جهاز المناعة... أقوى الدفاعات ضد «كورونا»

جهاز المناعة... أقوى الدفاعات ضد «كورونا»
TT

جهاز المناعة... أقوى الدفاعات ضد «كورونا»

جهاز المناعة... أقوى الدفاعات ضد «كورونا»

يعتبر فيروس كورونا «كوفيد - 19» من الأمراض البيئية الوبائية المتميزة مثله مثل العديد من الأمراض الأخرى «إيبولا» و«سارس» و«كورونا الشرق الأوسط» والعديد من الأمراض الأخرى. وتوجد على سطح الكرة الأرضية مليارات الفيروسات أغلبها غير ممرض تقدر نسبتها بحوالي 94 في المائة والقليل منها الممرض. ويستفاد منها في إعادة تدوير المواد العضوية في البحار.
تحدث إلى «صحتك» الدكتور مجدي بن حسن الطوخي استشاري الصحة العامة والأمراض المعدية والمستشار بالهيئة العامة للأرصاد وحماية البيئة – مستعرضا عددا من الحقائق العلمية – من أن الفيروسات تصيب كل شيء حي وأن الإنسان يستنشق ويأكل الملايين منها ويحمل أيضا جينات فيروسية تعتبر جزءا من الجينات البشرية. وكمثال فإن ملعقة من ماء البحر تحمل ملايين الفيروسات، ويوجد في مياه المحيطات 1030 باكتريوفاج Bacteriophages وهي الفيروسات التي تغزو البكتيريا وتعيش بداخلها. وحجم تلك المعادلة مماثل لحجم جميع الفيلة في العالم الآن. وتصيب عائلة فيروسات Calciviruses مثلا الحيتان في المحيطات، ولو انتقلت هذه الفيروسات إلى الإنسان لسببت له اضطرابات معوية. ويقول بعض الخبراء ومنهم البروفسور كاننغهام أستاذ وبائيات الحياة البرية بجمعية الحيوان البريطانية إن أحد أسباب انتشار كورونا حاليا أو سابقا هو تدخل الإنسان وتعكيره صفو الحياة الطبيعية للخفافيش أو الثعابين أو حيوان قط الزباد، بالإضافة إلى السرعة الفائقة في انتقال الإنسان عبر الطائرات والوسائل الأخرى.
- من الخفاش إلى الإنسان
> كيف يحدث التناغم بين الفيروسات التي تحتضنها الحيوانات ومنها الخفافيش وتعيش معها في وئام وسلام؟
- يجيب الدكتور مجدي الطوخي بأن الخفاش، وهو الحيوان الثديي الوحيد القادر على الطيران لمسافات بعيدة محتضنا العديد من الفيروسات، فخلال طيرانه الطويل بحثاً عن الغذاء والعودة مرة ثانية، تنشط لديه الدورة الدموية ويرتفع الضغط والحرارة وتتولد الحمى - والتي تحارب أي ارتفاع في نشاط الفيروس، ويحدث ذلك مرتين يومياً عند الطيران لإحضار الطعام، فبهذا السلوك يصبح الجهاز المناعي للخفافيش قويا جداً ويجعل الفيروسات والأمراض في جسم الخفافيش في حالة كمون وتعايش سلمي.
> كيف ينتقل الفيروس من الحيوان (الخفاش) إلى الإنسان ثم إلى العالم أجمع؟
- يجيب الدكتور مجدي الطوخي أنه لكي نفهم هذه الميكانيكية العجيبة يجب أن نفهم طبيعة تلك الحيوانات، فنأخذ مثلا الخفافيش، التي تحتضن العديد من الفيروسات والأمراض، ومن بين أنواعها خفافيش الفاكهة Fruit bats بالتحديد التي تُعتبر العائل الطبيعي لفيروس «إيبولا» الذي ينتقل إلى عائل وسيط كالقرود أو الكلاب ثم إلى الإنسان كما نجد أن خفافيش حدوة الحصان Horse shoe أو Rhinolopus هي العائل الطبيعي لفيروس كورونا «سارس» الذي ينتقل إلى قط الزباد Civit كعائل وسيط ثم إلى الإنسان. أما كورونا الحالية «COVID - 19» فما زالت، في أغلب الأحوال، خفافيش حدوة الحصان هي العائل الطبيعي للفيروس الذي ينتقل إلى آكِلِ النمل الحرشفي Pangolins كعائل وسيط ثم ينتقل إلى الإنسان كعائل نهائي.
> متى تأتي المشاكل؟
- تأتي عند انتقال الفيروس من الحيوان إلى حيوان آخر أو للإنسان. يعتقد العلماء أن حبس وتقييد حرية الحيوانات ومن ضمنهم الخفافيش في أقفاص لمدد طويلة يؤدي لاضطراب الجهاز المناعي فتقل فعاليته ويصبح غير قادر على مقاومة الفيروس فيخرج الفيروس من جسم الخفاش إلى الإنسان عند أول اختلاط أو تلامس وهذا ما حصل في سوق مدينة ووهان بالصين حيث تبقى الحيوانات في أقفاص لمدد طويلة تمهيدا لبيعها فيتولد الضيق والضغط على الحيوان وبالتالي يصبح الفيروس أكثر نشاطاً وعرضة للخروج وإصابة الإنسان أو أي حيوان آخر بمجرد الملامسة أو الأكل.
- تغلغل الفيروس
> كيف يدخل الفيروس إلى الخلية؟
- يوضح الدكتور مجدي الطوخي أن الفيروسات ما هي إلا جسيمات أو طفيليات تحت مجهرية تتألف من غلاف بروتيني (كابسيد) ومادة نووية هي القلب أو المخ للفيروس إما DNA أو RNA يحيط بها من الخارج مجموعة من البروتينات وهي تعتبر العضلات للفيروس. وكل بروتين له مهمة معينة حسب طبيعة وتكوين وشراسة الفيروس، بعضها موجه للجسم جميعه بدءا من الجهاز المناعي بهدف السيطرة عليه ثم إحداث انهيار كامل ونزيف حاد ثم الوفاة، والبعض الآخر مثل فيروس HIV يسيطر على الجهاز المناعي، والبعض الثالث مثل COVID - 19 موجه إلى الجهاز التنفسي وبالأخص الرئتين ليسيطر على الحويصلات الهوائية Alveoli ويشل الجهاز التنفسي بأكمله.
تتكون على السطح الخارجي للفيروس مجموعة من المسامير أو النتوءات Spikes تحمل بداخلها بروتينات متعددة منها بروتين سكري Glycoprotein يسمى (RBP) Receptor binding protein ومهمته الالتصاق على سطح الخلية والنفاذ والانصهار من خلال اختراق المستقبلات وهي من نوع ACE2)Angiotensin converting enzyme 2) مثل ما يحصل بين القفل والمفتاح. وعند نفاذ الفيروس داخل الخلية يبدأ حمض النواة الريبوزي RNA الخاص بالفيروس بالسيطرة على DNA الخلية ويبدأ جينوم الفيروس بالتكاثر داخل الخلية بعد السيطرة عليها. والجينوم الواحد يمكن أن ينتج حوالي 40 جينوما بالتكاثر العددي ويبدأ بالخروج من الخلية المصابة ليصيب خلية أخرى سليمة. وهكذا تتكرر العملية آلاف المرات حتى يسيطر الفيروس على الجسم إلا إذا كان الجهاز المناعي للشخص المصاب قويا وجيدا ويفرز أجساما مضادة تستطيع مهاجمة ومقاومة الفيروس والتغلب عليه.
> ماذا يصيب مرض كوفيد - 19 فئات من الناس أكثر من غيرهم وقد تكون إصابتهم قاتلة؟
- يجيب الدكتور مجدي الطوخي بأن فيروس كوفيد - 19 يمكن أن يُصيب الأشخاص من جميع الأعمار. ويبدو أن كبار السن والأشخاص المصابين بحالات مرضية سابقة الوجود (مثل الرَبْو، وداء السُكَّريّ، وأمراض القلب والسرطان) هم الأكثر عُرضة للإصابة لضعف جهاز المناعة لديهم.
وفي ظل عدم وجود علاج ناجع أو لقاح واقٍ ضد فيروس كورونا المستجد لحد الآن، فلا يزال الأطباء والباحثون يراهنون على قدرة الجسم البشري على التصدي للمرض القاتل، طالما أن جهاز المناعة لديهم سليم وصحيح.
- جهاز المناعة
يؤكد الدكتور مجدي الطوخي أن علم المناعة هو من أحدث العلوم الطبية الأساسية وأسرعها تطورا علـى الإطلاق كما أن التداخل المتعاظم لعلم المناعة في معظم أو جميع النظم والاختصاصات الطبية ودوره الهام في تشخيص كثير من الأمراض رفع من أهمية هذا العلم وجعل معرفته ضرورية للجميع.
ومنذ مطلع القرن العشرين بدأ تطور العلوم البيولوجية والتقنيات المستخدمة بها وتوجه الباحثون نحو إجراء التجارب المناعية لفهم الاستجابة المناعية والتعرف على نوعية الأضداد. فبمساعدة الأضداد بشكل عام والأضداد وحيدة النسيلة بشكل خاص أمكن تشخيص الكثير من الأمراض والوقاية منها ومعالجتها بشكل ناجع وخاصة الأمراض الخمجية التي تعتبر المسـبب الأساسي للوفيات في العالم ولا سـيما في بلدان العالم النامي. ومع أن السـيطرة على هذه الأمراض معقدة جدا، إلا أن قدرة الجهاز المناعي على التعامل مع الخمج هي قدرة لافتة للنظر، لا سـيما حينما تدعمها تقنيات اللقاحات الحديثة.
ويكمن سر اللقاحات في وجود الذاكرة الاستثنائية للجهاز المناعي، فهذا الجهاز لا يسـتطيع التعرف على الدخيل وتخريبه فحسب وإنما يستطيع أن يتذكره لعقود من الزمن ولذلك فإن الجسم يستجيب بإنتاجه أضدادا وخلايا تائية (مناعية) تتمكن في نهاية الأمر من التخلص من أي دخيل للجسم. ولقد استخدمت أنواع مختلفة من اللقاحات كالجراثيم أو الفيروسات أو الطفيليات الحية أو الميتة أو المضعفة. إلا أن استخدام التقنيات الجزيئية في تصنيع اللقاح زادت مـن نوعية اللقاح وفعاليته وخاصة عند استخدام مجموعة من البروتينات وهي الأضداد Polyclonal Antibody أو استخدام بروتين محدد وهي الأضداد وحيدة النسـيلة Monoclonal Antibody موجهة نحو الجزء الفعال من الجسم الغريب أو الدخيل فيحيده مما يساعد على درء المرض.
ويتألف جهاز المناعة من ثلاثة عناصر، هي:
- الأعضاء: وهي على نوعين: أعضاء مركزية (نخاع العظام والغدة الصعترية «غدة التيموس» Thymus gland)، وأعضاء خارجية أو محيطية (العقد اللمفاوية والطحال ولويحات باير Peyer’s patches).
- المواد الذائبة، وهي: الأضداد Antibodies - المتممات Complement - الليمفوكينات Lymphokins.
- الخلايا، وهي: الخلايا البلعمية الكبيرة - الخلايا البيضاء اللمفاوية - الخلايا البيضاء المعتدلة - الخلايا البيضاء الحامضية - الخلايا البيضاء الأساسية.
- أقسام المناعة
أما عن أقسام المناعة، فيقول الدكتور مجدي الطوخي أن المناعة تنقسم إلى قسمين رئيسيين، طبيعية ومكتسبة:
> أولا: المناعة الطبيعية. هي المناعة التي يمتلكها الإنسان قبل ولادته ويرثها من أبويه ولذلك تسمى بالمناعة الخلقية أو المتأصلة أو الغريزية، وهي مناعة عامة لا تختص بنوع معين من الكائنات الحية الممرضة ولذلك تسمى بالمناعة غير النوعية Non - specific Immunity وهي التي تحمي الجسم ضد غزو كل الكائنات والمواد الغريبة عنه بشكل عام دون تخصص وتؤمن له حماية غير محددة حيث تمنع دخول العديد من مسببات الأمراض للجسم كالبكتيريا والفيروسات والطفيليات وغيرها، وتقوم بذلك عبر عدة تقنياتٍ دفاعية كالعوائق الملموسة مثل الجلد، والعوائق الكيميائية مثل البروتينات المضادة للميكروبات التي تؤذي أو تدمر الأجسام الغريبة في الجسم والخلايا التي تهاجم الجسم والتي تحمل عوامل التهابية. هناك عدة عوامل تؤثر في المناعة الطبيعية وهي التأثير الوراثي؛ والعمر؛ والغدد الصم؛ والتأثير الهرموني؛ والتأثير الغذائي.
> ثانيا: المناعة المكتسبة. هي مناعة يتم اكتسابها خلال حياة الكائن الحي بعد تعرضه للأمراض، وتتميز مكوناتها بالعمل بطريقة انتقائية ومتخصصة إذ أن كل خلية أو جسيم تابع لها يستطيع العمل ضد عامل ممرض واحد ووحيد وخلافا للمناعة الطبيعية التي تتشابه عند بعض الأفراد ضد نوع معين فإن الاستجابة المناعية المكتسبة تختلف من فرد لآخر وفق عامل الحصانة المناعية المكتسبة التي مر بها جسم كل شخص على انفراد وبحسب الأمراض التي تعرض لها خلال حياته. هناك ميزة أخرى تضاف للحصانة المكتسبة ألا وهي القدرة على إنتاج ذاكرة مناعية. ويشمل جهاز المناعة المكتسبة الخلايا اللمفاوية من نوع B، T المستضدات. ويوجد نوعان من المناعة المكتسبة، هما:
- المناعة المكتسبة طبيعيا: وهي المناعة التي تظهر في الجسم بعد شفائه مـن مرض معد نتيجة تعرضه لجرثومة معينة لأول مرة، مثل: الجدري؛ الكوليرا؛ الحصبة، وتُقسم إلى قسمين هما المناعة الفاعلة Active والتي يكسبها الجسم نتيجة إصابته بخمج جرثومي معين ويتم تكوين وإفراز أضداد نوعية Antibodies ضد هذه الجراثيم كالمناعة التي يكتسبها الشخص عند إصابته بالعدوى لأول مرة بمرض السل أو الحصبة، والمناعة المنفعلة Passive التي يكسبها الجسم نتيجة دخول الأضداد الجاهزة إليه دون أن يقوم هو بتشكيلها، كالمناعة التي يكتسبها الطفل الوليد مـن أمه عـن طريق المشيمة أثناء الحمل، والمناعة التي يكتسبها الرضيع من الأم عن طريق الرضاعة.
- المناعة المكتسبة صناعيا: وهي المناعة التي تظهر في الجسم بعد تلقيحه أو حقنه بالأمصال بقصد رفع مقاومته للمرض مثل اللقاح ضد الجدري، وتُقسم إلى قسمين هما المناعة الفاعلة Active والتي يكتسبها الجسم نتيجة إدخال جراثيم معينة ميتة أو مضعفة بالتطعيم أو اللقاح بأضداد نوعية كالمناعة التي يكتسـبها بعد تلقيحه ضد تحفـز الجسم على تكوين مرض الكزاز أو مرض السل، والمناعة المنفعلة Passive والتي يكتسبها الجسم نتيجة تزويده بالأضداد الجاهزة صناعيا التي تحتوي على الأضداد النوعية المستخرجة من عائل آخر. كالمناعة التي يكتسبها ضد مرض التهاب الكبد الفيروسي أو مرض الدفتيريا أو داء الكلب.
وعن دور الخلايا اللمفاوية في المناعة، يضيف الدكتور الطوخي بأن الخلايا اللمفاوية تستجيب للتنبيه المناعي ويكون لها دور كبير في حدوث استجابة مناعية خلطية أو خلوية، وتنتشر هذه الخلايا في الأعضاء اللمفاوية وتتحرك مع الدم واللمف وهي على درجة عالية من التخصص، وتُصنف إلى مجموعتين متميزتين هما: الخلايا اللمفاوية البائية B - Lymphocytes: والخلايا اللمفاوية التائية.
- استشاري طب المجتمع


مقالات ذات صلة

«فقيه» تختتم أعمال مؤتمرها الثالث باتفاقيات نوعية لمشروعات واعدة

عالم الاعمال «فقيه» تختتم أعمال مؤتمرها الثالث باتفاقيات نوعية لمشروعات واعدة

«فقيه» تختتم أعمال مؤتمرها الثالث باتفاقيات نوعية لمشروعات واعدة

اختتمت مجموعة «فقيه» للرعاية الصحية، الأربعاء، أعمال مؤتمرها السنوي الثالث، الذي عقد بمشاركة نخبة من الخبراء السعوديين والدوليين المتخصصين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
صحتك النوم خلال اليوم قد يشير إلى أنك معرّض لخطر أكبر للإصابة بالخرف (أرشيفية - رويترز)

النوم خلال اليوم قد يشير إلى ارتفاع خطر إصابتك بالخرف

إذا وجدت نفسك تشعر بالنعاس خلال اليوم، أثناء أداء أنشطتك اليومية، فقد يشير ذلك إلى أنك معرَّض لخطر أكبر للإصابة بالخرف، وفقاً لدراسة جديدة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق جانب من «مؤتمر الطبّ التجميلي» الذي استضافته الرياض (الشرق الأوسط)

جراحات التجميل للرجال في السعودية... إقبالٌ لافت لغايات صحّية

احتلّت السعودية عام 2023 المركز الثاني عربياً في عدد اختصاصيي التجميل، والـ29 عالمياً، في حين بلغ حجم قطاع الطبّ التجميلي فيها أكثر من 5 مليارات دولار.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
صحتك بعض الأطعمة يسهم في تسريع عملية الشيخوخة (رويترز)

أطعمة تسرع عملية الشيخوخة... تعرف عليها

أكدت دراسة جديدة أن هناك بعض الأطعمة التي تسهم في تسريع عملية الشيخوخة لدى الأشخاص بشكل ملحوظ، داعية إلى تجنبها تماماً.

«الشرق الأوسط» (روما)
الخليج النسخة السابقة من القمة شهدت توقيع 11 اتفاقية تعاون مع جهات عالمية (وزارة الحرس الوطني)

انطلاق «قمة الرياض العالمية للتقنية الحيوية الطبية» الثلاثاء

يرعى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان النسخة الثالثة من «قمة الرياض العالمية للتقنية الحيوية الطبية» التي تنطلق أعمالها يوم الثلاثاء المقبل.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

7 معلومات عن أنواع جراحات شرايين القلب التاجية وطرقها

7 معلومات عن أنواع جراحات شرايين القلب التاجية وطرقها
TT

7 معلومات عن أنواع جراحات شرايين القلب التاجية وطرقها

7 معلومات عن أنواع جراحات شرايين القلب التاجية وطرقها

تظل العبارة الذهبية طبياً: «النهج العلاجي الأفضل هو إجراء ما هو ملائم ومفيد للمريض». كما تبقى السمة الأبرز للتوصية في اختيار المقاربات الجراحية هي: «تخصيص الإجراء للمريض، بدلاً من (تخصيص) المريض وفقاً للإجراء».

تصميم نهج المعالجة

ولذا؛ عند التعامل العلاجي مع واقع الحالة المرضية القلبية، فإن «الشيء يُبنى على مقتضاه». ويتم النظر أولاً إلى المعطيات الصحية لدى المريض، وجوانب عدة من الحالة المرضية لديه، ثم عليها يُبنى تصميم نهج المعالجة.

وما يحاول طبيب القلب فعله هو «تدوير الزوايا الحادة» التي تفرضها أمراض القلب على صحة المريض في المديين المنظور والبعيد. وكلما تناقصت «حدة الزوايا» المرضية تلك، ارتفعت فرص تحسين جودة الحياة اليومية والتوقعات المستقبلية لدى المرضى. وهو ما يتم تطبيقه بدقة عند النظر في معالجة أمراض شرايين القلب التاجية.

وعلى الرغم من الاعتماد الأساسي على «المعالجات التحفظية» Conservative Management بالأدوية وتبني السلوكيات الصحية في نمط عيش الحياة اليومية، فإن ذلك قد لا يُفلح في بعض حالات أمراض شرايين القلب المتقدمة، لتخفيف أو إزالة عبئها المرضي على سلامة القلب ومعاناة المريض منها. وهو الأمر الذي يضطر الطبيب إلى الاستعانة إما بالمعالجات التدخلية Invasive Management من خلال القساطر التي تصل إلى داخل القلب، أو الاستعانة بالتدخل الجراحي المباشر، لإعادة أوضاع حالة القلب إلى النصاب الذي يُمكّن المريض من تجاوز الانتكاسات الصحية وعودته إلى ممارسة حياته الطبيعية بأقصى قدر ممكن.

جراحات القلب والشرايين التاجية

ودون الحديث عن المعالجات الجراحية لأمراض صمامات القلب أو العيوب الهيكلية أو العيوب الخلقية في القلب، إليك المعلومات التالية عن الجراحات القلبية لأمراض الشرايين التاجية الأكثر شيوعاً:

1. جراحة القلب. هي أي عملية جراحية تتضمن القلب أو الأوعية الدموية المتصلة به مباشرة. وتُجرى لتصحيح مشاكل القلب وتحسين طريقة عمله، حينما تكون الجراحة هي الطريقة الأفضل أو الوحيدة لذلك.

ويعتمد نوع جراحة القلب التي يخضع لها المريض، على المشكلة القلبية الأساسية أو مجموعة المشاكل القلبية لديه. وهي جراحة معقدة، وتتطلب عمل فريق طبي واسع، ذي خبرة متخصصة. وهي أيضاً حدث رئيسي في حياة المريض، يمنحه فرصة جديدة تماماً للحياة.

وفي كل عام، يخضع أكثر من مليونَي شخص حول العالم لجراحة القلب المفتوح لعلاج مشاكل القلب المختلفة، وخصوصاً الشرايين التاجية. لكن يظل مصطلح «جراحة القلب» مبهماً لدى المرضى في جوانب عدة منها، وخصوصاً مع التطورات المتلاحقة فيها. والأهم، مع اختلاف تفضيلات جراحي القلب للمقاربات الجراحية عند التخطيط لطريقة إجراء العملية، وفق معطيات مختلفة لدى كل مريض على حدة. وهذا ما يجعل ذكر «جراحة القلب» مثيراً للتوتر، وربما التخوف والتحاشي، لدى بعض المرضى. وما يثير أيضاً تساؤلات عن دواعي اختلاف طرق إجرائها على الرغم من أن الخطوط الرئيسية لإجراء الأنواع المختلفة من عمليات القلب، واضحة في الخطوات والمسارات الرئيسية.

2. فريق طبي متمرس. يتطلب النجاح في جراحة القلب وجود فريق طبي متجانس مارس عدداً كبيراً من الحالات، من أجل الوصول إلى أفضل النتائج. وتتنافس مراكز القلب في تكوين هذا الفريق الذي يضم أطباء تشخيص وعلاج ومتابعة أمراض القلب لمرحلة ما قبل الجراحة، ثم فريق غرفة العمليات المكون من الجراحين والتقنيين واختصاصيي التخدير، ثم فريق مرحلة ما بعد الجراحة المكون من أطباء الرعاية الحرجة، وطاقم الرعاية الصحية المساعدة خلال ما بعد العملية إلى حين الخروج من المستشفى. وبعد أن يغادر المريض المستشفى، هناك فريق أطباء القلب لضمان استمرار المتابعة في تقديم الرعاية القلبية.

وقبل الجراحة، يطلب طبيب القلب إجراء فحوص واختبارات عدة، لتحديد نوع جراحة القلب التي تناسب المريض بشكل أفضل. واعتماداً على مشكلة القلب لدى المريض والمعطيات الصحية الأخرى لديه، يقرر جراح القلب الطريقة التي سيُجري بها الجراحة، وفق احتياج معالجة المريض. ثم يتولى عرض الأمر بتفاصيله على المريض لأخذ الموافقة المشفوعة بالعلم منه.

طرق جراحية لإصلاح القلب

3. في العموم، يمكن علاج الكثير من أمراض القلب بإحدى الطرق الجراحية الملائمة. وإضافة إلى معالجة أمراض الشرايين التاجية، ثمة ما يلي من العلاجات الاخرى:

- إصلاح أو استبدال صمامات القلب التي تضبط تدفق الدم عبر حجرات القلب

- إصلاح الهياكل غير الطبيعية أو التالفة في أجزاء عدة من القلب

- إصلاح العيوب الخلقية في أجزاء مختلفة من القلب والأوعية الدموية الكبيرة المتصلة به

- إصلاح تمدد الأوعية الدموية (انتفاخات في جدران الشرايين)

- زرع أجهزة طبية تساعد في التحكم في ضربات القلب أو أجهزة دعم وظيفة القلب وضمان تدفق الدم

- استبدال القلب التالف بقلب سليم من متبرع (زراعة القلب)

وكما هو الحال مع أي نوع من الجراحة التي تشمل القلب، هناك بعض المخاطر. وبالنسبة للكثير من الأشخاص، تكون نتائج جراحة القلب ممتازة. ويمكن لجراحة القلب تقليل الأعراض وتحسين نوعية الحياة وتحسين فرص البقاء على قيد الحياة. لكن تكون المخاطر أعلى عموماً إذا أجريت الجراحة في حالة طارئة (كعلاج نوبة قلبية). وأيضاً تكون المخاطر أعلى مع تواجد أمراض مرافقة عميقة التأثير صحياً (مرض السكري، ضعف الكلى، أمراض مزمنة في الرئتين، وغيرها).

جراحة الشرايين التاجية

4. معالجة مرض شرايين القلب التاجية جراحياً. وهي تُسمى جراحة «التخطي» Heart Bypass Surgery أو «مجازة الشريان التاجي» CABG. ومرض القلب التاجي يحدث عندما لا تستطيع الشرايين التاجية Coronary Arteries توصيل ما يكفي من الدم، الغني بالأكسجين، إلى القلب.

واعتماداً على مدى خطورة حالة المريض وأعراضه، يُلجأ إلى التدخل الجراحي. وللتوضيح، يُحاول أطباء القلب التعامل مع تضيقات أو انسدادات الشرايين التاجية، إما بالعلاج الدوائي، أو بالعلاج التدخلي من خلال القسطرة لتركيب دعامات معدنية تضمن تدفق الدم من خلال تلك الشرايين. وعندما لا يُفلح الأمر، أو لأن التضيقات ذات طبيعة من الصعب التغلب عليها بالدعامات، يتم اللجوء إلى الجراحة، ويتم أيضاً تحديد الطريقة الأفضل للمريض في إجراء الجراحة.

وهذا أمر يُناقشه أطباء القلب وأطباء جراحة القلب، ثم يُعرض على المريض ما يستقر عليه الرأي الطبي في معالجة شرايين القلب التاجية لديه. وفي هذه الجراحة تُستخدم الأوعية الدموية السليمة المأخوذة من جزء آخر من الجسم، وتُربط بالأوعية الدموية أعلى وأسفل الشريان المسدود أو المتضيق بشدة. وهذا يوفر طريقاً جديدة لتدفق الدم، تتجاوز مناطق الضيق أو السدد. والأوعية الدموية المُستخدمة، عادة ما تكون شرايين إما موجودة داخل القفص الصدري أو شرايين مأخوذة من الساعد، أو أوردة مأخوذة من الساقين. وثمة طرق عدة لإجراء عملية شرايين القلب، كما سيأتي.

طرق جراحة القلب المفتوح

5. جراحة مجازة الشريان التاجي التقليدية، وتسمى أيضاً جراحة القلب المفتوح بشق الصدر Open-Heart Surgeries. ويُجري الجرَّاح في العادة شقاً طويلاً في منتصف الصدر، يشمل الجلد وطول عظمة «القص» الأمامية Sternum Bone. ثم يفتح الجرَّاح القفص الصدري للكشف عن القلب والعمل عليه مباشرة.

وفي الطريقة الأولى للجراحة، يتم وبعد فتح الصدر، وبالتزامن إيقاف عمل القلب مؤقتاً بفعل البوتاسيوم والأدوية وتبريد القلب، وتشغيل جهاز مضخة القلب والرئة Heart Lung Machine. وهذا الجهاز يعمل على ضخ الدم للجسم (عند الإيقاف المتعمد للقلب) بشكل مؤقت (خلال العملية فقط)؛ كي يحافظ على تدفق الأكسجين إلى كل أنحاء الجسم أثناء الجراحة. ويطلق على هذه الطريقة الأولى للجراحة، جراحة مجازة الشريان التاجي بالمضخات On-Pump.

وبعد انتهاء الجراحة في القلب نفسه، يعيد الجراح إلى القلب قدرة النبض عبر الإنعاش، وهو ما يأخذ بعض الوقت. ثم يوقف جهاز مضخة القلب والرئة الخارجي بالتدرج، وفق تدرج عودة القلب إلى سابق قوته. ثم تبدأ مرحلة الإقفال الجراحي، حيث يستخدم الجرَّاح خيطاً جراحياً معدنياً لإغلاق عظم الصدر (الذي يظل طوال العمر تحت الجلد في الجسم بعد التئام العظم). ثم يتم إقفال فتحة الجلد الطويلة بخيط قابل للامتصاص أو الإزالة لاحقاً. وعادةً، تستغرق جراحة مجازة الشريان التاجي من ثلاث إلى ست ساعات تقريباً.

وتتوقف مدة جراحة القلب المفتوح على عدد الشرايين المسدودة، وإذا ما كان ثمة صمامات قلبية تحتاج إلى الزراعة.

أما الطريقة الثانية، فهي إجراء جراحة مجازة الشريان التاجي «دون مضخة» Off-Pump. وهي خطوات جراحة القلب المفتوح نفسها مع عدم استخدام آلة لضخ الدم، وإبقاء القلب ينبض بشكل طبيعي. وهي أحد أنواع جراحات القلب النابض. لكن هذا النوع من الجراحة قد يكون صعباً، بسبب استمرار القلب في الحركة، على الرغم من استخدام الجراح آلة لتثبيت القلب. وهي ليست من الخيارات المناسبة لكل المرضى، لأسباب عدة.

الجراحة بالمنظار أو الروبوت

6. جراحة بالمنظار. وهذه هي الطريقة الثالثة، وهي إجراء جراحة مجازة الشريان التاجي من النوع «الأقل توغلاً» Minimally Invasive، بالمنظار أو بشكل مباشر. وهنا لا يتم إجراء شق الصدر من الأمام بفتحة كبيرة وشق عظمة القص الأمامية. أي لا تنطوي هذه الطريقة على كسر العظام أو إحداث شق جلدي كبير في أمام الصدر. بل يتم إجراء شقوق جراحية صغيرة جانبية، غالبا صغيرة وربما أحدها أكبر، وفق متطلبات طرق متعددة في هذا النهج الجراحي. ثم قد تتم الجراحة المباشرة أو الجراحة بالمنظار.

وعادة تكون «دون مضخة» الجهاز القلبي الرئوي، وفي أحيان أخرى باستخدام المضخة عبر فتحات شريانية ووريدية من مناطق أخرى من الجسم. ويُتم جراح القلب إجراء الخطوات الجراحية المطلوبة لعلاج الشرايين التاجية المريضة. لكن من الضروري التنبه إلى أن جراحات القلب «الأقل توغلاً»، لا تلائم، أو ليس بالإمكان إجراؤها لكثير من حالات أمراض القلب التي تتطلب الجراحة، للكثير من الأسباب التقنية والأسباب المرضية لدى المريض. وهذا جانب تتم مناقشته مع المريض. ويظل الأساس أن بالعمليات «الأقل توغلاً» تصبح المدة الإجمالية للإقامة في المستشفى أقصر. كما تصبح مدة استخدام جهاز التنفس الاصطناعي أقصر، ويقل معها ألم ما بعد العملية، وتتدنى كمية النزيف الدموي بشكل كبير، وتقل احتمالية الإصابة بعدوى، واحتمالات الإصابة باضطراب عابرة في إيقاع نظم نبض القلب بعد الجراحة. وتقل أيضاً مدة البقاء في وحدة العناية المركزة.

وكذلك، فإن هذه الطريقة أفضل من الناحية التجميلية الخارجية لحجم ندبة الجرح. ويبلغ إجمالي مدة الإقامة في المستشفى نحو ثلاثة أيام. وتتحسن جودة الحياة بشكل عام، مع إمكانية العودة إلى العمل في وقت أسرع (العودة في غضون أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع من الجراحة).

7. جراحة الروبوت. والطريقة الرابعة هي إجراء جراحة مجازة الشريان التاجي بمساعدة الروبوت. والروبوتات هي أحدث ما توصلت إليه الجراحات «الأقل توغلاً». لكن كونها الأحدث لا يعني تلقائياً أنها الأفضل للمريض، أو أنها مناسبة لكل مريض، أو أنها الأفضل في النتائج قريبة وبعيدة المدى، مقارنة بالطرق الجراحية الأخرى.

والروبوت في الحقيقة مكوّن من ثلاث أذرع، تمثل امتداداً ليد الجراح، وذراع رابعة تمثل كاميرا تنقل الصورة داخل الصدر إلى شاشة وحدة التحكم أمام الجراح. ويتطلب النجاح في جراحة القلب الروبوتية وجود فريق متجانس، والأهم أنه مارس عدداً كبيراً من الحالات، من أجل الوصول إلى أفضل النتائج. ويقوم بالعملية جراحان اثنان غالباً. أحدهما بجانب طاولة العمليات، والآخر أمام وحدة التحكم.

وثمة دواعٍ محددة لقدرة إجراء عمليات جراحة مجازة الشريان التاجي روبوتياً. وهناك كثير من المرضى الذين لا يمكنهم الخضوع لجراحة القلب الروبوتية. وخصوصاً عندما يكونون في حاجة إلى إجراءات متعددة، كمجموعة من جراحة المجازة التاجية والصمامية، فإن هذا قد يفوق قدرة الروبوت. ويُشار إلى أن المرضى الذين خضعوا لجراحة قلبية سابقة، أو الذين خضعوا لعملية سابقة تتضمن شقّاً في الجانب الأيسر من الصدر، قد لا يكونون مؤهلين أيضاً للخضوع للجراحة باستخدام الروبوت في الوقت الحالي. وقد لا يكون المرضى المصابون بزيادة الوزن أو السمنة المفرطة أو أمراض مزمنة ومؤثرة على وظائف الرئة أو أمراض الأوعية الدموية الطرفية الشديدة، مؤهلين لإجراء هذه العمليات أيضاً لأسباب عدة. وتختلف المراكز الطبية العالمية في قدرات الفريق الجراحي في كل منها، في إجراء أنواع محددة من الجراحات القلبية.