جديد «كان» بين المطرقة والسندان

الحلول صعبة والتوقعات كبيرة

«باراسايت» (الطفيلي) حصد السعفة و250 جائزة أخرى
«باراسايت» (الطفيلي) حصد السعفة و250 جائزة أخرى
TT

جديد «كان» بين المطرقة والسندان

«باراسايت» (الطفيلي) حصد السعفة و250 جائزة أخرى
«باراسايت» (الطفيلي) حصد السعفة و250 جائزة أخرى

كان من المفترض أن نكون على بعد شهر من إطلاق الدورة الجديدة من مهرجان «كان» السينمائي.
جميع أهل السينما وقممها من فنانين ومنتجين وإداريين كانوا سيؤدون ذلك التقليد السنوي المتكرر: يحطون في مطار نيس. تحملهم سيارات المهرجان إلى فنادقهم. يدخلونها ويصعدون إلى شققهم. يتمددون ويحلمون بمشاغل اليوم التالي.
والمشاغل دائماً ما كانت كثيرة وأوقاتها مفتوحة من الساعة الثامنة صباحاً حتى الثالثة بعد منتصف الليل. هناك أفلام للمشاهدة ليلاً أو نهاراً. هناك اجتماعات وعقود لنيل التواقيع. هناك ممثلون وممثلات ينتظرون أدوارهم لترويج ما قاموا به من أفلام أو ما سيقومون به. موزعون يتسابقون على إبرام الصفقات. حسب أحدهم: «أشاهد عشر دقائق من كل فيلم لا أكثر لأنه إذا ما كان جيداً أريد أن أسبق سواي لشرائه وإذا لم يكن ليس هناك داعياً لمشاهدته أساساً».
للعاملين في الإنتاج والتوزيع وشتّى أمور الترويج تم إنشاء سوق كبيرة تمتد في ثلاثة مواقع تحيط بقصر العروض: واحد تحت القصر وآخر إلى يمينه والثالث إلى يساره. مكاتب و«ستاندات» ومئات الموظفين والعاملين وألوف الداخلين والخارجين والكثير من الحفلات الإعلامية.
والحفلات كانت بدورها لا تنتهي ومن الليلة الأولى للأخيرة. ولا تأتي هذه الحفلات في تتابع منفرد، بل تشهد كل ليلة من ليالي المهرجان ثلاث حفلات كبيرة وما لا يُحصى من تلك الصغيرة.
- سؤال الـ32 مليون يورو
السعادة كانت من نصيب القادمين بأموالهم من الخارج وأصحاب الشقق المفروشة والفنادق والعاملين في الخدمات العامة وسائقي التاكسيات وأصحاب المحلات المستحوذين على هذه الأموال. مشرّدون في الشوارع الخلفية لكن الزائر ليس عليه أن يمر بهم إذا ما كان على مقربة من قصر المهرجان ومن الشارع الرئيسي الممتد ما بين فندق مارتينيز وفندق ماجستيك والقصر المواجه له.
المقاهي والمطاعم وتلك الفنادق تعيش ازدهارها المثالي في كل عام. كيف لا ومطابخها لا تتوقف عن العمل ولا صناديق إيداع الإيرادات؟
وفوق كل ذلك، لديك أهل القمة: رؤساء ومديرو المهرجان وأقسامه ومظاهراته، والإعلاميون الفرنسيون الآتون بجيوشهم من التقنيين لنقل الوقائع والابتسام دوماً لكل مشاهد فرنسي محتمل.
- كل هذا وسواه تلاشى هذا العام.
وتلاشيه ليس نسبة لنشوب حرب عالمية ثالثة (كما حدث في الدورة التأسيسية للمهرجان عندما ابتلعت ألمانيا بولندا في الأول من سبتمبر (أيلول) 1939 ولا لخلاف داخلي بين إدارات المهرجان أو تبعاً لفقدان التمويل (32 مليون يورو كل سنة)، بل لانتشار مرض غريب قضى على عشرات ألوف الناس في عموم فرنسا وأصبح من المستحيل إقامة عرض سينمائي واحد ناهيك عن مهرجان بحجم كان.
وكما ذكرنا في مقال سابق، حاول «كان»، في بداية المحنة، بث الأمل في أن الدورة الثانية والسبعين ستقام في موعدها، ثم تخلّى عن ذلك الموعد واعداً بإقامته في نهاية الشهر السادس أو مطلع الشهر السابع.
هذا قبل أن يضطر المهرجان، في مطلع هذا الأسبوع للإعلان عن إلغاء الدورة بكاملها وعدم برمجتها من قبل أن تنتهي أزمة كورونا برمتها.
الحال المؤسف ليس شذوذاً عن المتوقع. كل نشاطات الحياة العادية أُلغيت أو تأجلت لم لا يمكن القبول بلجوء المهرجان الفرنسي العتيد لأحد هذين المصيرين؟ كيف كان سيبدو الوضع لو أقيم المهرجان ولم يأته أحد؟
لكن سؤال المليون دولار (أو الـ32 مليون يورو في حسبان ميزانية المهرجان) هو إذا ما كان المهرجان سيفضل العودة، كما يأمل مديره العام تييري فريمو، مباشرة بعد تلاشي الوباء أو سيتم إلغاء دورة 2020 برمّتها؟
لم يجب المكتب الصحافي لمهرجان «كان» على رسالة بعثت بها وحملت هذا السؤال ضمن استفسارات أخرى، والغالب أنه لا يملك جواباً يستطيع توفيره على نحو محدد. هذا ما يفتح كلا الاحتمالين على نحو متوازٍ: إما أن يتم عقد الدورة 72 في تاريخ لاحق من هذه السنة أو ينضوي العام من دون دورة ولأول مرّة منذ سنة 1968 عندما غزته السياسة متمثلة بالثورة الثقافية الفرنسية التي وقعت في ذلك العام.
يفضّل مدير المهرجان فريمو أن يعقد المهرجان دورته في زمن لاحق. لكن هذا لن يكون فعلاً سهلاً على الإطلاق، وذلك لبضعة أسباب أهمها البحث عن الموعد المتاح لإقامة مهرجان بمثل هذا الحجم.
الاختيارات محدودة. لدينا مهرجان فينيسيا على أبواب الشهر التاسع من هذه السنة. إذا ما استطاع مهرجان «كان» تدبير موعد إقامته في مطلع الشهر السابع تجنباً للاصطدام مباشرة مع المهرجان الإيطالي الذي يوازيه أهمية، فإن ذلك سيكون عملية محشورة تضر بالمهرجانات الأخرى التي تقام في تلك الآونة في أوروبا أهمها لوكارنو وسراييفو. هذا مع حسبان أن الضرر قد يصيب الدورة ذاتها على أكثر من نحو.
وإذا آخر موعد إقامته لما بعد فينيسيا، فإن المهرجان الإيطالي سينال بالتأكيد سبق الفوز وسينجز ضعف ما سينجزه من نجاح فني وإعلامي. هذا لجانب تعارض الموعد اللاحق مع مهرجانات كبيرة أخرى مثل لندن وسان سابستيان وبوسان.
أما إذا أقيم في الوقت ذاته فسينافس مهرجانان ضخمان آخران هما فينيسيا، كما تقدّم، ومهرجان تورونتو، ومن المستبعد أن يأتي ذلك التنافس بأي نتيجة إيجابية للمهرجان الفرنسي، فالعديد من السينمائيين لديهم تفضيلهم لمهرجان فينيسيا الذي يتميّز بنبرته الفنية خالصة من هموم التوزيع التجاري ونشاطاته، والكثير من السينمائيين، منتجين ومخرجين وممثلين، يفضلون التوجه إلى مهرجان تورونتو لأنه الباب الواسع لدخول السوق الأميركية بأسرها.
كل هذا يأتي في أعقاب دورة العام الماضي وما نتج عنها من نجاح تمثّـل معظمه في حقيقة أن فيلم «باراسايت» (الطفيلي) الكوري (الجنوبي) لم يكتف بفوزه بسعفة مهرجان «كان» بل انطلق ليفوز بأكثر من 250 جائزة عالمية من بينها 4 أوسكارات وبضعة عشر جائزة رئيسية من محافل أخرى.
هذا وضع «كان» على المحك من جديد بعد مرور بضع سنوات أمّن فيها منافسه الأول، فينيسيا، إيصال أفلامه الفائزة إلى محافل الجوائز السينمائية الأولى حول العالم.
التداعيات الحاصلة أصابت المظاهرات المصاحبة للمسابقات الرسمية فأسبوع النقاد، الذي تم إطلاقه أول مرة سنة 1962 تم إلغاؤه كذلك مظاهرة «نصف شهر المخرجين» التي توالت منذ إطلاقها أول مرّة سنة 1969.
لكن «كان» سيكون حاضراً على الإنترنت… ليس كأقسام رئيسية وعروض أفلام عادة ما تمر على الشاشة الرئيسية، بل على صعيد السوق التجارية التي ستنطلق، كما تقرر، في الثاني والعشرين من يونيو (حزيران). سيوفّر ملايين الدولارات على جيوب الموزّعين والمنتجين، لكن حتى هذا الحل لا يبدو كما لو أنه سيثمر عن نجاح كبير.


مقالات ذات صلة

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

شمال افريقيا «الصحة» المصرية تنفي رصد أمراض فيروسية أو متحورات مستحدثة (أرشيفية - مديرية الصحة والسكان بالقليوبية)

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

نفت وزارة الصحة المصرية رصد أي أمراض بكتيرية أو فيروسية أو متحورات مستحدثة مجهولة من فيروس «كورونا».

محمد عجم (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أظهر المسح الجديد تراجعاً في عدد الأطفال الصغار المسجلين في الدور التعليمية ما قبل سن الالتحاق بالمدارس في أميركا من جراء إغلاق الكثير من المدارس في ذروة جائحة كورونا (متداولة)

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

أظهر مسح أميركي تراجع عدد الأجداد الذين يعيشون مع أحفادهم ويعتنون بهم، وانخفاض عدد الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الدور التعليمية في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.