرير لكل 100 ألف شخص، مقارنة بـ29.2 في ألمانيا).
ومع ذلك، تجنبت اليونان الأسوأ خلال الجائحة العالمية حتى الآن، حيث تم تأكيد 2245 حالة فقط و116 حالة وفاة حتى 21 أبريل (نيسان)، وهي واحدة من أدنى المعدلات المسجلة في الاتحاد الأوروبي.
- خطوات اليونان الصحيحة
يقول المحللون إن مفتاح نجاح اليونان في تجنب كارثة صحية هو الخطوات الأولى التي اتخذتها الحكومة لاحتواء الفيروس قبل معظم دول أوروبا.
ففي أواخر فبراير (شباط)، قبل تسجيل حالة وفاة واحدة بسبب المرض، تم إلغاء الكرنفالات والاحتفالات، وأُغلقت المدارس والجامعات على الصعيد الوطني في 10 مارس (آذار)، عندما لم يكن هناك سوى 89 حالة مؤكدة في البلاد.
كما تم إغلاق المقاهي والمطاعم والمواقع السياحية بعد ذلك بثلاثة أيام.
ويقول الخبراء إن الحكومة اليونانية تحركت بسرعة، وليس رغم نظام الرعاية الصحية العامة السيئ، ولكن بسببه.
وتقول الدكتورة ستيلا لادي، مستشارة السياسة العامة السابقة للحكومة اليونانية والأستاذة المساعد في الإدارة العامة بجامعة بانتيون في أثينا: ««لا أعتقد أنه كان قراراً صعباً للغاية بسبب المعرفة حول عدم إمكانية النظام الصحي تحمل هذه الجائحة».
وعندما حظرت الحكومة السفر غير الضروري ابتداءً من 23 مارس، كان ذلك بسبب الوضع في إيطاليا، حيث كانت وحدات العناية المركزة في المستشفيات غارقة في المرضى، حيث كان العديد منهم يرقدون دون علاج في الممرات.
وعرف المسؤولون أن الأمر سيستغرق انتشاراً أصغر بكثير في اليونان لرؤية نفس المشاهد في البلاد. وقال رئيس الوزراء كيرياكوس ميتسوتاكيس، معلناً الإغلاق في 22 مارس: «للأسف في إيطاليا، يموت شخص واحد كل دقيقتين. علينا حماية صحتنا العامة». وفي ذلك الوقت، كان هناك 624 حالة مؤكدة و15 حالة وفاة في اليونان. وبالمقارنة، عندما أعلنت المملكة المتحدة الإغلاق، كان لديها 6650 حالة مؤكدة و335 حالة وفاة على الأقل.
كما بدأت الحكومة بحملات عبر محطات التلفزة لتحذير المواطنين من أن نظام الرعاية الصحية الضعيف يضعهم تحت مسؤولية تنفيذ إجراءات قاسية في وقت مبكر من أجل إنقاذ الأرواح، حتى لو تضرر الاقتصاد بشدة.
وتوضح لادي: «كانت استراتيجية التواصل مع الناس على نفس القدر من الأهمية مثل الإجراءات المبكرة».
ويقول بانوس تساكلوغلو، الأستاذ بجامعة أثينا للاقتصاد والأعمال: «كل يوم عند الساعة السادسة مساءً، يتوقف الناس عن أعمالهم لمعرفة التطورات».
وأشارت لادي عن الإغلاق المبكر إلى أنه «كان المواطنون يعرفون أن نظام الرعاية الصحية ضعيف، لذلك قبلوا الالتزام بالإجراءات».
وتقول لادي إن أهمية الصحة الجيدة في الثقافة اليونانية سبب آخر لقبولهم بسهولة لتدابير الحظر.
وتوضح: «من منظور ثقافي، كل نقاش، كل أمنية للمستقبل، تنتهي دائماً بكلمة حول الصحة الجيدة».
كما استخدمت الحكومة الإغلاق لزيادة سعة الرعاية الصحية، مما أدى إلى زيادة عدد أسرة العناية المركزة من 565 سريراً في أوائل مارس إلى 910 في نهاية الشهر. وأبرم اتفاق بين الحكومة اليونانية والمستشفيات الخاصة حيث بدأت الأخيرة في استقبال المرضى الذين يعانون من أمراض غير متعلقة بالفيروس التاجي، مما يوفر مساحة لمرضى «كوفيد - 19» في المستشفيات العامة.
- مخيمات المهاجرين
ولكن تماماً مثل أي مكان آخر، يتصادم الفيروس والإغلاق مع عدم المساواة. وهذا يعني أنه حتى مع أداء اليونان الجيد مقارنة بالدول الأخرى، فإن العديد من سكانها أكثر عرضة للخطر من غيرهم.
وهذا صحيح بشكل خاص عندما يتعلق الأمر بمخيمات اللاجئين الخمسة في الجزر اليونانية، حيث يتم احتجاز نحو 40 ألف شخص هناك في ظروف بائسة.
وفي أكثر المخيمات اكتظاظاً في جزيرة ليسفوس، التي تحتوي على ثلاثة أطباء فقط، يعيش أكثر من 18 ألف شخص في أقل من عشرة كيلومترات مربعة، وفقاً للجنة الإنقاذ الدولية. وتعتبر الكثافة السكانية هناك ست إلى ثماني مرات أعلى من سفينة «دياموند برينسيس» السياحية، حيث انتشر الفيروس بشكل أسرع مما انتشر في ووهان في ذروة تفشي المرض بالصين.
وحتى الآن، لا توجد حالات «كوفيد - 19» في أكثر المخيمات اكتظاظاً في الجزر اليونانية. لكن معسكرين في البر الرئيسي خضعا للحجر الصحي بعد تأكيد 44 حالة بين المهاجرين المحتجزين هناك، وفقا لأبوستولوس فيزيس، مدير البرامج الطبية في منظمة «أطباء بلا حدود» في اليونان.
ويوم الثلاثاء، ورد أن 148 شخصاً تم تشخيص إصابتهم بـالفيروس في فندق يتضمن لاجئين بجنوب غربي أثينا.
وفي 16 أبريل، قالت الحكومة اليونانية إنها ستنقل 2380 شخصاً (أكبر المهاجرين المسنين وأولئك الذين يعانون من ظروف صحية سابقة، إلى جانب أسرهم) بعيداً عن الجزر اليونانية إلى المخيمات في البر الرئيسي. لكنها أعلنت أيضاً يوم الاثنين أن القيود على حركة المهاجرين على مستوى اليونان ستستمر حتى 10 مايو (أيار)، أي 13 يوماً أطول من بقية البلاد.