في مصر، كما هو الحال في الدول العربية والشرق الأوسط، يستعد المواطنون لاستقبال شهر رمضان، لكن هذا العام الأمر يختلف في ظل مواجهة فيروس كورونا المستجد وسط الكثير من الإجراءات الاحترازية والوقائية التي فرضتها حكومات الدول لمواجهة العدوى، والتي تمنع في المقابل التجمعات والزيارات، وهو أحد أشهر الطقوس الرمضانية التي يحافظ عليها المصريون.
ومع تطبيق حظر التجول، اضطرت الأسر المصرية إلى تمضية وقت أطول بعضها بصحبة بعض، وتغيير خطط رمضان هذا العام، بإلغاء التجمعات الأسرية الكبيرة والزيارات العائلية ودعوات الإفطار والسحور المتبادلة على مدار 30 يوماً.
فما كان من بعض السيدات إلا اللجوء إلى حيل لإضفاء روح من البهجة والاحتفال على البيوت، مثل تزيين المنزل بزينة رمضان والفوانيس، والتي يعتبرها المصريون طقساً مميزاً منذ حكم الفاطميين، إذ تشير دراسة تاريخية للمؤرخ إبراهيم عناني، إلى أن زينة رمضان عرفت في مصر منذ بداية الدولة الفاطمية، حين كان يطلق عليها «ليالي الوقود»، ويتم تزيين الشوارع بلافتات عليها شعارات الدولة واسم الحاكم مع إنارة المساجد بالمسارج.
وعبر مجموعات موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» المخصصة للسيدات فقط، واخرى مرتبطة بالطبخ والوصفاتالمنزلية، وضعت مجموعة من السيدات قائمة إفطار منوعة تتضمن مكونات ترفع المناعة لمواجهة الفيروس، في حين استنكر البعض سؤال إحدى السيدات عن العزائم، رافضات التجمعات العائلية التزاماً بقواعد الحجر المنزلي.
وتقول آية السعيد (26 سنة) لـ«الشرق الأوسط»: «اشتريت قماش خيامية ملوناً، وأعددت بعض الزينة البسيطة بالمنزل، بمشاركة أطفالي الصغار؛ حتى لا يشعروا بالفرق هذا العام، وأعددت ركناً في البيت من الألعاب تعويضاً لزوجي عن غلق المقاهي، حتى نمضي وقتاً ممتعاً في البيت بعيداً عن التكنولوجيا والسوشيال ميديا».
وعلقت سارة شعبان (32 سنة)، ربة منزل، فروعاً ملونة من الزينة في البيت بمشاركة طفلتها الصغيرة (6 سنوات)، في محاولة لكسر الملل خلال الحظر المنزلي.
وفرضت مصر، في مارس (آذار) الماضي، حظر تجول من السابعة مساءً حتى السادسة صباحاً، مع وقف كل وسائل النقل الجماعي العام والخاص خلال الفترة نفسها. وسبق ذلك حظر لجميع المحال التجارية والحرفية، والمراكز التجارية، ومحال تقديم الخدمات من الساعة الخامسة عصراً، مع الغلق الكامل يومي الجمعة والسبت من كل أسبوع. ويأتي هذا في ظل التدابير الوقائية والاحترازية التي اتخذتها مصر لمواجهة فيروس كورونا المستجد.
ومع إغلاق المساجد ودور العبادة في مصر يفقد المصريون أحد الطقوس المفضلة خلال شهر الصيام، بزيارة المساجد وأداء صلاة التراويح بها، وهو الأمر الذي تفتقده النساء أيضاً وليس الرجال فقط. وقد شددت وزارة الأوقاف المصرية من رقابتها على كل مساجد مصر، لتنفيذ قرارها بشأن تعليق صلاة الجمع والجماعات، مع غلق المساجد غلقاً تاماً.
وتقول ياسمين جلال (32 سنة، مهندسة): «سأفتقد بشدة صلاة التراويح في المسجد، لكننا سنقيم الشعائر في البيت. وكالعادة في رمضان، سنشتري فوانيس جديدة ونعلق الزينة بحثاً عن البهجة بصحبة زوجي، الذي جعله حظر التجول متعاوناً أكثر في المنزل، ويمضي وقتاً أطول مع أطفالنا وفي رعايتهم... ربما هذا من مميزات الفيروس». وعن التجمعات العائلية ذكرت جلال، أنها ستلجأ لتطبيقات التواصل الاجتماعي مع تجنب العزائم والتجمعات المباشرة.
وتحت شعار «ليس كل الحظر مملاً»، ذكرت أسماء فوزي (32 سنة)، وهي ربة منزل، أن الحجر المنزلي أتاح أمام زوجها فرصة تمضية وقت أطول مع طفلتهما الصغيرة، وأنهم تشاركوا معاً في إعداد الزينة وصنع فانوس رمضان من الورق المقوى، مع عمله من المنزل قالت «اتفقنا في يومي إجازته سيقوم بإعداد السحور».
وفي إحدى عواصم محافظات الدلتا المصرية (المنصورة)، يختلف الأمر قليلاً عن القاهرة، وفقاً لما قالت هبه فتحي (تربوية)، «في قريتنا الصغيرة يتكاتف شباب الحي يومياً في تعقيم الشوارع والبيوت، وقلّت الزيارات المنزلية خوفاً على كبار السن... وسنتجنب التجمعات الكبيرة في رمضان، لكننا حرصنا على شراء مستلزماته مثل كل عام، في الوقت الذي شهدت فيه الأسواق في القرية زحاماً شبه يومي».
وهو الأمر الذي أكدته رحاب عادل (ربة منزل) بقولها: «الأسواق مزدحمة رغم التحذيرات المتكررة عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي»، وعن استعدادها لشهر رمضان قالت «أول يوم في رمضان فقط سأزور والدي وبقية الشهر سنلتزم المنزل من دون زيارات، وهو أمر لم نكن نفعله من قبل. لكني مستمرة في عمليات التعقيم المنزلي اليومية، حتى مع تذمر زوجي أحياناً منها»، وأضافت: «هناك قلق مستمر نشعر به، حتى وقع الأغاني الرمضانية التي كنا نسمعها في الشوارع اختفت».
وتسيطر مخاوف التباعد الاجتماعي على ذهن إيناس مصطفى (محامية)، مع خوفها من الاختلاط، لكنها تفتقد تجمعات الأصدقاء والأهل وتستعيض عن ذلك بمجموعات تطبيق الرسائل «واتساب»، وقالت «سأتفرغ هذا العام للعبادة بعيداً عن المسلسلات، وخصصت زاوية صغيرة للصلاة مع فتياتي الصغار بعد أن علقنا الزينة، لكني أشعر بالقلق والخوف في ظل خطر العدوى».
ومثلها داليا خيري (ربة منزل) التي ذكرت أنها تفتقد الحماسة هذا العام وسط المحاذير المستمرة من العدوى. ومع توقيف رحلات الطيران بمعظم الدول العربية تقريباً، قالت خيري: «هذا العام سيمضي زوجي رمضان بمفرده بعيداً عن العائلة، لكني أحاول جاهدة أن أصنع أجواء من البهجة من أجل أطفالي».
وتستخدم فاطمة القاضي (ربة منزل)، تطبيق مكالمات الفيديو لمحادثة الأهل والعائلة، وقالت: «لأن والدتي تسكن معي في العقار نفسه، سنفطر معاً أول يوم رمضان، لكن مع الاستمرار في الاحتياطات الوقائية. وقمت بصحبة الأطفال بتزيين المنزل، لكن مع بداية رمضان سنصلي جماعة مع الأطفال ونحفظ القرآن تعويضاً عن زيارة المساجد».
وتخشي ريهام عبد القادر (مترجمة)، من زيارة ذويها الكبار في السن مع التزامها بالحجر المنزلي، وذكرت «خرجت منذ أسبوعين لشراء مستلزمات البيت؛ تجنباً للخروج قبل زيارة أسرتي خوفاً عليهم من نقل العدوى بأي شكل... لا شيء غير القلق هذا العام، غير أني ممتنة حالياً بصحبة الأصدقاء عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي».
واعتادت منى بزاري (مهندسة)، استقبال الجيران والأصدقاء في ليالي رمضان، إلا أنها تتخذ التدابير الوقائية وتكتفي بعائلتها الصغيرة حتى تمر الأزمة، وتقول: «حسّنت شرفة المنزل، وصنعت نافورة صغيرة من المياه ليستمتع زوجي وأولادي بالجلوس حولها في ليالي الشهر الفضيل».
وتسعى مصر جاهدة ومؤسسات الدولة لمواجهة فيروس كورونا، وناشد مجلس النواب المصريين «الالتزام بالتعليمات الصحية، وخاصة عدم الخروج من المنازل إلا للضرورة القصوى، وتقليل الاختلاط، وأخذ الأمر بجدية، وترشيد الاستهلاك، والابتعاد عن الشائعات». في حين أهابت النيابة العامة بالناس «الالتزام بالقوانين وما تصدره مؤسسات الدولة من قرارات وما تتخذه من إجراءات وقائية... كما أهابت بالتجار وأصحاب المحال عدم احتكار السلع والتلاعب بأسعارها».
وأعلنت وزارة الصحة والسكان المصرية أن العدد الذي تم تسجيله في مصر بفيروس كورونا المستجد حتى الأحد، هو 3144 حالة من ضمنها 732 حالة تم شفاؤها وخرجت من مستشفيات العزل، و239 حالة وفاة.