مفوض «أونروا» لـ«الشرق الأوسط»: دورنا ضروري في غياب الحل السياسي

لازاريني أكد سعيه إلى إعادة ثقة الدول المانحة... وأهمية التوحد ضد «كورونا»

فيليب لازاريني
فيليب لازاريني
TT

مفوض «أونروا» لـ«الشرق الأوسط»: دورنا ضروري في غياب الحل السياسي

فيليب لازاريني
فيليب لازاريني

لم يمض أكثر من ثلاثة أسابيع على تسلم فيليب لازاريني منصب المفوض العام الجديد لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى. السويسري الأممي في جعبته أكثر من 30 عاما من الخبرة في مجالات المساعدة الإنسانية والتنسيق الدولي في مناطق النزاع ومناطق ما بعد النزاع. تولى مناصب أممية وفي القطاع الخاص أخذته إلى غزة والقدس الشرقية ولبنان وغيرها، إلا أن منصب إدارة منظمة سبعينية كهلة قد يكون التحدي الأكبر الذي يواجه لازاريني اليوم.
شح التمويل، وغياب الدعم، ووباء عالمي، حواجز ثلاثية تقف في وجه مهمة «الأونروا» التي تعمل منذ تأسيسها على توفير حقوق اللاجئين الفلسطينيين الأساسية. من مكتبه في العاصمة اللبنانية بيروت، استطاعت «الشرق الأوسط» أن تكسب ساعة من وقته بين اجتماعاته الملحة. عبر الفيديو كونفراس، شرح لازاريني في أول مقابلة رسمية له مع أي وسيلة إعلامية منذ تسلم منصبه أبرز إجراءات المنظمة في الوضع الراهن للتعامل مع «كورونا». كما قال إن مهمة المنظمة «واضحة جدا، وستظل فاعلة في ظل غياب حل سياسي يشمل ملف اللاجئين الفلسطينيين وحلا عادلا لمحنتهم». وأكد أن «الهدف الحالي هو إعادة ثقة الدول المانحة وشركاء المنظمة من أجل التعامل مع التحديات الاقتصادية وتحسين صورة (أونروا) التي تلعب دورا إيجابيا وهي جزء من الحل».
وفيما يلي نص الحوار:

> كيف تعاملت «الأونروا» مع جائحة كورونا في مختلف المناطق التي تغطيها المنظمة خصوصا في مخيمات اللجوء المكتظة؟
- أعبر عن انبهاري بطريقة تعامل المنظمة مع وباء «كوفيد - 19» التي لا تزال توفر جميع الخدمات التي كانت توفرها في الظروف العادية. مراكزنا الصحية لا تزال تعمل، لكننا طلبنا من الناس عدم القدوم والاتصال بالهاتف لتلقي الإرشادات الصحية. وفي الحالات التي تتطلب أدوية، نقوم بتوصيلها للمنازل. ذلك ينطبق أيضا على دعم المواد الغذائية، كانت قبل «كورونا» من خلال مراكز معينة، لكن الآن يتم توصيل المستلزمات للمنازل مباشرة. أما في مجال التعليم، قامت المنظمة باستمرار التدريس بسرعة فائقة للتعليم عن بعد. لكن ذلك يضع أمام المنظمة تحديات جديدة مثل الحاجة للأجهزة التقنية، لكنها تحاول توفير التعليم لجميع الطلاب. تقوم المنظمة بتطهير وتعقيم المخيمات. ويتم التعامل مع الحالات المحتملة بدقة باتباع سياسة الدول التي تعمل «الأونروا» فيها. ففي بيروت قمنا بتحويل مركز للأونروا إلى مقر للحجر الصحي للاجئين فلسطينيين أصيبوا بالفيروس سوف يتم افتتاحه قريبا. المنظمة أثبتت مرونة في التعامل مع الوباء والإبقاء على توفير الخدمات للاجئين الفلسطينيين.
> هناك دعوات لإسرائيل لأن تكون أكثر تعاونا مع المنظمة خلال الأزمة. هل هناك جهود حالية لزيادة هذا النوع من التعاون لمواجهة «كورونا»؟
«كوفيد - 19» لا يعرف الحدود. وهنالك حاجة ملحة للتنسيق والتعاون. هنالك تعاون قائم بالفعل خصوصا في قطاع غزة المكتظ، ما يقلقنا أن يتفشى الوباء في مخيمات اللجوء. لم نعد نفرق في غزة في توزيع المساعدات والدعم الطبي بين لاجئ ومواطن، بل نوفر خدماتنا لجميع السكان. يتم اتخاذ إجراءات صارمة في عزل الإصابات في غزة حاليا لاحتواء الوباء.
> انتقد تجمع لجان الأحياء في مخيم عين الحلوة إجراءات «الأونروا» بحجة نقص التمويل داعين إياها لتحمل مسؤولياتها في ظل الأزمة الاقتصادية التي تطال اللاجئين الفلسطينيين في المخيم. ما هي خطتكم لزيادة الدعم في مخيمات اللجوء الفلسطينية بكل من لبنان وسوريا خلال الجائحة؟
- يجب وضع كل آلية استجابة للوباء في سياقها. لبنان بالفعل يمر بأزمة اقتصادية تؤثر على جميع السكان، عدد الذين يعيشون تحت خط الفقر يتزايد بوتيرة سريعة، وذلك يؤثر على اللاجئين الفلسطينيين بالطبع خصوصا في ظل «كوفيد - 19»، القشة التي قصمت ظهر البعير. المنظمة استطاعت إلى الآن الحفاظ على الأنشطة التي توفر شبكة ضمان اجتماعي، لكننا نخطط إطلاق نداء استغاثة للبنان تشمن اللاجئين الفلسطينيين لتغطية حاجاتهم الاقتصادية الأساسية. الوضع مماثل في سوريا أيضا المتأثرة بعقد من الحرب. «كوفيد - 19» ضاعف من معاناة السكان هناك، ونحن نعمل عكس اتجاه عقارب الساعة لتعبئة المزيد من المصادر للاستجابة إلى حاجات اللاجئين.
هل هنالك مخاوف من أن تقوم بعض الدول المستضيفة باستغلال أزمة «كوفيد - 19» لعزل اللاجئين الفلسطينيين عن المجتمع المحلي؟
ليس لدي أي سبب من التخوف من ذلك في الوقت الراهن، حتى هذه اللحظة يتم التعامل بإجراءات القضاء على الفيروس في المخيمات، مثل خارجها.
> توليت مناصب سابقة في المنطقة منحتك خبرة خصوصا في مناطق مثل القدس وغزة وغيرها. ما أبرز الأهداف التي تود تحقيقها بعد تسلم هذا المنصب، علما بأن المنظمة تعاني من شح في التمويل؟
- أتسلم منصبي وهذه المسؤولية في وقت تعاني فيه المنظمة بالفعل من تحديات كثيرة غير مسبوقة. مثل التحديات في التمويل، وأيضا التحدي القائم سياسيا إذ تتم حاليا مساءلة سمعة وكيان المنظمة. للمنظمة مهمة ومسؤوليات واضحة تعمل على تلبيتها، بطريقة غير سياسية. وأعتقد الهدف الحالي هو إعادة ثقة الدول المانحة وشركاء المنظمة من أجل التعامل مع التحديات الاقتصادية وتحسين صورة «الأونروا» التي تلعب دورا إيجابيا وهي جزء من الحل. ولا بد من دعم اللاجئين الفلسطينيين والدفاع عن حقوقهم طبقا لبنود أجندة 2030 لمحاربة الفقر التي صادق عليها جميع أعضاء المجتمع الدولي.
> ما طبيعة علاقة «الأونروا» مع الدول المستضيفة التي تعمل داخلها مثل الأردن وفلسطين وسوريا ولبنان؟
- الدول المستضيفة تبدي دعمها المتجدد للمنظمة وتتوقع منها أن تلبي مسؤولياتها وفق مهمتها الواضحة. معظم الدول المستضيفة ترى أن المنظمة تلعب دورا أيضا في الاستقرار الاجتماعي.
> هل هنالك أي بوادر لزيادة الدعم المالي للمنظمة من قبل الشركاء والدول المانحة؟
- لقد تسلمت منصبي الجديد قبل أقل من ثلاثة أسابيع، ولم تسنح لي فرصة التواصل بعد مع جميع الشركاء والمانحين. إلا أن وضع المنظمة المالي مقلق بالتأكيد، وإن أردنا تطوير رؤية موحدة للأونروا، فلن يكون منطقي أن نعاني كل شهر من شح التمويل ونعيش قلق عدم القدرة على توفير الخدمات للاجئين جراء تردي الأوضاع المالية. كان عام 2019 بالتحديد صعبا جدا على المنظمة، وباشرنا العمل في عام 2020 بميزانية ضئيلة جدا، كما فاقم وباء «كورونا» التحديات. سيكون تركيزي الآن على التواصل مع المانحين ومع الدول العربية والدول الأوروبية في محاولة زيادة الدعم والعمل على تطوير رؤية طويلة الأمد للمنظمة. قمنا بتطوير بنود مهمتنا بالتعاون مع الجمعية العامة في نوفمبر (تشرين الثاني) المنصرم، ونحن بحاجة للتمويل لتلبية البنود المعدلة.
> تأسست «الأونروا» لتكون شاهدة على معاناة اللاجئين الفلسطينيين على مدار 7 عقود، ولتوفير حقوقهم. هل ترى أن المنظمة هي تأكيد على حق عودة الفلسطينيين؟
مع تأسيسها، جرى منح المنظمة رسالة واضحة مع بنود وأهداف، وبعد 70 عاما منذ ذلك الوقت، ما زلنا نحتفظ بالمهمة ذاتها، الأمر الذي يؤكد أهمية استمرارية المنظمة في ظل غياب حل سياسي فاعل يشمل مستقبل اللاجئين الفلسطينيين. ولذلك وجود المنظمة لا يزال مهما اليوم لمنح خدمات تلبي الحقوق الأساسية للاجئين الفلسطينيين، التي سيتم نسيانها خلافا لذلك.
> هل حان الوقت في رأيك لمراجعة أهداف مهمة «أونروا»؟ وهل ترون أن للمؤسسة «تاريخ انتهاء صلاحية» في ظل مقترح واشنطن للسلام وسحب دعمها أيضا؟
-   مهمة «الأونروا» واضحة جدا، وستظل فاعلة في ظل غياب حل سياسي يشمل حلا عادلا اللاجئين الفلسطينيين. وفي ظل الوضع الراهن، تفكيك نشاطات المنظمة قد يضع اللاجئين الفلسطينيين في أوضاع أكثر سوءا، وهنالك دوما الخطر أن يضحوا من دون وطن يعودون إليه. نسعى في الوقت الراهن لحشد الدعم الدولي بعد قرار الغرب في عام 2018 لإعادة هيكلة المنظمة، وذلك لضمان توصيل الخدمات الأساسية للاجئين في الدول المضيفة. وقد قامت دول مثل اليابان وكندا والاتحاد الأوروبي ودول عربية مثل السعودية والإمارات والكويت بسد بعض الفجوات المالية.، وقامت كل من الدول الخليجية المذكورة بالتبرع ب٥٠ مليون دولار..  وكان عام 2019 أكثر صعوبة. وأولويتي منذ تسلم المنصب هي توفير خدمات مستدامة للاجئين..
> هناك من يقول إن مقترح واشنطن للسلام لا يعترف بحق عودة اللاجئين، ولا يوفر حلا لملف اللاجئين الفلسطينيين يتماشى مع القوانين الدولية والقرارات الأممية. ما موقف المنظمة من هذا المقترح؟ وهل تواصلتم مع الإدارة الأميركية لمناقشته؟
- موقف «الأونروا» يتماشى مع موقف الأمم المتحدة الرسمي الرافض. لم تسنح لي الفرصة بعد بالتواصل مع الإدارة الأميركية، لكنني سأفعل ذلك بالتأكيد.
> هل هنالك خطط للتعاون مع منظمات أممية أخرى في المنطقة؟
- المنظمة مشمولة دائما بنداءات الاستغاثة للتمويل. وفي مجال التعليم على سبيل المثال نعمل دوما بالقرب من منظمات أممية، مثل اليونيسكو واليونيسيف، وعند استجاباتنا الصحية نعمل بقرب مع منظمة الصحة العالمية ومع المنظومات الصحية في الدول المستضيفة.
> ما موقفكم من إعلان واشنطن وقف الدعم عن منظمة الصحة العالمية؟
- أعتقد أن الآن هو الوقت لحشد جميع الدعم للقضاء على العدو (كورونا)، وليس هو الوقت أبدا لزلزلة المنظمة التي تحاربه على خط النار.
> حرصت المنظمة عبر السنين على أن توفر خدمات تنموية مستدامة خصوصا في قطاعي التعليم والصحة. ما خطط «الأونروا» المستقبلية في هذين المجالين؟ هل ستقوم على سبيل المثال بتطوير مناهج خاصة بها؟
- نحرص بالفعل على تقديم تعليم ذي جودة عالية للطلاب، ونتلقى العديد من ردود الفعل الإيجابية. ندرس مناهج الدول المستضيفة في مدارس المنظمة احتراما لهم، ولا ننوي تغيير ذلك الآن.
> يصف بعض سكان قطاع غزة المنظمة «بحكومة غير سياسية موازية»، بما أنها أيضا أقدم من فتح وحماس، ويرى البعض الآخر أن المنظمة تقوم بإقحام خبراء أجانب في شواغر قد تملأها كوادر فلسطينية... ما رأيكم؟
- نفضل دائما الاستعانة بالخبرات الفلسطينية بالمنظمة من اللاجئين عوضا عن الكوادر الأجنبية. لكن في بعض الأحيان نحتاج إلى الخبرة الأجنبية، نحاول دوما التوصل لتوازن. (علما بأن «الأونروا» تتميز بالاعتماد على الكوادر المحلية أكثر من أي منظمة أخرى، فيضم كادرها الذي يصل إلى نحو 30 ألف موظف، 188 موظفا أجنبيا فقط، كما يتسلم الفلسطينيون في المنظمة عديدا من المناصب الإدارية).



حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

حديث عابر للرئيس الأميركي دونالد ترمب عن «تعديل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة» دون أن يوضح تفاصيل ذلك التعديل، أثار تساؤلات بشأن تنفيذ ذلك.

هذا الحديث الغامض من ترمب، يفسره خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بأنه سيكون تغييراً في تنفيذ بنود الاتفاق، فبدلاً من الذهاب لانسحاب إسرائيلي من القطاع الذي يسيطر فيه على نسبة 55 في المائة، ونزع سلاح «حماس»، سيتم الذهاب إلى «البند 17» المعني بتطبيق منفرد لخطة السلام دون النظر لترتيباتها، وتوقعوا أن «المرحلة الثانية لن يتم الوصول إليها بسهولة في ظل عدم إنهاء ملفات عديدة أهمها تشكيل مجلس السلام ولجنة إدارة غزة ونشر قوات الاستقرار».

و«البند 17» في اتفاق وقف إطلاق النار بغزة الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ينص على أنه «في حال أخّرت (حماس) أو رفضت هذا المقترح، فإنّ العناصر المذكورة أعلاه، بما في ذلك عملية المساعدات الموسّعة، ستنفّذ في المناطق الخالية من الإرهاب التي يسلّمها الجيش الإسرائيلي إلى قوة الاستقرار الدولية».

و«وثيقة السلام» التي وُقعت في أكتوبر الماضي بين «حماس» وإسرائيل تناولت فقط النقاط المتعلقة بما يسمى «المرحلة الأولى»، وتشمل الهدنة الأولية وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي، وشروط تبادل الأسرى والمحتجزين، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، فيما لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي بشأن «المرحلة الثانية» المتعلقة بإدارة غزة بعد الحرب.

وأعلن ترمب في تصريحات نقلت، الخميس، أن المرحلة الثانية من خطته للسلام في غزة «ستخضع للتعديل قريباً جداً»، وسط تصاعد القلق من تعثرها وعدم إحرازها تقدماً ملموساً في التنفيذ، دون توضيح ماهية تلك التعديلات.

المحلل في الشأن الإسرائيلي بمركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، يرى أن التعديل الذي يمكن أن يرتكز عليه ترمب للحيلولة دون انهيار الاتفاق كما يعتقد هو اللجوء لـ«البند 17» الذي يرسخ لتقسيم غزة، لغزة قديمة وجديدة، وهذا ما كان يطرحه المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف الشهر الماضي في عدد من لقاءاته.

وأشار إلى أن هذا التعديل هو المتاح خاصة أن الاتفاق أقر في مجلس الأمن الشهر الماضي، ويمكن أن يعاد تفعيل ذلك البند تحت ذرائع عدم استجابة «حماس» لنزع السلاح أو ما شابه، متوقعاً أن يقود هذا الوضع لحالة لا سلم ولا حرب حال تم ذلك التعديل.

رد فعل فلسطينية على مقتل أحد أقربائها في غارة إسرائيلية بخان يونس (أ.ف.ب)

ويرجح المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أنه في ظل عدم توضيح ماهية تعديلات ترمب بشأن المرحلة الثانية، فإن «هناك مخاوف من ترسيخ تقسيم غزة يمكن أن نراها في التعديل مع رغبة إسرائيلية في استمرار بقائها في القطاع، تطبيقاً لما يتداول بأن هذا غزة جديدة وأخرى قديمة».

ووسط ذلك الغموض بشأن التعديل، أفاد موقع «أكسيوس» بأن ترمب يعتزم إعلان انتقال عملية السلام في غزة إلى مرحلتها الثانية، والكشف عن هيكل الحكم الجديد في القطاع قبل 25 ديسمبر (كانون الأول) الجاري. ونقل الموقع، الخميس، عن مسؤولَين أميركيين قولهما إن «تشكيل القوة الدولية وهيكل الحكم الجديد لغزة في مراحله الأخيرة»، متوقعين أن يعقد الرئيس الأميركي اجتماعاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو قبل نهاية ديسمبر الجاري لمناقشة هذه الخطوات.

غير أن الرقب يرى أن المرحلة الثانية أمامها عقبات تتمثل في «عدم تشكيل مجلس السلام وحكومة التكنوقراط، وعدم تشكيل الشرطة التي ستتولى مهامها وقوة الاستقرار، وأن أي تحركات لن ترى النور قبل يناير (كانون الثاني) المقبل».

ولا يرى عكاشة في المستقبل القريب سوى اتساع احتلال إسرائيل للمناطق التي تقع تحت سيطرتها في القطاع لتصل إلى 60 في المائة مع استمرار تعثر تنفيذ الاتفاق دون تصعيد كبير على نحو ما يحدث في جنوب لبنان من جانب إسرائيل.

فلسطينيون يسيرون أمام الخيام الممتدة على طول الشوارع وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا (أ.ف.ب)

وقبل أيام، تحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن هناك خطة إسرائيلية لإعادة توطين نحو مليوني فلسطيني في مناطق جديدة خاضعة لإسرائيل شرق الخط الأصفر، وتفريغ المناطق الخاضعة لسيطرة «حماس» من المدنيين بالكامل، وملاحقة عناصر حركة «حماس» في هذه المناطق تدريجياً. كما نقلت صحيفة «تلغراف» البريطانية، عن دبلوماسيين غربيين أن الخطة الأميركية بشأن غزة تنطوي على خطر تقسيم القطاع إلى جزأين للأبد، ما يؤسّس لوجود قوات الاحتلال بشكل دائم في القطاع المنكوب.

وقبل نحو أسبوع، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في لقاء ببرشلونة مع الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، على وحدة الأراضي الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة ورفض مصر أي إجراءات من شأنها تكريس الانفصال بين الضفة الغربية وغزة أو تقويض فرص حل الدولتين على الأرض.

وأعاد عبد العاطي، التأكيد على ذلك في تصريحات، الأربعاء، قائلاً إنه «لا مجال للحديث عن تقسيم غزة، فغزة هي وحدة إقليمية متكاملة، وجزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية القادمة، جنباً إلى جنب مع الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وهذه هي قرارات الشرعية الدولية وبالتأكيد يتعين الالتزام بذلك»، مؤكداً أنه إلى الآن يجرى التشاور بشأن لجنة إدارة قطاع غزة مع الأطراف المعنية، حتى تتولى هذه اللجنة الإدارية من التكنوقراط مهام العمل على الأرض. وأشار عكاشة إلى أن الجهود المصرية ستتواصل لمنع حدوث تقسيم في قطاع غزة أو حدوث تعديل يؤثر على الاتفاق، لافتاً إلى أن السيناريوهات مفتوحة بشأن التطورات المرتبطة بخطة ترمب.


«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
TT

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد المخصصة لهذه الفئة إلى قنوات تخدم مشروعها العسكري والآيديولوجي.

ومع استمرار انقطاع البرامج الحكومية والدعم الدولي، يجد المعاقون أنفسهم أمام واقع قاسٍ تتضاعف فيه الاحتياجات وتتراجع فيه فرص العلاج والرعاية.

مصادر محلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من ممارساتها التي تستهدف ذوي الإعاقة في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، سواء عبر استغلالهم في فعاليات ومناسبات سياسية، أو من خلال إجبار عشرات الأطفال على حضور دورات تعبئة فكرية تستند إلى خطاب طائفي، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الرعاية الإنسانية.

وتشير المصادر إلى أن ما تبقى من المراكز والمنشآت المتخصصة التي كانت تقدم خدمات طبية وتأهيلية للمعاقين، تحوّل إلى أماكن شبه مهجورة بعد إغلاقات تعسفية ووقف شبه تام للبرامج الفنية والدعم الخارجي، نتيجة استحواذ الجماعة على المخصصات والموارد المالية.

مبنى «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وكشف سكان في صنعاء أن مئات المعاقين فقدوا مصادر دخلهم المحدودة. ومع غياب برامج الدعم، اضطرت كثير من الأسر إلى إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى شوارع المدينة، بحثاً عن أي مساعدة تساهم في تغطية احتياجاتهم الغذائية أو تكاليف العلاج باهظة الثمن.

وتؤكد أسرة تقيم في ضواحي صنعاء أن اثنين من أبنائها من ذوي الإعاقة لم يعودا قادرين على تلقي جلسات العلاج الطبيعي أو الحصول على أجهزة طبية مساعدة، مثل الأطراف الصناعية أو السماعات، بعد ارتفاع أسعارها وغياب الدعم المخصص لهم من «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتضيف الأسرة أن الصندوق ـ الذي كان يعد المتنفس الوحيد لهذه الفئة ـ توقف عن تقديم معظم خدماته التعليمية والتأهيلية، مما أدى إلى حرمان مئات الأطفال من ذوي الإعاقة من حقهم في التعليم المتخصص.

ضحايا بلا رعاية

تقدّر مصادر يمنية حقوقية أن عدد ذوي الإعاقة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يتجاوز 4.5 مليون معاق، بينهم مصابون بإعاقات خلقية، وآخرون نتيجة الحرب التي أشعلتها الجماعة منذ انقلابها. وتؤكد التقديرات أن أكثر من 70 في المائة منهم محرومون من الحصول على أهم الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الكراسي المتحركة، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وبرامج التأهيل المهني.

جانب من زيارة قيادات حوثية لـ«صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» في صنعاء (إعلام حوثي)

وأكد عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً حاداً في الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن الصندوق يستقبل شهرياً نحو 800 حالة جديدة، معظمها تحتاج إلى رعاية طويلة المدى لا يستطيع الصندوق تلبيتها حالياً. وقالوا إن سيطرة الحوثيين على موارد الصندوق وقراراته أدت إلى إيقاف عشرات المراكز وتجميد برامج التأهيل، إضافة إلى تحويل جزء كبير من الدعم لصالح الجرحى والمقاتلين العائدين من الجبهات.

وأشار العاملون إلى أن المساعدات النقدية والأجهزة التعويضية تُمنح بشكل شبه حصري لعناصر الجماعة وجرحاها، في الوقت الذي يُترك فيه آلاف المعاقين المدنيين لمواجهة مصيرهم دون أي دعم.

تعبئة فكرية

وسط هذا الانهيار الإنساني، تواصل الجماعة الحوثية إخضاع عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة في صنعاء لدورات فكرية وتعبوية تحت اسم «دورات توعوية»؛ إذ أفادت مصادر مطلعة بأن الجماعة جمعت خلال الأيام الماضية أطفالاً ومراهقين من تسعة مراكز وجمعيات متخصصة، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وأخضعتهم لمحاضرات تهدف إلى غرس أفكارها العقائدية.

وتقول المصادر إن هذه هي المرة الثالثة منذ مطلع العام التي يتم فيها إخضاع قاصرين معاقين لمثل هذه الأنشطة، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً بين أسر الضحايا، الذين اعتبروا ذلك استغلالاً فجاً لفئة يُفترض حمايتها وتمكينها بدلاً من تجييرها لصالح مشروع سياسي.

ويأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة الانقلاب، إلى مقر الصندوق، وهي زيارة رأى فيها مراقبون محاولة لشرعنة ممارسات الجماعة لا أكثر.

فتيات معاقات لدى مشاركتهن في برنامج تعبوي نظمه الحوثيون في صنعاء (فيسبوك)

ويحذر مختصون اجتماعيون في صنعاء من أن استمرار الإهمال وغياب برامج الدعم قد يدفعان بمزيد من ذوي الإعاقة إلى دوامة الفقر المدقع، ويعمق من معاناتهم الصحية والإنسانية. ويتهمون الجماعة الحوثية بأنها حولت هذه الفئة من مواطنين يحتاجون إلى رعاية إلى وسيلة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي.

ويطالب المختصون المؤسسات الدولية والمانحين بضرورة إعادة تفعيل برامج الدعم والتأهيل وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن تدخّلات الحوثيين، داعين إلى وضع آلية رقابة مستقلة على البرامج الموجهة لذوي الإعاقة.

ويؤكد المختصون أن إنقاذ هذه الفئة يتطلب جهوداً عاجلة، خصوصاً في ظل الانهيار المتواصل للخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوقف التمويل المحلي والدولي عن معظم المراكز.


العليمي يُحذّر من تقويض وحدة القرار السيادي للدولة

جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)
جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)
TT

العليمي يُحذّر من تقويض وحدة القرار السيادي للدولة

جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)
جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)

حذّر رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، رشاد محمد العليمي، من أن أي إجراءات أحادية أو صراعات جانبية داخل المناطق المحررة من شأنها أن تقوّض وحدة القرار السيادي للدولة، وتمنح الجماعة الحوثية المدعومة من إيران فرصة لمراكمة المكاسب على حساب الاستقرار الوطني.

وجاءت تصريحات رئيس مجلس القيادة اليمني قبل مغادرته العاصمة المؤقتة عدن، الجمعة، متوجهاً إلى السعودية لإجراء مشاورات رفيعة مع شركاء إقليميين ودوليين، في ظل تطورات حساسة تشهدها المحافظات الشرقية، وعلى رأسها حضرموت.

وأكّد العليمي في تصريحات رسمية التزام المجلس والحكومة بنهج الشراكة الوطنية، والمسؤولية الجماعية في استكمال مهام المرحلة الانتقالية، بموجب مرجعياتها المتفق عليها، وفي المقدمة إعلان نقل السلطة، واتفاق الرياض.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (إعلام حكومي)

كما أكّد مسؤولية الدولة وحدها عن حماية مؤسساتها الوطنية، وصون مصالح المواطنين، والحفاظ على وحدة القرار السيادي، ورفض أي إجراءات أحادية من شأنها منازعة الحكومة، والسلطات المحلية صلاحياتها الحصرية، والإضرار بالأمن والاستقرار، وتعميق المعاناة الإنسانية، أو تقويض فرص التعافي الاقتصادي، والثقة المتنامية مع المجتمع الدولي.

وقال رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني: «إن معركة استعادة مؤسسات الدولة، وإنهاء انقلاب الميليشيات الحوثية الإرهابية، وتنفيذ برنامج الإصلاحات الاقتصادية، ستظل في صدارة الأولويات الوطنية». وحذّر من أن أي انشغال بصراعات جانبية، لا يخدم سوى المشروع الإيراني، وأدواته التخريبية، ومضاعفة معاناة اليمنيين، وفق ما نقلته عنه وكالة «سبأ» الرسمية.

تغليب مصلحة حضرموت

وأشاد العليمي في تصريحاته بجهود السعودية التي قادت إلى التوصل لاتفاق التهدئة الأخير في محافظة حضرموت (شرق)، مؤكداً أهمية الالتزام الكامل ببنود الاتفاق، والبناء على هذه الجهود الحميدة، وتغليب مصلحة حضرموت وأبنائها، بوصفها ركيزة أساسية للاستقرار في اليمن، والمنطقة.

كما جدد دعمه الكامل لقيادة السلطة المحلية والشخصيات والوجاهات القبلية في قيادة مساعي الوساطة، والتسريع بإعادة الأوضاع إلى سابق عهدها، وتمكين أبناء حضرموت من إدارة شؤونهم المحلية، إنفاذاً لتعهدات مجلس القيادة، وخطته لتطبيع الأوضاع في المحافظة.

مظاهرة في صنعاء حيث العاصمة اليمنية المختطفة دعا إليها زعيم الجماعة الحوثية (أ.ب)

ووجّه العليمي في هذا السياق، قيادة السلطة المحلية في محافظة حضرموت، والجهات المعنية في الحكومة بتشكيل لجنة تحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني، والأضرار التي طالت المواطنين، والممتلكات العامة والخاصة، خصوصاً في مديريات الوادي والصحراء، واتخاذ ما يلزم لجبر الضرر، وعدم إفلات المتورطين من العقاب.

كما دعا رئيس مجلس القيادة اليمني جميع المكونات الوطنية إلى نبذ الخلافات، والتحلي بأعلى درجات المسؤولية، وتوحيد الصف في مواجهة التحديات، وإسناد الحكومة للوفاء بالتزاماتها الحتمية، وجعل مصلحة المواطنين، وكرامتهم الإنسانية، فوق كل اعتبار.