توتر دبلوماسي فرنسي ـ صيني

باريس تلتحق بواشنطن ولندن في انتقاداتها لبكين

ماكرون ينتقد بكين لكنه يرغب في إقامة جبهة عالمية لمحاربة الوباء وهو في ذلك بحاجة للصين (رويترز)
ماكرون ينتقد بكين لكنه يرغب في إقامة جبهة عالمية لمحاربة الوباء وهو في ذلك بحاجة للصين (رويترز)
TT

توتر دبلوماسي فرنسي ـ صيني

ماكرون ينتقد بكين لكنه يرغب في إقامة جبهة عالمية لمحاربة الوباء وهو في ذلك بحاجة للصين (رويترز)
ماكرون ينتقد بكين لكنه يرغب في إقامة جبهة عالمية لمحاربة الوباء وهو في ذلك بحاجة للصين (رويترز)

حمي وطيس الجدل بين باريس وبكين في الساعات الأخيرة، ولم يتردد رئيس الجمهورية ووزير خارجيته في انتقاد الصين بشدة، بحيث اقتربت فرنسا من المواقف الأميركية والبريطانية إزاء الصين. وجاءت انتقادات إيمانويل ماكرون في إطار حديث لصحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية، فيما استفاد الوزير جان إيف لو دريان من جلسة مجلس النواب ليوجه سهامه لبكين. ثمة مأخذان لباريس على الصين: الأول تتشارك به مع واشنطن ولندن، وهو غياب «الشفافية» في الإفراج عن المعلومات الخاصة بوباء «كورونا فيروس». وقال ماكرون إن هناك «مناطق غامضة» في طريقة تعاطي الصين مع الوباء، مضيفاً أنه يتبين «بوضوح أن أشياء حصلت ونحن نجهلها». ودعا ماكرون، في المقابلة نفسها، إلى الابتعاد عن «السذاجة»، والاعتقاد أن «إدارة الصين لأزمة كورونا كانت أفضل» مما قامت به الدول الغربية. والمأخذ الثاني خاص بفرنسا والصين وحدهما، ويتناول نشر مقال خلافي على الموقع الرسمي للسفارة الصينية في باريس، بداية الأسبوع الحالي، تحت عنوان: «إعادة تصويب الحقائق المزيفة - ملاحظات دبلوماسي صيني في باريس».
وفي هذا المقال غير الموقع الذي تنسبه المصادر الفرنسية إلى لو شاي، السفير الصيني نفسه، «تمجيد» للانتصار الذي حققته الصين على الوباء، وتغنٍ بـ«تفوق» نظامها السياسي على الأنظمة الغربية التي هاجمها بسبب تنديدها بالتعاطي الصيني. ويخص المقال فرنسا بالانتقاد، إذ يشير إلى أن الجسم الطبي فيها «تخلى عن ممارسة واجباته في مقرات إيواء العجزة، وترك نزلاءها يموتون من الجوع والمرض». كذلك يتهم المقال الوسائل الإعلامية الغربية بالكذب والترويج للادعاءات الزائفة بشأن الصين. وكان الرد الفرنسي أن وزير الخارجية استدعى السفير الصيني للاحتجاج على ما جاء في المقال. وبلغة دبلوماسية، قال لو دريان للسفير إن «كوفيد-19» وباء يصيب القارات والمجتمعات كافة، وإزاء تبعاته على المجتمع والاقتصاد، فإن المشادات ليست في محلها، وفرنسا تعمل من أجل الوحدة والتضامن والتنسيق الدولي في مواجهة الفيروس. وترجمة هذا الكلام أن ما صدر عن الصين مجرد «هراء».
وتعد مصادر أوروبية أن ما يحصل بين باريس وبكين يعكس أمرين: الأول، الانزعاج الفرنسي مما تسميه «الدبلوماسية الصحية» الصينية التي تتوكأ على نجاح بكين في مواجهة الوباء لإظهار تفوق نظامها السياسي من جهة، ولتبيان أنها أصبحت المرجع الأول في العالم، بينما الديمقراطيات الليبرالية أخفقت في التعامل معه، والدليل على ذلك عشرات الآلاف من الضحايا التي تساقطت في البلدان الغربية. كذلك تعول الصين على «المساعدات الصحية» التي تقدمها لكثير من الدول، بمن فيها فرنسا وإيطاليا، وخصوصاً البلدان النامية، وبينها دول أفريقية، وهي تراهن على قطف ثمارها السياسية لاحقاً. ويتمثل الأمر الثاني في أن باريس أخذت تقترب من الموقفين الأميركي والبريطاني من الصين، مما يعني أن هناك موقفاً غربياً موحداً آخذاً بالظهور، عبر عنه مايك بومبيو وزير الخارجية الأميركي، أول من أمس، بقوله إن مجموعة السبع واثقة من أن بكين «قامت بحملة تضليل متعمدة» بشأن الوباء. ولب الانتقادات الغربية يتناول من جهة مصدر الفيروس (حيواني، مختبري)، ومدى انتشاره صينياً من جهة ثانية، وأخيراً تأخر بكين في إطلاع منظمة الصحة الدولية والدول الأخرى على المعلومات الخاصة بالوباء. وجاء تصحيح بكين المتأخر لأعداد الضحايا التي سقطت في مدينة يوهان ليزيد من الشكوك الغربية بصدق الرواية الصينية.
بيد أن التوتر الدبلوماسي الفرنسي - الصيني له أسباب أبعد، وأولها أن باريس، كما الولايات المتحدة الأميركية، متخوفة من الطموحات الصينية العسكرية في جنوب المحيط الهادي، حيث فرنسا موجودة من خلال جزيرة كاليدونيا الجديدة وجزر بولينيزيا الصغيرة التي يزيد عددها على المائة. كذلك، فإن باريس أخذت تشعر منذ سنوات بالمنافسة الصينية في أفريقيا، وتتخوف من مشاريع الصين الكبرى، مثل «طرق الحرير». إلا أنها، في الوقت عينه، بحاجة للصين من أجل توفير وسائل مكافحة الوباء، مثل الكمامات والفحوصات المخبرية وأجهزة التنفس الصناعي والأدوية. كذلك، فإن باريس راغبة، بشكل عام، في أن تكون شريكاً استراتيجياً للصين، اقتصادياً وتجارياً واستثمارياً وسياحياً وعلمياً. ووعد ماكرون بأن يزور الصين سنوياً، حيث الشركات الفرنسية موجودة بقوة، وحيث نقلت إليها كثيراً من مصانعها وشركاتها، ثم إن باريس لا تستطيع تجاهل ثاني أكبر اقتصاد في العالم، ولا الوزن المتنامي للصين في المؤسسات الدولية. من هنا، فإن باريس تسعى للمحافظة على موقف متوازن، بحيث تقترب شيئاً ما من واشنطن، ولكن من غير الابتعاد كثيراً عن الصين. ونقل عن مصادر الإليزيه، أمس، أن ماكرون «لم يكن يستهدف الصين مباشرة، بل ندد فقط بالأنظمة التي تمنع سريان الإعلام الحر»، فيما يبدو أنه محاولة لتبريد الأجواء مع بكين.
ولعل ما يحث الرئيس الفرنسي على اعتماد الاعتدال بعد الانتقادات الحادة أنه يحتاج اليوم للصين من أجل إنجاح المبادرتين اللتين يريد إطلاقهما: الأولى دبلوماسية، وعنوانها مؤتمر عن بعد للدول الخمس الأعضاء في مجلس الأمن الدولي من أجل التوصل إلى هدنة في البؤر العالمية المتوترة، وأعلن مؤخراً أن الصين جاهزة للسير في المبادرة. والثانية رغبته في إقامة جبهة عالمية لمحاربة الوباء، وهو في ذلك بحاجة للصين.


مقالات ذات صلة

بعد ظهوره بـ5 سنوات.. معلومات لا تعرفها عن «كوفيد 19»

صحتك تعلمت البشرية من جائحة «كورونا» أن لا شيء يفوق أهميةً الصحتَين الجسدية والنفسية (رويترز)

بعد ظهوره بـ5 سنوات.. معلومات لا تعرفها عن «كوفيد 19»

قبل خمس سنوات، أصيبت مجموعة من الناس في مدينة ووهان الصينية، بفيروس لم يعرفه العالم من قبل.

آسيا رجل يرتدي كمامة ويركب دراجة في مقاطعة هوبي بوسط الصين (أ.ف.ب)

الصين ترفض ادعاءات «الصحة العالمية» بعدم التعاون لتوضيح أصل «كورونا»

رفضت الصين ادعاءات منظمة الصحة العالمية التي اتهمتها بعدم التعاون الكامل لتوضيح أصل فيروس «كورونا» بعد 5 سنوات من تفشي الوباء.

«الشرق الأوسط» (بكين)
آسيا رجل أمن بلباس واقٍ أمام مستشفى يستقبل الإصابات بـ«كورونا» في مدينة ووهان الصينية (أرشيفية - رويترز)

الصين: شاركنا القدر الأكبر من بيانات كوفيد-19 مع مختلف الدول

قالت الصين إنها شاركت القدر الأكبر من البيانات ونتائج الأبحاث الخاصة بكوفيد-19 مع مختلف الدول وأضافت أن العمل على تتبع أصول فيروس كورونا يجب أن يتم في دول أخرى

«الشرق الأوسط» (بكين)
الاقتصاد أعلام تحمل اسم شركة «بيونتيك» خارج مقرها بمدينة ماينتس الألمانية (د.ب.أ)

«بيونتيك» تتوصل إلى تسويتين بشأن حقوق ملكية لقاح «كوفيد»

قالت شركة «بيونتيك»، الجمعة، إنها عقدت اتفاقيتيْ تسوية منفصلتين مع معاهد الصحة الوطنية الأميركية وجامعة بنسلفانيا بشأن دفع رسوم حقوق ملكية للقاح «كوفيد».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
العالم تراجعت أعداد الوفيات من جراء الإصابة بفيروس كورونا على نحو مطرد (أ.ف.ب)

الصحة العالمية تعلن عن حدوث تراجع مطرد في وفيات كورونا

بعد مرور نحو خمس سنوات على ظهور فيروس كورونا، تراجعت أعداد الوفيات من جراء الإصابة بهذا الفيروس على نحو مطرد، وذلك حسبما أعلنته منظمة الصحة العالمية في جنيف.

«الشرق الأوسط» (جنيف)

«أكسيوس»: بايدن ناقش خططاً لضرب المواقع النووية الإيرانية

الرئيس الأميركي جو بايدن (رويترز)
الرئيس الأميركي جو بايدن (رويترز)
TT

«أكسيوس»: بايدن ناقش خططاً لضرب المواقع النووية الإيرانية

الرئيس الأميركي جو بايدن (رويترز)
الرئيس الأميركي جو بايدن (رويترز)

قدّم مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان للرئيس جو بايدن خيارات لـ«هجوم أميركي محتمل» على المنشآت النووية الإيرانية، إذا «تحرك الإيرانيون نحو امتلاك سلاح نووي» قبل موعد تنصيب دونالد ترمب في 20 يناير (كانون الثاني).

وقالت ثلاثة مصادر مطّلعة لموقع «أكسيوس» إن سوليفان عرض تفاصيل الهجوم على بايدن في اجتماع - قبل عدة أسابيع - ظلت تفاصيله سرية حتى الآن.

وقالت المصادر إن بايدن لم يمنح «الضوء الأخضر» لتوجيه الضربة خلال الاجتماع، و«لم يفعل ذلك منذ ذلك الحين». وناقش بايدن وفريقه للأمن القومي مختلف الخيارات والسيناريوهات خلال الاجتماع الذي جرى قبل شهر تقريباً، لكن الرئيس لم يتخذ أي قرار نهائي، بحسب المصادر.

وقال مسؤول أميركي مطّلع على الأمر إن اجتماع البيت الأبيض «لم يكن مدفوعاً بمعلومات مخابراتية جديدة ولم يكن المقصود منه أن ينتهي بقرار بنعم أو لا من جانب بايدن».

وكشف المسؤول عن أن ذلك كان جزءاً من مناقشة حول «تخطيط السيناريو الحكيم» لكيفية رد الولايات المتحدة إذا اتخذت إيران خطوات مثل تخصيب اليورانيوم بنسبة نقاء 90 في المائة قبل 20 يناير (كانون الثاني).

وقال مصدر آخر إنه لا توجد حالياً مناقشات نشطة داخل البيت الأبيض بشأن العمل العسكري المحتمل ضد المنشآت النووية الإيرانية.

وأشار سوليفان مؤخراً إلى أن إدارة بايدن تشعر بالقلق من أن تسعى إيران، التي اعتراها الضعف، إلى امتلاك سلاح نووي، مضيفاً أنه يُطلع فريق ترمب على هذا الخطر.

وتعرض نفوذ إيران في الشرق الأوسط لانتكاسات بعد الهجمات الإسرائيلية على حليفتيها حركة «حماس» الفلسطينية وجماعة «حزب الله» اللبنانية، وما أعقب ذلك من سقوط نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا.

وقال سوليفان لشبكة «سي إن إن» الأميركية: «القدرات التقليدية» لطهران تراجعت؛ في إشارة إلى ضربات إسرائيلية في الآونة الأخيرة لمنشآت إيرانية، منها مصانع لإنتاج الصواريخ ودفاعات جوية. وأضاف: «ليس من المستغرب أن تكون هناك أصوات (في إيران) تقول: (ربما يتعين علينا أن نسعى الآن لامتلاك سلاح نووي... ربما يتعين علينا إعادة النظر في عقيدتنا النووية)».

وقالت مصادر لـ«أكسيوس»، اليوم، إن بعض مساعدي بايدن، بمن في ذلك سوليفان، يعتقدون أن ضعف الدفاعات الجوية والقدرات الصاروخية الإيرانية، إلى جانب تقليص قدرات وكلاء طهران الإقليميين، من شأنه أن يدعم احتمالات توجيه ضربة ناجحة، ويقلل من خطر الانتقام الإيراني.

وقال مسؤول أميركي إن سوليفان لم يقدّم أي توصية لبايدن بشأن هذا الموضوع، لكنه ناقش فقط تخطيط السيناريو. ورفض البيت الأبيض التعليق.