الأحياء الشعبية في مصر تتخفف من كآبة عزلة «كورونا» بزينة رمضان

فوانيس خشبية وألوان مبهجة أضاءت غالبية شوارعها

مصريون يتمسكون بتعليق زينة رمضان رغم أجواء العزلة (تصوير: عبد الفتاح فرج)
مصريون يتمسكون بتعليق زينة رمضان رغم أجواء العزلة (تصوير: عبد الفتاح فرج)
TT

الأحياء الشعبية في مصر تتخفف من كآبة عزلة «كورونا» بزينة رمضان

مصريون يتمسكون بتعليق زينة رمضان رغم أجواء العزلة (تصوير: عبد الفتاح فرج)
مصريون يتمسكون بتعليق زينة رمضان رغم أجواء العزلة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

إذا كنت تسير في الشوارع الرئيسية الهادئة التي تضم عدداً كبيراً من المقاهي المميزة، والمطاعم الفاخرة، المظلمة والمغلقة في القاهرة، فلا تنخدع بهذه الأجواء؛ لأن ثمة شوارع فرعية أخرى تقاوم العزلة وتتمسك بالبهجة، رغم ما خلفته جائحة «كورونا».
ووسط أجواء الحجر المنزلي والعزل الذاتي التي فرضت نفسها على كل مناحي الحياة في مصر، صمدت عادة تعليق زينة رمضان ذات الألوان والأشكال المتنوعة، مانحة سكان الأحياء الشعبية في العاصمة المصرية، وعدد من مدن المحافظات الأخرى، الدفء والبهجة.

«تأخرنا كثيراً هذا العام في تعليق الزينة، بسبب الخوف من عدوى فيروس (كورونا) وتحذيرات وزارة الصحة، لكننا لم نستطع استقبال شهر رمضان من دون العادة التي تربينا عليها»، وفق محمد إبراهيم (40 سنة)، من سكان حي بولاق الدكرور في الجيزة (غرب القاهرة)، والذي يضيف لـ«الشرق الأوسط» قائلاً: «عندما كنت طفلاً صغيراً كنت أداوم كل عام على تعليق الزينة بشارعنا بالتعاون مع جيراننا. وهذا التقليد السنوي لم ينقطع رغم مرور السنوات وانشغالي بالعمل، إذ أورثتها لابني الذي شارك زملاءه هذا العام في شراء الزينة وتعليقها، في أجواء مبهجة تكون جاهزة قبل حلول شهر رمضان».
وبمبلغ يتراوح ما بين 10 و15 جنيهاً مصرياً (الدولار الأميركي يعادل 15.7 جنيه مصري) شاركت كل أسرة في دفع ثمن الزينة بأحد شوارع عزبة الشوربجي، الواقعة خلف مزارع كلية الزراعة في جامعة القاهرة، وفق إبراهيم.
وتغطي الزينة الملونة أسقف الشوارع الضيقة التي تتمتع بأجواء من الألفة بين السكان، وتكاد تحجب أشعة الشمس عنها في النهار بسبب كثافتها؛ لكنها في المساء تساهم في إنارة الشوارع بفضل المصابيح التي تعلق فيها بشكل متناسق. كما أن تعليق زينة رمضان ليس أمراً عشوائياً ولا يخضع للأهواء الفردية؛ بل تحكمه ترتيبات وخطط مسبقة، ومنافسة شريفة بين سكان الشوارع والحارات المجاورة، بحسب إبراهيم الذي يقول: «يشعر البعض بالغيرة أحياناً، ويحاول تقليد سكان آخرين سبقوا بتعليق الزينة، أو بابتكار شكل معين، وبالتالي يكون موسم تعليق الزينة بمثابة تنافس مفتوح بين سكان شوارع المنطقة على أجمل زينة وأجمل شارع».

مشروعات تطوير المناطق الشعبية التي حرصت السلطات المصرية على تنفيذها العام الماضي في بعض الأحياء القديمة بالجيزة، على غرار تبليط الشوارع بأحجار «الإنتر لوك»، وإنارتها بمصابيح ليد حديثة، ساهمت بدورها في إضفاء مزيد من الجمال على الشوارع التي تستهوي كثيرين، باعتبارها روح العاصمة ومصدر قصصها الاجتماعية المتشابكة، التي تُلهم باستمرار كُتَّاب الرواية ومؤلفي المسلسلات التلفزيونية والأفلام السينمائية المصرية.
ورغم قرار محافظ الجيزة اللواء أحمد راشد حظر تعليق الزينة الكهربائية، من دون الحصول على الرخص اللازمة خلال شهر رمضان، فإن كثيراً من المواطنين لم يتخلوا عن ممارسة هذا التقليد السنوي، وعلَّقوا الزينة الكهربائية.
وترجع الدكتورة سوسن فايد، أستاذة علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، تمسك المصريين بتقاليد تعليق زينة رمضان، رغم أجواء الحجر المنزلي، إلى «محاولتهم تعويض الحرمان الذي خلَّفه وباء (كورونا) أخيراً، على غرار إغلاق المساجد، ومنع صلاة التراويح بها خلال شهر رمضان»، مشيرة إلى أن «تقليد زينة رمضان أصبح موروثاً شعبياً يرقى إلى حد التراث الذي يصعب الاستغناء عنه، رغم الأزمات». واقترحت تكثيف البرامج الدينية خلال شهر رمضان «لتعويض إغلاق المساجد، وتصحيح بعض المفاهيم الدينية».
وبسبب إجراءات الحظر والخوف من العدوى، لجأ كثير من تجار منطقة تحت الربع والخيامية في «القاهرة القديمة» إلى بيع منتجاتهم «أونلاين» أخيراً. كما تبيع محلات الخردة والأكسسوارات في مختلف المناطق زينة رمضان بأسعار متنوعة؛ حسب الجودة والخامة.
وعرفت مصر الاحتفال بشهر رمضان بهذا الشكل مع بداية الدولة الفاطمية حين كان يتم تزيين الشوارع بلافتات عليها شعارات الدولة واسم الحاكم، مع إنارة المساجد بالمسارج، ثم اتخذت شكلاً جديداً مع الفانوس، حتى تم استخدام الزينة في عصور لاحقة تطورت مع دخول الكهرباء إلى مصر.
ولا يقف ضيق ذات اليد أو الفقر حائلاً دون تعليق زينة رمضان في مصر. فقبل تصنيع زينة رمضان من مواد بلاستيكية شفافة، كان مصريون يستغلون الأوراق القديمة في صنع الزينة منها، إذ كان يتم قصها وتعليقها بخيوط قطنية؛ لكن الزينة البلاستيكية تصمد لفترة أطول في الشوارع قد تستمر شهوراً، بحسب إبراهيم.


مقالات ذات صلة

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

يوميات الشرق وحدها الثقة بمَن يعمل معهم تُخفّف الحِمْل (صور المخرج)

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

ينظر المخرج السوري سامر البرقاوي إلى ما قدَّم برضا، ولا يفسح المجال لغصّة من نوع «ماذا لو أنجرتُ بغير هذا الشكل في الماضي؟»... يطرح أسئلة المستقبل.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق تعبُ مصطفى المصطفى تجاه أن يكون الدور حقيقياً تسبَّب في نجاحه (صور الفنان)

مصطفى المصطفى: ننجح حين نؤدّي الدور لا وجهات نظرنا

اكتسبت الشخصية خصوصية حين وضعها النصّ في معترك صراع الديوك. بمهارة، حضن الديك ومنحه الدفء. صوَّره مخلوقاً له وجوده، ومنحه حيّزاً خاصاً ضمن المشهد.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

بين الوجوه ما يُنجِح الصورة من المحاولة الأولى، وبينها غير المهيّأ للتصوير. يتدخّل أحمد الحرك لالتقاط الإحساس الصحيح والملامح المطلوبة.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق الفنان المصري دياب حمل السلاح من أجل «مليحة» (الشرق الأوسط)

دياب: لن أجامل أحداً في اختيار أدواري

أكد الفنان المصري دياب أنه وافق على مسلسل «مليحة» ليكون بطولته الأولى في الدراما التلفزيونية من دون قراءة السيناريو، وذكر أنه تعلّم حمل السلاح من أجل الدور.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق استلهمت الكثير من نجمي العمل بسام كوسا وتيم حسن (إنستغرام)

فايا يونان لـ«الشرق الأوسط»: الشهرة بمثابة عوارض جانبية لا تؤثر عليّ

تابعت فايا يونان دورها على الشاشة الصغيرة في مسلسل «تاج» طيلة شهر رمضان. فكانت تنتظر موعد عرضه كغيرها من مشاهديه.

فيفيان حداد (بيروت)

الشماغ السعودي في ذروة مواسم بيعه

بائع يستعرض عشرات الأنواع من الشماغ الذي يبلغ أعلى مواسمه البيعية في آخر رمضان (الشرق الأوسط)
بائع يستعرض عشرات الأنواع من الشماغ الذي يبلغ أعلى مواسمه البيعية في آخر رمضان (الشرق الأوسط)
TT

الشماغ السعودي في ذروة مواسم بيعه

بائع يستعرض عشرات الأنواع من الشماغ الذي يبلغ أعلى مواسمه البيعية في آخر رمضان (الشرق الأوسط)
بائع يستعرض عشرات الأنواع من الشماغ الذي يبلغ أعلى مواسمه البيعية في آخر رمضان (الشرق الأوسط)

أفصح مختصون في نشاط صناعة واستيراد الشماغ السعودي عن بلوغ هذا الزي التقليدي الرسمي أعلى مواسم البيع السنوية، مسجلاً مبيعات تُقدَّر بنحو 900 مليون ريال سنوياً، كاشفين عن توجهات المستهلكين الذين يبرز غالبيتهم من جيل الشباب، وميلهم إلى التصاميم الحديثة والعالمية، التي بدأت في اختراق هذا اللباس التقليدي، عبر دخول عدد من العلامات التجارية العالمية على خط السباق للاستحواذ على النصيب الأكبر من حصة السوق، وكذلك ما تواجهه السوق من تحديات جيوسياسية ومحلية.
ومعلوم أن الشماغ عبارة عن قطعة قماش مربعة ذات لونين (الأحمر والأبيض)، تُطوى عادة على شكل مثلث، وتُلبس عن طريق وضعها على الرأس، وهي لباس تقليدي للرجال في منطقة الخليج العربي وبعض المناطق العربية في العراق والأردن وسوريا واليمن، حيث يُعد جزءاً من ثقافة اللبس الرجالي، ويلازم ملابسه؛ سواء في العمل أو المناسبات الاجتماعية وغيرها، ويضفي عليه أناقة ويجعله مميزاً عن غيره.
وقال لـ«الشرق الأوسط»، الرئيس التنفيذي لـ«شركة الامتياز المحدودة»، فهد بن عبد العزيز العجلان، إن حجم سوق الأشمغة والغتر بجميع أنواعها، يتراوح ما بين 700 و900 مليون ريال سنوياً، كما تتراوح كمية المبيعات ما بين 9 و11 مليون شماغ وغترة، مضيفاً أن نسبة المبيعات في المواسم والأعياد، خصوصاً موسم عيد الفطر، تمثل ما يقارب 50 في المائة من حجم المبيعات السنوية، وتكون خلالها النسبة العظمى من المبيعات لأصناف الأشمغة المتوسطة والرخيصة.
وأشار العجلان إلى أن الطلب على الملابس الجاهزة بصفة عامة، ومن ضمنها الأشمغة والغتر، قد تأثر بالتطورات العالمية خلال السنوات الماضية، ابتداءً من جائحة «كورونا»، ومروراً بالتوترات العالمية في أوروبا وغيرها، وانتهاء بالتضخم العالمي وزيادة أسعار الفائدة، إلا أنه في منطقة الخليج العربي والمملكة العربية السعودية، فإن العام الحالي (2023) سيكون عام الخروج من عنق الزجاجة، وسيشهد نمواً جيداً مقارنة بالأعوام السابقة لا يقل عن 20 في المائة.
وحول توجهات السوق والمستهلكين، بيَّن العجلان أن غالبية المستهلكين للشماغ والغترة هم من جيل الشباب المولود بين عامي 1997 و2012، ويميلون إلى اختيار التصاميم والموديلات القريبة من أشكال التصاميم العالمية، كما أن لديهم معرفة قوية بأسماء المصممين العالميين والماركات العالمية، لافتاً إلى أن دخول الماركات العالمية، مثل «بييركاردان» و«إس تي ديبون» و«شروني 1881» وغيرها إلى سوق الأشمغة والغتر، ساهم بشكل فعال وواضح في رفع الجودة وضبط المواصفات.
وأضاف العجلان أن سوق الملابس كغيرها من الأسواق الاستهلاكية تواجه نوعين من المشكلات؛ تتمثل في مشكلات جيوسياسية ناتجة عن جائحة «كورونا» والحرب الروسية الأوكرانية، ما تسبب في تأخر شحن البضائع وارتفاع تكاليف الشحن وارتفاع الأسعار بسبب التضخم وارتفاع أسعار الفائدة، بينما تتمثل المشكلات المحلية في انتشار التقليد للعلامات العالمية والإعلانات المضللة أحياناً عبر وسائل الاتصال الاجتماعي.
من جهته، أوضح ناصر الحميد (مدير محل بيع أشمغة في الرياض) أن الطلب يتزايد على الأشمغة في العشر الأخيرة من شهر رمضان من كل عام، ويبدأ الطلب في الارتفاع منذ بداية الشهر، ويبلغ ذروته في آخر ليلتين قبل عيد الفطر، مضيفاً أن الشركات تطرح التصاميم الجديدة في شهر شعبان، وتبدأ في توزيعها على منافذ البيع والمتاجر خلال تلك الفترة.
وأشار الحميد إلى أن سوق الأشمغة شهدت، في السنوات العشر الأخيرة، تنوعاً في التصاميم والموديلات والماركات المعروضة في السوق، وتنافساً كبيراً بين الشركات المنتجة في الجودة والسعر، وفي الحملات التسويقية، وفي إطلاق تصاميم وتطريزات جديدة، من أجل كسب اهتمام المستهلكين وذائقتهم، والاستحواذ على النصيب الأكبر من مبيعات السوق، واستغلال الإقبال الكبير على سوق الأشمغة في فترة العيد. وبين الحميد أن أكثر من نصف مبيعات المتجر من الأشمغة تكون خلال هذه الفترة، مضيفاً أن أسعارها تتراوح ما بين 50 و300 ريال، وتختلف بحسب جودة المنتج، والشركة المصنعة، وتاريخ الموديل، لافتاً إلى أن الشماغ عنصر رئيسي في الأزياء الرجالية الخليجية، ويتراوح متوسط استهلاك الفرد ما بين 3 و5 أشمغة في العام.