وصلنا إلى حالة من التوازن النسبي أخيرا، بعد فترة من الانتقادات اللاذعة التي وُجهت إلى أندية كرة القدم في إنجلترا لاستخدامها الخطة التي طرحتها الحكومة للاحتفاظ بالوظائف للمساهمة في دفع رواتب بعض الموظفين والعاملين خلال فترة توقف المباريات والمنافسات الرياضية بسبب تفشي فيروس «كورونا». وقد حذر وزير الثقافة، أوليفر دودن، بعض أندية الدوري الإنجليزي الممتاز من أن هذه الخطة الحكومية ليست لهم، في الوقت الذي اتهم فيه زميله النائب المحافظ جوليان نايت الأندية بالعمل في «فراغ أخلاقي» من خلال التوقف عن دفع رواتب العاملين بينما لا تزال تدفع الرواتب الفلكية للاعبين.
وسُئل وزير الخزانة البريطاني، ريشي سوناك، في مؤتمر صحافي عقدته الحكومة عن تداعيات فيروس «كورونا»، عن التقارير التي تفيد بأن الشركات البريطانية يمكن أن تتوقف عن دفع رواتب تسعة ملايين شخص خلال هذه الأزمة - حيث ستدفع الحكومة 80 في المائة من أجر العامل بحد أقصى 2500 جنيه إسترليني شهريا، وهو ما يمكن أن يكلف الخزانة العامة للدولة 40 مليار جنيه إسترليني في ثلاثة أشهر.
ولم يرد سوناك بالقول - كما فعل دودن بشأن أندية كرة القدم - إن هذه الخطة الحكومية لا تشمل العمال والموظفين الذين يعملون لدى هيئات ومؤسسات يملكها مليارديرات، كما لم يقل إن هذه الخطة يجب أن تكون هي الملاذ الأخير. ولم يقل سوناك - كما فعل نايت بشأن كرة القدم - إنه إذا كانت الشركات لا تزال تدفع للموظفين الآخرين أجوراً أعلى بكثير، فإنها تعاني من «فراغ أخلاقي».
بل على العكس من ذلك، قال سوناك إن هذه الخطة الحكومية قد وضعت في الأساس بهدف حماية جميع الشركات المتضررة بشكل خطير خلال هذه الفترة غير المسبوقة من توقف جميع الأنشطة، من أجل منع تسريح الملايين من الناس. وقال سوناك: «لقد وضعنا هذه الخطة حتى لا يتم تسريح الناس من وظائفهم، وحتى يمكنهم الحصول على دخل جيد للتغلب على هذه الأوقات الصعبة، ولكي يظلوا مرتبطين بشركتهم وصاحب عملهم. وإذا انتهى الأمر باستخدام هذه الخطة على نطاق واسع فإنني أعتقد أن هذا يعد دليلا على نجاحها».
وتبدو أندية نيوكاسل يونايتد وتوتنهام هوتسبير وليفربول، المملوكة لمايك آشلي وجو لويس ومؤسسة «فينواي سبورتس غروب» التابعة لجون هنري على التوالي، كمجموعة للحالات الأقل استحقاقا للاعتماد على هذه الخطة الحكومية، نظرا لأن من يملكون هذه الأندية هم من أصحاب المليارات، ولم يفكروا في دعم أجور الموظفين والعاملين من خلال تقليص الرواتب الفلكية التي يحصل عليها اللاعبون، وبالتالي بات يتم تصويرهم على أنهم ينقضون بلا مبرر للحصول على المال العام. وأشار النقاد إلى أن ليفربول دفع لوكلاء اللاعبين 44 مليون جنيه إسترليني العام الماضي، وحقق أرباحا بقيمة 42 مليون جنيه إسترليني، ويدفع أجورا بقيمة 310 ملايين جنيه إسترليني، لكنه رغم ذلك كان يريد التوقف عن دفع أجور العاملين في المحلات التجارية والأعمال الإدارية داخل النادي أثناء فترة توقف النشاط الرياضي. وبعد ليفربول وتوتنهام بات نيوكاسل الوحيد بين أندية الدوري الممتاز الذي لا يزال يعتزم الاستفادة من الأموال الحكومية لدفع رواتب موظفيه غير اللاعبين.
إن حصول اللاعبين على مبالغ فلكية يوضح هذا التناقض الصارخ، وبالتالي شعر العديد من أنصار ليفربول بأن سمعة ناديهم بدأت تتأثر سلبيا. أما فيما يتعلق بمسألة تخفيض أجور اللاعبين، فيجب الإشارة إلى أن هؤلاء اللاعبين قد تم توظيفهم كأصول لدى الأندية التي يمكنها بيعهم في أي وقت، لكن عقود هؤلاء اللاعبين محمية؛ فإذا تم تخفيض رواتبهم فيحق لهم الانتقال إلى أي مكان آخر مجانا. وفي الوقت الحالي، يتم الإشادة باللاعبين لمساهمتهم في الأعمال الخيرية من خلال مبادرة «لاعبون متحدون»، التي تم إطلاقها بعد المحادثات بين قادة الأندية العشرين، لكن هذا الأمر لا علاقة له بقضية تخفيض الأجور. ومع ذلك، لم يتم الاتفاق على أي شيء في هذه الأندية.
ويمكن توجيه انتقادات مماثلة للعديد من الشركات الكبرى التي تحقق أرباحا كبيرة، لكن هذه الخطة الحكومية لم يتم وضعها لتكون بمثابة اختبار أخلاقي للبعض أو لتكون وصمة عار للبعض الآخر. وقال سوناك إنه يتعين على أندية كرة القدم وجميع الشركات الاعتماد على هذه الخطة بشكل مسؤول، لكنه لم يطلب على وجه التحديد من مالكي الشركات أو الموظفين الذين يتقاضون أجوراً أعلى دفع أجور الموظفين، ولم يطلب من الشركات أن تثبت أنها لا تملك المال لكي تستفيد من هذه الخطة الحكومية.
إن حجة دودن بأن هذه الخطة الحكومية تم وضعها لمساعدة الشركات المتعثرة، وليس تلك المملوكة لأصحاب المليارات، هي حجة خاطئة، نظرا لأن بعض الشركات البريطانية الكبرى تعتمد على هذه الخطة بشكل كبير. وعلاوة على ذلك، يتم دعم هذه الشركات من قبل النقابات العمالية، التي تم الاستعانة برأيها قبل وضع هذه الخطة وعبرت عن شعورها بالارتياح لأن هذه الخطة ستساعد الناس على الاستمرار في العمل وعلى الحصول على أجورهم التي تمكنهم من العيش.
ولنضرب مثلاً واحداً فقط، وهو مجموعة الخطوط الجوية الدولية، المالكة للخطوط الجوية البريطانية، التي تكلف الحكومة ملايين عديدة من الجنيهات، بعدما أعلنت أنها لن تكون قادرة على الوفاء بالتزاماتها لدفع رواتب 30 ألف موظف. وحققت مجموعة الخطوط الجوية الدولية العام الماضي مبيعات بقيمة 23 مليار جنيه إسترليني، وحققت أرباحا بقيمة ملياري جنيه إسترليني بعد الضرائب ودفعت لحملة الأسهم 630 مليون جنيه إسترليني. ومع ذلك، لم يخرج وزير حكومي لينتقد هذه الشركة العملاقة لاعتمادها على الخطة الحكومية، أو يشكو من أن الكثير من أموال الحكومة البريطانية تُقدم لدفع مرتبات موظفيها. ورحبت النقابة العمالية «يونايت ذا يونيون» بهذه الخطة، قائلة: «هذا ما يمكن وما يجب القيام به لحماية العمال».
وعلى الرغم من أن هذه الخطة هي عبارة عن منحة وليست قرضا، فإنه يجب استعادة المال العام عندما تنتهي الأزمة، وسيتعين على الشركات والموظفين، بما في ذلك لاعبو كرة القدم، المساهمة في دفع هذه الأموال من خلال دفع ضرائب أعلى إذا رأت الحكومة أن ذلك ضروري. على الرغم من ذلك، تعرض نادي ليفربول لانتقادات قوية بعد إعلانه عن أنه سيعتمد على هذه الخطة الحكومية في دفع رواتب العاملين والموظفين بالنادي، قبل أن يتراجع عن هذا القرار. وعبر الرئيس التنفيذي للنادي، بيتر مور، عن أسفه وألغى هذا القرار. ومع ذلك، وبعد تراجع ليفربول عن هذا القرار، عبر النائب العمالي ومشجع ليفربول، إيان بيرن، عن «قلقه العميق»، وكتب لدودن يقول إن وصمة العار التي تلحق بالأندية التي تعتمد على الخطة الحكومية لدفع رواتب العاملين لديها من شأنها أن تثني الأندية الأخرى عن حماية سبل عيش الناس باستخدام هذه الخطة. وكتب بيرن: «يتعين علينا أن نتوقف عن انتقاد أندية كرة القدم التي تعتمد على الخطة الحكومية التي يحق لها الاعتماد عليها في ظل الظروف الحالية، وأن نتأكد من أن البيانات الإعلامية الحكومية لا تساهم في ذلك».
أما بالنسبة لنايت، فقد أخبر ممثل للعديد من كبار اللاعبين صحيفة «الأوبزيرفر» أنهم كانوا على علم بأن نايت قد كتب كتابا في عام 2004 يقدم فيه نصائح للهروب من دفع الضرائب، بما في ذلك اقتراح بأن يفكر الناس في الهجرة لتجنب دفع ضريبة الميراث. وقال وكيل اللاعبين إن لاعبيه، الذين يدركون تماما أنهم يدفعون ضرائب بملايين الجنيهات، لم يتفهموا الأسباب التي تدفع نايت لاتهام كرة القدم بأنها تعيش في «فراغ أخلاقي»، مشيرين إلى أنهم لا يرون أن نايت يمتلك المؤهلات التي تمكنه من أن يكون نائبا بالبرلمان. وأخبرت «الأوبزيرفر» نايت بهذه التصريحات بعد أن أصدر بيانا آخر الأسبوع الماضي وصف فيه الدوري الإنجليزي الممتاز بأنه «مضحك»، قائلاً إن الأندية لا يتعين عليها أن تعتمد على الخطة الحكومية لدفع رواتب موظفيها، لكن نايت لم يرد على هذه التصريحات.
الانتقادات الموجهة للأندية الإنجليزية بسبب اعتمادها على الدعم الحكومي خاطئة
الخطة وضعت لمساعدة الشركات المتعثرة والمملوكة أيضاً لأصحاب المليارات
الانتقادات الموجهة للأندية الإنجليزية بسبب اعتمادها على الدعم الحكومي خاطئة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة