‏«كورونا» يوجه ‏ضربة قاسية لشركات ‏الإنتاج الفني في سوريا

المسلسل السوري {شارع شيكاغو}
المسلسل السوري {شارع شيكاغو}
TT

‏«كورونا» يوجه ‏ضربة قاسية لشركات ‏الإنتاج الفني في سوريا

المسلسل السوري {شارع شيكاغو}
المسلسل السوري {شارع شيكاغو}

ثمانية مسلسلات ‏درامية سورية فقط ‏تمكّنت من الوصول ‏إلى الشاشة الرمضانية ‏لهذا العام، من أصل ‏عشرة أعمال أُعلن ‏عن بدء تصويرها ‏بداية العام الحالي، ‏قبل صدور قرار ‏بتعليق العمل فيها ‏آخر شهر مارس ‏‏(آذار) الماضي، ضمن ‏الإجراءات الاحترازية ‏التي اتُّخذت في سوريا ‏ولبنان لمواجهة تفشي ‏فيروس «كورونا»، ‏حيث تُصوّر العديد ‏من الأعمال المشتركة، ‏لتكون الضربة الثانية ‏القاسية التي تتعرض ‏لها شركات الإنتاج ‏الفني في سوريا بعد ‏صدور قرار الحكومة ‏السورية بمنع التّعامل ‏بغير الليرة السورية، ‏منتصف عام ‏‏2019. وملاحقة ‏عدد من شركات ‏الإنتاج الفني والعاملين ‏فيها ومصادرة ما ‏بحوزتهم من عملات ‏أجنبية، ما أدّى إلى ‏تراجع الإنتاج بنسبة ‏‏75 في المائة، لا ‏سيما أنّ غالبية عقود ‏العمل الفني تتم ‏بالدولار الأميركي، ‏وخصوصاً مع النجوم ‏السوريين والعرب، ‏وبعد أن كانت سوريا ‏تنتج أكثر من أربعين ‏مسلسلاً سنوياً تقلص ‏الإنتاج في العام ‏الجاري إلى نحو عشرة ‏مسلسلات، توقف ‏تصويرها نهاية شهر ‏مارس، لتعود الحكومة ‏وتوافق على استئناف ‏التصوير شرط الانتهاء ‏خلال عشرة أيام ‏فقط في المدن ‏الإنتاجية بعيداً عن ‏المدن، وتخفيض عدد ‏الفرق الفنية، مع ‏وجوب تعقيم موقع ‏التّصوير، وفحص ‏أعضاء الفريق الفني ‏قبل بدء العمل، ‏ووجود كادر طبي ‏حكومي مرافق طيلة ‏فترة التصوير، إضافة ‏إلى عزل فريق العمل ‏بشكل كامل في ‏فندق على حساب ‏الشركة المنتجة لما بعد ‏انتهاء التصوير بـ14 ‏يوماً.‏
الشركات التي وافقت ‏على تلك الشروط ‏استأنفت تصوير ‏بعض الأعمال، ‏وأجّلت بعضها ‏الآخر، كشركة ‏‏«قبنض» التي أجّلت ‏مسلسل «شارع ‏شيكاغو» الذي ‏كانت قد هيأت له ‏حملة إعلانية واسعة ‏معولة على تسويقه ‏عربياً، كعمل متميز ‏من إخراج السينمائي ‏محمد عبد العزيز وبطولة ‏سلاف فواخرجي، ‏وكان من المنتظر أن ‏تطلّ من خلاله نجمة ‏السينما السورية ‏المعتزلة إغراء، بعد ‏عقود من الغياب عن ‏الشاشة، كما أجلت ‏شركة «إيمار الشام» ‏إنهاء مسلسل ‏‏«بورتريه» من إخراج ‏باسم سلكا ونص ‏تليد الخطيب. ليهبط ‏عدد المسلسلات ‏السورية الواصلة إلى ‏سباق الموسم ‏الرمضاني إلى ثمانية ‏أعمال فقط هي: ‏‏«حارس القدس» ‏العمل الوحيد الذي ‏أنتجه التلفزيون الرسمي ‏هذا العام، وهو من ‏إخراج باسل الخطيب ‏وسيناريو حسن ‏يوسف، ويروي سيرة ‏حياة رجل الدين ‏المسيحي السوري ‏إيلاريون كبوجي ‏المعروف بمواقفه ‏المناهضة للاحتلال ‏الإسرائيلي.‏
مسلسل «يوماً ما»، ‏إنتاج شركة ‏‏«شاميانا»، وإخراج ‏عمار تميم، وسيناريو ‏عدد من الكتاب، ‏وقصة المسلسل تتناول ‏بطريقة بوليسية حياة ‏طفلة تائهة تعيش بين ‏الغجر، وترتبط بعلاقة ‏حب مع شاب ‏غجري.‏
والمسلسل الاجتماعي ‏الكوميدي «أحلى ‏أيام»، ويأتي استمراراً ‏للجزأين السابقين من ‏‏«أيام الدراسة» من ‏إنتاج آرت فيجن ‏وإخراج سيف الشيخ ‏نجيب وسيناريو طلال ‏مارديني، وبطولة ‏معتصم نهار ومديحة ‏كنيفاتي.‏
ومن أعمال البيئة ‏الشامية مسلسل ‏‏«سوق الحرير»، ‏الذي سعى مخرجه ‏بسام الملا ليكون ‏بديلاً منافساً لمسلسل ‏‏«باب الحارة» الشهير ‏الذي استبعد عن ‏إخراجه في الجزء ‏الأخير، بعد خلافات ‏مع شركة الإنتاج.‏
العمل من إنتاج شركة ‏‏«ميسلون فيلم» عن ‏سيناريو حنان حسين ‏المهرجي، وبطولة ‏بسام كوسا، وسلوم ‏حداد، وأسعد فضة، ‏وعبد الهادي الصباغ، ‏وكاريس بشار، ‏ونادين تحسين بك.‏
وفيما غاب مسلسل ‏‏«باب الحارة»، ‏أنتجت شركة «قبنض ‏‏(بروكار)»، حول ‏البيئة الشامية من ‏إخراج محمد زهير رجب ‏ونص سمير هزيم. ومن ‏بطولة: سلمى ‏المصري، وسعد مينه، ‏ورنا الأبيض.‏
ومن المسلسلات ‏البوليسية «الجوكر»، ‏من إنتاج شركة ‏‏«قبنض»، وإخراج ‏جمال الظاهر عن نص ‏لماجد عيسى. ‏ومسلسل «مقابلة مع ‏السيد آدم»، وهو من ‏الأعمال المشتركة من ‏إنتاج شركة ‏‏«فونيكس»، وإخراج ‏فادي سليم، وبطولة ‏غسان مسعود، ‏والممثلة المصرية منة ‏فضالي.‏
أما الأعمال ‏الكوميدية؛ فبعد ‏تأجيل الفنان ياسر ‏العظمة إنتاج جزء ‏جديد من مسلسله ‏الشهير «مرايا»، ‏اقتصرت الأعمال ‏الكوميدية على ‏مسلسل واحد، وهو ‏‏«ببساطة 2» لباسم ‏ياخور، وهو عبارة ‏عن 150 لوحة ‏كوميدية ساخرة ‏موزّعة على 30 ‏حلقة، تسخر من ‏الأحوال المعيشية في ‏سوريا، من إنتاج ‏‏«روي برودكشن»، ‏وإخراج تامر إسحاق، ‏ونصوص لمجموعة من ‏الكتاب.‏


مقالات ذات صلة

أسرة «ضحية نجل أحمد رزق» لقبول «الدية الشرعية»

يوميات الشرق الفنان المصري أحمد رزق (حسابه على إنستغرام)

أسرة «ضحية نجل أحمد رزق» لقبول «الدية الشرعية»

دخلت قضية «نجل الفنان المصري أحمد رزق» منعطفاً جديداً بوفاة الشاب علاء القاضي (عامل ديلفري) الذي صدمه نجل رزق خلال قيادته «السكوتر» نهاية مايو (أيار) الماضي.

أحمد عدلي (القاهرة)
يوميات الشرق كواليس مسلسل «عودة البارون» (فيسبوك المخرج)

غموض بشأن مصير مسلسلات مصرية توقف تصويرها

تواجه مسلسلات مصرية تم البدء بتصويرها خلال الأشهر الأخيرة مستقبلاً غامضاً بعد تعثّر إنتاجها وأزمات أخرى تخص أبطالها.

داليا ماهر (القاهرة)
يوميات الشرق المسلسلات القصيرة تُعيد فرض حضورها على خريطة دراما مصر

المسلسلات القصيرة تُعيد فرض حضورها على خريطة دراما مصر

تفرض المسلسلات القصيرة وجودها مجدداً على الساحة الدرامية المصرية خلال موسم الصيف، بعدما أثبتت حضورها بقوّة في موسم الدراما الرمضانية الماضي.

داليا ماهر (القاهرة )
الوتر السادس صابرين تعود للغناء بعمل فني للأطفال (حسابها على {انستغرام})

صابرين لـ«الشرق الأوسط»: أشتاق للغناء

قالت الفنانة المصرية صابرين إنها تترقب «بشغف» عرض مسلسل «إقامة جبرية» الذي تشارك في بطولته، وكذلك فيلم «الملحد» الذي عدّته خطوة مهمة في مشوارها الفني.

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق تامر ضيائي خلال حضوره عرض مسرحية تشارلي العام الماضي - حسابه على فيسبوك

التحقيق في ملابسات وفاة ممثل مصري

تباشر النيابة العامة المصرية التحقيق في وفاة الفنان تامر ضيائي إثر سقوطه بعد مشاجرة مع أحد أفراد الأمن بمستشفى لعلاج الأورام التابعة لجامعة القاهرة.

أحمد عدلي (القاهرة)

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)

عاجل الجيش الإسرائيلي يطالب سكان غزة بإخلاء المناطق الشرقية من مدينة خان يونس قبل عملية كبيرة