موسكو توسّع دور الجيش في مواجهة «كورونا» بعد قفزة بالإصابات

عمدة العاصمة الروسية يؤكد {تفادي سيناريو نيويورك}

تعقيم شوارع موسكو (رويترز)
تعقيم شوارع موسكو (رويترز)
TT

موسكو توسّع دور الجيش في مواجهة «كورونا» بعد قفزة بالإصابات

تعقيم شوارع موسكو (رويترز)
تعقيم شوارع موسكو (رويترز)

أمر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بتوسيع دور المؤسسة العسكرية في مواجهة تفاقم انتشار فيروس كورونا في البلاد، في ظل تسارع معدلات تفشي الوباء، وبروز مخاوف من وقوع «انفجار» يهدد قدرة المؤسسات الطبية على التعامل مع الموقف.
وطلب بوتين، السبت، من وزارة الدفاع، إعداد خطة بشأن إمكانية استخدام ما لدى القوات المسلحة الروسية من وسائل في مواجهة فيروس كورونا المستجد. وينتظر أن تقدم الوزارة، وفقاً لموقع «الكرملين»، حزمة اقتراحات حتى 22 أبريل (نيسان) الحالي، بشأن إمكانية إشراك القوات والوسائل الخاصة التابعة للجيش الروسي في مكافحة العدوى. كانت وزارة الدفاع أعلنت تشكيل فرقة خاصة، قوامها 10 آلاف عسكري، لمساعدة الأقاليم في مواجهة الوباء، كما خصّصت فرقة عسكرية لمساعدة العاصمة الروسية على فرض إجراءات العزل والمساهمة في بناء منشآت مسبقة الصنع لدعم القطاع الصحي.
وجاء التطور على خلفية القفزات الكبرى التي شهدتها روسيا في معدلات الانتشار خلال الأيام الأخيرة، وأعلن أمس مركز مكافحة الفيروس تسجيل 4785 إصابة جديدة وأكثر من 40 حالة وفاة، في زيادة يومية بنسبة تزيد عن 20 في المائة. وأعلنت وزارة الصحة توقعات متشائمة بشأن تواصل هذه المعدلات في الزيادة اليومية في غضون الأسبوعين المقبلين على الأقل. مع بروز مؤشرات إلى أن روسيا قد تبلغ الذروة في معدلات الانتشار في الأسبوع الأول من الشهر المقبل. وقال المركز، في بيان، إن أكبر عدد من الإصابات تم تسجيله في موسكو، حيث بلغ 2649 من إجمالي حصيلة الإصابات اليومية.
كما ثبتت إصابة 428 شخصاً في ضواحي موسكو، و139 شخصاً في مدينة سان بطرسبورغ.
وارتفع عدد المتوفين جراء فيروس كورونا، إلى 313 شخصاً. فيما أكّدت اللجنة تماثل 3057 شخصاً للشفاء منذ بدء تفشي الفيروس، وغادر 467 شخصاً المستشفيات، الجمعة. وعلى الرغم من المخاوف المتصاعدة، لكن عمدة موسكو سيرغي سوبيانين، وجه رسالة تطمين إلى الروس بأن «تطورات انتشار الفيروس لا تسير وفقاً للسيناريو الأسوأ، رغم أعداد الإصابات المتزايدة». وبرر المسؤول رأيه بأن روسيا كانت تخشى تكرار سيناريو نيويورك، نظراً للتشابه الكبير في عدد وتركيبة السكان في المدينتين، وأن هذا التطور غدا مستبعداً الآن. مع ذلك، بدت الاستعدادات تسير وفقاً لتوقعات أكثر تشاؤماً، وأصدر بوتين، أمس، أمراً آخر أوعز فيه للحكومة الروسية بضمان إعداد توقعات قصيرة المدى بشأن عدد المواطنين الذين قد يصيبون بالفيروس، وتسليم تقارير يومية خاصة بهذا الشأن إلى الكرملين. وجاء هذا القرار بسبب الخشية على وضع المؤسسات الطبية، بعدما كانت موسكو أعلنت الأسبوع الماضي أنها بدأت تعمل بطاقتها القصوى، ما يعني أن زيادات حادة في معدلات الانتشار قد تؤدي إلى بروز حال عجز فيها.
وأشار سوبيانين، في اجتماع حكومي ترأسه بوتين، إلى أن السيناريو الذي يتطور وفقه وضع تفشي «كورونا» في موسكو ليس الأسوأ، بفضل القيود المفروضة على تحركات المواطنين وإجراءات الحجر الصحي.
وصرح عمدة موسكو بأن نظام الرعاية الصحية في المدينة عاد للعمل بصورة اعتيادية، وحسب مخططات مسبقة، بعد تخصيص عشرات المستشفيات لمواجهة الفيروس، مؤكداً أن مستشفى وبائياً جديداً تم بناؤه على وجه السرعة للتعامل مع موجة المصابين الجدد سيفتح أبوابه اعتباراً من الاثنين.
إلى ذلك، أعلنت موسكو أنه تم إجراء أكثر من 1.8 مليون اختبار للكشف عن الفيروس بروسيا، وأن 132 ألف شخص ما زالوا تحت إشراف طبي بسبب الاشتباه بإصابتهم.
وأعلنت، أمس السبت، نتائج الأسبوع الأول من سياسة العزل الكامل الذي تم فرضه في موسكو، واستخدمت خلاله التصاريح الرقمية لتنقل المواطنين، ودلت النتائج إلى أنه تم تقليل حركة النقل في موسكو بأكثر من نصف مليون شخص، حسبما قال سوبيانين. وانخفض تدفق الركاب والسيارات بأكثر من 70 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
ووفقاً لعمدة العاصمة، فإن التدابير المعزولة للعزل الذاتي أعطت تأثيراً قوياً لمنع انفجار معدلات الإصابة بعدوى فيروس التاجية.


مقالات ذات صلة

صحتك فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية play-circle 01:29

فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية

فيروس تنفسي معروف ازداد انتشاراً

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أحد الأرانب البرية (أرشيفية- أ.ف.ب)

الولايات المتحدة تسجل ارتفاعاً في حالات «حُمَّى الأرانب» خلال العقد الماضي

ارتفعت أعداد حالات الإصابة بـ«حُمَّى الأرانب»، في الولايات المتحدة على مدار العقد الماضي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك تعلمت البشرية من جائحة «كورونا» أن لا شيء يفوق أهميةً الصحتَين الجسدية والنفسية (رويترز)

بعد ظهوره بـ5 سنوات.. معلومات لا تعرفها عن «كوفيد 19»

قبل خمس سنوات، أصيبت مجموعة من الناس في مدينة ووهان الصينية، بفيروس لم يعرفه العالم من قبل.

آسيا رجل يرتدي كمامة ويركب دراجة في مقاطعة هوبي بوسط الصين (أ.ف.ب)

الصين ترفض ادعاءات «الصحة العالمية» بعدم التعاون لتوضيح أصل «كورونا»

رفضت الصين ادعاءات منظمة الصحة العالمية التي اتهمتها بعدم التعاون الكامل لتوضيح أصل فيروس «كورونا» بعد 5 سنوات من تفشي الوباء.

«الشرق الأوسط» (بكين)

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟