27 مرشحا يتنافسون على رئاسة تونس.. والشارع منقسم بين السبسي والمرزوقي

شريحة كبيرة من الناخبين لا تمانع عودة رموز «النظام السابق» مقابل الأمن والكفاءة وهيبة الدولة

لافتة إعلانية للباجي قائد السبسي تحمل شعار هيبة الدولة في أحد شوارع تونس العاصمة أمس («الشرق الأوسط»)
لافتة إعلانية للباجي قائد السبسي تحمل شعار هيبة الدولة في أحد شوارع تونس العاصمة أمس («الشرق الأوسط»)
TT

27 مرشحا يتنافسون على رئاسة تونس.. والشارع منقسم بين السبسي والمرزوقي

لافتة إعلانية للباجي قائد السبسي تحمل شعار هيبة الدولة في أحد شوارع تونس العاصمة أمس («الشرق الأوسط»)
لافتة إعلانية للباجي قائد السبسي تحمل شعار هيبة الدولة في أحد شوارع تونس العاصمة أمس («الشرق الأوسط»)

هتفت شروق، وخديجة، وعمرهما 25 عاما، وزينب وعمرها 27 عاما: «بجبوج» في إشارة إلى القائد الباجي السبسي، بحماس وفرح، وهذا هو الاسم الذي يطلقه غالبية شباب تونس المتحمسين لرئيس الحكومة الأسبق، زعيم حزب نداء تونس والمرشح للانتخابات الرئاسية الباجي قائد السبسي.
سبب هتافهن، كان في جواب عن سؤال لهن عن المرشح المفضل ولمن سيصوتن. وقالت خديجة وهي خريجة كلية الفنون «السبسي رجل سياسة محنك، أثق فيه، له تجربة واسم في الداخل والخارج وهيبة رئيس».
أما شروق خريجة الهندسة، فقالت: إنها وبعد تجربة الرئيس السابق ترى أنه «فشل كليا في القيام بدوره كرئيس، فكيف سينجح بصلاحيات جديدة؟»، مضيفة أن «الظروف التي تمر بها البلاد، لا مجال فيها لإجراء التجارب». وأكدت: «نحن نحتاج لشخص مثل السبسي يتمتع بالتجربة، ولا أرى أي مشكل في الاستفادة من أسماء محسوبين على النظام السابق (نظام بن علي) ما داموا يعلمون ما يقومون به».
بالنسبة لزينب المتخصصة في المحاسبة والتي التحقت بشركة سياحية منذ وقت قصير فقد كان هاجسها مختلفا، فهي تهتم بتوفير الأمن أساسا، وشرحت: «أنا أساسا لا يهمني لا الرئيس ولا الحكومة، أريد أن أقود سيارتي بحرية، وأتنقل كما أريد وحيثما أريد وألبس ما أريد من دون أن يضايقني أحد».
وأضافت متذمرة «أصبحت الأمور لا تطاق منذ أكثر من سنتين ونحن نعاني، لا نستطيع الخروج على راحتنا، أو الاستمتاع بشبابنا، ولا مانع لدي حتى في أن يعود بن علي نفسه».
في المقابل، قال عادل وهو سائق سيارة أجرة في بداية الأربعينات من عمره بأن الرئيس التونسي الحالي المنصف المرزوقي، والمرشح للانتخابات الرئاسية التي تشهدها تونس يوم الأحد المقبل الموافق لـ23 من الشهر الجاري، هو الأنسب لتولي منصب رئيس الجمهورية، ولم يخف السائق حماسه الذي برره قائلا: «المرزوقي رجل حقوقي، له مركز دولي وعلاقات من المفترض أن نستفيد منها». كما أبدى السائق حنقه تجاه حركة «نداء تونس» التي يترشح عنها للرئاسة الباجي قائد السبسي قائلا: «إنهم تجمعيون (نسبة إلى حزب الرئيس السابق زين العابدين بن علي)، ومهما تخفوا وراء الأقنعة، لن نثق بهم ونرفض أن يستبلهوا الشعب».
وأضاف السائق: أنا أعمل بكل جهدي، من التاكسي (سيارة الأجرة)، والمقهى في المساء و(فيسبوك)، لدعم المرزوقي، ولن أسمح بعودة أزلام النظام القديم».
وبدا أن وراء موقف السائق ليس دعمه وإيمانه بالمرزوقي فحسب بل مخاوف انعكست من خلال قوله «أنا متأكد أنهم سيعودون (في إشارة لمن عملوا مع نظام بن علي سابقا).. للانتقام منا.. نحن الذين عرينا حقيقتهم».
أحد المسؤولين في الحكومة والذي طلب من «الشرق الأوسط» عدم ذكر اسمه وفي تقييمه للعملية الانتخابية في تونس وصفها بـ«الباردة»، وليست بحرارة «الانتخابات البرلمانية التي شهدتها البلاد في 26 من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي والتي فاز بها حزب «نداء تونس».
وعند سؤاله عن السبب، قال: «الكثير من الاتفاقات تجري (تحت الطاولة)، والجمهور لا يعلم بحقيقة الأمور». وأضاف بلهجة توحي بثقة كبيرة في مصادره «الأمور تتجه نحو التوصل إلى رئيس توافقي».
وتسير الأمور في الشارع التونسي بهدوء، وليس هناك انعكاس فعلي للحملة الرئاسية إلا عبر وسائل الإعلام، والندوات والتجمعات التي ينظمها المترشحون الـ27 في مختلف أنحاء البلاد، واللافتات الإشهارية في كل الشوارع.
ورغم الهدوء الظاهري فإن مواقع التواصل الاجتماعي والمنابر الإعلامية تشهد أجواء ساخنة جدا، لا تعكس عدد المترشحين الـ27 بل انقساما بين قطبين، وبشكل واضح وهما مؤيدو «نداء تونس» وبالتالي السبسي، ومن هم ضدهم والذين يبدو أنهم يراهنون على المرزوقي، كما يعكس الوضع سياسة «التصويت المفيد» التي جرى اعتمادها في الانتخابات التشريعية الشهر الماضي.
وفي خضم كل الأحداث يخيم شبح الإرهاب على الشارع التونسي، ويحتل حيزا كبيرا من مخاوف السياسيين «الجدد».



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.